لماذا لا يلجأ العراقيون إلى أطباء النفس؟.. أسباب وحقائق واحصائيات
انفوبلس/..
لا يزال الطب النفسي في العراق رهنًا للعادات والتقاليد المجتمعية المتوارثة منذ مئات السنين، إذ يشكّل الخجل والخوف أحد أبرز الأسباب التي تمنع المرضى من الذهاب إلى الأطباء المتخصصين بهذا المجال.
اعتبار الذي يعانون من أمراض نفسية هم متلبسون بالسحر والشعوذة يعتبر من أسباب بعد الناس عن الأطباء النفسيين
وفي العام 2021، قالت منظمة الصحة العالمية، إن واحدًا من كل 4 عراقيين يعاني من هشاشة نفسية في بلد يوجد فيه ثلاثة أطباء نفسيين لكل مليون شخص، في مقابل 209 أشخاص في فرنسا مثلًا.
أسباب وحقائق
ويقول نصيف الحميري، الطبيب الاستشاري الخاص بالأمراض النفسية في مدينة الطب، إنّ "هناك تخوفًا اجتماعيًا يمنع العراقيون من الذهاب إلى أطباء النفس"، مبينًا أن "العراقيين يتحرجون من زيارة هذا النوع من الطب كون أن المعتقد الشائع، أن الأشخاص الذين يعانون من أمراض نفسية هم مجانين".
ويوضح الحميري، أنّ "الاعتقاد الآخر الذي يمنع الأشخاص من الذهاب إلى المعالجة النفسية هو اعتبار الذي يعانون من هكذا أمراض هم (ملبوسون) بالسحر والشعوذة"، مشيرًا إلى أنّ "سيطرة الأفكار الخرافية على عقول العراقيين هو ما يمنع انتشار هذا الطب في البلاد".
ووفقًا لكلام الطبيب المتخصص، فإنّ العديد من المرضى النفسيين يتجنبون الحديث عن مرضهم، خوفًا من تحولهم إلى منبوذين في المجتمع، مبينًا أنّ "العراق يعتبر من الدول المتأخرة في مجال الطب النفسي على كافة الأصعدة".
ويتابع الحميري، قائلًا إنّ "السنوات الأخيرة شهدت تحسنًا بأعداد المرضى الذين يتوجهون صوب الأطباء النفسيين، مستدركًا "لكن إلى الآن لا يزال المعالج الروحاني هو الأكثر انتشارًا في العراق"، مضيفًا أنّ "هؤلاء المعالجين هم دجالون يحتالون على الناس بهدف سحب العديد من الأموال من دون أي معالجة حقيقية على أرض الواقع".
وأبرز أسباب انتشار ظاهرة الانتحار ـ بحسب الحميري ـ يعود إلى "عدم وجود الثقافة الكافية لزيارة أطباء النفس الذين يعملون وفق تخصصهم على إعادة تأهيل الأشخاص نفسيًا".
ويشهد العراق على مدار السنوات الماضية، تسجيل عشرات حالات الانتحار، فيما تؤكد وزارة الداخلية أن 772 حالة انتحار سجلت خلال العام 2021، وهي أكثر بنحو 100 حالة عن العام الماضي.
ضغوط اجتماعية
الباحثة الاجتماعية، نادية جعفر، تقول، إنّ "الشخصية العراقية بالعادة معقدة بسبب المفاهيم والأساليب التي نشأت عليها من ناحية الفهم الخاطئ للكثير من العادات الصحية".
وتضيف الباحثة الاجتماعية، أنّ "العراقيين بصورة عامة يخجلون من الذهاب إلى الطبيب النفسي رغم احتياجهم الشديد لهكذا نوع معالجة".
لكنّ الضغوط والعادات المجتمعية، ـ والكلام لجعفر ـ هي أبرز الأسباب التي "تقف وراء انتشار ثقافة الطب النفسي في العراق، داعية في ذات الوقت إلى "الاهتمام بتوعية المجتمع على هكذا أنواع من الطب".
ووفقًا لتقرير منظمة الصحة العالمية، فإنّ إنفاق العراق على الصحة النفسية لا يتجاوز 2% من ميزانيته للصحة، ما يعني أنّ البلاد تعاني من نقص حاد في أعداد الأطباء والمعالجين النفسيين.
يرى مختصون أنّ الذهاب إلى المعالج الروحاني يعتبر أكثر مقبولية من زيارة الطبيب النفسي في العراق
وبحسب تقديرات المتخصصين غير الرسمية، فإنّ نسبة الأمراض النفسية في العراق، تطال أكثر من 18% من السكان في عموم المحافظات، ما يعني أنّ عدد العراقيين الذين يعانون من الأمراض النفسية هو أكثر من 7 ملايين شخص.
السينما هي السبب
كمال الخيالي، أستاذ علم النفس في جامعة بغداد، يقول من جانبه، إنّ "الصورة النمطية حولت المريض الذي يذهب إلى الطبيب النفسي إلى مجنون، وهي تعتبر سائدة في المجتمع العراقي"، موضحًا أنّ "السينما المصرية وتصويرها للمرضى النفسيين هي من رسخ هذا المفهوم لدى العراقيين".
وبحسب حديث الخيالي، فإنّ العادات الاجتماعية في العراق تنص على أن العائلة التي تسجل وجود مريض نفسي، تكون منبوذة وتشهد انقطاعًا، ويصل حتى إلى عدم الزواج منهم، خوفًا من أن يعانوا الأطفال من نفس المرض.
ويضيف الخيالي، أنّ "الذهاب إلى المعالج الروحاني يعتبر أكثر مقبولية من زيارة الطبيب النفسي الذي يكون له أساليب علاج علمية أكثر"، مؤكدًا أنّ "هناك تحسنًا ملحوظًا خلال السنوات السابقة بشأن مقبولية وجود الأطباء النفسيين في حياة العراقيين".
ويشير الأكاديمي إلى أنّ "قانون المهن الصحية في العراق يحتاج إلى تعديل يسمح للمعالج النفسي بالعمل على علاج المرضى على غرار دول العالم".
العادات الاجتماعية في العراق تحول العائلة التي تسجل وجود مريض نفسي إلى منبوذة
وتفتقر الحكومة العراقية منذ العام 2003، إلى إحصائية دقيقة للأشخاص الذين قد يعانون من أزمات أو أمراض نفسية، وسط غياب الاهتمام الحقيقي بملف الطب النفسي في العراق.