ما بين العربون والعيب الخفي وشروط التمليك.. قراءة قانونية موسعة في أحكام النكول عن العقود
انفوبلس/ تقارير
تتزايد النزاعات المدنية في محاكم العراق، لاسيما تلك المتعلقة بما يُعرف بـ”النكول عن البيع”، وهو إخلال أحد أطراف العقد بالتزاماته بعد الاتفاق، سواء برفض تسليم المبيع أو التراجع عن دفع الثمن. هذا السلوك لا يُعد مجرد خلاف تجاري، بل يحمل تبعات قانونية قد تصل إلى فسخ العقد والتعويض، ما يدفع القضاء العراقي إلى النظر بدقة في مثل هذه القضايا، مستندًا إلى مواد قانونية راسخة تعالج حالات النكول في البيع والإيجار وسائر المعاملات المدنية.
ما هو النكول؟
يُعد النكول من القضايا الشائعة في محاكم البداءة العراقية، وهو مصطلح قانوني يشير إلى امتناع أحد المتعاقدين عن تنفيذ التزاماته، سواء تعلق الأمر بتسليم المبيع أو سداد الثمن. ويترتب على هذا الامتناع آثار قانونية، منها المطالبة بالتعويض أو اللجوء إلى إجراءات قضائية أخرى حسب نوع العقد.
اللجوء إلى القضاء
القاضي عيسى مالح، نائب رئيس محكمة استئناف ديالى، يقول في حديث له تابعته شبكة انفوبلس، إن “النكول بالبيع هو تخلٍّ أحد الطرفين عن التزاماته التعاقدية، وفي هذه الحالة يمكن للطرف المتضرر اللجوء إلى القضاء لتنفيذ العقد أو المطالبة بالتعويض”.
ويؤكد القاضي مالح، أن “للعقود التي يُنكَل عن تنفيذها أحكام قانونية واضحة، وتمنح المتضرر حق المقاضاة والتعويض”.
العربون.. بين الضمان والجزاء
في حال دُفع العربون وتم النكول عن الصفقة، تختلف النتيجة بحسب الطرف الذي تراجع.
وبهذا الصدد، يؤكد القاضي مالح: “إذا تراجع المشتري يخسر العربون عادة، أما إذا نكل البائع، فعليه إعادته، ويحق للمشتري استرداده إذا كان هناك عيب في السلعة أو أخل البائع بالشروط المتفق عليها”.
ضمان العيب في المبيع
عند وجود عيب في السلعة، يملك المشتري خيارين، كما يوضح القاضي مالح: “إما الاحتفاظ بالمبيع مع المطالبة بتعويض، أو إرجاعه واستعادة الثمن”.
ويشترط القانون أن يكون العيب خفياً، مؤثراً، وموجوداً وقت التسليم. أما في حال كان العيب ظاهراً أو معلوماً للمشتري، فلا يُلزم البائع بضمانه.
ويضيف القاضي مالح: “إذا هلك المبيع المعيب عند المشتري، يتحمل هو الخسارة، ويُعوض فقط بنقصان الثمن، أما إذا تصرف بالمبيع بعد علمه بالعيب، فيسقط حقه في الضمان”، مستندًا إلى المواد (559 – 563) من القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951.
نكول العقارات والشركات
ينطبق حكم النكول أيضًا على العقارات والشركات، وبهذا الشأن يقول القاضي مالح: “سواء تعهد أحد الأطراف بنقل الملكية أو غير ذلك، فإن إخلال أحدهم بالتزامه يستوجب التعويض، ويُحتسب الفرق بين قيمة العقار أو الشركة وقت التعهد ووقتها عند النكول، بالإضافة لأي ضرر آخر وفق المادة 1127 من القانون المدني”.
ويبيّن، أن “الأضرار التي تلحق بالطرف المتضرر تشمل فقدان فرص البيع أو الشراء بسعر أفضل، أو تكبّد خسائر مالية بسبب التأخير في إتمام الصفقة”.
النكول في عقود الإيجار
النكول لا ينحصر في البيع، بل يشمل الإيجار أيضاً، لكن بأحكام مختلفة، وهنا يوضح القاضي مالح بالقول: "عقود الإيجار تخضع لشروط خاصة، ويتوقف مصير العربون فيها على هدف دفعه، سواء كان كضمان لتنفيذ العقد أو كجزاء للعدول عنه.
ويتابع، "لا يوجد نص قانوني صريح يُنظّم العربون، بل يُلجأ إلى المبادئ العامة والمادتين 92 و1127 من القانون المدني”.
دور القضاء في إثبات التملك
يشير القاضي مالح إلى أن “القاضي المختص في دعاوى التملك ينظر في أهلية المشتري، ويستند إلى عقد البيع ومستندات إثبات الحيازة.
ويكمل، "كما ان القاضي يُراجع استيفاء العقد للشروط القانونية مثل توصيف العقار وسعره وتاريخ التوقيع”.
بطلان العقود بسبب الغش
من بين القضايا التي ترد للمحاكم، كما يوضح القاضي مالح، “عقود البيع المشوبة بالغش والتدليس، حيث قد يحكم القضاء ببطلان العقد إذا ضلل أحد الأطراف الآخر بشأن حالة العقار أو ملكيته”.
كما يشدد على أن “عقود بيع عقارات الدولة التي تتم دون موافقة رسمية تُعد باطلة، إذ يُحظر التصرف بأموال الدولة من دون موافقات الجهات المختصة”.
النكول في ضوء القانون المدني
من جانبه، يؤكد القاضي سمير رياض العبيدي، قاضي أول محكمة بداءة العمارة في ميسان، أن “المادة 177 من القانون المدني العراقي وأحكام القرار 1198 لسنة 1977 المعدل تعالج قضايا النكول عن البيع”.
ويقول العبيدي في حديث له لصحيفة القضاء وتابعته شبكة انفوبلس: إن “النكول يترتب عليه آثار قانونية منها فسخ العقد والمطالبة بالتعويض في حال توفر المقتضى، خصوصًا في العقود الملزمة للجانبين”.
النكول واسترداد العربون
يشير العبيدي إلى أنه “في حال نكول البائع، يمكن إقامة دعوى لاسترداد العربون أو إعادة الأموال إلى وضعها قبل التعاقد، سواء تعلق الأمر بعقارات أو منقولات.
ويُعد النكول عدولاً عن البيع ويحق للطرف المتضرر المطالبة بالتعويض بعد فسخ العقد”.
عقود الإيجار حالة خاصة
يختم العبيدي بالتأكيد على أن “النكول في عقد الإيجار لا يخضع لأحكام البيع، إذ أن لكل عقد شروطه الخاصة. وإذا نكل أحد الطرفين، يمكن للآخر المطالبة بفسخ العقد والتعويض”.
يتضح مما سبق، أن أحكام القضاء العراقي تؤكد أن النكول عن العقود سواء في البيع أو الإيجار ليس مجرد تصرف عابر، بل يخضع لرقابة قضائية مشددة، ويترتب عليه التزامات قانونية وتعويضات قد تكون جسيمة، بحسب الضرر الذي يترتب على الطرف المتضرر.