ما غاية هيئة النزاهة من حجب أسماء المسؤولين المتهمين بالفساد؟.. انفوبلس تعيد تعريف أبرز المُطاح بهم بالأسماء
انفوبلس/ تقرير
تتعمد هيئة النزاهة الاتحادية، عند أصدر بيانات استقدام المسؤولين والمطلوبين بقضايا فساد أو اختلاس أموال، حجب أسمائهم وتقتصر الى ذكر صفاتهم سواء كانوا مسؤولين معروفين أو شخصيات غير معروفة، دون إيضاح الغاية من وراء ذلك الأمر، ويسلط تقرير شبكة "انفوبلس" الضوء على الهدف من ذلك الفعل وإعادة تعريف أبرز المُطاح بهم بالأسماء.
*تذكر صفاتهم وتحجب أسماءهم
تصدر عن هيئة النزاهة الاتحادية، بشكل يومي بيانات صحافية توزَّع على وسائل الإعلام المحلية والدولية، تخص فساد الشخصيات الحكومية والوزارية والمسؤولين، فضلا عن شبكات التزوير واختلاس الأموال سواء كان من مسؤولين أو شركات استثمارية، وقضايا الرشى، تقتصر على ذكر صفاتهم دون التطرق إلى أسمائهم، الأمر الذي أثار استغراب المتابعين والمختصين.
وتُثار الانتقادات بين الحين والآخر للبيانات الصادرة من الجهات المكافحة للفساد بالعراق لأنها تخلو من ذكر أسماء الفاسدين والمتورطين في نهب المال العام، ما يجعلها "غامضة" وليست مثار اهتمام العراقيين الذي ينتظرون كشف ملفات الفساد وفضح المتورطين، أمام الملأ كي يكونوا عبرة، وفق مراقبين.
وتستخدم هيئة النزاهة تعابير "سائبة"، مثل (وزير أسبق، مدير عام سابق، محافظ سابق) على البيانات التي تفيد بتورط وزراء ونواب ومديرين ومسؤولين بملفات فساد كبيرة، فضلا عن البيانات التي تفيد بصدور أوامر استقدام لأعضاء في مجلس النواب للدورة الحالية والدورات السابقة بتهمة الرشوة.
وفي السياق ذاته، تقول النائبة الكردية سروة عبد الواحد عبر تويتر، إنه يُفترض بهيئة النزاهة حين تنشر خبراً عن فساد ما، تسميةُ الفاسدين بأسمائهم، ولو كان غير دقيق فلا داعي لذكر الصفة دون الاسم. مضيفةً: النائب الذي أخذ الرشوة يُفترض الإفصاح عن اسمه، وإلا فإن كل أعضاء البرلمان عليهم علامة استفهام الآن.
وتساءل الناشط سيفان برواري عبر تويتر: لماذا لا تقوم هيئة النزاهة باستكمال الإجراءات القانونية بحق الفاسدين أو مَن تُسجَّل عليه علامات فساد، لماذا لا تذكر الأسماء؟.
واعتبر المتابع للشأن العراقي سبهان الحسين، أن أغلب هذه الأخبار تستخدم للتسقيط السياسي وإلا ماذا يعني الاستقدام، فهو يعني استفهاما وقد يكون مذنبا أو يكون بريئا. مضيفا: يُفترض بالهيئة أن تعطي أسماء مَن تم الحكم عليهم فقط.
لكن في وقت سابق، قال النائب السابق جاسم محمد جعفر، إن "قيام النزاهة باستقدام بعض الأشخاص لا يعني أن هناك جريمة أو تهمة موجهة للأشخاص الذين تم استدعاؤهم". لافتا الى أن "هيئة النزاهة لا تذكر الأسماء التي تقوم باستدعائها لأن طرح الاسم والإعلان عنه قد يُسقِط هذا الشخص خاصة في ظل الجو الإعلامي المشحون وقد يتسبب بحرج كبير له ولعائلته والمقربين منه".
وبين، إن "الشخص المُستدعى سيُعلَن عنه في حال صدور قرار قضائي بعد إثبات الجريمة أو الذنب الذي ارتكبه الشخص، حيث إن عدم ذكر الشخص المستدعى في بادئ الأمر يمثل خطوة جيدة".
فيما تحدث مصدر مسؤول في هيئة النزاهة لـ"انفوبلس"، عن الهدف من وراء هذا الفعل، وقال إن "سبب حجب الأسماء هو من أجل سير التحقيق مع الشخص المعني دون ضغوط سواء كانت حكومية أو سياسية".
*انفوبلس تعيد تعريف أبرز المُطاح بهم بالأسماء
خلال السنوات السابقة، أطاحت هيئة النزاهة الاتحادية، بالعديد من المسؤولين والوزراء المتهمين بقضايا فساد دون ذكر أسمائهم ولعل أبرزها قضية "سرقة الأمانات الضريبية"، التي كُشف عنها في أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2022.
ونستعرض لكم في هذا التقرير أبرز المُطاح بهم بالأسماء:
*سرقة القرن
بداية شهر أيار/ مايو الماضي، أعلنت هيئة النزاهة أن القضاء أمر باعتقال 4 مسؤولين سابقين في حكومة مصطفى الكاظمي بتهمة "تسهيل الاستيلاء" على 2.5 مليار دولار من أموال الأمانات الضريبية، في إطار ما أُطلق عليه بـ "سرقة القرن".
وفي حين لم يذكر بيان لجنة النزاهة أسماء المشتبه بهم، لكن مصدر بالهيئة، ذكر أن "هؤلاء هم: الوزير السابق علي علاوي، ورائد جوحي مدير مكتب رئيس الوزراء السابق، والسكرتير الخاص أحمد نجاتي، والمستشار مشرق عباس".
وبعدها، قالت الهيئة إنه تم اعتقال متهم آخر بقضية سرقة القرن، دون ذكر اسمه، لكن مصدر سياسي مطلع أفاد بأن "قوة أمنية تابعة الى الهيئة العليا لمكافحة الفساد تمكنت من اعتقال وتوقيف النائب السابق هيثم الجبوري، وذلك بعد اعترافات نور زهير صاحب شركة (الأحدب) والمتهم الرئيسي بـ(سرقة القرن) للسلطات القضائية.
وتتمثل "سرقة القرن" باختفاء مبلغ 3.7 تريليون دينار عراقي (نحو مليارين ونصف المليار دولار) من أموال الأمانات الضريبية، وتم الكشف عنها من قبل عدة جهات معنية قبل نحو شهرين من انتهاء فترة حكم الحكومة السابقة برئاسة مصطفى الكاظمي.
* فساد التسجيل العقاري في الانبار
لا تزال قضية "مجزرة أراضي الأنبار" تلقى تفاعلاً واضحاً للوصول إلى تفاصيل دقيقة حولها، وكشف جميع ملابساتها والمتورطين بها والجهات الداعمة والواقفة خلفها، وسط محاولات لتمييع القضية أو تسويتها أو تصفيتها بطرق شتى.
وفي وقت سابق، أعلنت هيئة النزاهة الاتحادية تنفيذها عملية "كبرى واستثنائية" بمديرية التسجيل العقاري في الأنبار وأسفرت عن القبض على مديرها والعديد من المسؤولين فيها بتهمة التلاعب والتزوير في أضابير تمليك عشرات الآلاف من الأراضي، وكذلك دون ذكر أسمائهم.
لكن مصادر محلية كشفت لـ"انفوبلس" وقتها، أن "المتهمين كلٌّ من المتهم علاء محمد حسين مدير التسجيل العقاري، والمتهم حسام محمد كاظم، والمتهم أحمد محمد صبري، والمتهم محمد صبري محمود، والمتهم حارث محمد حسين، والمتهم عادل محمد حسين، وكذلك المتهم الأول "أحمد كامل طناش".
* فساد وزير النفط العراقي السابق
لا تزال تتواصل حالات الكشف عن الفساد التي ارتُكبت في زمن الحكومة السابقة برئاسة مصطفى الكاظمي، ومن بينها فساد وزير النفط إحسان عبد الجبار، إذ أصدرت بحقه محكمة جنايات الفساد أمر استقدام، بسبب ما قالت عنه "التربّح من أعمال وظيفته".
وفي نهاية تشرين الأول من العام 2022، أعلنت عضو في مجلس النواب العراقي أن على وزير النفط السابق، إحسان عبد الجبار، لدى محاكم النزاهة 68 ملفاً متعلقاً بالفساد المالي والإداري وهدر المال العام، وطالبت عدداً من الجهات ذات العلاقة بإصدار قرار منعه من السفر إلى الخارج، موضحة أن "الإضرار بالمال العام في قطاع النفط بقيمة 825 مليار دولار هو واحد من الملفات التي تورط فيها".
وفي تقرير مؤشّر مدركات الفساد لعام 2022 الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، صُنف العراق من بين أكثر الدول فساداً، إذ حلّ في المرتبة السابعة عربياً و157 عالمياً من بين 180 دولة مدرَجة على قائمة المنظمة، وهي الدرجة التي حافظ عليها العراق منذ عقدين تقريبا.
وتفيد الأرقام بأن حجم الأموال المنهوبة من العراق تجاوزت الـ 300 مليار دولار، في حين بين تقرير صادر عن وكالة الأنباء العراقية الرسمية أن المبلغ الكلي وصل إلى 360 مليار دولار، وكان رأي للجنة المالية في البرلمان العراقي مغايرا، وتحدّث عن 450 مليار دولار.
*ماذا تعرف عن هيئة النزاهة؟
هيئة مستقلة، تخضع لرقابة مجلس النواب، لها شخصية معنوية واستقلال مالي وإداري، ويمثلها رئيسها أو مَن يخوله.
وتعمل على المساهمة في منع الفساد ومكافحته، واعتماد الشفافية في إدارة شؤون الحكم على جميع المستويات، عن طريق التحقيق في قضايا الفساد طبقا لأحكام هذا القانون، ومتابعة قضايا الفساد التي لا يقوم محققو الهيئة بالتحقيق فيها، وتنمية الثقافة في القطاعين العام والخاص تقدر الاستقامة والنزاهة الشخصية واحترام اخلاقيات الخدمة العامة، واعتماد الشفافية والخضوع للمساءلة والاستجواب، عبر البرامج العامـة للتوعية والتثقيف، واعداد مشروعات قوانين في ما يساهم في منع الفساد أو مكافحته، إلزام المسؤولين فيها بالكشف عن ذممهم المالية، وما لهم من أنشطة خارجية واستثمارات وموجودات وهِبات أو منافع كبيرة قد تؤدي إلى تضارب المصالح، وإصدار تنظيمات سلوك تتضمن قواعد ومعايير السلوك الأخلاقي لضمان الأداء الصحيح والمشرف والسليم لواجبات الوظيفة العامة، وإعداد السياسة العامة لمكافحة الفساد، والقيام بأي عمل يساهم في مكافحة الفساد أو الوقاية منه.
والقيام بأي عمل يساهم في مكافحة الفساد أو الوقاية منه بشرطين:-
أ- أن يكون ذلك العمل ضروريا ويصب في مكافحة الفساد أو الوقاية منه.
ب- أن يكون فاعلا ومناسبا لتحقيق أهداف الهيئة.
ويشكل مجلس النواب لجنة مؤلفة من 9 أعضاء من لجنة النزاهة والقانونية لاختيـار ثـلاثة مرشحين لمنصب رئيس الهيئة، كما يصادق مجلس النـواب علـى أحـد المرشـحين بالأغلبيـة المطلقـة لعـدد أعـضائه. ورئيس الهيئة بدرجة وزير يُعيَّن لمدة خمسة سنوات.
في غضون ذلك، ترى العديد من الأوساط السياسية والاقتصادية في العراق أن طموحات رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني بمحاربة الفساد تقف أمامها العديد من المطبات السياسية والاقتصادية في آن معاً، فرغم أن السوداني يحظى بتأييد برلماني يزيد على 250 نائبا (من مجموع 329 نائبا في البرلمان) صوتوا لصالح توليه منصبه فإن هؤلاء النواب يتبعون كتلا سياسية وأن التحرك ضد الفساد قد يضر بمصالحهم.