ماذا تعرف عن التسوّل الالكتروني في العراق؟
أنفوبلس/..
أخذت طرق التسول حيزًا جديدًا في العراق، فبعد أن كان المتسولون يجوبون الشوارع بحثًا عن الأموال، باتوا يتخذون من مواقع التواصل الاجتماعي بوّابة حديثة للحصول على الأموال عبر الحالات الإنسانية التي تعج بها البلاد جراء الحروب والأزمات السياسية المتوالية.
تصل أعداد العاطلين عن العمل في العراق إلى 4 ملايين
وتشهد مواقع التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة انتشار منشورات مرفقة بصور ومقاطع فيديو تطالب بمساعدات مالية لحالات مرضية وإنسانية عن طريق التبرّع بـ"كارتات تعبئة الهواتف"، أو التحويلات المادية، الأمر الذي أصبح يثير عواطف الناس الذين بدورهم يساعدوهم دون تردد، لكنّ انتشار هذه الظاهرة بشكل متسارع خلال الفترة الماضية أطلق تحذيرات من انجرار الشباب نحو "التسول الالكتروني"، لا سيما العاطلين عن العمل، إذ بدأ البعض يمتهن هذه الحرفة، ويروّج لحملات ومناشدات إنسانية في جميع منصّات مواقع التواصل الاجتماعي.
وبحسب وكيل وزارة العمل والشؤون الاجتماعية عبير الجلبي، فإنّ هناك أكثر من 4 ملايين عراقي عاطل عن العمل، فيما يسجل منهم أكثر من مليونين لدى قاعدة بيانات الوزارة، في حين هناك أعداد مقاربة غير مسجلة.
وترى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية أنّ "ظاهرة تسوّل الشباب لا تنضوي أسبابها تحت قلّة فرص العمل بل تعود إلى أسباب اجتماعية متمثلة في التفكك الأسري وانتشار المخدرات، لا سيما في المناطق والمحافظات الفقيرة التي يلجأ أكثر أبنائها إلى العاصمة هربًا من واقعهم الصعب".
من الواقع
خلال تصفحها مواقع التواصل الاجتماعي، تقابل "نور محمد"، وهي من سكنة العاصمة بغداد، حالات إنسانية عديدة بشكل يومي. تقول نور "أقدم المساعدة دائمًا، لكن بعدها أصبح الأمر غريبًا ومريبًا".
تقول محمد إنّ "الأمر تحول من حالات إنسانية إلى تسول واستجداء، حيث تبيّن "أقدمت على تحويل مبلغ من المال إلى مريضة نشرت قصتها على فيسبوك، وكانت بحاجة لإجراء عملية وهي بحاجة إلى تبرعات كون حالتها المادية ضعيفة حسب قولها، لكن تبيّن بعدها أنها كانت كاذبة".
وبحسب محمد، فإنّ "المريضة جمعت المبالغ التي تعد أكبر من المبلغ التقديري للعملية، مضيفةً "وقعت في فخهم مثل العديد من الأشخاص وتعرضت لعملية النصب بنجاح، كون أن الشخص الذي يدعي المرض (المريضة)، لا تزال مستمرة بنفس الاسم وبنفس القصة وأحيانًا تنشر القصة بأسماء مختلفة".
وتشير محمد إلى أنها "تجاوزت الصدمة بعد أيام، لكن الغريب أنها شاهدت بث مباشر على (التيك توك)، لرجل من ذوي الاحتياجات الخاصة يستجدي من الناس هدايا وأموال وأطفاله مستلقين على الأرض بلا حراك، وتأكدت بعد هذه الحادثة أن الكثير مما ينشر على مواقع التواصل هو كذب وتجارة لكن بطريقة غير تقليدية"، قائلةً إنه "تسول الكتروني".
جوانب قانونية
وقانون العقوبات العراقي في المواد (390، 391، 392)، عاقب بالحبس البسيط والغرامات على التسول أو الإيداع في دور الدولة بحالة التكرار، بحسب الخبير القانوني، علي التميمي.
والتمعن في النص القانوني أعلاه تجده يجيز التسول لمن لا عمل له، كما يرى التميمي.
ويتحدث التميمي قائلًا إنّ "قانون الاتجار بالبشر 28 لسنة 2018، والذي يندرج ضمن ملف التسول ينص على فرض عقوبة الحبس والإعدام وأبسطها الغرامات المالية من 5 إلى 10 ملايين دينار على الاتجار بالبشر"، لافتًا إلى أنّ "تجنيد الأطفال والاستجداء بهم يدخل ضمن توجهات الاتجار بالبشر، كون التجارة بأدوات صغيرة غير قابلة لاتخاذ القرار وهو قتل لمستقبلهم".
وأشار التميمي إلى أنّ "قانون رعاية الأحداث العراقي 76 صدر عام 1983 بالتالي يحتاج إلى تعديل لمعالجة مشكلة الطفولة التي تحتضر في العراق".
وتروي "أم فاطمة" قصة أخرى بشأن تجربتها مع هذه الظاهرة بالقول "في مساء أحد أيام الشتاء الماضي، كنت أشاهد المقاطع المضحكة على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، وفجأة ظهر لنا فيديو مغاير لما كنت أشاهده فلفت نظري طفل لا يتعدى عمره الـ 10 سنوات وكانت ملابسه متسخة وبالية".
والطفل كان حافي القدمين ويرتجف من البرد القارس ويطلب المال ليشتري ملابس وحذاء وغير ذلك ليدفئ نفسه، تقول أم فاطمة: "استعطفني منظره وطلبت رقم هاتفه واتصلت به وطلبت منه عنوانه كي أجمع له التبرعات وأرسلها إليه، فتفاجأت برفضه وقال حولي لي الرصيد أن كنتِ فعلاً تريدين المساعدة، فقلت له ألم تكن تريد ملابس وحذاء، فماذا تفعل بالرصيد، فما كان منه إلا أن يتجاوز بألفاظ نابية ويغلق سماعة الهاتف".
وبعد الرجوع إلى التعليقات الخاصة بمنشوره علمت أن أبيه كان يعمل بمعرض سيارات، وأن "حالتهم المادية ممتازة لكن هذا هو عمله عندها أيقنت أن أغلب المتسولين عبر الإنترنت امتهنوا التسول كمهنة تدر لهم أموال كثيرة وليسوا فقراء فعليًا"، بحسب أم فاطمة.
من هم المتسولون؟
الباحثة الاجتماعية شهرزاد العبدلي،تقول إنّ "مواقع التواصل الاجتماعي في العراق بدأت تشهد وبشكل متصاعد انتشار ظاهرة (التسول الالكتروني)، وهو وسيلة احتيال جديدة تنتشر في البلاد".
وترجع العبدلي أسباب انتشار هذه الظاهرة لـ"قدرة الأشخاص على عدم إظهار شخصيتهم واسمهم بشكل حقيقي وأغلبهم يتخفون بأسماء وهمية، مشيرة إلى أنّ "هذا النوع من التسول يركز بالدرجة الأساس على إثارة عواطف الناس، وبالتالي تجد أن هناك العديد من الأشخاص يتسارعون بالتبرع".
والدراسات التي تناولت ملف التسوّل الالكتروني ـ بحسب العبدلي ـ وجدت أن "80% ممن يقدم على التسول عبر الإنترنت هم من الأشخاص ميسوري الحال ولا يعانون الفقر"، لافتةً إلى أنّ "القانون العراقي لا يستطيع محاسبة هذا النوع من التسول كون الأشخاص لا يستجدون المال بشكل مباشر، بل عن طريق عرض حالات مرضية وتدخل ضمن المبادرات الإنسانية".