مبالغ طائلة وصفقات فساد.. كيف استثمرت وزارة الصحة في وباء "كورونا"؟
انفوبلس/..
في الكوارث والأزمات الكبيرة، مثل الزلازل والفيضانات والأوبئة، تتظافر الجهود وتُعلن حالات الطوارئ وتخصص الموازنات الاستثنائية من أجل اجتياز المحنة بأقل ما يمكن من خسائر. وعملت حكومات العديد من بلدان العالم ما بوسعها لتتجاوز شعوبها أزمة فيروس كورونا الذي اجتاح العالم وأصاب أكثر من 427 مليون إنسان، توفي منهم حتى شباط/فبراير الماضي ما يقرب من 6 ملايين، وفق ما أفادت به جامعة "جونز هوبكنز" الأمريكية، أما مجلة "ذي لانسيت" العلمية الطبية البريطانية، فتؤكد بأن العدد الحقيقي للوفيات المرتبطة بفيروس كورونا يفوق الأرقام الرسمية بثلاثة أضعاف.
لكن حتى الكوارث والأوبئة في العراق لها وقع آخر يختلف عما هو عليه في غيره، وسبب ذلك برأي مراقبين يعود لماكنة الفساد التي لم تترك مجالاً إلا دخلته، حتى مآسي الناس ونكباتهم، فعدد المصابين بهذا الفيروس، الذي بلغ حتى منتصف آب/أغسطس 2022 أكثر من 2.4 مليون عراقي، توفي منهم ما يزيد عن 25 ألفاً، كان يمكن أن ينخفض بشكل كبير لولا الفساد وسوء الإدارة، التي ألقت بظلالها على هذه الجائحة أيضاً.
وسجلت أول إصابة بالوباء في العراق بمحافظة النجف يوم 24 شباط/فبراير 2020، عندما فحصت عينة من أحد طلاب الحوزة الإيرانيين ووجد أنه مصاب بالفايروس، لتنتشر الجائحة بعد ذلك في بقية المحافظات.
وآخر قصص الفساد التي كشف عنها مؤخراً هي قضية استيراد أجهزة التنفس الصناعي التي تساعد المصاب على اجتياز محنته وتسريع شفائه.
أكبر عملية فساد في تاريخ وزارة الصحة، عندما أحيل 12 عرضاً إلى شركة واحدة بمبلغ 400 مليون دولار، لاستيراد أجهزة طبية
صفقة أجهزة التنفس
لا يصنف جهاز التنفس الصناعي كعلاج للمصابين بالفايروس، بل يساعد المصاب على التنفس بصعوبة أقل. وبحسب ما أفادت به منظمة الصحة العالمية، فإن 1/6 من المصابين بفيروس كورونا المستجد "كوفيد-19" قد يجدون صعوبة كبيرة في التنفس، مما جعل من هذه الأجهزة سبباً في شفاء عدد غير قليل، من الذين عانوا من صعوبة جزئية أو كلية في التنفس.
واستوردت وزارة الصحة العديد من هذه الأجهزة خلال الفترة الماضية، قبل أن تنقل مصادر صحفية عن النائب "باسم خشان" مؤخراً قوله، إن "وزارة الصحة إشترت اقنعة التنفس الصناعي "CPAP بأسعار مضاعفة جداً، حيث تجاوزت قيمة الصفقة 100 مليون دولار. واتهم خشان وزير الصحة وشركة "كيماديا" لتسويق الادوية بهدر مبلغ يكفي لتزويد جميع مستشفيات العراق لـ 100 سنة اضافية بهذه الأجهزة حسب تعبيره.
وقال خشان إن "السعر العالمي للقناع لا يتجاوز الـ3 دولارات في حين أن وزارة الصحة اشترت القناع الواحد بـ 24 دولار"، مضيفاً أن "الكميات التي تم شراؤها بهذا السعر كبيرة جداً، وتم تسليم دائرة صحة المثنى 175 ألف قناع تقدر كلفتها بـ ستة مليارات ونصف المليار دينار عراقي، في حين أنها تحتاج إلى أقل من 300 قناع في السنة".
وتحدث النائب عن "وثائق تحوي أرقام الصفقة، وعن تقديم شكوى إلى الادعاء العام للتحقيق فيها وتحديد المقصرين ومحاسبتهم على هدر المال العام والإختلاس".
وتطرق خشان إلى النقص الحاد في الأدوية والمستلزمات الضرورية، وعدم الحاجة لتخصيص مبالغ طائلة لشراء أجهزة التنفس، لكن بأسعار مضاعفة.
ظاهرة ليست جديدة
وكانت مصادر صحفية قد كشفت أن نصيب وزارة الصحة من الموازنات المالية السنوية خلال الأعوام الـ14 الماضية قد تجاوز 50 تريليون دينار، إضافة لتلقي الوزارة بشكل متواصل لمنح ومساعدات كثيرة من الأمم المتحدة واليابان والولايات المتحدة وألمانيا ودول أخرى. وتحدثت هذه المصادر عن "أكبر عملية فساد في تاريخ وزارة الصحة، عندما أحيل 12 عرضاً إلى شركة واحدة بمبلغ 400 مليون دولار، لاستيراد أجهزة طبية"، مضيفة أن "عملية الفساد في العرض الخاص بمعامل الأوكسجين البالغة 45 مليون دولار والمخصصة لـ "22" معملاً، قد أرسلت مواصفاتها المطلوبة إلى شركة واحدة وهي التي فازت بها بعد أن دفعت عمولات قيمتها 5 ملايين دولار".
بيئة طاردة للكوادر
وبحسب الناشط الحقوقي “"سلام الموسوي"، فإن "هيئة النزاهة أعدّت نحو 500 ملف فساد خاص بوزارة الصحة، لكن التجاذبات والتأثيرات السياسية أوقفت تفعيل نظر الهيئات المختصة فيها”. وتابع الناشط القول إن "وزارة الصحة منهكة بالكامل بسبب تفشي الفساد فيها، مما جعل الأطباء يهربون للعمل في دول الخليج ودول أخرى"، وتحدث الناشط عن معاناة القطاع الصحي من "نقص حاد في عدد كبير من التخصصات، مما يؤكد أن الوزارة تشكل فعلياً بيئة لطرد الكفاءات، في حين لا يطبق أي قانون لحماية حقوق الأطباء والعاملين الصحيين".
ومنذ سنوات تتحدث هيئة النزاهة في البرلمان العراقي، عن قوائم تضم أسماء العشرات من الفاسدين وبينهم وزراء ومسؤولون كبار، قالت أنها ستطالب الإنتروبول بملاحقة من هم خارج العراق وتسليمهم، تمهيداً لإحالتهم للقضاء، لكن حتى من هم داخل العراق لم يقدموا للقضاء، أما من قدم منهم فلم تصدر، أو لم تنفذ بحقهم إجراءات تتناسب مع حجم الجرم المرتكب.