مجلس النواب يدرس تعديلات وتطويرات جديدة.. ماذا تعرف عن نظام التعليم الإلزامي في العراق؟

انفوبلس/ تقرير
واجه نظام التعليم في العراق تحديات كبيرة بعد الغزو الأمريكي عام 2003، بسبب الظروف الأمنية والاقتصادية الصعبة التي مرت على البلاد، والتي أسفرت عن وجود 2.3 مليون طفل عراقي في سن الدراسة خارج المدارس، ولهذا تسعى الحكومة العراقية إلى تطوير نظام التعليم الإلزامي وتحسين جودته، وذلك من خلال اتخاذ العديد من الإجراءات سنتطرق لها في هذا التقرير.
عدم تطبيق قانون التعليم الإلزامي بصورة صحيحة –بحسب خبراء - أثّر بشكل كبير على مستوى تعلُّم الأطفال وانحدار أغلبهم إلى العمل في الشوارع والأماكن العامة والسماح لذويهم في إجبارهم على ترك التعليم، دون أي رادع قانوني.
ما هو نظام التعليم الإلزامي في العراق؟
بدأ التعليم الإلزامي في العراق بشكل رسمي عام 1978، وذلك بعد صدور قانون التعليم الإلزامي رقم 118 لسنة 1978. ويعتبر هذا القانون نقطة تحول "هامة" في تاريخ التعليم في العراق، حيث نص على إلزامية التعليم في المرحلة الابتدائية، اذ ينص الدستور العراقي على أن التعليم حق لجميع العراقيين، وأن الدولة تكفل التعليم الإلزامي المجاني في المرحلة الابتدائية.
وينص قانون التعليم الإلزامي في العراق رقم 118 لسنة 1976، النافذ لغاية الآن، على: أن يعاقب بغرامة لا تزيد عن 100 دينار، ولا تقل عن دينار واحد، أو بالحبس لمدة لا تزيد عن شهر واحد، ولا تقل عن أسبوع واحد، أو بكلتيهما، وليّالولد المتكفل فعلا بتربيته، إذا خالف أياً من أحكام هذا القانون.
وقد نص القانون أيضا على أن إدارات المدارس الابتدائية تقوم بحصر حالات التخلف عن التسجيل، بموجب القوائم المعلنة لديها وما يطرأ عليها من التعديل، بالإضافة او الحذف، وتُتخذ الاجراءات لإبلاغ أولياء الأولاد وحثهم على تسجيلهم وعلى انتظام دوامهم والحيلولة دون تسربهم عن الدراسة، ولإبلاغ الجهات المسؤولة عن مراقبة الدوام، ومديرية التربية المختصة.
ويهدف هذا النظام إلى ضمان حصول جميع الأطفال في سن الدراسة على فرص متساوية للتعليم، وذلك بهدف بناء جيل متعلم ومثقف يساهم في بناء المجتمع وتطوره، بالإضافة الى مكافحة الأمية في العراق وتعزيز قيم المواطنة والانتماء الوطني، بحسب تربويين تحدثوا لشبكة "انفوبلس"، مؤكدين أن التحديات التي تواجه التعليم الإلزامي في العراق هي:
التسرب المدرسي: يمثل التسرب المدرسي أحد أكبر التحديات التي تواجه التعليم الإلزامي في العراق، خاصة في المناطق الريفية والمناطق الشعبية في بغداد والمحافظات الأخرى.
ضعف البنية التحتية: تعاني العديد من المدارس في العراق من ضعف البنية التحتية، ونقص في الكوادر التدريسية والموارد التعليمية.
الظروف الاقتصادية: تؤثر الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها بعض الأسر العراقية على قدرتها على إرسال أبنائها إلى المدارس.
بشكل عام، يمكن القول إن التعليم الإلزامي في العراق قد مرّ بمراحل تطور مختلفة، وقد واجه العديد من التحدياتخصوصا بعد الغزو الأمريكي 2003 ومع ذلك، فإن الحكومة العراقية الحالية تسعى جاهدة إلى تحسين هذا النظام وتوفير فرص تعليمية أفضل لجميع الأطفال.
وبحسب مسؤول حكومي (رفض الكشف عن هويته)تحدث لشبكة "انفوبلس"، فإن الحكومة العراقية تسعى إلى تطوير نظام التعليم الإلزامي وتحسين جودته، وذلك بهدف بناء جيل متعلم ومثقف يساهم في بناء مستقبل أفضل للعراق، حيث الحكومة تعمل على تعديل قانون التعليم الإلزامي بهدف تطوير المنظومة التعليمية والحد من ظاهرة التسرب المدرسي، بالإضافة إلى تحسين البنية التحتية للمدارس وتوفير الموارد التعليمية اللازمة، وكذلك تقديم برامج الدعم الاجتماعي للأسر الفقيرة بهدف تشجيعها على إرسال أبنائها إلى المدارس.
تعديلات "مرتقبة" على القانون
تدرس لجنة التربية في مجلس النواب، مقترحات تعديل قانون "التعليم الإلزامي"، بهدف تطوير المنظومة التعليمية والحدّ من ظاهرة التسرّب المدرسي، التي تشكل تحدياً كبيراً للعملية التعليمية في العراق، خاصة في المرحلة الابتدائية.
جاءت هذه الخطوة بعد أن تقدم أحد أعضاء اللجنة بمقترح تعديل القانون إلى رئاسة مجلس النواب، التي بدورها أحالت المشروع إلى اللجنة المختصة لمناقشته بشكل معمق ووضع اللمسات النهائية عليه قبل عرضه للتصويت.
ويؤكد عضو لجنة التربية النيابية حيدر طارق شمخي، أنَ "اللجنة وضعت قضية تعديل قانون (التعليم الإلزامي) ضمن أولوياتها، إدراكاً لأهمية هذا القانون في ضمان حق الأطفال في التعليم، وتقليل نسب التسرّب التي تفاقمت خلال السنوات الماضية".
ويقول شمخي إنَّ "التعديلات المقترحة تم تقديمها رسمياً إلى هيئة رئاسة البرلمان، التي قامت بإحالتها إلى اللجنة المختصة لدراستها وإجراء المشاورات اللازمة مع الجهات ذات العلاقة، لضمان أن تكون التعديلات شاملة وقابلة للتطبيق على أرض الواقع"، لافتا الى أنَّ "التعديلات المقترحة تركّز بشكل أساسي على معالجة حالات تسرّب الطلبة من المدارس، من خلال فرض غرامات مالية على أولياء الأمور الذين لا يلتزمون بإرسال أبنائهم إلى المدارس".
ويلفت إلى أنَّ "هذه الغرامات تم تصميمها بحيث تتناسب مع الظروف الاقتصادية والاجتماعية الحالية، مع الأخذ بعين الاعتبار تحقيق التوازن بين إلزام الأسر بتعليم أبنائها وعدم التسبّب في أعباء مالية كبيرة عليها"، موضحا أنَّ "القانون المعدّل لن يقتصر على فرض الغرامات، بل سيشمل أيضاً آليات تنفيذية صارمة لضمان تطبيق التعليم الإلزامي بفعالية، من خلال تعزيز دور الجهات الرقابية وتكليف المؤسسات التعليمية بمتابعة نسب الحضور والغياب، والتنسيق مع الجهات المعنية لاتخاذ إجراءات مناسبة بحق المخالفين".
ويشير عضو اللجنة إلى أنَّ "هناك دراسات تُجرى حالياً بشأن تطوير منظومة الحوافز، إذ سيتم توفير دعم للأسر ذات الدخل المحدود لضمان استمرار أبنائها في التعليم، إضافة إلى العمل على تحسين البيئة التعليمية من خلال تأهيل المدارس وتوفير المستلزمات الدراسية".
التعديلات المقترحة لا تهدف فقط إلى فرض العقوبات –بحسب النائب - بل تسعى أيضاً إلى إشراك المجتمع في دعم التعليم الإلزامي، من خلال تعزيز الوعي بأهمية التعليم ودوره في بناء مستقبل الأطفال، كما سيتم إطلاق حملات توعوية عبر وسائل الإعلام والمؤسسات التربوية لحث الأهالي على الاهتمام بتعليم أبنائهم والتعاون مع المدارس لضمان استمرارهم في الدراسة.
ويتابع أنَّ "هناك تحديات تواجه تطبيق التعليم الإلزامي، من بينها العوامل الاقتصادية والاجتماعية، والنقص في البنية التحتية لبعض المدارس، خاصة في المناطق الريفية والنائية"، مبيناً أنه "للتغلب على هذه المشكلات، تتضمن التعديلات وضع خطط لدعم التعليم في المناطق الفقيرة، عبر توفير نقل مجاني للطلبة في المناطق البعيدة، وإنشاء مدارس جديدة في المناطق التي تعاني من نقص في المؤسسات التعليمية، إلى جانب تحسين أوضاع المعلمين لضمان تقديم تعليم ذي جودة عالية".
وينوّه شمخي بأنَّ "اللجنة تسعى من خلال هذه التعديلات إلى إرساء قواعد تعليمية حديثة تواكب التطورات العالمية، وتضمن تحقيق أهداف التنمية المستدامة التي تركز على ضمان تعليم مجاني وجيد لجميع الأطفال"، مؤكدا أنَّ "التعليم الإلزامي يمثل الحجر الأساس للنهوض بالمجتمع، وأنَّ تطويره يحتاج إلى جهود متكاملة بين الجهات التشريعية والتنفيذية والمجتمع المدني لضمان نجاحه وتحقيق أهدافه".
ويختم عضو لجنة التربية النيابية حديثه بالقول: إنَّ "اللجنة تعمل بكل جدية للخروج بتعديلات شاملة تعالج المشكلات القائمة، وتوفر بيئة تعليمية أفضل للأطفال"، منوهاً الى أنَّ "هذه التعديلات ستكون خطوة مهمة نحو تحسين التعليم في العراق وضمان مستقبل أكثر إشراقاً للأجيال المقبلة".
وكشف تقرير سابق نشرته منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف"، عن وجود 2.3 مليون طفل عراقي في سن الدراسة خارج المدارس، فيما أكد أن عقوداً من الصراع وغياب الاستثمارات دمرت النظام التعليمي في العراق.
وبحسب حديث الباحثة التربوية إسراء نجم، فإن عدم تطبيق قانون التعليم الإلزامي في العراق وبصورة فعلية ينتج عمالة الأطفال واستغلالهم في الشوارع، واليوم نشاهد هذا واضحا بصورة مرعبة بشتى أنواع الطرق من التسول وغسل السيارات وغيرها. وتضيف، "عندما نسمح لهذه الأعمار بالدخول إلى الشارع بعمر مبكر فإننا نحملهم مسؤولية أكبر من طفولتهم وسيؤدي ذلك إلى تشويه صورة الطفولة لديهم".
وتشير إلى أن "الابتعاد عن هذا القانون سيخلق أعدادا كبيرة من المجرمين ومتعاطي المخدرات وجيل كامل لم يأخذ حقه من التربية الصحيحة، وأيضا يؤدي إلى هدر الطاقة الشبابية، حيث أن الشعب العراقي يصنف كشعب شاب، كون نسبة الفئة العمرية من 10 إلى 30 هي الأكثر في التعداد الأخير"، لافتة الى أن "هذه الطاقة الشبابية حينما لا تستغل بالشكل الصحيح فهذا بحد ذاته هدرا كبيرا وسنبقى معولين على الجيل السابق الذي دخل مرحلة الشيخوخة وفقا للإحصائيات الرسمية".
وعن أسباب عدم تطبيق قانون التعليم الإلزامي، توضح نجم، أن "الدولة لم تأخذ بنظر الاعتبار الزيادة السكانية الحاصلة وهذه الزيادة لا توازي الخدمات اللوجستية الخاصة بالتعليم فلا توجد مباني جديدة للكليات والمدارس تستوعب الطلبة، كما أن الدوام الثنائي والثلاثي ما زال موجودا والصف الواحد فيه أعداد كبيرة تمنع استيعاب الطلبة للمواد الدراسية بالشكل الصحيح الذي يجعل من الطالب مثالي".
وتتابع، "وأيضا لا توجد تعيينات للخريجين وهذا هدر جديد أيضا بهذا النوع من الطاقة ما يعني أن العراق داخل فعليا في دوامة هدر الطاقات البشرية بمعنى أننا ندور في دوامة الاستهلاك لعدم وجود تجديد للعملية التربوية وغيرها، وهنا لابد أن نسأل أين تذهب الموازنات الكبيرة المخصصة للتربية والتعليم".
وتعجّ طرقات وتقاطعات العاصمة بغداد بعشرات المتسولين من الأطفال والصبية والفتيات، وأعدادهم ترتفع بصورة مستمرة، من دون أن يكون هناك أي رد فعل حكومي تجاه تنامي هذه الظاهرة "الخطيرة" كما يصفها الباحثون.
إلى ذلك، يؤكد النائب رفيق الصالحي، أن "التعليم الإلزامي موضوع مهم جدا بالنسبة لوضعنا اليوم، ولهذا نشدد على لجنة التربية البرلمانية لتنضيجه ودراسته بشكل مستفيض ودمجه ضمن أعمال المجلس في الجلسات المقبلة".
ويقول الصالحي، "يجب أن يعالج القانون حالات التسرب المدرسي وأيضا توجه العديد من الآباء إلى جعل أبنائهم يتركون دراستهم للتخلص من الأمية التي بدأت تتصاعد نسبتها بشكل كبير في البلد والانحدار نحو ترك التعليم والدراسة ما يؤثر بالسلب على مستقبل الأجيال المقبلة".
ويشير الصالحي، إلى أن "ترك الدراسة من قبل الأطفال يخلق جيلا قادرا على ارتكاب القتل والسرقة ومختلف أنواع الجرائم ولهذا يفترض الاتجاه بالضغط على الطلبة من خلال قوانين صارمة توجب التعليم وإلا فإن الأجيال المقبلة ستنحدر في اتجاهات سلبية وسيئة في حين أن بناء مستقبل البلاد يتوقف على مقدار التعلم، فقانون التعليم الإلزامي موجود الآن لدى لجنة التعليم وتجري دراسته وتعديله بشكل مركز".
وكان الجهاز المركزي للإحصاء، كشف في عام 2019 أن العام الدراسي 2017 – 2018، هو أكثر الأعوام تسرباً للطلبة من المرحلة الابتدائية، حسب إحصائية أجراها على جميع المحافظات، واتضح أن أغلب المتسربين من المدارس الابتدائية دون سن 15 عاما، بواقع 131 ألفا و368 طالبا، نسبة الاناث منهم 47 بالمائة، فيما كان عدد المتسربين للعام الدراسي 2016 – 2017 هو 126 ألفا و694 طالبا.
نص الدستور العراقي في المادة 34 منه على حماية الطفولة وتكفل الدولة بالتعليم ومحو الأمية، إلا أن المشكلة تكمن في تطبيق القانون من قبل الحكومات المتعاقبة، بحسب حديث الخبير القانوني علي التميمي، الذي أكد ان قانون العمل النافذ يمنع عمل الأطفال دون سن 18 عاما، إلا أن الواقع خلاف ذلك من خلال مشاركة مئات الآلاف من الأطفال في سوق العمل خاصة في المناطق الصناعية والتجارية دون أي رادع قانوني.