مجلس حكماء المسلمين الإماراتي.. سر زيارته إلى العراق ولماذا رفضت المرجعية استقباله؟
انفوبلس/ تقرير
السبت 14 يناير الجاري، حطّت طائرة تابعة لطيران دبي، في مطار النجف الأشرف، قادمة من الإمارات، ضمت وفد "مجلس حكماء المسلمين"، برئاسة أمينه العام المستشار محمد عبد السلام، وكان في استقبالهم وفد ضم ثائر الساعدي، وزيد بحر العلوم، وأحمد الكندي.
لم يأتِ الوفد عبر مطار بغداد، ورغم الانتقادات حيال ذلك، برّر الوفد فعلته لكونه قدِم إثر دعوة وجهها له جواد الخوئي، لكنه ورغم قوله إن الزيارة دينية لم يحضَ وفد مجلس حكماء المسلمين بزيارة المرجع الأعلى السيد علي السيستاني، وسط تأكيدات برفض المرجع للقائهم.
*ما هو مجلس حكماء المسلمين؟
يرأس أحمد الطيب هذا المجلس، الذي أسّسته دولة الإمارات (2014)، ووقّع إلى جانب البابا فرنسيس وثيقة “الإخوة الإنسانية” (2019) التي تقول السلطات إن على أساسها أقامت “بيت العائلة الإبراهيمية”.
ويمثل المجلس واحدة من الأدوات الرئيسية لنفوذ السلطات الإماراتية على الجمعيات والمنظمات الإسلامية في الغرب.
*أداة سياسية
وبحسب مركز الإمارات للدراسات والإعلام "إيماسك"، لم يكن يعلم الطيب أن رئاسته مجلس حكماء المسلمين -الذي انطلق كمؤسسة إسلامية أُنشِأت لسحب البساط من مجلس علماء المسلمين- ستتحول إلى أداة سياسية تقوم الإمارات باستخدامها إلى جانب مؤسسة الأزهر في الأهداف السياسية، وتبرير التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي ومصادرة حرية الاعتقاد والإيمان.
وتصاعد الخلاف بين الإمارات وشيخ الأزهر العام الماضي، عندما هاجم الأخير “الديانة الإبراهيمية” التي تروّج لها السلطات في أبوظبي باعتبارها ترجمة “لوثيقة الإخوة الإنسانية” وبيت “العائلة الإبراهيمية” في جزيرة السعديات حيث يوجد مسجد وكنيس وكنيسة مجتمعة المظهر المادي للوثيقة.
*تفاصيل الزيارة إلى العراق
أجرى الوفد جولة مكوكية في مختلف مدن العراق، فمن النجف وبعد لقائه جواد الخوئي وعددا من التابعين له، وعدم نجاحه بلقاء السيد السيستاني، توجه الوفد إلى كربلاء، ثم إلى بغداد حيث التقى برئيس الوزراء محمد شياع السوداني.
وخلال الزيارة استقبل السوداني الأمين العام لمجلس حكماء المسلمين، المستشار محمد عبد السلام، ووفد الأمانة العامة للمجلس، بالعاصمة بغداد؛ ورغم إعلان الوفد أن هدف الزيارة هو مكافحة التطرّف، لكن مراقبون عدوّها بأنها خطوة لتنفيذ مآرب الإمارات في العراق والانفتاح نحو التطبيع مع الكيان الاسرائيلي.
*لقاء الوفد بسنّة العراق
التقى وفد حكماء المسلمين أيضاً مع عدد من علماء أهل السنة بالعراق بدعوة من مشعان الخزرجي، رئيس ديوان الوقف السني، حيث تمَّت مناقشة أهم القضايا والتحديات التي تواجه الأمة العربية والإسلامية، وفق الأخير.
وزار الوفد أيضا المجمع الفقهي ورابطة علماء العراق، حيث أحمد حسن الطه، كبير علماء المجمع، وعددًا من فقهاء المجمع، في جامع أبي حنيفة النعمان، كما زار الوفد رابطة علماء العراق والتقى حامد عبد العزيز الشيخ حمد وعددًا من العلماء، في لقاء حمل صبغة دينية لكن بأهداف تحريضية وفق مختصين.
*التوجّه إلى أربيل
في مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق التقى وفد مجلس حكماء المسلمين وزير الأوقاف والشؤون الدينية في إقليم كردستان، بيشتوان صادق، كما التقى الوفد رئيس اتحاد علماء كردستان العراق ومجموعةً من الشخصيات الممثلة لعدد من المكونات الدينية في إقليم كردستان، والمطران بشارة متّي أسقف الكنيسة الكلدانية، والمطران مار نيقوديموس داود رئيس أبرشية السريان الأرثوذكس في الموصل وكركوك وإقليم كردستان، وعددًا من القيادات الدينية والمجتمعية.
*الإمارات كوكيل الدين الإبراهيمي في المنطقة
تُعد الإمارات أبرز المتحمّسين في المنطقة لفكرة الديانات الإبراهيمية كفكرة سياسية تدعو للإلحاد،.
ففي أغسطس/آب 2013 أقرَّ جون كيري، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق ما عُرف “بالأرضية المشتركة بين الديانات الإبراهيمية”، وأقرّ بتأثير “الدين العالمي” في مواجهة التهديدات التي تلوح في الأفق في الولايات المتحدة.
علاوة على ذلك، أعلن جون كيري عن إنشاء مكتب المبادرات المجتمعية القائمة على الإيمان “White House Faith-Based & Community Initiative”، الذي يوجّه الدبلوماسيين لإشراك القادة الروحيين والمجتمعات الدينية في العمل اليومي.
في عام (2019) أعلنت الإمارات “حلف الفضول العائلة الإبراهيمية” الجديد بعد اجتماعات عبدالله بن بيه رئيس مجلس الإفتاء الشرعي بالإمارات ورئيس “منتدى تعزيز السّلم في المجتمعات المسلمة” (أُسِّس عام 2014)، مع حاخامات يهود في واشنطن.
وفي عام (2020) شارك ابن بيه في “ملتقى المبادرة الإبراهيمية” الذي نظّمته الخارجية الأمريكية، وقال ابن بيه: “إن ميثاق حلف الفضول الجديد الذي أصَّلته العائلة الإبراهيمية في 2019 في أبوظبي يمكن أن يشكل مرجعية دينية قوية لهذه الانطلاقة الجديدة فهو ليس مجرّد مبادئ نظرية، لا فاعلية لها، وإنما يمكن ترجمته وبلورته في منهج عملي وبرنامج تطبيقي، يتنزّل في المدارس تعليماً للناس، وفي المعابد تعاليم للمؤمنين، وفي ساحات الصراع وميادين النزاع”.
*تحذيرات من زيارة المجلس
مراقبون عراقيون حذّروا من هذا المجلس، كونه يُعد أداة سياسية للإمارات بأهداف تحريضية، وزيارته المكوكية للعراق ما هي إلا محاولات جسّ نبض بهدف التمهيد للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي، عادّين عدم استقبال المرجع السيستاني لوفد المجلس بالخطوة الصحيحة والعقلانية، كونه يعلم ما لا يعلم به الكثير وربما تيقن أن نوايا هذا المجلس ليست توحيد صفوف المسلمين ولمّ الشمل كما تم إعلانه في برنامج الزيارة.
تحذيرات العراقيين استندت أيضا على الخلافات التي حصلت سابقا داخل المجلس، التي ظهرت على السطح، في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 حين قال شيخ الأزهر في الاحتفاء بيوم العائلة المصرية إن “الديانة الإبراهيمية” تُصادر حرية الاعتقاد والإيمان والاختيار، رغم أن المجلس قائم على توسيع ونشر هذه الديانة.
وقال شيخ الأزهر آنذاك، إن الدعوة للديانة الإبراهيمية تشبه العولمة، “التي تبدو في ظاهر أمرها كأنها دعوة إلى الاجتماع الإنساني وتوحيده والقضاء على أسباب نزاعاته وصراعاته، إلَّا إنها في داخلها دعوةٌ إلى مُصادرة أغلى ما يمتلكُه الإنسانِ وهو حرية الاعتقاد والاختيار”.
ويؤكد شيخ الأزهر أن “اجتماع الخلق على دِين واحد أو رسالة سماوية واحدة أمر مستحيل، حيث يختلفُ الناس اختلافاً جذرياً، في ألوانهم وعقائدهم، وعقولهم ولغاتهم”. مشيراً إلى الفرق بين احترام عقيدة الآخر والاعتراف بها، وأن ذلك لا يعني إذابة الفوارق بين العقائد والمِلل والأديان.
ولم يُشِر شيخ الأزهر أو المؤسسة المصرية (الأزهر) للإمارات بالاسم، على الرغم من أن الحديث حولها كان يعني أبوظبي و”بيت العائلة الإبراهيمية” والديانة الجديدة التي تشير إلى يوم الخميس بدلاً من يوم الجمعة لدى المسلمين والسبت لليهود والأحد للمسيحيين، وما زاد غضب شيخ الأزهر أن اتفاقية التطبيع مع الاحتلال (2020) اتخذت ذات المسمى “اتفاقية إبراهام”!.
هذه القصة برهنت على صدق التحذيرات العراقية من المجلس، حيث إن ظاهر الزيارة حمل عنوان الدعوة إلى الاجتماع الإنساني وتوحيده والقضاء على أسباب نزاعاته وصراعاته، ولمّ شمل المسلمين وتوحيد الأمة، وفتح آفاق جديدة من التعاون مع العراق، إلَّا إنها في داخلها دعوةٌ إلى مُصادرة أغلى ما يمتلكُه الإنسان وهو حرية الاعتقاد والاختيار وهذا ما أكده الأزهر سابقاً.