مسلسل تهريب السجناء.. لماذا أخرت شرطة الرصافة إبلاغ الداخلية بهروب مختلس لنحو 7 ساعات؟
انفوبلس/ تقرير
مسلسل هروب الموقوفين والسجناء في العراق بتواطؤ من أفراد الشرطة يبدو أنه لم ينته بعد، ففي حادثة ليست الأولى، هرب موقوف من مركز شرطة باب المعظم وسط بغداد والمتهم وفق المادة 459، الأمر الذي دفع وزارة الداخلية إلى إرسال برقية سرية وفورية إلى شرطة الرصافة لبيان أسباب تأخر إعلامها بهروب المتهم.
والمادة 459 من قانون العقوبات المرقم 111 لسنة 1969 نصت الفقرة الأولى منها على فرض عقوبة الحبس التي قد تصل إلى خمس سنوات مع الغرامة أو بإحداهما لمن أعطى بسوء نية صكاً (شيكاً) وهو يعلم بأن ليس له مقابل وفاء كافٍ قائم وقابل للتصرف فيه أو استرد بعد إعطائه إياه كل المقابل أو بعضه بحيث لا يفي الباقي بقيمته أو أمر المسحوب عليه بعدم الدفع أو كان قد تعمد تحريره أو توقيعه بصورة تمنع من صرفه.
وبحسب الوثائق الامنية التي اطلعت عليها "انفوبلس"، "بالساعة 0045 ليوم 29/8/2024، اتصل الملازم علي عدنان جاسم ضابط تحقيق مركز شرطة باب المعظم مخبراً، أنه في الساعة 1800 يوم 28/8/2024، تم هروب الموقوف (عبد الله سرحان عبد الله) والمطلوب وفق المادة 459 ق.ع إلى محكمة النهروان أثناء تسييره والعودة من المحكمة بعجلة الرائد (علي وارد بدر) المدنية والمفوض (حسين قاسم جاسم) ضمن منطقة الأمين ولاذ الرائد علي والمفوض حسين بالفرار إلى جهة مجهولة".
وأضافت: "ما زالت التحقيقات مستمرة اجراءات قسم شرطة باب الشيخ/ مركز شرطة باب المعظم"، مطالبة بـ"إعلامنا أسباب تأخير إشعارنا بالحادث من الساعة 1800 ليوم 28/8/2024، لغاية 0045 ليوم 29/8/2024 وتزويدنا باسم المقصر".
وبحسب المعلومات الامنية التي حصلت عليها شبكة "انفوبلس"، فإن "عبد الله سرحان عبد الله" متهم بتزوير صك بقيمة 35 مليون دولار وهرب من سجن باب المعظم بالعاصمة بغداد، بالتواطؤ مع ضابط في السجن.
وكانت "انفوبلس" كشفت في 29 آب أغسطس الجاري، عن سرقة أسلحة فوج بالكامل مع كمية كبيرة من مادة (الكاز) تكفي لنحو شهر في قضاء الرطبة بالأنبار، من قبل آمر سرية المقر، فيما لاذ الأخير بالهرب إلى جهة غير معلومة.
كما تعيد هذه الحادثة إلى الأذهان، المتهم الأبرز بارتكاب "سرقة القرن"، نور زهير، التي هزت العراق قبل عامين، إثر نهب مليارين ونصف المليار دولار من أمانات هيئة الضرائب العامة، والذي لا يزال هاربا في الخارج.
*حوادث مماثلة أخرى في العراق
جرت الكثير من حوادث هروب السجناء في العراق، حيث من أشهرها هروب المتهم "أحمد عبد الواحد الشايع" - المتهم الرئيسي بقتل مدير شركة دايو الكورية المنفذة لمشروع ميناء الفاو الكبير قبل ثلاثة أعوام - من أحد سجون البصرة عن طريق دفع رشوة لأحد الضباط وقام بتهريبه في شهر شباط من العام الجاري 2024.
وفي شهر مايو/ أيار 2024، أفاد مصدر أمني لشبكة "أنفوبلس"، بأن "محكوماً بالسجن لمدة عامين بتهمة السرقة هرب من يد عناصر الأجهزة الامنية أثناء نقله من مركز شرطة قضاء الشطرة شمالي محافظة ذي قار إلى قضاء قلعة سكر".
أما في شهر تموز/ يوليو 2024، هرب موقوف مطلوب من مركز شرطة في محافظة البصرة. وذكرت المصادر حينها أن الموقوف الملقب بـ(كيكو) - متهم بسرقة أموال الدولة - هرب من مركز شرطة الشعيبة في البصرة.
كما أن رئيس ديوان الوقف السني السابق الراحل سعد كمبش، هرب من سجن مركز شرطة كرادة مريم داخل المنطقة الخضراء، في 18 نيسان/ أبريل 2023، بعد صدور حكم بحقه بالسجن 4 سنوات، إلا أنه بقي في مركز الشرطة، ولم ينقل إلى سجن التسفيرات تمهيدا لنقله إلى سجون وزارة العدل، ليقضي فترة محكوميته، وبعد يومين من هروبه، سرت أنباء عن اعتقاله في مدينة الموصل، لكن لم تمض ساعات حتى أعلن عن وفاته، في إحدى مستشفيات المدينة بعد نقله من إليها من قبل القوة الأمنية المداهمة.
وفي أيار/ مايو 2021، هرب 21 سجينا من سجن مركز شرطة الهلال في محافظة المثنى، وشكلت وزارة الداخلية حينها لجنة تحقيق، واعتقلت بعض الهاربين بشكل تدريجي.
في البصرة بتاريخ 20 تشرين الأول/ اكتوبر 2019، حيث هرب سجين محكوم بـ20 عاما من محكمة قضاء الزبير، حيث كان يتواجد فيها لمشاهدة أطفاله، وفي وقتها تم اعتقال 6 من عناصر وزارة العدل وهم المسؤولون عن حمايته.
ومن أبرز قضايا الهروب، هو ما جرى في مركز شرطة القناة شرقي العاصمة بغداد، في آب/ أغسطس 2019، حيث هرب 14 سجينا، ما أثار لغطا كبيرا في حينها.
وبحسب خبراء في الشأن الأمني فإن السجون العراقية شهدت في الفترة الأخيرة عمليات هروب خطرة لسجناء ينتمون إلى تنظيمات متطرّفة كتنظيمي "القاعدة وداعش" الإرهابيين وبأعداد كبيرة جداً، حدثت كلّها بناء على صفقات مشبوهة أو عمليات تواطؤ من مسؤولين ونافذين في الدولة العراقية أو حتى من قبل المشرفين على السجون الذين يرتبطون بأطراف سياسية.
وبحسب مستشار مؤسسة رؤى للدراسات، غانم العابد، فإنه في منتصف يناير/ كانون الثاني عام 2011 حدثت عملية هروب 12 سجينا ينتمون لتنظيم القاعدة وذلك من سجن القصور الرئاسية في محافظة البصرة جنوبي البلاد متّهمون بحوادث تفجير إرهابية حدثت في المحافظة وراح ضحيتها العشرات بين شهيد وجريح، مشيرا الى أنه ألقي القبض على شخص واحد منهم فقط، وجاء في تقرير لجنة تقصي الحقائق وقتها المشكّلة من قبل مجلس النواب للتحقيق في الحادث أن مكتب الأمن والمتابعة التابع لرئيس الوزراء مسؤول عن عملية تهريب السجناء، وأقرّت هذه اللجنة بعد التحقيق مع السجين المعتقل أنّ عملية الفرار لم تكن من تخطيط السجناء، إنما مدبّرة وبمساعدة من ضباط كبار.
في يوليو/ تموز 2013 حدثت أكبر عملية هروب لقيادات مهمّة في تنظيم القاعدة، حيث تمكّن حوالي 500 سجين من الفرار بعد هجوم شنّته القاعدة على سجني التاجي وبغداد المركزي (أبو غريب) والذي أكد وقتها وزير العدل العراقي الأسبق، حسن الشمري، أن العملية تمّت بتواطؤ من حرّاس داخل السجن، وأن القوات الأمنية المسؤولة عن حماية إدارة أمن سجن أبو غريب كانت قد انسحبت منه قبل اقتحام عناصر تنظيم القاعدة السجن والهروب منه قبل أشهر، وفقا للعابد.
وفي ديسمبر 2013، أي بعد 5 أشهر على حادث الهروب الكبير من سجن أبو غريب، هرب 22 سجينًا من سجن العدالة في الكاظمية ببغداد، وهو سجن تابع لوزارة العدل، إلا أن الوزارة في حينها قالت إن الهاربين هربوا من مركز توقيف تابع للشرطة الاتحادية وليس سجنًا تابعًا لوزارة العدل.
وفي الموصل وقبل أشهر قليلة من سيطرة تنظيم "داعش" الارهابي عليها في يونيو/ حزيران 2014، وبحسب ما ورد في لجنة التحقيق النيابية بسقوطها، يقول العابد إنه تمّ الإفراج عن قادة من الخط الأول لتنظيم داعش، وذلك بعد إلقاء القبض عليهم قبل مثولهم أمام القضاء مقابل مبالغ مالية، أمثال "رضوان طالب الحمدوني" الذي اعتقلته قيادة عمليات نينوى قبل شهرين من سقوط الموصل وأُطلق سراحه مقابل مبلغ 70 ألف دولار، وهذا الشخص نصّبه داعش والياً على الموصل بعد سيطرته عليها.
و"عزيز المنديل" مسؤول المالية للتنظيم والذي أُطلق سراحه بمقابل 40 ألف دولار، و"خالد الجوري" وهو من قادة "داعش" اُعتقل في آذار 2014 وأُطلق سراحه، و"يوسف الجوري" أحد قيادات داعش أعتقل وأطلق سراحه أيضاً، هذا فضلا عن "حسن سعود" الملقّب (أبو طالوت) أحد قيادات "داعش" ثم عُيّن والياً على الموصل بعد سيطرة "داعش" عليها اعتقل وأطلق سراحه مقابل مبلغ مالي.
واشار العابد إلى وجود حالات أخرى لمسؤولين فاسدين أيضاً فروا قبل أن يتم اعتقالهم وأصبحوا خارج الحدود كمحافظ البصرة الأسبق، "ماجد النصراوي" المتهم بالفساد لكنّه استبق الجميع وفرّ من البصرة اتجاه إيران، وأيضاً وجّهت أصابع الاتهام فيها إلى السلطات العراقية بالتواطؤ وتسهيل هروبه.
ويبلغ عدد السجون في عموم البلاد يبلغ 30 سجنا، تضم نحو 60 ألف سجين بين محكوم وموقوف بجرائم جنائية أو بقضايا "الإرهاب"، ومن بين السجناء 1500 امرأة و1500 سجين عربي، إضافة إلى سجن آخر فدرالي يعرف بسجن "سوسة" في محافظة السليمانية ضمن إقليم كردستان العراق المرتبط بوزارة العدل الاتحادية.
وما من إحصائية رسمية عن عدد السجناء في العراق، لكن أرقاماً متضاربة تؤكد أنها تقارب المائة ألف سجين يتوزعون على سجون وزارات العدل والداخلية والدفاع، بالإضافة إلى سجون تمتلكها أجهزة أمنية مثل جهاز المخابرات والأمن الوطني ومكافحة الإرهاب، وسط استمرار الحديث عن سجون سرية غير معلنة تنتشر في البلاد وتضم آلاف المعتقلين، وفق مراقبين.
وتعاني السجون العراقية من إهمال كبير ومن غياب للدور الرقابي المنوط بالجهات الحكومية وكذلك تلك المسؤولة عن حقوق الإنسان، في وقت يجري الحديث عن سيطرة بعض الجهات السياسية على السجون.
*توضيح قانوني
بدوره، شرح الخبير القانوني العراقي، علي التميمي، العقوبات القانونية الخاصة بهروب السجناء. وقال إن قانون العقوبات في المواد 267 الى 273 منه عاقب بعقوبات مختلفة على الهروب من التوقيف والسجن والتهريب والمساعدة والايواء تتراوح بين السجن لعشر سنوات إلى الحبس وغرامات مختلفة وهي حالة متكرّرة في العراق منذ 2003 إلى الان، فقد هرب سجناء من أبي غريب والتاجي وفي محافظات مختلفة سابقا وهو مؤشر سلبي لأن هذه الأماكن تحتاج إلى أن تكون محصنة لتعلقها بهيبة الدولة والحق العام والعدالة المجتمعية.
وتعود أسباب هروب السجناء إلى الفساد وسوء الإدارة السجنيّة وعدم تطبيق القانون بشكل صارم. وفي بعض الأحيان، يكون الهدف من هروب السجناء هو للتغطية على ملفات فساد تشاركية.
وكشف التميمي، عن أن الرقابة على المواقف تختلف منها على السجون حيث تخضع المواقف والتسفيرات إلى رقابة الادعاء العام وقضاة التحقيق وأيضا الأجهزة الاستخباراتية المختصّة وفق قانون الأصول الجزائية وأيضا مفوضية حقوق الإنسان، أما السجون فتخضع لرقابة مفوضية حقوق الإنسان والادعاء العام والبرلمان، مشيرا إلى أنه وفق قانون إدارة السجون، لا يمكن أن يبقى المحكوم في التسفيرات لهذه المدد الطويلة مع وجود الاعداد الهائلة، وهذا يحتاج إلى مراجعة كبيرة بهذا الجانب.
وأضاف: أما إقالة المسؤولين فيكون من جهات مختلفة منها مجلس المحافظة والبرلمان ورئيس مجلس الوزراء وفق إجراءات مفصّلة، والحل ليس في ذلك، بل بتفعيل الجهد الاستخباراتي وإنهاء قضايا الموقوفين وحسم موضوع التسفيرات.
وأكد التميمي أن التحقيق مع المتّهمين في تهريب السجناء، يعتمد على كاميرات المراقبة وشهود الحادث، فضلاً عن سجّلات الحراسة الليلية والشهود من بقية السجناء الموقوفين، معتقداً أن تحقيق المحكمة أكثر نجاحاً من لجان التحقيق.