معلومات جديدة "مثيرة" عن حادثة الكلية العسكرية.. تدريب دون مياه لـ12 ساعة والعميد تخوّف من ناصر الغنام!

انفوبلس/ تقارير
ما زالت حادثة الكلية العسكرية التي تسببت بوفاة طالبَين بأول يوم لهم وتدهور الحالة الصحية لعشرات آخرين محطَّ جدل واسع، فرغم أعفاء رئيس الأكاديمية العسكرية ناصر الغنام، ظهرت معلومات جديدة "مثيرة" كفيلة بإحالة الغنام إلى التحقيق لا الإعفاء فقط، حيث تم إيقاف الطلبة لـ12 ساعة تحت أشعة الشمس دون ماء، الأمر الذي اضطر ببعضهم إلى شرب مياه "المجاري"، فيما روى ذوو أحد الطلبة المتوفين تفاصيل أكثر أهمية استعرضتها انفوبلس بالتفصيل في سياق التقرير الآتي.
الوقائع الصادمة
يوم أمس، وفي أول يوم للطلبة الجدد في الكلية العسكرية، خضع العشرات منهم لتدريبات مكثفة تحت أشعة الشمس اللاهبة، وسط غياب واضح للإجراءات الصحية والاحترازية. أدى هذا الإهمال إلى تعرض عدد من الطلاب لحالات إغماء وجفاف حاد، توفي على إثرها طالبان فيما ما زال العشرات يخضعون للعلاج.
بعدها، تعالت الأصوات داخل البرلمان وخارجه، متهمةً ناصر الغنام بـ"الفشل الإداري والإهمال الجسيم" في إدارة الأكاديمية، حيث غابت أبسط معايير السلامة خلال تدريب الطلبة، ما يُعد انتهاكاً صارخاً للضوابط العسكرية والإنسانية، حتى إن لجنة الأمن والدفاع البرلمانية طالبت بمراجعة آلية التدريب في الكليات العسكرية لضمان سلامة المتدربين ومنع تكرار هذه الكوارث.
تتبع لمراحل الفشل.. 4 مخالفات قادت إلى الكارثة
تتبعت شبكة انفوبلس الحادثة، ووصلت إلى الوثائق الخاصة بتعليمات وتوجيهات استقبال طلبة الدورة 89 في الكلية العسكرية، لكن اللافت أن إدارة الكلية لم تطبق تلك التعليمات مطلقا.
ووفق الوثائق، فإن "الكتاب الصادر بالعدد (3120) في 7/5/2025، والمتضمن توجيهات الأكاديمية العسكرية التي يديرها ناصر الغنام، ينص على تحديد موعد استقبال طلبة الدورة 89 في الكلية العسكرية الرابعة في تمام الساعة (0500) من يوم الأحد الموافق 11/5/2025.
وبحسب المادة (تاسعاً) من التوصيات، الفقرة (هـ)، تقرر نقل الطلبة إلى مطعم الكلية لتناول وجبة الطعام خلال إكمال إجراءات الاستقبال، على أن يتم إشعار مقر الكلية باستعداد الدورة. كما نصت الفقرة (و) من المادة ذاتها على تهيئة قاعة مركزية تستوعب جميع الطلبة لعقد لقاء مع عميد الكلية.
المخالفة الأولى
لم تُنفذ الفقرتان أعلاه، حيث لم يتم تزويد الطلبة بأي طعام أو ماء من لحظة دخولهم الساعة الخامسة فجراً حتى الساعة الثالثة ظهراً، في خرق مباشر وصريح لتعليمات الأكاديمية العسكرية.
المخالفة الثانية
بعد استعراض الطلبة وهم يرتدون البدلات السوداء المدنية، أبدى عميد الكلية الرابعة ستار جبار عباس استياءه، وذكر بالحرف أن “هذا النوع من الاستعراض سيسبب لنا مشكلة مع ناصر الغنام”، وأمر بإعادة الاستعراض في تمام الساعة الثالثة عصراً، رغم أن الطلبة لم يحصلوا على أي طعام أو ماء طيلة الفترة السابقة.
المخالفة الثالثة
لم يتم إدخال الطلبة إلى أي قاعات أو مسقفات وعدم مراعاة ارتفاع درجة الحرارة ليوم الحادث إذ بلغت ذروتها ٤٧ درجة مئوية، وتمت الإجراءات تحت أشعة الشمس الحارقة منذُ دخولهم فجرا وحتى الساعة الثالثة من اليوم ذاته وهي مخالفة صريحة لتوصيات الهارب من ارض المعركة ناصر الغنام.
المخالفة الرابعة
بعد وقوع الحادث لم يتم اسعاف الطلبة على وفق تعليمات الإسعافات الأولية الصحيحة بل تم نقلهم بطريقة تساعد على الوفاة كما ظهر بالفيديوهات المسربة .
وأثناء تحضيرات إعادة الاستعراض، اضطر الطلبة إلى شرب الماء من شاحنة الصيانة (تنكر الإدامة)، المخصصة لتنظيف المجاري والتي تحمل مياه صرف (بزل) مالحة وغير صالحة للاستهلاك البشري، مما أدى إلى إصابات مباشرة بينهم بعجز كلوي حاد وسريع.
12 ساعة دون ماء في حرّ الناصرية
فضلا عن تلك المخالفات، روى ذوو أحد الطلبة المتوفين واقعة ما جرى وقالوا إن "إدارة الكلية العسكرية أوقفت الطلبة 12 ساعة من دون تزويدهم بالماء.
وأضافوا، إن "64 طالبا أصيبوا بحالات تسمم نتيجة ماء غير صالح للشرب"، مبينين أن "حالات الإغماء التي أصابت الطلبة كانت نتيجة أشعة الشمس والمياه غير الصالحة للشرب، فيما لم يزودنا الأطباء المسؤولون عن علاج الطلبة بمعلومات عن أسباب حالات الإغماء للطلبة".
وأوضحوا، "ابننا أُصيب بمضاعفات في الكلى وأجزاء أخرى من الجسم أدت الى وفاته ولا نعلم الأسباب".
وأتمّوا، أنه "جاءت لجنة عسكرية الى المستشفى وأعطت تعليمات للأطباء بعدم الإدلاء بأي معلومات".
ناصر الغنام يتحمل مسؤولية الفشل
بعد الحادثة، حمّل الجميع الفريق الركن ناصر الغنام مسؤولية وفاة الطالبَين في الكلية العسكرية الرابعة بمحافظة ذي قار كونه رئيس الأكاديمية العسكرية.
رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، بصفته القائد العام للقوات المسلحة، اتخذ إجراءات صارمة، حيث أمر بإعفاء الفريق الغنام من منصبه كرئيس للأكاديمية العسكرية، بالإضافة إلى إعفاء معاونه، وعميد الكلية العسكرية الرابعة، وآمر الفوج المختص، وسحب يدهم من العمل فوراً. كما وجه بتشكيل مجلس تحقيقي عاجل لمحاسبة المقصرين وكشف ملابسات الحادثة بشكل دقيق .
وتكريماً للطالبَين المتوفيَين، قرر السوداني منحهم رتبة ملازم، مؤكداً على أهمية حسن التعامل مع المتدربين في الكليات والمؤسسات التدريبية، ومراقبة أي مبالغة في تعامل الضباط وضباط الصف معهم.
وبهذا الصدد، قال عضو مجلس ذي قار، أحمد الخفاجي، إن “ما ألمَّ بالكلية العسكرية جاء نتيجة تصرفات غير مسؤولة من إدارة الكلية، والجهاز التدريبي فيها، والذي أدى إلى فقدان 2 من الطلبة، وإصابة 8 آخرين بوضع صحي خطير جدا”.
وأضاف، “نأمل أن تتخذ الجهات الرقابية دورها في محاسبة المقصرين، والحد من هذه الانتهاكات التي تطال حقوق الإنسان أولاً، والكلية العسكرية ثانياً”.
من جانبه، قال مستشار رئيس لجنة الأمن والدفاع النيابية مصطفى عجيل، إن التدريب بهذا المستوى من القوة غير مبرر، مؤكدا أن هناك مخاطر صحية يتعرض لها المتدرب خاصة خلال فصل الصيف.
ووفق مراقبين، فإن حادثة وفاة الطالبَين ليست مجرد خطأ فردي، بل مؤشر خطير على خلل مؤسسي يتطلب إصلاحاً جذرياً في منظومة التدريب العسكري بالعراق، فلا يكفي إعفاء المسؤولين؛ بل لا بد من تغيير الثقافة الإدارية التي ما زالت تعتمد على القسوة والانضباط الأعمى، دون مراعاة لكرامة الإنسان وسلامته".
وأضافوا، أن "ما جرى هو نتيجة مباشرة لسوء الإدارة والإهمال المتعمد من قبل ناصر الغنام، الذي يتحمل كامل المسؤولية بصفته الجهة التي أصدرت التوصيات والتعليمات، وتسبب من خلال قراراته العشوائية وتعمده إهمال الضوابط الصحية والإنسانية، في تعريض حياة الطلبة للخطر الجسيم، ووقوع حالات إصابة خطيرة بينهم والتي انتهت بوفاة بعضهم".
وتابعوا، أنه "لأجل ذلك فإننا لا نكتفي بإعفائه من منصبه بل نطالب بالتحقيق العادل العلني والواضح وإحالة ناصر الغنام وكل من تورط أو ساهم في هذه الكارثة الإنسانية بحق طلبة الدورة 89، إلى المحاكم العسكرية لإنزال أقصى العقوبات بحقهم، حفاظاً على كرامة المؤسسة العسكرية وسلامة أبنائنا واخواننا من الطلبة ولأجل ضمان عدم تكرار مثل هذه الجريمة الإنسانية مستقبلاً".
البرلمان يتدخل
إلى ذلك، شكّلت لجنة الأمن والدفاع النيابية، اليوم الخميس، فريقا برلمانيا لمتابعة حادثة وفاة طالبَين، وتعرض آخرين لمضاعفات صحية في الكلية العسكرية الرابعة بمحافظة ذي قار.
وذكرت الدائرة الإعلامية لمجلس النواب، في بيان تلقته شبكة انفوبلس، أن “اللجنة شكّلت فريق متابعة برئاسة رئيسها النائب كريم عليوي المحمداوي، للوقوف على ملابسات وفاة طالبَين وتعرض عدد من زملائهم لمضاعفات صحية، خلال استقبال طلبة الدورة 89 في الكلية العسكرية الرابعة بمحافظة ذي قار”.
وأضافت، أن “الفريق سيعمل على التنسيق مع الجهات المعنية لجمع المعلومات المتعلقة بالحادثة، وتقديم تقرير مفصل يتضمن التوصيات اللازمة إلى رئاسة مجلس النواب، بهدف اتخاذ الإجراءات المناسبة التي تضمن سلامة الطلبة، وتحسين ظروف تدريبهم داخل المؤسسات العسكرية”.
وأكدت اللجنة أنها “تتابع تطورات الوضع الصحي للطلبة المصابين، وتولي اهتماما بالغاً لضمان عدم تكرار مثل هذه الحوادث مستقبلًا”.
طريقة بدائية لنقل المصابين واستياء
من جهة أخرى، تناقل ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، مقطعا فيديوا يظهر الطريقة البدائية التي تم فيها نقل المصابين من الطلاب إلى المشفى، فيما ربط البعض الآخر الحادثة بتصريحات رئيس الكلية العسكرية، ناصر الغنام، وهو يوصي باستخدام العنف في تدريب الطلبة”.
وكان أكثر من 100 طالب من الدورة 89 قد تعرضوا، يوم أمس الأربعاء، لحالات إغماء وإرهاق شديد نتيجة ارتفاع درجات الحرارة، والجهد البدني، ما أدى إلى وفاة طالبَين، فيما نُقل المصابون إلى المستشفى لتلقي العلاج، بينهم حالات حرجة.
ولم يصدر بعد التقرير الطبي بشأن الحادث، فيما ستباشر اللجان التحقيقية عملها بمتابعة الملف الطبي، ومن ثم الاطلاع ميدانياً لمعرفة تفاصيل الحادث وتسجيل إفادات الشهود.
وقد أثارت الحادثة موجة من الاستياء في الأوساط الشعبية والرسمية، وسط مطالبات بضمان سلامة الطلاب، وتوفير ظروف تدريبية وإنسانية ملائمة في المؤسسات العسكرية، إذ دعا النائب عادل الركابي، رئيس الوزراء إلى محاسبة المقصرين.
وقال الركابي في تدوينة له على منصة “إكس” تابعته شبكة انفوبلس، “ندعو دولة رئيس الوزراء إلى إجراء تحقيق ومحاسبة المقصرين في حادثة وفاة اثنين وإصابة آخرين من طلبة الكلية العسكرية في ذي قار”، مؤكدا أن “ما سمعناه من تعامل وأساليب بحق الطلبة يخرج عن سياقات التأهيل والتدريب ليصل إلى مستوى التعسف والإهمال غير المبرر والاستخفاف بحياة طلبة الكلية”.
وتُعد هذه الحادثة هي الأولى من نوعها تسجل في الكلية العسكرية، الأمر الذي أثار تساؤلات كثيرة بشأن نوع التدريبات التي يتلقاها الطلاب والغذاء، ومدى مناسبة الأجواء المحيطة بهم أثناء التدريب.