ملفات الفساد تحاصر مصدر أدوية العراقيين
انفوبلس..
في جميع الوزارات العراقية توجد شركات عامة مرتبطة بها تقوم بمهام تنفيذية كالاستيراد والتصدير والتسويق وغيرها من المهام، تعمل أغلب تلك الشركات باستقلالية تامة أو شبه تامة، فبعضها -وخصوصا الكبيرة منها- تمتلك ميزانياتها الخاصة بعد وصولها إلى الاكتفاء الذاتي فيما يتم تمويلها من الموازنة الاتحادية بين الحين والآخر بحسب الحاجة، وبعضها الآخر تُموّل من ميزانيات الوزارات المرتبطة بها.
وزارة الصحة لديها "كيماديا"، أو (الشركة العامة لاستيراد وتسويق الأدوية والمستلزمات الطبية)، وهي شركة -كما يشير اسمها- عامة تختص بمهام استيراد وتسويق الأدوية والمستلزمات الطبية أُسِّست سنة 1964، يحكمها قانون الشركات العامة رقم 22 لسنة 1997 المعدّل ونظامها الداخلي المرقم 1 لسنة 1999.
الشركة تُدار من قبل مجلس الإدارة الذي يتكون من المدير العام رئيس مجلس الإدارة وثمانية أعضاء، وتتضمن 17 قسما و4 شعب و5 مخازن في المحافظات، إضافة إلى معهد المصول واللقاحات ومصادر تمويلها حاليا 6,5% من العقود المُبرَمة، وهي وحدة اقتصادية مُموّلة ذاتيا ومملوكة بالكامل للدولة وتتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري وتعمل وفق أسس اقتصادية وترتبط بوزارة الصحة ومركزها الرئيسي في بغداد.
تعلن الشركة أن أبرز أهدافها تتلخص بالإسهام في دعم الاقتصاد الوطني بتوفير الأدوية والمستحضرات الطبية الدستورية والخاصة والمستلزمات والتجهيزات الطبية والمواد المختبرية والأدوات الاحتياطية للأجهزة الطبية والخدمية والمواد الكيمياوية التي تدخل في عملية صناعة وتحضير المصول واللقاحات سواء استُعملت لأغراض طبية أو لأغراض أخرى عن طريق استيراد هذه المواد من الخارج أو تحضيرها وتصنيعها في العراق وتوزيعها على المؤسسات الصحية الحكومية وغير الحكومية، فضلا عن القيام بصيانة الأجهزة الطبية والخدمية، والمساهمة في صناعات أخرى للأدوية والمستلزمات الطبية والمصول واللقاحات في العراق والدول العربية والأجنبية.
يصف مراقبون "كيماديا" بأنها (أكبر من شركة وأقل من وزارة)، وذلك بسبب أهميتها الكبيرة وتخصيصاتها المالية الضخمة وتماسها المباشر مع حياة المواطنين وأوضاعهم الصحية، وهذا ما يجعلها مطمع الفاسدين، حيث كشفت هيئة النزاهة في فترات متعددة بعض ملفات الفساد في الشركة وفتحت تحقيقاتها بهذا الخصوص، الأمر الذي دفع الحكومة الحالية لوضعها على رأس اهتماماتها وتطهيرها من الفساد.
ملفات الفساد في كيماديا..
في الأعوام القليلة الماضية بدأ الحديث بكثرة عن الشركة العامة لتسويق واستيراد الأدوية والمستلزمات الطبية، حيث كشف عضو مجلس النواب السابق جواد الموسوي عام 2019، عن “ضياع وهدر كبير” في المال العام بسبب اعتماد وزارة الصحة على “وسطاء ومجهِّزين ثانويين” في عقود الأدوية والأجهزة الطبية مع الدول المصنّعة، فيما أشار إلى قيام مصانع محلية بـ”استيراد أدوية ومستلزمات طبية جاهزة، وبيعها للوزارة على أنها منتج محلي”.
وذكر أن “على وزارة الصحة أن تلجأ إلى إجراء عقود ذات صبغة سيادية مع بلدان المنشأ والدول المصنِّعة للأدوية والأجهزة الطبية، وبصورة مباشرة، وأن تبتعد عن العقود الثانوية والتجهيز عبر الوسطاء، وبذلك تتخلص من شبهات الفساد والأسعار العالية”، لافتا إلى أن “هناك الكثير من العقود الحالية لشركة (كيماديا) تمت عبر وسطاء وعن طريق مجهزين ثانويين، أدّت إلى ضياع وهدر كبير في المال العام”.
وأضاف، أن “بعض مصانع الادوية المحلية تمارس عمليات استيراد لأدوية أو مستلزمات طبية جاهزة من الهند والصين واعادة تجهيزها وبيعها الى وزارة الصحة على انها منتج محلي”، مبينا أن هذه “عملية غش واضحة ومرصودة”.
وفي وقت لاحق من العام ذاته كشف النائب باسم خشان عن صفقة شراء أجهزة لحفظ الدواء بأسعار تفوق قيمتها الحقيقة في السوق بخمسة أضعاف على أقل تقدير.
ظهر النائب باسم خشان خلال حوار تلفزيوني، عرض خلاله صوراً لـ "الثلاجات" التي أنفقت دائرة صحة المثنى مليارات لشراء 160 منها، مع نسخة من العقد الموقَّع في عام 2013، مبينًا أن "الثلاجات جاءت بنوعين الأولى صغيرة بسعر 41 مليون و750 ألف دينار للثلاجة الواحدة، والثانية بقيمة 36 مليون و750 ألف دينار".
وأضاف خشان، أن "دائرة صحة المثنى اشترت 60 ثلاجة من النوع الصغير و100 من النوع الآخر بقيمة 6 مليارات و180 مليون دينار، وفق العقد المرقَّم 730 في عام 2013"، كما يُشير العقد إلى أن عددًا من موظفي الدائرة سافروا إلى الدنمارك لـ "التدرب" على استخدام "الثلاجات".
وعاد خشان في عام 2020، وتحدث عن أن "شركة كيماديا متورَّطة في أكبر عملية فساد في كل الوزرات، وتتحكم بأموال طائلة، ولديَّ دعوى قضائية ضدها أمام محكمة تحقيق النزاهة في الرصافة، بسبب تزويرهم صفقة عقود متعلقة بالثلاجات".
وأضاف خشان، أن "مراجعة عقود كيماديا ستوفر مليارات الدولارات التي تعود لخزينة الدولة"، مبيناً أن "وزير الصحة هو من يختار الاشخاص الذين يعيّنهم عن كيماديا لتمرير صفقاتهم، ويستفيد منها الوزير الحالي أو السابق".
الخبيرة الاقتصادية، سلام سميسم، تشير إلى أن وزارة الصحة تشهد استقتالا بين مختلف الأطراف لاقتسام المواقع الحسّاسة، لأنها مرتبطة بصفقات الأدوية وبيعها.
وتضيف أن تسويق الأدوية في وزارة الصحة هو المنفذ الأساسي لفساد الوزارة وفساد ملف خطير جدا في العراق، ألا وهو ملف الدواء.
وتوضح أن شركة كيماديا تتعامل مع شركات لاستيراد وتوزيع الأدوية في العراق، يستوردون ولديهم مخصصات للاستيراد وخاصة لأمراض السرطان والأمراض المستعصية المتعلقة بالإشعاع والأدوية الباهظة، مبينة أن الحكومة تتكفل بتأمين الموارد المالية لعمليات الاستيراد، عبر تخصيص جزء من الموازنة، ولكن في حقيقة الأمر الأدوية غير متوفرة.
وفي تقرير نشرته "رويترز" عام 2020، ذكر وزير الصحة الأسبق علاء الدين علوان أن نسبة تتجاوز 85 في المئة من أصناف الدواء على قوائم الأدوية الأساسية في العراق كانت إما موضع نقص في الإمدادات أو غير متوفرة على الإطلاق في 2018.
وأدوية السرطان من أندرها وأكثرها عرضة للتهريب لأسباب منها ارتفاع أثمانها.
ويقول مسؤولون بجهات تنظيمية ومستوردون من القطاع الخاص إن بعض الشركات الدولية تتجنب إبرام تعاملات مباشرة مع الحكومة العراقية بسبب الفساد وعدم الاستقرار.
وسلّم علوان وزير الصحة السابق بخطورة الفساد فقال ”بكل صراحة أيضا قضية الفساد الإداري الموجود في العراق تشكل عقبة في هذا المجال“.
وتستورد الحكومة الدواء والمعدات الطبية من خلال الشركة العامة لتسويق الأدوية والمستلزمات الطبية المعروفة باسم كيماديا.
وأصرّ مدير عام الشركة على أن العلاقة مع شركات الأدوية طيبة لكنه سلّم بأن كيماديا شركة عتيقة ولا تحظى بتمويل كافٍ وتفشل في كثير من الأحيان في تلبية الطلب.
وقال مدير عام الشركة مظفر عباس الذي استعان به الوزير السابق علوان لتطوير العمل بها ”تأخير إقرار الميزانية ممكن أن يؤثر على تأخر الدراسة لأنه لا يجوز البدء بالدراسة والإحالة ما لم تكن هناك تغطية مالية“.
وأضاف، وفقاً لرويترز ”واحد من العوامل التي تسبب تأخير الدراسة لما يكون هناك تذبذب في الاحتياج أو تغيير في الاحتياج يؤثر على الدراسة“. وتمتلئ الصيدليات بالأدوية المهرّبة التي ربما تجاوز بعضها تاريخ الصلاحية أو أصبح استخدامه غير مأمون العواقب.
ولا يستطيع العراق أيضا التعويل على الصناعة المحلية في إنتاج الأدوية، فقد اختلف الوضع اختلافاً كبيراً عما كان عليه في الستينيات والسبعينيات عندما كانت الرعاية الصحية بالعراق موضع حسد في منطقة الشرق الأوسط.
فقد كان العراق ثاني دولة بعد مصر تدخل مرحلة تصنيع الدواء، أما الآن فيقف مصنعان كبيران مملوكان للدولة شاهداً على مدى الانحطاط الذي حلّ بالصناعة، حيث يقع المصنع الأول في الموصل وقد لحق به الدمار بسبب سيطرة تنظيم داعش على المنطقة، أما الثاني فيقع في سامراء شمالي بغداد ويعمل بمعدات عتيقة، وتتولى عاملات تجميع مستلزمات علاج البثور بأشرطة مطاطية بينما يتولى عمال من الرجال تعبئة العُلب يدوياً.
وفي عام 2022، كشفت هيئة النزاهة في بيان أنها "تمكنت من ضبط العقود والمُستندات الخاصَّة بقيام وزارة الصحَّة بشراء كميَّاتٍ كبيرةٍ من جهاز ماسك سيباب (cpap) (قناع وجه) صيني المنشأ"، مُبيّنةً أنَّ "قيمة تلك الكميَّات بلغت (24,050,000) مليون دولارٍ أمريكيٍّ".
وأشارت إلى أن "فريق عمل مُديريَّة تحقيق بغداد، الذي انتقل إلى وزارة الصحة – شركة كيماديا، بضبط أصل ثلاثة عقود لشراء أجهزة ماسك"، مُوضحةً أنَّ "العقد الأول يخصُّ دائرة صحَّة ميسان بقيمة (5,200,000) ملايين دولارٍ، أمَّا العقد الثاني الخاصُّ بدائرة صحَّة النجف فتبلغ قيمته (9,100,000) ملايين دولارٍ، فيما يعود العقد الثالث البالغة قيمته (9,750,000) ملايين دولار لدائرة صحَّة المثنى".
وأضافت: "تمَّ تجهيز دوائر الصحَّة في مُحافظات صلاح الدين والمُثنى والنجف بـ(350,000) ألف قناعٍ لكلٍّ منها، فيما تمَّ تجهيز دائرة صحَّة ميسان بـ(200,000) ألف قناعٍ"، مُنوِّهةً بأنَّ "بعض المُستشفيات في تلك المحافظات رفضت تسلُّم الكميَّات الكبيرة من الأقنعة؛ لعدم الحاجة إليها، الأمر الذي تسبَّب بحصول هدرٍ كبيرٍ في المال العام".
وذكر البيان، أن "الهيئة سبق أن أعلنت عن تنفيذ عدَّة عمليَّات في المُحافظات لضبط أجهزة ماسكٍ، حيث ضبطت في المثنى (160,000) ألف جهاز، إضافة إلى تجهيز (250,000) ألف جهازٍ في كربلاء، ممَّا أدَّى إلى هدر (8,493,750,000) مليارات دينارٍ، أمَّا في محافظة صلاح الدين، فقد أصدرت المحاكم المُختصَّة أمرًا باستقدام المُدير العام لدائرة الصحَّة في صلاح الدين سابقًا؛ لقيامه بتجهيز كميَّاتٍ كبيرةٍ من أجهزة سيباب بقيمة (7,238,400,000) مليارات دينارٍ دون الحاجة الفعلية لها".
وفي نهاية العام الماضي، كشفت الهيئة أن "عمليات التفتيش التي قام بها فريق تحقيق ذي قار في مستشفى الحسين التعليمي أكد وجود حاويات كبيرة تحوي أجهزة طبية بقيمة 8 ملايين و448 ألف و862 دولار تعاقدت على تجهيزها الشركة العامة لتسويق الأدوية والمستلزمات الطبية كيماديا مع شركة (HT) الألمانية" مبينةً أن "الاجهزة متروكة في المستشفى منذ عام 2014".
وأشارت إلى أن "قاضي التحقيق المختص قرّر مفاتحة وزارة الصحة لإجراء التحقيق الإداري، لبيان وجود مخالفات بعملية التجهيز، وعدم إدخال المواد مخزنياً".
من جانب آخر، أفادت الدائرة بـ"ضبط أوليات جهاز SCAN PET لم يتم إدخاله الخدمة منذ شرائه عام 2019"، لافتة إلى أن "الجهاز الذي تم شراؤه بمبلغ مليارين و290 مليون دينار تعرض للاندثار؛ لعدم استفادة الدائرة منه؛ نتيجة عدم إدخاله للخدمة منذ تجهيزه ونصبه، الأمر الذي أدى إلى إلحاق الضرر بالمال العام".
وكشفت عن "وجود تلاعب وتزوير في كتب مزعوم صدورها عن قسم الحماية الاجتماعية في ذي قار، وقام إثر ذلك بإجراء التحري في قسم الحماية الاجتماعية وشركة (كي كارد)"، مؤكداً أن "الفريق تمكن من ضبط 30 كتابا مزعوما صدوره عن القسـم معنونا إلى شـركـة كي كارد - مركز خـدمة الزبائن؛ لغرض إصدار بطاقات ذكية لمستفيدي شبكة الحماية الاجتماعيـة".
ولفتت الدائرة إلى "ضبط أختام وكتب ومخاطبات تعود لعدة دوائر، ووصولات ومعاملات قطع أراض وأختام لأشخاص ومحال تجارية في دار رئيس لجنة المتابعة في ديوان محافظة ذي قار"، موضحة "قيام المتهم بتزوير أختام واستعمالها في إصدار محررات رسمية ووصولات استلام معاملات قطع أراض، وترويج معاملات لمواطنين لقاء مبالغ مالية".