موقف كردي "غامض" تجاه فلسطين المحتلة.. إليك الأصوات المندّدة بالعدوان الصهيوني في الإقليم
انفوبلس/ تقرير
فجوة على الساحة السياسية والشعبية في إقليم كردستان العراق، هذا ما أظهرته الحرب بين الكيان الصهيوني والمقاومة الفلسطينية الجارية الآن في الأراضي المحتلة، حيث تنقسم المواقف بين جهة تستند إلى منطلق ديني إنساني لمناصرة "حماس" والفلسطينيين بكونهم شعباً "قابعاً" تحت احتلال يمارس جرائم وفظائع بحق المدنيين، وجهة مقابلة تتبنى موقفاً رافضاً لسياسات "حماس".
*الموقف الرسمي
وسارعت حكومة الإقليم مؤخراً، عبر بيان صدر باسم ناطقها الرسمي بيشوا هورامي، إلى إدانة الهجوم الصهيوني، أكد فيه أن "خيار الحرب لن يحل الخلافات"، داعياً المجتمع الدولي إلى "تكثيف مساعيه لحماية المدنيين والأبرياء".
بدا نافراً أن حكومة إقليم كردستان لم تنتقد في بياناتها الرسمية "إسرائيل"
وفي المواقف، بدا نافراً أن حكومة إقليم كردستان لم تنتقد في بياناتها الرسمية إسرائيل، مكتفيةً بإدانة الحرب، الأمر الذي يُرجعه مراقبون إلى رغبتها في الحفاظ على علاقتها مع الولايات المتحدة، الداعمة للعدوان على غزة.
كما تصف أوساط سياسية، موقف حكومة الإقليم من الحرب في فلسطين بأنه "خجول" لا يرقى إلى مستوى الحدث، ويعطي انطباعاً عن تعاطف غير معلن للإسرائيليين، إذ أكد رئيس "جماعة العدل" الإسلامية المعارضة، علي بابير، أن "ما حدث بين المناضلين الفلسطينيين والمحتلين الصهاينة، هو تطبيق لكلام الله تعالى"، وشدد على أن "أي شخص لا يدعم مسلمي فلسطين، فهو كمسلم وككردي ستكون عليه علامة استفهام". بينما وصف القيادي في الجماعة عبد الستار مجيد، هجوم "حماس" على إسرائيل بأنه "بطولة غير مسبوقة للشعب الفلسطيني المظلوم والمحتل ضد طغيان ووحشية النظام الصهيوني المدعوم منذ 100 عام من قبل أميركا والغرب"، لافتاً إلى أن "الشعب الكردي يعاني مثل الفلسطينيين من اضطهاد واستعباد، وتاريخهم مليء بالدماء والإبادة الجماعية".
ودعا نحو 500 من رجال الدين المسلمين في الإقليم المجتمع الدولي إلى "وقف الحرب ضد قطاع غزة"، وحضوا حكومة الإقليم على "إبداء دعم صريح للشعب الفلسطيني وقطاع غزة بغية إسكات الأصوات التي تتهم الكرد بالتعاطف مع اليهود"، مؤكدين أن "دعم إخواننا في غزة له أهمية قصوى، لأننا أجيال القائد صلاح الدين الأيوبي محرر القدس الشريف من سطوة اليهود، وأن الشعبين الكردي والفلسطيني كلاهما مضطهدان وقضيتهما متشابهتان".
وغالباً ما واجهت القوى الكردية الحاكمة في الإقليم بخاصة الحزب "الديمقراطي" بزعامة مسعود بارزاني، الذي يقود حكومة الإقليم بالشراكة مع منافسه التقليدي حزب "الاتحاد الوطني" بزعامة بافل طالباني، تهمة ارتباطها بعلاقات سرية مع "إسرائيل"، بخاصة أن الأخيرة كانت الدولة الوحيدة التي أعلنت رسمياً دعمها لخوض أكراد العراق استفتاء للانفصال عن العراق عام 2017، كما كانت داعمة لثورتهم المسلحة ضد الأنظمة العراقية المتعاقبة في العقدين السادس والسابع من القرن الماضي.
وفي رد على الانتقادات الموجهة ضد الحكومة، قال العضو البارز في الحزب "الديمقراطي" عبد السلام برواري، إن "الموقف الرسمي الكردي واضح، والذي صدر عن رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني في منتدى عقد أخيراً في أربيل، أكد فيه على نقطتين رئيسيتين، الأولى وهي أن للشعب الفلسطيني الحق الشرعي ليتمتع بدولة وأن يعمل الجميع من أجل تحقيقه، والثانية المتعلقة بتطورات الحرب الجارية هي أن التجارب والتاريخ يثبتان أن العنف واللجوء إلى لغة السلاح كأسلوب لحل المشكلات السياسية كانت نتائجه على الدوام مأساوية، وأن الحل يكمن في الحوار، وهذا الموقف كان محل ترحيب على الساحة العربية"، واستدرك أن "الإقليم باعتباره جزءاً من دولة العراق، لا يمكن أن يعلن عن موقف أكثر مما قدمه، لأن الموقف الرسمي يصدر من العاصمة بغداد".
وسبق أن تعرض الأكراد إلى انتقادات حادة حين شوهد رفع أعلام إسرائيلية في أكثر من مناسبة، آخرها كان في احتفال ترويجي لدعم الانفصال، كما واجه الإقليم حملة استنكار في أعقاب عقد منظمة أميركية مؤتمراً في أربيل لدعم السلام مع إسرائيل مطلع خريف عام 2021، إلا أن حكومة الإقليم نفت لاحقاً إعطاءها موافقة لعقد المؤتمر، وأنه جرى "من دون علمنا ولا يعبر عن موقفنا".
وخاض مسؤولون ونواب سجالاً حامياً إزاء المواقف التي صدرت محلياً بعد هجوم "حماس" والرد الإسرائيلي. فقد قال القيادي السابق في "الديمقراطي" سرو قادر، إن "الذين يدعمون الآن حركة حماس في كردستان، دعموا سابقاً التنظيمات الإرهابية مثل داعش وأنصار الإسلام، وكانوا جزءاً من حركة أنصار الإسلام الكردية المتشددة، التي تشكلت من بقايا تنظيم القاعدة".
ما الذي قدمه الإسرائيليون بكل إمكاناتهم المهولة لشعبنا الكردي؟
بينما اعتبر النائب السابق البارز في برلمان الإقليم علي محمد صالح، موقف قادر بأنه "تجاوز على مشاعر مئات الآلاف من المسلمين الكرد لأن القضية الفلسطينية وتنظيم داعش مختلفتان إلى أبعد الحدود"، وقال "أنتم إذا كنتم وطنيين، لماذا تلتزمون الصمت على الاحتلال التركي لغرب كردستان (المناطق الكردية في سوريا)، وما ترتكبه أنقرة من جرائم بحق الكرد هناك؟ ثم هل من الجائز غض النظر عن مصير سكان يتجاوز عددهم 2.8 مليون شخص، لمجرد أن مواقف قادتهم السياسيين كانت مناصرة للأتراك؟"، وختم متسائلاً "ما الذي قدمه الإسرائيليون بكل إمكاناتهم المهولة لشعبنا الكردي؟".
من جهة أخرى، ذهب آخرون إلى أبعد من ذلك بوصف الشعبين الكردي والفلسطيني ضحيتين واقعتين تحت قيادات "منتفعة تفتقر للحكمة"، وفق المحلل السياسي سرتيب جوهر، الذي يرى أن "الشعبين الفلسطيني والكردي يناضلان منذ عقود من أجل التحرر، ومن سوء حظهما أنهما كانا ضحية أقلية حاكمة تحتكرها عائلات وقوى تبغى مصالح شخصية.
المواقف الرسمية في إقليم كردستان تجاه ما يجري في غزة وفلسطين غائبة تماماً، بينما الموقف الشعبي الكردي أظهر تعاطفه الشديد
أمّا السياسي الكردي المعارض، ياسين عزيز، فيرى أن "المواقف الرسمية في إقليم كردستان تجاه ما يجري في غزة وفلسطين غائبة تماماً، بينما الموقف الشعبي الكردي أظهر تعاطفه الشديد، على رغم صمت حكومة الإقليم". ويلفت عزيز، إلى أن "الأحزاب الإسلامية الكردية عبّرت عن مواقف مساندة بقوة لفلسطين، ولا سيما بعد أحداث غزة وما تعرّض له القطاع وأهله من عدوان إسرائيلي وحشي". ويلاحظ أن "البيان الرسمي للإقليم الذي دان قصف مستشفى المعمداني لم يسمّ الطرف المعتدي"، مرجّحاً "عدم صدور مواقف رسمية قوية من جانب حكومة الإقليم أو الأحزاب الرئيسة، لغرض عدم إثارة حفيظة الولايات المتحدة، الداعم الأكبر لإسرائيل، وخاصة أن الإقليم عانى لفترة من تبعات فتور علاقاته مع الولايات المتحدة، بينما الآن يمرّ في مرحلة ترميم هذه العلاقة لإعادة موقعه القوي في الخريطة السياسية في العراق".
ويتابع أن "القضية الفلسطينية لم تعُد شأناً مهماً لدى الطبقة السياسية في الإقليم، وخاصة أن القيادة الكردية تتلمّس مواقف عربية خجولة من القضية الفلسطينية". ويرى السياسي الكردي أن "القواسم التاريخية المشتركة بين الكرد والفلسطينيين تفرض على القيادة الكردية التعبير عن مواقف أقوى تجاه ما يتعرّض له شعب فلسطين، ولا سيما في أحداث غزة، تتوافق مع نبض الشارع الكردي المتعاطف مع فلسطين".
*العلاقات بين إقليم كردستان العراق والكيان الصهيوني
مع أن تاريخ التعاون بين أكراد العراق والكيان الصهيوني يعود إلى فترة ما قبل تأسيس الكيان الصهيوني في عام 1948. لكن العهد الجديد من التعاون بين أكراد العراق والصهاينة يمكن قراءته وتحليله بشكل آخر بعد ما يسمى بالهجمات الإرهابية في 11 أيلول (سبتمبر) 2001 والأحداث التي أعقبت ذلك في منطقة غرب آسيا. بعد الحادي عشر من سبتمبر، وعندما بدأ الحديث عن غزو أمريكي للعراق، تم تعزيز تعاون وكالات التجسس الإسرائيلية مع أكراد العراق بشكل جدي. وبلغ هذا ذروته في عام 2003 أثناء غزو التحالف بقيادة الولايات المتحدة للعراق وإسقاط حكومة صدام. في الواقع، مع الاحتلال العسكري الأمريكي للعراق، وضعت التنظيرات والمخططات جديدة للصهاينة بشأن الوضع الدولي والبيئة الإقليمية، أجندة جديدة أمام الكيان الصهيوني. الكيان، بحصته من الحرب المعلنة في العراق، جعل شمال البلاد الذي يسيطر عليه الأكراد مركز ثقله. واستخدم العلاقات السابقة كأساس لأعمالها وخططها الجديدة.
بالنظر إلى الموقف الأمريكي بعد الاحتلال والمخاوف من استمرار عدم الاستقرار في العراق، قرر الكيان الصهيوني تعزيز موقعه في شمال العراق من خلال خطة سرية واستراتيجية. وكان هذا قرار "شارون" رئيس الحكومة الصهيونية الأسبق والذي خصص له موارد مالية كبيرة. خطة الكيان الصهيوني، المعروفة باسم "الخطة ب"، اقترحها ضباط أمن سابقون في الكيان الصهيوني.
في عام 2004، أكد الصحفي الأمريكي سايمون هيرش في مقال له أن الصهاينة خلصوا إلى أن الأمريكيين سيفشلون في مشروعهم لإرساء الديمقراطية وتحقيق الاستقرار في العراق، وأن عواقب هذا الفشل يجب أن تؤخذ بالاعتبار؛ لذلك يجب دعم تفكك العراق وتحريك أكراد العراق في هذا الاتجاه. كانت هذه الخطة ولا تزال هي المحور الرئيسي لنهج الصهيونية تجاه كردستان العراق طوال السنوات التي تلت عام 2003. لذلك، منذ عام 2003، أقام الصهاينة قواعد سرية في كردستان العراق، وهي أماكن لتدريب القوات وإرسال الأسلحة والتجهيزات. دخل عملاء الموساد المنطقة عبر تركيا على شكل مهندسين ومزارعين بجوازات سفر غير إسرائيلية. خلال هذه السنوات، أنشأ الكيان الصهيوني سرا قواعد بيانات في إقليم كردستان؛ وسعوا وراء أهدافهم الأمنية والتجسسية في المنطقة من خلال هذه القواعد.
إضافة إلى ذلك، وضع الصهاينة عدة مشاريع مهمة على جدول الأعمال في السنوات منذ عام 2003. على المستوى الشعبي، سعت وسائل الإعلام والمؤسسات البحثية الصهيونية تاريخياً إلى تأسيس أصل مشترك بين اليهود والأكراد، ويدعون بأن اليهود عاشوا في كردستان قبل الانتقال إلى فلسطين وأن الشعبين يشتركان في تاريخ وعرق مشترك. في السنوات التي تلت عام 2003، وضع الكيان الصهيوني أيضًا على جدول الأعمال سياسة إعادة 90 ألف يهودي كردي يعيشون في الأراضي المحتلة إلى شمال العراق. بعد ذلك، وعلى مدى العقدين الماضيين، تحولوا إلى سياسة تملك الأراضي والممتلكات في المناطق الخاضعة لسيطرة بارزاني. فقد كانوا يحاولون شراء أراض في مناطق شمال العراق من خلال تخصيص مبالغ كبيرة من الأموال والقروض، وتوطين الأكراد الصهاينة في إقليم كوردستان من أجل التعاون مع سياسات المخابرات والتجسس للكيان الصهيوني.
على صعيد آخر، وضع الصهاينة جواسيسهم في إقليم كردستان العراق كتجار أو رجال اعمال. تشير الدلائل إلى أن حوالي 150,000 يهودي قد تم ترحيلهم إلى كردستان العراق تحت عناوين مختلفة في السنوات الأخيرة. بالإضافة إلى ذلك، تسعى وكالة التجسس التابعة للموساد إلى التعاون الأمني والاستخباراتي مع الدوائر الاستخباراتية التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي في شكل إرسال معدات استخباراتية واتصالات. أيضًا، بعد ظهور داعش في العراق في أواخر عام 2013 وتشكيل خلافة أبو بكر البغدادي المزعومة في عام 2014، دافع المسؤولون والقادة الصهاينة علنًا عن فكرة استقلال الإقليم الكردي وتقسيم العراق. في عام 2014، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عن الدعم كامل لاستقلال المنطقة الكردية، وأن تل أبيب ستبذل قصارى جهدها للدفاع عن الخطة الكردية لإجراء استفتاء وإعلان الاستقلال. منذ هذه اللحظة كانت الخطة الصهيونية لإجراء استفتاء على جدول أعمال مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان.
في هذا الصدد، كان الكيان الصهيوني في عام 2017 أحد الداعمين الرئيسيين لإجراء استفتاء الاستقلال في إقليم كردستان. لقد دعم مسؤولو هذا الكيان بشكل صريح استقلال إقليم كوردستان بشكل متكرر، بل أكدوا استعدادهم للتعاون مع السلطات السياسية في الإقليم. خلال هذه الفترة، تم رفع علم الكيان الصهيوني مرارًا وتكرارًا بجانب العلم المحلي لإقليم كردستان العراق. حتى الأكراد في مختلف محافظات العراق، وهم يحملون أعلام الكيان الصهيوني، أشاروا صراحة إلى أن الاستفتاء على استقلالهم كان خطة صهيونية.
في الواقع، كان الكيان الصهيوني المؤيد العام الوحيد لاستقلال كردستان وانفصالها من خلال استفتاء. حتى في سبتمبر 2021، عُقد لأول مرة مؤتمر غير رسمي حول تطبيع العلاقات بين العراق والكيان الصهيوني في إقليم كردستان العراق، والذي تعرض لانتقادات واسعة، ووصفتها الحكومة المركزية العراقية بأنها قمة "غير شرعية". وكان المؤتمر قد عقد برعاية مركز اتصالات السلام في نيويورك، مع التركيز بشكل خاص على تطبيع العلاقات العربية مع الكيان الصهيوني. كان من الواضح أن هذا المؤتمر يهدف إلى دعم عملية تطبيع العلاقات بين الدول العربية والكيان الصهيوني التي فشلت فشلاً ذريعاً بالطبع. وبسبب موجة الانتقادات الكبيرة للمؤتمر، لدرجة أن حكومة إقليم كردستان وصفته بأنه غير قانوني وضد إرادتها.