نجم الجبوري والملفات المتراكمة.. كيف تحوّل جنرال واشنطن في الموصل إلى مرشح مُستبعد ومحافظ مستقيل تطارده المساءلة والعدالة؟
انفوبلس/..
لم يكن قرار الهيئة القضائية للانتخابات باستبعاد نجم عبد الله عبد صالح الجبوري من الترشح لانتخابات مجلس النواب العراقي 2025 مجرد إجراء قانوني روتيني، بل بدا كأنّه فصل جديد من فصول الرجل الذي عرفه العراقيون جنرالًا عاد من واشنطن ليقود معارك الموصل، ثم محافظًا مثيرًا للجدل في نينوى، قبل أن يتحول إلى شخصية تتنازع حولها المؤسسات، بين استثناء حكومي لم يكتمل، وملفات فساد مفتوحة، واستجوابات متراكمة، ومسار طويل من الشبهات اللاحقة بحياته الإدارية والعسكرية.
فالقرار الأخير، الصادر بتاريخ 5 كانون الأول 2025 بإجماع الهيئة القضائية للانتخابات، لم يأتِ مفاجئًا لمن تابع مسار الرجل؛ لكن طريقة صدوره، وتوقيته، وتناقضاته مع قرارات سابقة للهيئة نفسها، أعادت فتح النقاش حول مفارقة تتكرر في الدولة العراقية: مرشح يُستبعد، ثم يُعاد، ثم يُستبعد مجددًا، بينما تستمر المؤسسة نفسها بالحديث عن “استقرار الإجراءات” و”وحدة معايير المساءلة والعدالة”.
قرار الاستبعاد… ومفارقات القانون والسياسة
بحسب القرار القضائي المرقم (980/الهيئة القضائية للانتخابات/2025)، قُبل الطعن المقدم من المواطن حسين علي صبيح، ونُقض قرار مجلس المفوضين رقم (3) الذي سمح للجبوري بخوض الانتخابات.
وجاء في القرار أنّ الوثائق التي استعرضتها المفوضية والهيئة التمييزية لمحكمة التمييز الاتحادية، إلى جانب كتاب مجلس النواب ونموذج الخدمة العسكرية، تثبت أن الجبوري كان: عضو فرقة في حزب البعث المنحل، ضابطًا في الاستخبارات العسكرية قبل 2003. وبالتالي فهو مشمول بإجراءات المساءلة والعدالة، ما يتعارض مع المادة (7/خامسًا) من قانون الانتخابات، ويقتضي استبعاده وحجب الأصوات عنه.
لكن المفارقة الأكثر إثارة أنّ الهيئة القضائية نفسها كانت قد أعادت الجبوري للانتخابات قبل ثلاثة أشهر فقط، في قرار صدر بتاريخ 26 آب، ناقضة قرار المفوضية التي استبعدته للأسباب ذاتها.
المساءلة والعدالة… بين نصوص جامدة واستثناءات سياسية
منذ 2003، شكّلت إجراءات “المساءلة والعدالة” مسارا معقدًا يتأرجح بين رغبة الدولة بمنع رموز النظام السابق من العودة، وبين رغبة الحكومات المتعاقبة بفتح المجال أمام بعض الشخصيات التي تحتاجها في ملفات الأمن أو الإدارة أو التوازنات السياسية.
نجم الجبوري كان واحدًا من هؤلاء الذين دخلوا المنطقة الرمادية. فالرجل:
• ضابط سابق في نظام صدام.
• شغل مواقع حساسة قبل 2003.
• ثم عاد ليشغل مناصب أمنية ومدنية بعد 2004.
• وحصل على دعم أمريكي واضح في أكثر من محطة.
بل إنّ مجلس الوزراء وضعه ضمن “قائمة الاستثناءات” من قانون المساءلة والعدالة، لكن الاستثناء لم يكتمل؛ فالبرلمان لم يصوّت عليه، وهو ما استند إليه الجبوري في استقالته عام 2023 من منصب المحافظ، قائلاً: “نظراً لعدم استكمال إجراءات استثنائي… ألتمس قبول استقالتي”.
وهذه واحدة من أغرب المفارقات: رجل تُسند له الدولة قيادة محافظة بحجم نينوى، وهي الأخطر أمنيًا وسياسيًا، وفي الوقت نفسه تقول إنّه غير مؤهّل للاستمرار في المنصب لأنه مشمول بالاجتثاث!
استدعاؤه من النزاهة… فصل آخر في المسار المتعثر
في 16 تشرين الأول 2025، فجّرت مصادر مطلعة خبراً جديدًا: هيئة النزاهة استدعت المحافظ السابق نجم الجبوري للتحقيق في ملفات تتعلق بتوزيع قطع أراضٍ “متميزة” على ضباط خلافاً للقانون، عبر التلاعب ببطاقات السكن ووثائق رسمية.
وتقول المصادر إن التحقيقات متواصلة، وقد تطال موظفين آخرين، ما يشير إلى حجم الملف وخطورته. ومع أنّ الجبوري نفى سابقًا تورطه في “ملفات فساد”، فإن سلسلة التقارير والاتهامات النيابية المتراكمة خلال السنوات الماضية تعطي صورة مختلفة تمامًا.
فهناك من يرى أنّ “الإدارة في نينوى كانت تعيش على قاعدة التوازنات ومراكز النفوذ”، وأن الجبوري لم يكن قادرًا — أو ربما غير راغب — في محاسبة بعض الشبكات، خصوصًا تلك المرتبطة بمشاريع الإعمار.
السوداني يقبل الاستقالة… وتغيير محافظ نينوى
في 27 تشرين الثاني 2023، وافق رئيس الوزراء محمد شياع السوداني على قبول استقالة الجبوري، وكلّف عبد القادر الدخيل بإدارة المحافظة.
بينما صدر بيان عن مكتب رئيس الوزراء يؤكد أنّ الاستقالة جاءت بعد ردّ البرلمان على طلب الاستثناء الذي أقرّه مجلس الوزراء، مما ألغى أي أساس قانوني يسمح له بالبقاء.
رحلة ضابط بعثي ثم مسؤول أمريكي الهوى ثم قائد معركة الموصل
وُلد الجبوري عام 1956 في القيارة، وتدرج في الجيش العراقي حتى وصل رتبة عميد عام 1999. خدم في الدفاع الجوي وكان عضو فرقة في حزب البعث.
بعد 2003، بدا واضحًا أنّ الولايات المتحدة رأت فيه شخصية يمكن إعادة تدويرها، ليس فقط لتاريخه العسكري، بل لكونه أحد العراقيين الذين تلقوا تدريبًا أكاديميًا وأمنيًا في مركز الدراسات الإستراتيجية في واشنطن، وهو مركز تابع للبنتاغون ويعد بمثابة “غرفة تفكير” لصناعة السياسات الأمنية.
عمل في:
• شرطة غرب نينوى
• قائم مقام تلعفر
• ثم هاجر فجأة إلى واشنطن عام 2008
• ليظهر كمحاضر وباحث في مركز NESA
• وينشر مقالات في نيويورك تايمز يصف فيها تجربته الأمنية ويهاجم ما سماه “تسييس الأجهزة الأمنية في العراق”
ثم عاد لاحقًا بعد صعود داعش، بضغط أمريكي — بحسب مصادر عديدة — ليكون قائد عمليات نينوى، وأحد أبرز الوجوه العسكرية في معركة الموصل.
الجبوري… علاقات أمريكية واسعة وموقف معادٍ للحشد الشعبي
تصفه مصادر برلمانية بأنه “جنرال واشنطن في الموصل”. فالرجل لم يخفِ يومًا علاقته بالولايات المتحدة، بل قالها صراحة في مقابلات: “علاقاتي مع الأمريكان ممتازة، وهم دعموني لمنع إحالتي إلى التقاعد.”
كما عُرف بموقفه الواضح ضد بعض فصائل الحشد الشعبي، خصوصًا اللواء 30.
ووفقًا للنائب الراحل حنين القدو، فإن الجبوري قدم تقارير “مهمة” ضد فصائل الحشد، وصلت إلى السفارة الأمريكية وجمعت بين الطابع الأمني والسياسي.
نينوى والإعمار… حين تختفي التريليونات
رغم سبع سنوات من التحرير، ما يزال الدمار يصرخ في الموصل. المستشفيات، المدارس، الجسور، الشوارع، المناطق القديمة… الكثير منها لم يُعمَّر.
الوثائق الحكومية تشير إلى صرف أكثر من 6 تريليونات و128 مليار دينار على مشاريع نينوى. لكن الواقع يقول إن أكثر تلك المشاريع متلكّئة، وبعضها لم يُنجز أصلًا.
النائب خالد العبيدي اتهم الجبوري بـ: "إضاعة ما يقرب من 3 تريليونات دينار،وتعطيل مشروع إعمار مستشفى، واستبدال أموال المشروع بتبليط طرق يسهل الفساد فيها، إضافة الى تفضيل مشاريع الطرق لأنها “البوابة الأسهل للعمولات”.
