نقد لاذع وجدل كبير لفيلم "إخفاء صدام".. فؤاد حسين مُعجب به وعلاء نامق "بالغ" بحماية المقبور.. ما قصة الحفرة؟ وبمَ وصفه النُقاد؟
انفوبلس/ تقارير
"إخفاء صدام حسين" عنوان مثير لفيلم سينمائي، يحمل العديد من التساؤلات حول هدفه وموضوعه وتوقيت ظهوره بعد رحيل المقبور بـ17 عاما، وكان السؤال الأهم حول مخرجه الكردي هالكوت مصطفى الذي قدم فيلما يتعاطف مع صدام وفق النقاد، رغم ما عاناه الأكراد على يده ، وقد أبقى مشروعه محاطاً بالسرية طوال رحلته التي استمرت 14 عامًا. حيث بالغ بطل الفيلم "علاء نامق" بحمايته للطاغية وضخّم من دوره كثيرا، في حين أبدى وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين إعجابه بالفيلم وهو ما عدّه النقاد بالمؤشر السلبي كون الوزير لم يراعِ ما فعله الطاغية بالشعب الكردي.
*القصة
يحكي الفيلم الذي عُرض على شاشة مهرجان البحر الأحمر السينمائى، قصةً عن كيفية قيام المزارع العراقي "علاء نامق" بإخفاء المقبور صدام من مطاردة القوات الأمريكية الكبيرة لمدة 235 يوما، وذلك بعد الإطاحة به من السلطة في أعقاب الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وقد اختبأ صدام، بينما قام ما يُقدر بنحو 150 ألف جندي بتمشيط الأرض بحثًا عن الشخص الذي أُطلق عليه اسم "الهدف عالي القيمة رقم واحد".
بشكل لا يصدق، تمكن صدام من الإفلات من القبض عليه لمدة ثمانية أشهر تقريباً، وخرج في النهاية ملتحياً متعباً منكسراً من حفرة صغيرة بُنيت لهذا الغرض تحت مشتل زهور بالقرب من مدينة تكريت، وبعد ثلاث سنوات تم شنقه.
لقطات الطاغية وهو يزحف من حفرة في الأرض في عام 2003 تعتبر لقطات أيقونية، ويروي الرجل الذي حفر تلك الحفرة كيفية قيامه، وهو مزارع عادي، بإخفاء الرئيس تحت مشتل الزهور في حديقته ويتحدث بتلقائية أمام الكاميرا عن اليوم الذي تم فيه اختيار منزله كمخبأ لهذا الرجل المطلوب الذي يطارده 150 ألف جندي أمريكي.
*تضخيم ومبالغة
مع تتابع الأحداث، تلمس كم أن القصة غنية بالمواقف من خلال مشاهد مُعاد تمثيلها لشخصية غامضة تجسد المقبور صدام، تتخللها مقاطع من التقارير الإخبارية التي ترصد الأوضاع في ذلك الوقت، لكن كل ذلك حدث بطريقة مبالغة وفق قول النقاد، كون "نامق" بالغ في حمايته للطاغية بعد أن أوصل فكرة بأنه أصبح الراعي والطبيب والطباخ ومصفف الشعر وسائقه والحارس الشخصي للمقبور صدام.
*فؤاد حسين "معجب" بالفيلم
ولعل أول وأبرز مؤشر سلبي على الفيلم بحسب النقاد، هو إعجاب وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين به، وحضوره المهرجان ومشاهدته الفيلم متناسياً الجرائم التي فعلها الطاغية بحق العراقيين بشكل عام والكرد بشكل خاص.
ويقول أحد النقاد، إن "مجرد حضور فؤاد حسين لهذا المهرجان يمثل نقطة سلبية في تاريخه، فما بالك بإبداء إعجابه بفيلم أظهر الطاغية بالمسالم وأبعد عنه مظاهر الديكتاتورية والظلم في أغلب مشاهده!".
*صُنع لتبرئة صدام!
في الفيلم، يُتيح المخرج الكردي الذي يحمل الجنسية النرويجية للمزارع علاء نامق أن يروي شهادته وقصته المذهلة أمام الكاميرا لأول مرة، موضحًا كيف ظهر "الدكتاتور المخلوع" في مزرعته دون سابق إنذار ثم قضى بها 235 يومًا خلال تلك الفترة.
التكيف الدرامي مع الحدث كان مفاجئاً في إضفاء "الجانب الإنساني" على الديكتاتور، ففي شهادته قال المخرج إنه بمجرد أن عثروا على صدام في الحفرة، شعر بالفضول لقد كان الرئيس "القوي"، فكيف انتهى به الأمر في هذه الحفرة؟ وظل يبحث لمدة عامين عن الرجل الذى أخفى صدام إلا أن ذكرت صحيفة واشنطن بوست اسمه في عام 2012، وأوصله لمكانه أحد الشيوخ العرب وجلس معه عقب خروجه من سجن أبو غريب الذى ظل به سبعة أشهر، ووجد أنه كان مجرد مزارع بسيط، وقد تم اختياره بالصدفة لإخفاء صدام عن عائلته وأصدقائه و150 ألف جندي.
وقال أيضا: "أهم شيء تعلمته هو مدى الصبر الذي يجب أن تتحلى به لتحكي قصتك. ولا يقتصر الأمر على سرد قصته فحسب، بل إضفاء الطابع الإنساني عليه ورؤية القصة من وجهة نظره. لقد رأينا دائما صدام حسين كديكتاتور، رئيس قوي. ولكن بعد ذلك تراه يفقد سلطته، ثم يتعلق الأمر بالتوازن ثم يتولى علاء المسؤولية".
*هدف سياسي
يقول الناقد المصري خالد محمود، إن "الرؤية التي ذكرها المخرج لم أنحَز لواقعيتها بل أُشكك في نواياها التي تسعى لتبييض وجه الزعيم".
ويضيف، (في روايته بالفيلم أراد علاء نامق أن يتحدث قبل وفاته ويخبر الناس بالقصة، وأن يقول الحقيقة وراء الحفرة، وكان من الواضح أن هناك طبيعة مثيرة لهذه القصة، فرغم أن "إخفاء صدام حسين" هو فيلم تمكن من تجاوز حدود العمل الوثائقي، خاصة بسبب أداء "البطل"، مع الاحتفاظ بالجوهر المعلوماتي للوسيط، من خلال الجمع بين الاعتراف المباشر للكاميرا مع الصور الدرامية ولقطات الأرشيف، إلا أن كلام نامق في النهاية أفسد روح الفيلم لسعيه إلى فرض رأيه على المُشاهِد، عندما قال "إنّ صدام كان طيباً وليس ديكتاتوراً"، بينما الأجدر به تقديم القصة بشفافية وترك الحكم للناس).
وختم بالقول، إنّ "الفيلم صُنع لتبرئة صدام، رغم تضمّنه عناصر فنية جيدة، طغى هدفه السياسي على الهدف الفني".
*تلميع لصورة الديكتاتور
أما الناقد الكويتي عبد الستار ناجي، فيرى أنّ رؤية الفيلم تنطلق من نظرة أُحادية من دون الالتفات إلى عذابات تركها الطاغية صدام في العراق والمنطقة، مضيفاً "إذا كان نامق لا يعلم، فهل تناسى المخرج عذابات الشعب الكردي؟ الفيلم حاول تلميع صورة ديكتاتور دمَّر بلده".
ويتنقد ناجي النهاية بجملة لنامق يقول فيها إنّ صدام "رجل طيب، عشتُ معه، وغسل ظهري وشوى اللحم لضيوفه، متناسياً أنه مَن قام بشواء شعب بكامله، وتسبّب بإعاقته وتهجيره".