هجمة كبيرة في مواقع التواصل ضد مساعي تعديل قانون الأحوال الشخصية.. انفوبلس تفصل النقاط الخلافية
انفوبلس/ تقرير
اضطر مجلس النواب العراقي إلى تأجيل القراءة الأولى لمقترح قانون تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 إلى إشعار آخر، في جلسة اليوم الأربعاء 24 تموز/ يوليو 2024، بعد عاصفة انتقادات من ناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي وقوى سياسية، ويسلط تقرير شبكة "انفوبلس"، الضوء على ردود الفعل وطبيعة النقاط الخلافية.
وبسبب الرفض لمشروع تعديل القانون تم تأجيل القراءة والتصويت عليه منذ عام 2019، وشهدت بغداد تظاهرات متكررة لنساء ورجال رافضين له، لتأتي التعديلات الجديدة المطروحة لتثير الجدل من جديد في العراق.
*تأجيل في مجلس النواب
أدرج مجلس النواب العراقي في الجلسة الثالثة من الفصل التشريعي الثاني - السنة التشريعية الثالثة - الدورة الانتخابية الخامسة، القانون للتصويت عليه، لكن بسبب الخلافات السياسية حول التعديل والاعتراض عليه، تم تأجيل القراءة الاولى لمقترح قانون تعديل قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 إلى إشعار آخر، وذلك بحسب بيان لدائرة الإعلامية لمجلس النواب ورد لشبكة "انفوبلس".
ومساء اليوم الأربعاء 24 تموز/ يوليو 2024، عقد مجلس النواب العراقي، جلسته الثالثة من الفصل التشريعي الثاني - السنة التشريعية الثالثة - الدورة الانتخابية الخامسة، والتي جرى خلالها التصويت على مشروع قانون التعديل الحادي والعشرين لقانون الملاك رقم (25) لسنة 1960، وكذلك إنهاء القراءة الأولى لمشروع قانون الخدمة والتقاعد لمجاهدي هيئة الحشد الشعبي، بالإضافة الى تأجيل القراءة الأولى لمقترح قانون تعديل قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 والقراءة الأولى لمشروع قانون التحكيم.
وبحسب مراقبين فإن ضغوطاً مدنية وموجة انتقادات لم تهدأ منذ أمس الثلاثاء أجبرت مجلس النواب على عدم مناقشة التعديل في جلسة الأربعاء.
*ردود الفعل
أكد ناشطون على منصة "x"، أن "تعديل قانون الأحوال الشخصية، سيُبيح زواج القاصرات، وحرمان المرأة من الميراث وحضانة الأطفال، كما أنه يتعارض مع العديد من الاتفاقيات الدولية التي وقع عليها العراق بخصوص حماية المرأة والطفل، حيث أطلقوا وسم (#كلا_لتعديل_قانون_الاحوال_الشخصية)".
إلى ذلك، أيد ناشطون تعديل القانون، لإنصاف الأب المنهك في سبيل عيش كريم لعائلته، بعد عقود من الظلم.
الناشط عمر حبيب قال إن "التعديل على قانون الأحوال الشخصية والذي سيصوت عليه مجلس النواب يوم الأربعاء يحرم الكثير من النساء من حقوقهن، منها اختيار مذهبهن بعقد الزواج ووضعه بيد الزوج وكذلك الحضانة والميراث والنفقة".
بينما الصحافي والكاتب بهاء خليل في معرض تعليقه: "مكتوب على الورقة، (موصى به من قبل المرجعية) أي مرجعية؟، وهل جميع العراقيين يتبعون المرجعية؟ هل من دليل على أن المرجعية أوصت بهذا القانون؟ مضيفا: "تذكرني هذه العبارة بقائمة الشمعة 555 الانتخابية الذي قالوا إن من لا ينتخبها تحرم عليه زوجته بفتوى من المرجعية".
وفي السياق ذاته، أكدت رئيس الجيل الجديد سروة عبد الواحد، رفضها لتعديل القانون، مبينة أنهم لن يقفوا مكتوفي الأيدي.
إذ قالت عبد الواحد في تدوينة لها عبر "x"، "رئاسة مجلس النواب حذرت من أن نتحدث عن البرلمان، ونحن نقول فعلاً إن البرلمان مؤسسة عريقة ولا أحد يستطيع المساس بها، لكن حينما تضع الرئاسة جدول أعمال وبناءً على طلب نائب واحد تقوم بتعديل قانون الأحوال الشخصية الذي يمس كل العراقيين فكيف نرد عليكم!".
وأضافت: "أولاً تمرير هذا التعديل يقسّم العراق، ثانياً من يتحدث باسم المرجعية ويقول إن المرجع الأعلى دعا إلى هذا التعديل لتقسيم العراق فعليه أن يعطينا دليلاً واضحاً وصريحاً على هذا الكلام"، مؤكدة "نرفض التعديلات ولن نقف مكتوفي الأيدي".
وأثار مشروع تعديل المادة 57 من قانون الأحوال الشخصية العراقي، جدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي وتحت قبة البرلمان، خصوصاً بعد إعلان مجموعة من أعضاء مجلس النواب وقوفهم ضد تمرير هذا التعديل.
ويأتي هذا الجدل كون تعديل هذه المادة سيقضي بحضانة الطفل للأب، وهو ما يدفع إلى استغلال الأطفال في الخلافات الأسرية، ويزيد من حالات الطلاق في البلاد، وفق مشرعين.
وينص قانون الأحوال الشخصية العراقي النافذ رقم 188/ لسنة 1959 على "منح حق الحضانة إلى الأم استنادا الى نص المادة (57) فقرة 1 والتي نصت على أن (الأم أحق بحضانة الولد وتربيته حال قيام الزوجية وبعد الفرقة ما لم يتضرر المحضون من ذلك، كما يشترط القانون أن تكون الحاضنة بالغة عاقلة أمينة قادرة على تربية المحضون وصيانته، ولا تسقط حضانة الأم المطلقة بزواجها، وتقرر المحكمة في هذه الحالة أحقية الأم أو الأب في الحضانة في ضوء مصلحة المحضون، كما تنص فقرات المادة المذكورة على أنه إذا أتم المحضون الخامسة عشرة من العمر، يكون له حق الاختيار في الإقامة مع مَن يشاء من أبويه أو أحد أقاربه لحين إكماله الثامنة عشرة من العمر إذا أنست المحكمة منه الرشد في هذا الاختيار.
ويمنع قانون الأحوال الشخصية الساري، الآباء من رؤية أبنائهم إلا في المحكمة ولساعات محدودة كل فترة.
*النقاط الخلافية
رأى المحامي علاء عزيز المانع أن التعديل الجديد يلقي بظلاله القاتمة على مجمل فقرات القانون النافذ، لكنه يلامس وبشكل جوهري قضيتين أساسيتين سيكون لهما تأثير كارثي على مسار أحوال المواطنين الشخصية ويزيد من حجم المشاكل المرتبطة بقضيتي الزواج والطلاق.
وقال المانع، إن القضية الأولى تتمثل في أن التعديل الذي طال المادة العاشرة من القانون النافذ، المختصة بمسألة السماح بزواج الأشخاص خارج المحاكم المدنية من دون أن تطال المتزوج أي عقوبة قانونية كان القانون النافذ يفرضها وغالباً ما تكون مالية، وهذا التعديل سيفضي إلى مشاكل لا حصر لها، خصوصاً بالنسبة إلى الذين يرغبون في الزواج مرة ثانية وثالثة من دون أن يضطروا إلى تقديم أي سند يثبت أهليتهم لذلك، في حين يفرض القانون النافذ موافقة الزوجة الأولى ويشترط أن يكون الزوج قادراً على تحمل نفقات زواجه الثاني وهكذا.
ويضيف المانع: "هذا الأمر يرتبط بالتعديل المتعلق بأعمار مَن يحق لهم الزواج، حيث يعلق التعديل هذا الحق على ما تقره المذاهب الدينية، وليس القانون الذي يحدّد عمر البلوغ والزواج بـ18، وفي حال الزواج في عمر 14 – 17، فإنه يفترض موافقة أولياء الأمور ويمنح سماحات في هذا الجانب".
زواج القاصرات
وحذر المانع من "ترك الأمر للتحديد المذهبي، لأن العراق سيسجل عدداً هائلاً من زيجات القاصرين والقاصرات بعمر 9 سنوات وصعوداً كما تقره بعض المذاهب الإسلامية".
وأشار المانع إلى "مدونة الأحوال الشخصية" التي يقترح التعديل إسنادها إلى الوقفين الشيعي والسني ويحملهما مسؤولية كتابتها كي يتمكن قضاء المحاكم المدنية من الحكم بضوئها في قضية الزواج والطلاق.
ويعتقد المانع أن التعديل يقترح أن تستند المدونة إلى فتاوى أشهر العلماء وأبرزهم وأكثرهم تقليداً من قبل الجمهور، وهذا سيضيف تعقيداً آخر على قضايا الأحوال الشخصية الموجود أصلاً حتى في القانون النافذ، ذلك أن مسألة اتفاق الناس على مرجع أو عالم دين محدد شبه مستحيلة.
وكان النائب رائد المالكي، وهو صاحب مقترح التعديل، قد أشار إلى أن "أحكام المدونة الشرعية ستتضمن بابين؛ الأول للفقه الجعفري والآخر للفقه السني". وأوضح أن "مقترح القانون يحافظ على وحدة السلطة القضائية ولا يخلق ازدواجاً في المحاكم، وستكون هناك فقط أحكام القانون 188 وأحكام المدونة، وستطبق المحاكم الحالية كليهما حسب اختيار الشخص عند إبرام عقد زواجه".
وأقر المحامي علاء المانع ببعض المشاكل المرتبطة بقانون الأحوال الشخصية النافذ، خصوصاً المتعلقة بقضية حضانة الأولاد قبل سن البلوغ، لكنه في المقابل، رأى أن المطلوب هو تعديل بعض المواد بطريقة مناسبة و"ليس تمزيق القانون بهذه الطريقة الكارثية".
وبحسب الباحث في الشأن القانوني عمار الشمري، فإن "التعديل المنشور يمثل صدمة وكارثة كبيرة على المجتمع العراقي، وبالفعل سيطلق رصاصة الرحمة على المجتمع، باعتباره سيكون رديفا أو يُلغي القانون الحالي ويؤسس لمحاكم أخرى خارج سلطة القضاء، وهو ما يجب أن يتنبه له البرلمان، الذي انشغل خلال الفترة الأخيرة بقوانين مثيرة للجدل على حساب تشريعات أخرى ضرورية".
وأضاف الشمري، أن "العراق دولة مدنية، وإن كان دستورها ينص على عدم تشريع أي قانون يتعارض مع أحكام الشريعة الاسلامية، لكن في المجمل فإن القوانين الحالية هي تستأنس بروح الإسلام السمحة، وكذلك تأخذ من القيم المدنية، وهذا متعارف عليه منذ عقود، لكن أن يتم الغاء أو تهديد القوانين الحالية بمدونات فقهية، أو خاضعة لرجال دين، فإن ذلك سيكون صعباً، وسنكون أمام مشهد جديد، وربما فوضى اجتماعية وقانونية".
وقالت الباحثة الاجتماعية منى العامري، إن "التعديلات الجديدة، امتداد لما طُرح سابقاً وهي محاولة أخرى من بعض القوى لتمرير القانون المثير للجدل"، مشيرة إلى أن "هذا الإصرار على تعديل القانون غير مفهوم، ويخلق طابعاً سلبياً ويعطي مؤشراً على أن الاهتمام السطحي من قبل بعض النواب".
وأضافت العامري، "لا أتوقع تمرير هذه التعديلات لأنها لا تصب في صالح المجتمع العراقي بل وسيلة لتفك المجتمع وخلق جهات رديفة للمؤسسات الشرعية، وهذا لا يمكن أن يقبل به عقل أو منطق".
من جهة أخرى، أكد الباحث في الشأن السياسي محمد صالح صدقيان، أنه "من الضروري جدا أن يكون للمرجعية الدينية رأي واضح بشأن تعديل قانون الأحوال الشخصية الموضوع أمام مجلس النواب".
وأضاف: "ربما لا تريد المرجعية أن تصدر مثل هذا الموقف فهذا يعني أنه لا يتعارض مع أحكام الفقه الإسلامي ويُترك للمناقشات القانونية والبرلمانية باعتباره (منطقة فراغ)".