هيئة الاستثمار تستفيق متأخراً لتحاول السيطرة على أسعار العقارات الجنونية في المجمعات السكنية
انفوبلس..
بعد الارتفاع الجنوني بأسعار العقارات عموماً وأسعار الوحدات في المجمعات السكنية بشكل خاص، استفاقت أخيراً الهيئة الوطنية للاستثمار التابعة لمجلس الوزراء وأصدرت قراراً جديداً يُلزم الجهات المعنية بالإعلان في المواقع الإلكترونية عن سعر المتر الواحد للمشاريع الاستثمارية.
وبحسب وثيقة صادرة عن الهيئة وموجهة إلى هيئات الاستثمار في المحافظات كافة جاء فيها: لغرض تحقيق سياسة هيئات الاستثمار في المحافظات لدعم قطاع السكن والسيطرة على أسعار الوحدات السكنية ضمن المشاريع الاستثمارية يتطلب الالتزام بما يلي:
1.نشر إعلان ضمن مواقعكم الإلكترونية يتضمن سعر المتر الواحد لكل مشروع استثماري بموجب دراسة الجدوى والعقد الاستثماري للمشروع وفتح نافذة لبيان المشاريع غير الملتزمة بتلك الأسعار مع وضع رقم هاتف للشكاوى.
2.إشراك قسم القانونية أو قسم النافذة الواحدة ضمن هيئاتكم لمصادقة العقود مع المواطنين لغرض ضبط الأسعار بموجب دراسة الجدوى والعقود الاستثمارية.
أزمة السكن وأسعار العقارات
يعاني العراق نقصاً حاداً في الوحدات السكنية مع الغلاء المعيشي الذي تشهده البلاد، إذ أُجبر كثير من المواطنين على العيش في إيجارات وسط صعوبة شراء مسكن. ومع الأزمة التي انفجرت خلال السنوات الماضية بسبب العدد الهائل من السكان العراقيين وازديادهم سنة بعد أخرى. وصل سعر المتر السكني الواحد في المناطق الشعبية إلى أرقام غير معقولة تصل في بعض الأحيان إلى 3 آلاف دولار أميركي على رغم افتقارها لبعض الخدمات الأساسية.
ويرى الكثير من العراقيين أن أسباب الارتفاع يعود إلى الفوارق الكبيرة التي تولّدت بين طبقات المجتمع، فالطبقة السياسية ورجال الأعمال وأصحاب الدرجات الخاصة يزدادون ثراءً في كل يوم ويستثمرون أموالهم في شراء العقارات داخل العراق.
بينما يعاني كثير من المواطنين العراقيين من عدم امتلاكهم منزلاً، فيما يعيش بعضهم في منازل مستأجرة بأسعار لا تقل عن 300 دولار أميركي، انتقادات شعبية لسياسات الإسكان التي لا تزال عاجزة عن ردم الفجوة بين العرض والطلب، وما زال العجز في قطاع الإسكان مرتفعاً ويُقدر بثلاثة ملايين وحدة سكنية، إضافة إلى قلة الأراضي السكنية المخدومة القابلة للتوزيع والبناء.
هيئة الاستثمار وبتصريح سابق أوضحت أن "حاجة البلاد إلى نحو أربعة ملايين وحدة سكنية لحل أزمة السكن في العراق. وقالت إن "الهيئة منحت 130 إجازة استثمار تقريباً خلال 2021"، لافتة إلى أن "العمل بدأ في عديد من المشاريع المتوقفة"، وأن "هناك 1800 إجازة بين الوهمية وشبه الوهمية، بينما عدد المشاريع المتلكئة يتجاوز 500 مشروع، بينما أكدت أن الهيئة وُلدت في فترة استشراء الفساد ومحاربو الإصلاح موجودون في كل قطاع ومجال"، مؤكدة أن "الضغوط السياسية مستمرة للحصول على الإجازات الاستثمارية".
بينما تمنح هيئة الاستثمار إجازات لبناء المجمعات السكنية دون تفاصيل واضحة للرأي العام حول آلية منح هذه الإجازات والأراضي الى المستثمرين أو الشروط التي تفرضها عليهم الهيئة، والتي يتضح أنه ليس هناك شروط، فالشرط الأول الذي يجب أن يتوفر اتساقا مع ادعاء أن هذه المجمعات لحل أزمة السكن، هو أن تكون أسعار هذه الوحدات متناسبة مع متوسط دخل العراقيين وأولئك الذين لا يمتلكون سكنًا.
مدن جديدة
هيئة الاستثمار استعرضت في وقت سابق عبر المتحدث الرسمي باسمها الدكتور مثنى الغانمي تفاصيل خمس مدن سكنية جديدة. مبيناً أن إطلاق الفرص الاستثمارية للمدن السكنية الجديدة جاء بعد قرار الحكومة العراقية عرضها للاستثمار، وحل جميع المشكلات المتعلقة بملكية الأراضي، والبدء بإحالتها للشركات التي ستقدم أفضل العطاءات والعروض.
وكشف الغانمي أن هذه المدن الخمس تُعد المرحلة الأولى، وأن الأسابيع القادمة ستشهد عرض فرص استثمارية جديدة لما يقرب من 10 مدن سكنية جديدة أخرى بعد استكمال إجراءات حصر الأراضي وفرزها وفض نزاعات الملكية بين وزارتي المالية والبلديات وأمانة العاصمة.
أما عن تفاصيل هذه المدن وعدد الوحدات السكنية، فقال الغانمي "جميع المدن السكنية ستضم وحدات سكنية أفقية وعمودية بمجموع يصل لنحو 240 ألف وحدة سكنية، حيث تبلغ الطاقة الاستيعابية لمدينة الجواهري الجديدة ببغداد 29 ألف وحدة سكنية على مساحة تزيد عن 7 آلاف دونم، في حين تبلغ الطاقة الاستيعابية لمدينة ضفاف كربلاء الجديدة أكثر من 46 ألف وحدة سكنية على مساحة تزيد عن 8900 دونم".
محاولات خجولة لحل الأزمة
وفي إحصائية غير رسمية، يبلغ عدد السكان الذين لا يمتلكون منزلا في العراق نحو 25% والبعض يقول إنها ضعف هذا العدد، إذا ما أخذنا عدد العشوائيات التي تنتشر في العراق ويسكنها نحو 3 ملايين عراقي وفق تصريحات مسؤولين ونواب، فيما يخشى العراقيون من الإجراءات الروتينية الحكومية وقرب انتهاء عمر الحكومة من الحيلولة دون تحقيق حلمهم بالحصول على قطعة أرض.
المتحدث باسم وزارة التخطيط، عبد الزهرة الهنداوي كشف أن "هنالك توجهات حقيقية لمعالجة أزمة السكن في العراق وردم الفجوة الموجودة في القطاع، ونتحدث هنا عن مشروع المدن السكنية الجديدة التي بدأت كمرحلة أولى في خمس مدن ثم ننتظر باقي المدن".
وبيّن، أن "هناك مشروعا يضم ربما ١٥ مدينة سكنية التي سيشهدها العراق في مختلف المحافظات، ويمثل نقلة مهمة لقطاع السكن وتسهم في حل جانب كبير من أزمة السكن، وتكون المدن استثمارية وتنفَّذ من القطاع الخاص".
مشكلة العشوائيات
تقول آنا نيكونوروف، وهي ناشطة في منظمة NCCI غير الحكومية التي تنفذ مشاريع ولها نشاطات في العراق، إنه يوجد في محافظة بغداد من السكن العشوائي ما يعادل ثلث كامل العشوائيات في بقية محافظات العراق، أي 125 منطقة عشوائية من أصل 380، يُقدر عدد ساكنيها بـ 483148 شخصاً. وتعود ملكية 53 في المئة من هذه الأراضي التي بُنيت عليها العشوائيات لوزارة المالية، و26 في المئة لوزارة الدفاع، و7 في المئة لأمانة بغداد، و4 في المئة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، و2 في المئة لكل من وزارات الزراعة والنقل والتعليم.
وبحسب استبيان للمنظمة نفسها فإن "معظم السكن العشوائي غير موصول بالخدمات التي تقدمها الحكومة، كماء الشرب والصرف الصحي والمدارس". وأظهر الاستبيان أن 68 في المئة من سكان المناطق العشوائية في العراق، و80 في المئة من الشريحة نفسها في بغداد لا يرغبون بالعودة إلى مناطق سكناهم الأصلية.
وإذ تعلق وزارة الإسكان انتشار السكن العشوائي على قضية النزوح الداخلي الذي تصاعد إثر الاحتقان الطائفي في عامي 2006 و2007، فإن الاستبيان يؤكد أن 5 إلى 10 في المئة فقط من هؤلاء القاطنين هم من النازحين داخلياً.
الاستشاري في التنمية الصناعية والاستثمار الدكتور عامر الجواهري يرى أن "ارتفاع أسعار العقارات بدأ منذ حوالي ٢٠ سنة، ويكرر المسؤولون أن هناك حاجة لوجود مليونين ونصف الى ٣ ملايين وحدة سكنية، وبوجود نسبة زيادة في السكان سنويا بحدود مليون ومئة ألف فرد والطلب متسارع بسرعة فائقة على الوحدات السكنية وفي المستويات كافة من الفقير الى الغني جدا".
ويوضح الجواهري، أن "ازدحام طلب الوحدات السكنية ودرجة تأثيرها على ازدحام السيارات والبيئة والضغط على منظومات الخدمات والبنى التحتية، كل هذا سيجلب نتائج وخيمة في جميع المجالات".
ولفت، أن "القطع المهمة الكبيرة جدا في بغداد نُفذت على شكل مجمعات سكنية وأصبحت لصالح الطبقة العليا والأغنياء والمشاريع التي تهم الفئة الأقل من المتوسطة والفقيرة غير موجودة".
وأشار الى أن "اللجوء الى الأراضي الزراعية صار أسرع وأصبح نهْش للأراضي الزراعية كبيراً لأنها أرخص، ولكن هذا النهش يؤثر على درجات الحرارة وزيادة الجفاف وانخفاض نسبة البساتين والأراضي الزراعية ليستمر هذا النهش باتجاه المحافظات كافة".
وبين، أن "الحلول ليست بإصدار قانون وتسعير الأراضي ويؤدي الى نتائج عكسية، الحلول هي بسرعة توزيع الأراضي على المواطنين وشرط أن تضع مخططات للأراضي ووجود مدارس ومراكز دفاع مدني ومناطق خدمة ومتطلبات المدن كافة".