والد طفل يتبرع بـ"ديّة" ولده لمن دهسه.. قصة السائق "ماجد" والطفل "أيهم" تُحزن وتُفرح العراقيين في وقت واحد.. سُنّة حسنة تتصدر مواقع التواصل الاجتماعي
انفوبلس..
قصة حزينة وسعيدة في آن واحد حدثت يوم أمس في محافظة واسط وتصدرت "ترندات" مواقع التواصل الاجتماعية حيث كانت تخص فصلا عشائريا أُقيم بين عشيرتي "عبودة" و"زبيد"، وذلك بسبب إعطاء رجل دهس طفلا مبلغا ماليا لشراء سيارة خاصه به.
وفي تفاصيل القصة، فإن المواطن العراقي "ماجد الزبيدي" والذي يعمل سائق تكسي عند أحد الأشخاص ويعاني من الناحية المادية، قام بدهس طفل من عشيرة "عبودة" عند خروجه في الصباح الباكر دون قصد ما أدى الى وفاته، حسبما تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي التفاصيل.
وعند إقامة "الفصل العشائري"، طالبت عشيرة الطفل "أيهم" بمبلغ مالي قدره 18 مليون دينار عراقي، فقامت عشيرة السائق "ماجد " بدفع المبلغ وذلك تعويضاً على وفاة الطفل نتيجة الدهس.
لكن وقبل نهاية "الفصل العشائري"، تنازل والد الطفل "أيهم" عن المبلغ المالي الذي دفعته عشيرة السائق "ماجد"، كما شرط أن تذهب هذه الأموال إلى ماجد من أجل شراء سيارة خاصة به وذلك بسبب أوضاعه المالية الصعبة وكذلك بسبب أنهم جيران منذ وقت طويل.
يأتي هذا وسط اتساع ظاهرة "الفصل العشائري" خلال السنوات الأخيرة وهي تعالج اليوم مشاكل جرائم قتل جنائية وحوادث سير ومشاحنات فردية وعراك، وتلك التي تتعلق بنزاعات على الأراضي والرَّي وخلافات تاريخية.
ويحصل "الفصل" في قضية بين عشيرتين لدى طرف ثالث أو حتى بينهما، من أجل التوصل إلى اتفاق يُنهي المسألة الخلافية، وهو ما يتم عادةً عبر دفع مبالغ مالية.
مصدر محلي مطلع على تفاصيل الفصل بين العشيرتين، قال: في موقف مشرِّف تميزت إحدى العشائر الجنوبية العريقة في محافظة واسط حين اتخذت قرارا أخلاقيا وعشائريا مميزا في جلسة فصل عشائري، إثر حادث دهس راح ضحيته طفل صغير لهم دون قصد أو تعمُّد من جارهم السائق الذي يعمل في سيارة لا يملكها، فقررت عشيرة الطفل العفو عن مرتكب الحادث واشترطت العشيرة أن يتحول مبلغ الدية العشائرية البالغ (18) مليون دينار من أهل الطفل الميت الى الشاب مرتكب الحادث ليشتري له سيارة تكون مُلكا له ليعمل بها ويعيش مع عائلته بسلام، لأنه جار حسن السمعة والسلوك وله مواقف طيبة.
وأضاف: لم يكن ماجد الزبيدي الشاب الفقير الذي يعمل سائقا في سيارة أجرة تملكها إحدى العائلات يعلم بما يُخبئه له القدر، فهو يكاد يكون رزقه كفافا ويسد المعيشة، لكنه يمتلك الأخلاق والمواقف الطيبة وحسن العشرة والسيرة مع أهله وعشيرته وجيرانه، "ماجد الزبيدي" يسكن في إحدى مناطق محافظة واسط، وكعادته مثل صباح كل يوم أراد بعد التوكل على الله أن يذهب الى عمله كسائق سيارة أجرة (تكسي)، ولكنه عندما أخرج سيارته من البيت راجعا إلى الخلف، لم يرَ (أيهم) ذلك الطفل ابن جيرانهم الذي صار تحت سيارته فدهسه دون علم منه أو قصد أو تعمد، ولأنه طفل صغير لم يتحمل وزن وثقل السيارة وعجلاتها فمات على الفور، فنزل "ماجد الزبيدي" مذهولاً بعد سماعه الصراخ والعويل، (سحكت أيهم، مات أيهم)، كانت تلك الجملتان كافية لإصابة ماجد بانهيار تام، فلا يعرف ماذا يفعل والبكاء والعويل أصبح سيد الموقف منه ومن النساء والرجال المتواجدين سواء أهل الطفل او الجيران لأن الجميع يعيش في تلك المنطقة بمحبة واحترام، لكنه قدر ومن المؤكد أنه يسبب الضرر".
وتابع: في كثير من جلسات الفصل العشائري نرى الغضب او التأزم او الشد العصبي هو سيد الموقف، ونسمع أرقاما للديات تكاد تكون فلكية حتى تجاوزت تلك الأرقام المليارات من الدنانير، لكن في تلك الجلسة التي جللتها رحمة الرحمن وبركات محمـد وآل محمـد، كان المتحدثون على مستوى عال من مخافة الله والعمل بشريعته، والإيثار والتضحية والعفو والسماحة، حيث كان بداية الحديث لأحد الشيوخ ويدعى "أبو أمير" الذي افتتح الكلام بجملة (اللي يبديهه بطيب ينهيهه بطيب)، وفعلا هكذا بدأت الجلسة العشائرية وهكذا انتهت، وقال إن جبلا من المال لا يعوض الابن المفقود لكن لا أحد يستطيع رد القضاء والقدر، ثم يعلن عن إقرار الديّة الشرعية البالغة (18) مليون دينار ليسلمها الى أولياء دم الطفل ومنهم جد الطفل وهو من وجهاء وشيوخ عشيرة العبودة الجنوبية الأصيلة الذي أبدى اعتذاره ودموعه تجري للسائق "ماجد" مرتكب الحادث لما سببه له الحادث من ألم كونه جارا وأخا ويحب هذا الطفل الضحية، وأنه سبق وأن تنازل عن أجور نقل لنبل أخلاقه والآن عادت إليه ما زرعه من حسنات، أما والد الطفل فوقف أمام جميع الحاضرين ليعلن أن عائلة الطفل وهم أولياء الدم تعفو عن "ماجد" مرتكب الحادث، وتقرر أن تهدي مبلغ الدية العشائرية عن حادث قتل ابنهم بطريقة الخطأ، الى مرتكب الحادث جارهم السائق الفقير "ماجد" بشرط أن لا تأخذ عشيرة "ماجد" أي دينار منه ويشتري به سيارة لتكون مُلكاً له ويعمل عليها ليستطيع أن يٌنفق على عائلته بدلا أن يعمل لدى الناس، والأجمل منها أن والد الطفل (أيهم) يطلب حضور مرتكب الحادث "ماجد" ويعانقه ويبكيان معا، وهي صورة من النادر أن تجدها في مثل تلك الحوادث والجلسات".
وبين، إن هذه الواقعة التي حصلت في محافظة واسط وكان التراحم والعفو والسماحة والإيثار عناوين بارزة لها، جعلت الحاضرين يصيحون (من سَنَّ سُنّةً حسنة) ويقصدون بها أن هذه المبادرة عسى أن تكون مفتاحا لحل الكثير من المشاكل والنزاعات العشائرية التي باتت الأرواح تزهق بها بسهولة، وتمنى الجميع أن تحذوا الناس حذوها في جلسات الفصول العشائرية التي وصلت الى مستويات مخيفة، ناهيك عن ارتكاب جريمة الدكة العشائرية على بيوت فيها عائلات آمنة بمختلف الأسلحة، بل وصل الحال الى سقوط الضحايا بين ميت ومصاب في نزاعات عشائرية دامية، وآخرها سقوط ضابط برتبة عميد يشغل منصبا رفيعا في جهاز الاستخبارات بوزارة الداخلية نتيجة اقتتال عشيرتين في محافظة ذي قار منذ سنوات".