وفاة "عزيز صالح النومان" في سجن أبو غريب.. خفاجي من بيت عبد السيد وأسرف بدماء أهله في الجنوب فمنحه صدام مناصب عليا
انفوبلس/ تقرير
عن عمر ناهز 83 عاماً وعلى إثر مرض عضال، توفي القيادي "البارز" في حزب البعث "المحظور"، عزيز صالح الخفاجي (المعروف باسم عزيز صالح النومان)، أمس الثلاثاء 30 كانون الثاني/ يناير 2024، داخل سجن أبو غريب في العاصمة بغداد، والذي يعتبر أحد جزّاري النظام "المقبور"، ويسلط تقرير شبكة "انفوبلس"، على سيرته وتاريخه المليء بالعنف والانتهاكات والجرائم بحق العراقيين.
وتقول مصادر أمنية رفيعة المستوى لـ"انفوبلس" إن "القيادي في حزب البعث المنحل عزيز صالح النومان، تم نقله منذ 3 سنوات من سجن الناصرية المركزي (الحوت) إلى سجن أبو غريب في العاصمة بغداد، وتوفي فيه بسبب مرض عضال وهو في الثمانينيات من عمره (83 عاماً)".
من هو عزيز صالح النومان؟
عزيز صالح النومان من عشيرة خفاجة (سلف عبد السيد) هو عسكري عراقي برتبة فريق أول، وهو من مواليد الناصرية بالعراق، ووُلِد في الأول من يوليو عام 1941، كان يشغل منصبا قياديا في حزب البعث "المنحل"، فيما شغل مناصب حكومية رفيعة المستوى، بما في ذلك محافظ البصرة ومحافظ كربلاء والنجف ووزير الداخلية، قبل أن يتم تعيينه من قبل الرئيس العراقي "المقبور" صدام حسين، ليكون محافظاً للكويت خلال حرب الخليج الثانية عام 1991، خلفاً لـ علي حسن المجيد.
واعتقله جيش الاحتلال الأمريكي عند غزو العراق في 22 أيار 2003، وهو يحمل الرقم 8 في قائمة المطلوبين الـ55 التي أصدرتها الولايات المتحدة لكبار مسؤولي النظام العراقي البائد بقيادة "المقبور" صدام حسين. كما كان واحدا من 9 قادة عراقيين ترغب الولايات المتحدة في رؤية محاكمتهم إما لجرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية.
ظل محتجزا لدى الولايات المتحدة الأمريكية حتى عام 2011، ثم تم نقله إلى عهدة العراق مع 5 آخرين ثم صدر ضده بالإعدام، واستمر داخل السجون العراقية، حتى توفى مساء أمس الثلاثاء 30 كانون الثاني/ يناير 2024.
كيف تم اعتقال عزيز صالح النومان؟
ليلة القبض على "عزيز صالح النومان"، كانت تلك الليلة فاصلة مهمة في حياة القيادي "البعثي" الكبير للتحول الى "فأر صغير" محصور بين أربعة جدران ضيقة، بعد حياة حزبية حافلة بالمتناقضات والعنف والقتل والإبادة والتدرج الوظيفي السريع من مراقب زراعي مغمور في قضاء الشطرة بالناصرية (خريج إعدادية الزراعة) الى قائد في "الجيش الشعبي" ثم محافظا للنجف وكربلاء، ثم وزيرا للزراعة وعضوا في القيادة القطرية للحزب "المنحل"، وحاكما للكويت!.
كل الأخبار آنذاك كانت تشير الى أن "عزيز صالح النومان" قد تمكن من الهرب الى خارج العراق لماضيه المُتخم بالانتهاكات والجرائم، وكان يعلم جيداً بأنه مطلوب أولاً من أبناء جلدته وعشائر مدينته، إلا أن القوات الامريكية المحتلة كانت لديها معلومات حصلت عليها من اعترافات رفاقه، وأجهزة التنصت المتطورة، بوجوده في منطقة المنصور ببيت أحد أقاربه بمخبأ غير رسمي.
وفي ليلة 22 من شهر أيار من عام 2003 اقتحمت قوة أمريكية مخبأه السري في دار بمنطقة الداوودي وألقت القبض عليه دون مقاومة، اعترف بعد انهياره واستسلامه وأوضح أنه اضطر للاختباء في دار علاء المولى (وهو إعلامي "بعثي" عمل سكرتيرا لوزراء الإعلام حامد يوسف حمادي ومحمد سعيد الصحاف ومديرا لإذاعة الجماهير وتلفزيون بغداد وينحدر من الناصرية أيضا) الذي قام بمساعدته كثيراً للابتعاد عن الأنظار بعد أن فشلت سبل الهروب الى خارج البلاد خوفاً من بطش الناس "الغاضبين" حيث كان يقوم علاء بتوفير مستلزمات الغذاء والدواء له بحكم القرابة والمصاهرة التي كانت تربطهما، كونه خال زوج ابنته (علي طالب المهندس) والذي ضحى من أجل توفير داره كملجأ آمن وانتقل ليسكن في بيت شقيقته في المنصور من أجل ذلك، وذلك بحسب وثائق استجوابات المحقق جورج بيرو الضابط في مكتب المباحث الفيدرالي (اف. بي. آي.) الذي قام بالتحقيق مع صدام والمطلوبين الـ 55 من أركان نظامه التي تم نشرها في الموقع الرسمي للأرشيف القومي الامريكي في 1/7/ 2009.
*سيرته المليئة بالجرائم والمجازر
ملفات الإجرام كثيرة و"متشعبة" لعزيز النومان فهو متهم بالكثير من الجرائم والانتهاكات ضد الإنسانية والتنكيل بالشيوعيين والإسلاميين والكرد الفيليين وتهجيرهم، كما أنه متهم بقمع الانتفاضة الشعبانية، وكذلك متهم بأنه وراء "الفظائع" التي ارتُكبت ضد مواطنين كويتيين إبان غزو العراق للكويت 1990، بالإضافة الى تدمير المراقد المقدسة والأضرحة والحسينيات.
ويعتبر عزيز صالح النومان المتهم بالقيام بفظائع ضد ناسه وأبناء جلدته ويُعد واحداً من أخطر الأيدي "القامعة" و"الضاربة" للشعب العراقي، ولا يقل إجراما عن رفيقه وسيده (ابن عم المقبور صدام حسين) علي الكيمياوي، الذي قام بكبح جماح المظاهرات والانتفاضات في الناصرية وعموم المحافظات العراقية، وساهم مساهمة فاعلة في إخماد الانتفاضة الشعبانية.
النومان أو الخفاجي، كان موظفاً "مغموراً" تدرج (كما أوضحنا أعلاه) من وظيفة مراقب زراعي في الشطرة الى مناصب حزبية متقدمة كلما أوغل في البطش والإجرام بحق أبناء مدينته حتى صار مسؤولا للبعث البائد في الشطرة بطلع الثمانينيات، ثم قائمقام لها، قبل أن يُعيَّن محافظاً لمدينتي كربلاء والنجف على التوالي، وكانت بصمته الإجرامية واضحة بحق العلماء والمراجع والمدنيين الشرفاء وشيوخ العشائر الأُصلاء في تلك المدينتين.
"أسد على أهله وجريذي عند الطاغية صدام"
وبحسب أهالي الناصرية، فإن "النومان كان أسداً على أهله وجريذي عند الطاغية صدام، وأن الأخير كان يعظّم ويغني ويرفع من شأن أهله وأفراد عشيرته ويجعلهم وارثين لكل موارد العراق، كان بالمقابل أبناء الناصرية والجنوب والوسط من "البعثيين" الذين تقدموا في الحزب وتدرجوا المناصب الحزبية كانوا كالجرذان عند أسيادهم، عبيدا أذلاء لا خير فيهم على أهليهم ولا على مناطقهم وصعدوا على أكتاف الفقراء ودماء الأحرار والتنكيل بالأفاضل من العلماء والأشراف من شيوخ العشائر وبالأخص عندنا في الناصرية".
ويقول قيس محمد علي من الناصرية، "أتحدى إذا قام أحدهم بتبليط شارع او بناء مدرسة او تشييد معمل، وإنما كانوا جرذاناً ممقوتين، وخدماً طائعين وللشرف بائعين، فئرانا أذلاء بين يدَي أسيادهم الطغاة وأسودا على أهليهم وناسهم!".
ويروي أهالي الناصرية حادثة للنومان تحولت الى نكتة في الشارع العراقي، أنه عندما كان يرأس وفداً من أهالي النجف في لقاء مع صدام "المقبور" الذي يتحدث عن الشرف والوطنية والشجاعة، فقال النومان معقباً، "شكرا سيدي لقد علمتنا اشلون يصير الشرف"، فتحولت هذه الى نكتة بالشارع العراقي حينها على عديمي الشرف.
*مجزرة الانتفاضة الشعبانية في الناصرية
عندما اندلعت الانتفاضة الشعبانية في الناصرية، قام النومان بصحبة الكيمياوي، بأعمال "شنيعة" وتصفيات واسعة وقتل للمدنيين في المدن والقصبات التابعة للناصرية بأبشع صورها، على رأس قوات كبيرة من الأمن الخاص والحرس الجمهوري، وقبل أن تصل هذه القوات إلى الناصرية بحوالي عشرين كيلومترا، نزل "النومان والكيمياوي" في أراضي عشائر آل صكَبان، وقاما بإطلاق المدافع الثقيلة والراجمات على أهالي الناصرية نتج عنه حالة من الخوف والهلع والعديد من الشهداء والجرحى الأبرياء، بحسب شهود عيان من الناصرية، الذي أكدوا أيضاً أن المجرمين لم يتوقفا عن القصف حتى استسلمت المدينة.
وبعد انتهاء القصف، بإشراف النومان والكيمياوي، جاء البعثيون وعناصر الأمن والمخابرات آنذاك وأُطلق عليهم اسم (المشخِّصين)، بتقارير وقوائم بأسماء المنتفضين، وقاموا بإخراجهم من بين صفوف سكان الناصرية، حيث تعرضوا الى الضرب والعذاب والذهاب بهم الى بغداد، ومنذ ذلك الحين لم يعودوا إلى أهليهم وذويهم الذين أصابهم اليأس، ولم يعثر عليهم إلا أشلاء وجماجم وملابس ممزقة كأجسادهم بعد مرور أكثر من عشر سنوات وبالأخص قرب الحلة، بحسب روايات أهالي الناصرية.
وبالرغم من أن المحكمة الجنائية العراقية العليا قد عقدت جلستها الأولى بشأن ملف قمع انتفاضة الشعب العراقي لعام 1991 في الأول من أيلول من العام 2009 وكشفت عددا من الجرائم وليس جميعها وأن أحكام الإعدام التي صدرت على خلفية التهم الموجهة الى عزيز صالح النومان والى رفاقه من أركان النظام البائد، بتنفيذ حملات اعتقال وتصفية جماعية لمئات الآلاف من المواطنين خلال انتفاضة العام 1991، الى جانب جرائم التهجير والقتل وسلب الهوية من الكرد الفيليين، كذلك الجرائم التي ارتكبها في الكويت بصفته حاكما أوحد خلال دخول الجيش الصدامي إليها، إضافة الى تدمير المراقد المقدسة، إلا أن أهالي الناصرية وبقية المحافظات من خلال حديثهم لن ينسوا ما حصل لهم من الإجرام والبطش والوحشية من قبل النومان ورفاقه وأشباهه، بحسب مراقبين تحدثوا لـ"انفوبلس".
وبحسب الإحصائيات الحكومية، فقد قتل "النومان" ما لا يقل عن 300 ألف شخص في الجنوب العراقي وحده خلال 14 يوماً (عمر الانتفاضة)، أي 200 ألف يومياً، إذ عمد النظام البائد إلى استخدام السبل كافة لاسترداد نظام الحكم باستخدام الأسلحة كافة، فدُمِّرت المدن على رؤوس ساكنيها في المناطق الثائرة، وقد وصل الأمر بقوات الحرس الجمهوري بقطع رؤوس الأطفال، وألقت بهذه الرؤوس على بيوت الأمهات والآباء والمتظاهرين.
*الحكم بالإعدام
محكمة الجنايات العراقية العليا حكمت في الثاني من آذار/ مارس/ العام 2009 على عضو القيادة القطرية المدان عزيز صالح النومان في قضية الانتفاضة الشعبانية التي وقعت خلال العام 1991 ضد النظام البائد، بالإعدام شنقا حتى الموت لارتكابه جريمة القتل كجريمة ضد الانسانية وفق أحكام المادة(12/ أولا/ أ) وبدلالة المادة (15/ أولا وثانيا وثالثا) من قانون المحكمة الجنائية العليا رقم 10 لسنة 2005 المعدل وفق أحكام المادة (406/ 1/ أ) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969، المعدل واستنادا لنص المادة( 182/ أ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 المعدل.
كما حكمت المحكمة أيضأ على كل من علي حسن المجيد وعزيز صالح النومان حكما بالإعدام وبُرِّئ طارق عزيز في القضية المعروفة بقضية صلاة الجمعة التي وقعت العام 1999.
فيما عقدت المحكمة الجنائية العراقية العليا جلسة النطق بالحكم بحق المتهمين من رموز النظام البائد في الأحداث التي أعقبت اغتيال المرجع الديني محمد محمد صادق الصدر عام 1999 والمعروفة بقضية صلاة الجمعة، حيث تلا القاضي محمد عريبي الخليفة قرار المحكمة بحق المتهم عزيز صالح النومان.
كما حكمت المحكمة على المدان عزيز صالح حسن النومان بالإعدام شنقا حتى الموت لارتكابه بالاشتراك جريمة القتل العمد كجريمة ضد الإنسانية، وحكمت المحكمة على المتهم عزيز صالح حسن النومان بالسجن سبع سنوات لارتكابه بالاشتراك جريمة النقل القسري للسكان كجريمة ضد الإنسانية.