ياسر قيس طبيب القلوب في ميسان.. مريضه مات بالسرطان فدفع 80 مليوناً فصلا عشائريا.. تفاصيل وحقائق وشهادات
انفوبلس/..
في قصة نادر ما تحدث مثيلها حتى في دول العالم الثالث، أُجبر طبيب على دفع فصل عشائري قدره 80 مليون دينار عراقي، بعد وفاة مريض مصاب بالسرطان بين يديه، اضطر ذلك الطبيب على إغلاق عيادته ومغادرة محافظته (ميسان).
وظاهرة الاعتداء على الأطباء واللجوء إلى الفصل العشائري والتعويضات هي مسألة تعكس تحديات اجتماعية وقانونية تواجه العراق، وتمثل تصاعداً في حالات العنف ضد العاملين في مجال الرعاية الصحية، وهي مشكلة خطيرة تؤثر على سلامة الأطباء والممرضين والمرضى على حد سواء.
*قصة الدكتور ياسر قيس
ياسر قيس هو جرّاح القلب والأوعية الدموية، له عيادة في محافظة ميسان، كان لديه مريض يراجعه منذ 8 أشهر، وفي آخر مرة جاء إليه وهو بحالة صحية حرجة، واتضح بأنه مصاب بالسرطان فأخذ الطبيب عيّنة من مركز الورم لفحصها في المختبر، بعد توقيع ذويه على هذا العمل داخل العيادة، فتوفي المريض بسبب وضعه الصحي الحرج الذي كان يمر به.
تعرض الدكتور بعد ذلك، وفق مصادر محلية، لـ"گوامة" عشائرية من قبل ذوي المريض المتوفى، انتهت بإعطائه فصلا عشائريا لهم قيمته 80 مليون دينار عراقي.
وبحسب ذات المصادر، فإن "الطبيب قرر مغادرة المحافظة إلى إشعار آخر، وغلق عيادته الطبية بسبب التهديدات العشائرية وخذلان المسؤولين المحليين له".
*تفاصيل وشهادات
يقول الجراح في مركز ميسان للقلب، الدكتور قصي البهادلي، إنه "بعد وفاة المريض طلبنا أن يُنقل المتوفى إلى الطبابة العدلية لمعرفة سبب الوفاة إذا كان هناك تقصير من الطبيب ليأخذ القانون مجراه لكن أهل المتوفى رفضوا ذلك وكتبوا تعهداً بعدم التعرض له قانونياً أو عشائرياً"، مردفاً: "فوجئنا بعد انتهاء الفاتحة أنهم أرسلوا كوامة عشائرية إلى الدكتور ياسر وهددوه بالقتل"، لافتاً إلى أنه "بعد جهود حثيثة بُذلت من الخيرين لأجل حل المشكلة وبسبب ضعف القانون تم دفع مبلغ 80 مليون دينار كفصل عشائري لعائلة المتوفى".
من جانبه، يبين طبيب قلب، الدكتور سلوان قحطان، أنه "بعد أخذ خزعة لمريض كبير بالعمر مصاب بالسرطان وبعد أخذ موافقة الأهل بالإجراء شاء القدر أن يفارق المريض الحياة بعد الخزعة"، مستدركاً: "أولاد المريض جاؤوا مسلّحين إلى العيادة، وقالوا للطبيب بالنص: "انت كتلت أبونا وتعال افصل"، وبعد الاتصال بالجهات الأمنية ومدير عام صحة ميسان، لم يحرك أحد منهم ساكنا، بالعكس قالوا للطبيب "حلها عشائرياً".
من جهته، يؤكد مسؤول قسم التمريض في صحة ميسان، ميثم طعمة، أن "الوضع الأمني المتردي في ميسان هو الذي يخيم على المحافظة"، منوهاً إلى أنه "يتعرض الأطباء إلى "الكوامة العشائرية" مع أغلب حالات الوفاة، لا توجد حالات وفاة متعمدة من قبل الأطباء وإنما نتيجة العلامات والأعراض التي ترافق المريض عنده دخوله إلى المستشفيات وإصرار ذوي المريض والإلحاح على إجراء العمليات بالرغم من مخاطرها".
ويلفت إلى أن "هناك عدداً لا يستهان به من ملاكاتنا التمريضية قد هاجرت إلى عدد من المحافظات التي يعتقدون أنها أكثر أماناً".
*الإطاحة بالمهددين
وفي خضم هذه الأحداث واتساع تداولها، اعتقلت القوات الأمنية في ميسان، أمس الجمعة، 4 متهمين بتهديد الطبيب ياسر قيس في قضاء المجر الكبير.
وذكر الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة، اللواء يحيى رسول، في بيان، أنه "في الوقت الذي يؤكد فيه القائد العام للقوات المسلحة أهمية حماية الكفاءات العلمية والطبية، وبعد قيام مجموعة في محافظة ميسان بالاعتداء على أحد الأطباء وغلق عيادته، تمكنت قوة من لواء المشاة 97 ضمن قاطع قيادة عمليات ميسان من إلقاء القبض على أربعة متهمين في قضاء المجر الكبير من الذين قاموا بتهديد الطيب وأخذ ما يسمى (فصلا عشائريا) منه بسبب وفاة والدهم".
وأضاف، "كما زار قائد شرطة المحافظة منزل الطبيب، وأكد أن القوات الأمنية مستمرة بحماية الأطباء والملاكات العامة والخاصة ولن تسمح بأي اعتداء، كما أكد العمل على إعادة فتح عيادة الطبيب لممارسة عمله الطبي".
وأكد، أن "الأجهزة الأمنية لديها تعليمات واضحة من قبل القائد العام للقوات المسلحة باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق كل من تسوّل له نفسه الاعتداء على الملاكات الطبية والعاملين في المؤسسات الصحية وستتم متابعة وملاحقة المتورطين في هذا العمل غير القانوني".
*إعادة افتتاح العيادة
وافتتح قائد شرطة ميسان اللواء علي المياحي، الجمعة (25 آب 2023)، عيادة طبيب القلب الدكتور ياسر قيس، بعد اعتقال المتهمين بتهديده.
*موجة اعتداءات
وتعرض الأطباء العراقيون بعد عام 2003 لموجة اعتداءات تمثلت في القتل والخطف والتهديد العشائري والاعتداءات الجسدية واللفظية، ووفقاً لنقابة الأطباء العراقيين فإن الإحصاءات الرسمية سجلت اغتيال 363 طبيباً بعد عام 2003.
وبحسب إحصاءات رسمية، فإن 72 ألف طبيب عراقي ما زالوا خارج البلاد، ودفعتهم الظروف الأمنية والتهديدات التي تعرضوا لها إلى الهجرة، إذ إن عدد الأطباء الاستشاريين ممن يقيمون في العاصمة البريطانية لندن وحدها يُقدر بحدود 4 آلاف طبيب، وهذا عدا الأطباء الجدد، أما في عموم بريطانيا، فعددهم يبلغ 60 ألف طبيب، وفي دول أوروبية أخرى والولايات المتحدة وأستراليا ودول الخليج، هناك ما لا يقل عن 12 ألف طبيب عراقي، في وقت يعاني فيه العراق من نقص بأعداد الأطباء الاستشاريين.
*التهديد الأبرز
أما عضو نقابة الأطباء العراقيين، عبد المهيمن الجنابي، فلفت إلى أن "التهديدات العشائرية تشكل أبرز التحديات لعمل الأطباء في العراق، سواء الذين يخدمون بوظائفهم في المستشفيات الحكومية أو الأهلية أو العيادات".
وأوضح الجنابي، أن "الكثير من الأطباء غادروا العراق بسبب هذه المشاكل، من دون أي إجراءات حكومية وأمنية واضحة لحماية الأطباء من بعض العشائر التي تملك السلاح".
وكان العراق في وقتٍ سابق قد عدّ النزاعات العشائرية والاعتداءات التي تتسبب بها، ومن ضمنها الدكّات العشائرية، من الجرائم الإرهابية، مشدداً على ضرورة التعامل مع مرتكبيها بحزم، بحسب ما جاء في بيان لمجلس القضاء الأعلى في البلاد.
وأوضح مجلس القضاء الأعلى، أنّ "المادة الثانية من قانون مكافحة الإرهاب الذي أُقرّ في عام 2005 تنصّ على أن التهديد الذي يهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أياً كانت بواعثه، يُعد من الأفعال الإرهابية".