البعث يغتال آية الله العظمى الشيخ علي الغروي.. ماذا تعرف عنه وعن أسرار اغتياله؟
انفوبلس/ تقارير
تمرّ علينا اليوم الذكرى السنوية الخامسة والعشرين لاستشهاد آية الله العظمى الشيخ علي الغروي (قدس) والذي اغتاله نظام البعث الصدامي في محافظة النجف الأشرف عام 1998 في جريمة ليست غريبة من نظام إجرامي حكم العراق بالنار والحديد وأذاق شعبه مختلف الويلات وسلبه علماءه في سبيل استمرار حكم البعث الصدامي المقبور وإسكات صوت الحق وإبقاء الناس في غفلة من أمرهم عالقين في براثن الدنيا.
*ماذا تعرف عن الشيخ الغروي؟
وُلِد الشيخ علي بن الشيخ أسد الغروي التبريزي سنة ( 1349 هـ ) في مدينة تبريز، وتوفي والده وعمره لم يتجاوز السنتين، فنشأ في أحضان السيدة العلوية والدته ، فأفاضت عليه من حنانها وغذّته مكارم الأخلاق، وحثته منذ الصغر على طلب العلم.
*دراسته "قدس سره"
توجه الشيخ الغروي نحو طلب العلم في محل ولادته وهو لم يُتم السَّنة السادسة من عمره بعد أن أنهى دراسة المقدمات وجزءاً من مرحلة السطوح العالية، هاجر إلى الحوزة العلمية في مدينة قُم لمواصلة دراسته .
أنهى دراسة السطوح بما فيها السطوح العالية ثم درس إلى جانبها العلوم الفلسفية .
عندما بلغ عمره ستة عشر عاماً أخذ يحضر دروس البحث الخارج في حوزة قم، وبقي مواظباً على ذلك مدة خمس سنوات .
هاجر إلى النجف الأشرف لمواصلة دراسة البحث الخارج وبدأ يحضر حلقات الدرس عند علمائها المعروفين .
*أساتذته "قدس سره "
نذكر منهم :
1-آية الله السيد محمد حجت الكوهكمري .
2- آية الله العظمى السيد أحمد الخونساري .
3- آية الله العظمى الشيخ عباس علي الشاهرودي .
4- آية الله العظمى الشيخ حسين الحلّي .
5- آية الله العظمى الشيخ باقر الزنجاني .
6- آية الله العظمى السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي .
*مكانته العلمية
بدأت علامات النبوغ عند الشيخ الغروي منذ الصغر فقد كان من مقرّري درس أستاذه السيد الكوهكمري وعمره لم يتجاوز العشرين عاماً .
وفي بداية العقد الثالث من عمره أي في عام ( 1379 هـ ) شرع بإلقاء دروسه في البحث الخارج، وكان مجلسه عامراً بالفضلاء والنخبة الواعية من طلاب العلوم الدينية .
أمّا عن أسلوبه في التدريس، فإنه كان يعتمد على العبارات السلسة في إيصال المادة إلى الطلاب، لذلك كان ينتفع بدرسه طالب الحوزة الذي دخل البحث الخارج توّاً كما ينتفع منه السابقون .
وكان (رحمه الله) يدعو إلى التجديد في طريقة تدريس علمي الفقه والأصول بالابتعاد عن البحوث المتشعبة التي لا نفع فيها ،حتى تثبت الأفكار الأساسية في عقول الطلاب بدون لبس وتشويش .
*سيرته "قدس سره"
كان الشيخ الغروي داعياً إلى سيرة الأئمة المعصومين (عليهم السلام) بالصمت كما دعا الإمام الصادق عليه السلام، والدعوة الصامتة التي قصدها هي التطبيق العملي لسيرة أهل البيت عليهم السلام.
كما كان دقيقاً في صرف الأموال الشرعية حتى أن أستاذه السيد الكوهكمري قال في إحدى المرّات :
أتمنى لو جمعت الحقوق الشرعية في بيت وجعلت مفاتيحه في يد الشيخ الغروي .
وبالإضافة إلى ذلك كان الشيخ شديد الالتزام بالعبادات المستحبة جاهداً على ترك المكروهات، موطِّناً نفسه على إقامة شعائر الله وعلى رأسها زيارة الإمام الحسين عليه السلام في كل ليلة جمعة، وقراءة زيارة عاشوراء كلَّ يوم في مرقد أمير المؤمنين عليه السلام.
*أقوال العلماء فيه
1ـ قال فيه آية الله العظمى السيد الخوئي قدس سره :
بلغ الشيخ الغروي بحمد الله الدرجة العالية في كل ما حضره من أبحاثنا في الفقه والأصول والتفسير، وأنعش آمالي ببقاء نبراس العلم في مستقبل الأيام، فلم تذهب أتعابي بل أثمرت تلك الجهود بوجود أمثاله من العلماء، فللّه درّه فيما كتب ودقق وحقق .
2ـ قال فيه آية الله العظمى السيد الكوهكمري: "لا أعلم أيّهما أطوع للشيخ الألفاظ أم الخاتم الذي يُديره في إصبعه كيف يشاء ".
*مؤلفاته المطبوعة
ترك الشيخ الغروي مجموعة من المؤلفات أثرى بها المكتبة الفقهية والعقائدية أهمها: التنقيح في شرح العروة الوثقى (تقرير درس السيد الخوئي في الفقه) (10 مجلّدات)، التنقيح في شرح المكاسب (5 مجلّدات)، الفتاوى المستنبطة (رسالته العملية)، مناسك الحج.
*مؤلفته المخطوطة
كانت معظم مؤلفات الشيخ الشهيد الغروي مخطوطة وأهمها:
- دورة أصولية كاملة لبحث أستاذه حسين الحلي.
ـ دورة أصولية كاملة لبحث أستاذه محمد باقر الزنجاني.
ـ شرح استدلالي على المكاسب.
ـ تعليقه على الكفاية، وهو تعليق توضيحي وبياني على كتاب «كفاية الأصول» للآخوند الخراساني.
ـ رسالة في قاعدة الطهارة.
ـ رسالة في قاعدة التجاوز.
ـ رسالة في قاعدة اليد.
ـ رسالة في الرضاع.
ـ المكاسب المحرمة.
ـ البيع.
ـ الخيارات.
ـ خمس دورات في علم الأصول.
ـ طائفة كبيرة من تقارير الأبحاث المختلفة.
ـ تسنيد الفتاوى المستنبطة، هو بيان لمستند فتاواه المذكورة في رسالته العملية الموسومة بـ«الفتاوى المستنبطة»، ويُقال إن هذا الكتاب يقع في أكثر من ثمانين مجلداً.
*مقلّدوه ورسالته العملية
للشيخ الغروي (قدس) رسالة عملية، وله مقلّدون في العراق وسوريا والحجاز ودول الخليج العربية وإيران وكان يولي أهمية فائقة للتدريس والتأليف والتحقيق، وكان يؤمّ المصلّين في المرقد الطاهر لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ثلاث مرات يومياً كما عُرف عن العالم الشهيد حرصه على كيان الحوزة العلمية العريقة التي يمتدّ عمرها إلى ألف عام، ولهذا كان يبذل قصارى جهده في المحافظة على هذا الكيان العريق.
*قصة اغتياله وأسرارها وعلاقة المقبور صدام بها
أحسّ النظام البعثي بخطورة على بقائه مع وجود الشيخ الغروي، لذلك اتفقت الرؤية البعثية على اغتياله، ففي يوم 19 / 6 / 1998 الموافق 25 صفر كان المرجع الشهيد عائدا من زيارة الإمام الحسين (ع) إلى النجف الأشرف وأثناء خروجه من كربلاء المقدسة كان الشيخ معتادا أن يمكث قليلا عند أحد أقربائه في منطقة سيف سعد وبعدها يتجه إلى النجف الأشرف في هذا اليوم لاحقته عدد من سيارات أمن الطاغية صدام وأثناء خروجه اعترضت سيارة الشيخ الغروي مجموعة من العجلات تعود إلى الأجهزة الأمنية التابعة للمقبور صدام وأمطرت سيارته بنيران كثيفة استُشهد خلالها المرجع المعظم وقد أُصيب في رأسه ووجهة المقدس وصدره وقُطِعت يده اليسرى على إثر كثافة الرصاص .
*من كان مع الشيخ الغروي لحظة اغتياله؟
وكان مع الشيخ الغروي لحظة اغتياله، زوج ابنته الشيخ محمد علي الفقيه وهو لبناني الجنسية وسائق سيارته (فرج وافي علوان كاظم الميالي) وخادم الشيخ الغروي (إبراهيم طاهر عبد السادة البرمكي) وقد استُشهِدوا جميعا .
*ما موقف أهالي كربلاء بعد جريمة الاغتيال؟
أهالي كربلاء في حينها خرجوا لنصرة مرجعهم لكنهم فُرِّقوا بالرصاص الحي . وعند صباح اليوم التالي فجراً بدأت الناس تخرج وسرعان ما انتشر الخبر بين أهالي المدينة فخرجوا بمجموعتين حاشدتين ضد نظام البعث .
كانت إحدى المجموعات حاشدة واشتركت فيها حتى النساء من منطقة الملحق وبشعارات قوية وكانت باتجاه الطب العدلي للمشفى الحسيني حيث تزايد العدد حتى تم إخراج جثمان الشهيد الغروي ومرافقيه من الطب العدلي في كربلاء المقدسة والتوجه نحو المغتسل لغرض التغسيل والعودة إلى مرقد الإمام الحسين "عليه السلام".
وهنا شعر نظام صدام المجرم بحراجة الموقف فتم غلق الطريق بسيطرة من الأجهزة الأمنية وسرعان ما خرج أعضاء الحزب ورجال الأمن وبدأ الرمي ليفرّقوا المشيّعين وسرقة الجنازة من أيدي المشيعين وحجز الجثمان الطاهر عندهم حيث استمر الناس بالركض من الطب العدلي إلى باب قبلة الإمام الحسين (ع) تحت وابل من الرصاص بعدها تم نقل الجنازة إلى محافظة النجف وفي الليل دُفِن المرجع الشهيد.
*فبركة عملية الاغتيال من قبل حزب البعث
ومن تخبّط البعث بعد جريمة الاغتيال، أذاعت أجهزة إعلام البعث المجرم وسلطته القمعية بيانا مقتضبا في الإذاعة والتلفزيون قالت فيه، إن سيارة الشيخ الغروي تعرضت لحادث تصادم بسيارة كبيرة وهرب الجاني وقد استُشهِد الشيخ بالحال هو ورفاقه على إثر الحادث في حين الجميع كان قد شاهد سيارة الشيخ وهي سوبر موديل ١٩٨٢ لون رصاصي وأصبحت على شكل "منخل" من شدة الرمي عليها من قبل جلاوزة المقبور صدام، وكانت مركونة أمام مركز شرطة حي الحسين.
وتُعد ذكرى استشهاد الشيخ الغروي شاهدا تاريخيا على وحشية النظام البعثي ومرض عقليته التي لم تكن قادرة على مجابهة الرأي بالرأي وآثرت الرصاص وسيلةً لفرض الأفكار الهدّامة التي عانى منها العراقيون ردحاً من الزمن، ليبقى اغتيال الشيخ حقيقة تُعرّي زيفَ البعث الإجرامي.