الجرائم التي ارتُكبت في الكويت خلال فترة الأحكام العرفية بعد انسحاب الجيش العراقي عام 1991 ضد المتهمين بالتعاون مع بغداد والبدون
انفوبلس/..
في ذكرى نهاية الغزو الصدامي للكويت، وإصدار الأحكام العُرفية من قبل الأمير الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح عبر مرسوم فى 26 شباط 1991 أعلن فيه الأحكام العُرفية فى جميع أنحاء الكويت ولمدة ثلاثة أشهر، يستذكر مراقبون للشأن الدولي، ما حصل في الداخل الكويتي، من ممارسات حدثت فيها انتهاكات وجرائم ضد المدنيين ارتكبتها السلطات الكويتية، في مقدمتها اتهامات لمواطنين كويتيين بالتعاون مع الغزو العراقي الذي اجتاح الكويت في آب 1990.
وفي إنعقاد جلسة المحكمة العرفية لمحاكمة مواطنين بتهمة "التخابر ومعاونة قوات الغزو العراقي"، قضت المحكمة برئاسة القاضي جواد العبدالله بالإعدام لكل من سالم حاشوش راشد، وخليل جمعة محمد العبودي، كما حكمت المحكمة على المتهم سميح محمد علي الزوكاني (سوري) بالسجن عشر سنوات مع الشغل والنفاذ والإبعاد.
وربما لا يعلم الكثيرون أن هناك ما يقارب النصف مليون مُبعَد من الأراضي الكويتية يعيشون في العراق، مُبعَدون وهاربون أصولهم عراقية ما زالوا يحتفظون بأوراق ثبوتية وبطاقات تعريفية تؤكد عمل أفرادها في مؤسسات مدنية وعسكرية كويتية، بالإضافة إلى جوازات سفر صادرة عن السلطات الكويتية، السؤال الأهم هنا، ما الذي دفعهم إلى ترك الكويت؟ ومثالاً هنا تجربة الفنانَيْنِ مسافر عبد الكريم وزينب الضاحي، والاثنين من أصول عراقية ولم يحصلوا على الجنسية الكويتية يوما.
مسافر عبد الكريم
هو ممثل من الصف الأول في الكويت، وشقيق الإعلامي نجم عبد الكريم، يتذكر الكثيرون صوته عبر شخصية الدكتور رامي في المسلسل الكرتوني عدنان ولينا، حينما غزا صدام الكويت ظهر متعاونا مع قوات الغزو، وقد ذهب إلى بغداد ثم عاد بعد انسحاب الجيش العراقي، تم قتله في ظروف غامضة من قبل مجموعة من الشباب وقُطع لسانه ورُميت جثته بعد حرقها في منطقة صحراوية.
الحكم عليه بعد 30 سنة من إعدامه
بعد نحو 30 عاما على إعدامه دون محاكمة، حسمت النيابة الكويتية قضية "مسافر عبدالكريم" الذي ينحدر من أصول عراقية، بشأن التهم التي لاحقته بالتعاون مع القوات العراقية التي غزت الكويت في تسعينيات القرن الماضي، بعد إعادة فتح التحقيق في القضية قبل عدة أشهر.
وقالت صحف كويتية، إن التحقيقات في القضية أثبتت أن "مسافر الذي قُتِل عقب تحرير الكويت مباشرةً، كان متعاونا مع القوات العراقية، ولازمته صفة الخيانة منذ 3 عقود رغم عدم إثبات ذلك قضائيا آنذاك".
وأفادت التحقيقات بأن "مسافر تعرض بالإساءة إلى الكويت وحكامها"، مشيرة إلى أنه "لم يكن مجبرا على التعاون مع قوات الاحتلال آنذاك".
سبب فتح قضيته
ويعود سبب فتح القضية مجددا رغم مرور أعوام طويلة عليها، لشكوى رفعتها حفيدة "مسافر" ضد 5 مدونين اتهمتهم بالإساءة إلى جدها الذي تقول، إنه لم يتعاون مع القوات العراقية، وفق ما نقله لها مقربون.
ومنذ الغزو العراقي للكويت، لاحقت "مسافر" - الذي شارك في عدة أعمال تليفزيونية وبرامج ودبلجة أفلام رسوم متحركة- تهمة الخيانة والتعاون مع الجيش العراقي.
وانتهت حياة "مسافر" الذي عاد إلى الكويت عقب التحرير، إذ تم قتله في ظروف غامضة من قبل مجموعة من الشباب وقُطع لسانه ورُميت جثته في منطقة صحراوية، لتؤكد التقارير أن الذين قتلوه هم شباب يُدعون "المقاومة الكويتية".
زينب الضاحي
مطربة وممثلة من جماعة البدون في الكويت ومن أصول عراقية، شاركت في العديد من الأعمال الفنية مع عبد الحسين عبد الرضا وآخرين، لكنها بعد الغزو وافقت لسبب ما على مساعدة النظام في الاستدلال على الاستديوهات والمواقع الفنية التي صودرت، كما أنها أَحيَت حفلات غنائية في تلك الفترة وزارت بغداد.
بعد انسحاب قوات الغزو تم القبض عليها من قبل مليشيات كويتية غاضبة، أخذوها إلى الصحراء وأطلقوا النار على رأسها بعد حلقه، وتركوها ظنّاً منهم أنها قد ماتت، لكنها عاشت، واعتُقلت من قبل الحكومة الكويتية وحُكمت بالمؤبد، وخرجت بعد ١٣ عاما، عادت إلى البصرة ثم غادرت إلى سوريا وتسوّلت من أجل أن تعيش، ثم تم استيعابها في أعمال فنية لقناة الشرقية المملوكة لسعد البزاز وتستقر حاليا في الأردن.
إعفاء أقدم سجينَين بتهمة التعاون
وكشف حمد الدعيج المحامي العام في الكويت، أن العفو الأميري الصادر بمناسبة الأعياد الوطنية، يشمل أقدم سجينَين في البلاد، كانا قد قضيا وراء القضبان 28 عاما، بتهمة التعاون مع الغزو العراقي.
ونقلت وسائل إعلام كويتية، في شباط 2020، عن الدعيج قوله إن "السجينَين صادرٌ بحقهما حكم نهائي بالحبس المؤبد مع الشغل والنفاذ، بعد ثبات تهمة تعاونهما مع الجيش العراقي، والالتحاق به ضمن ألوية الجيش الشعبي العراقي، بعد أن عُثر على اسميهما ضمن كشوف المتطوعين مع الجيش الشعبي، من قبل الأمن الكويتي أول أيام تحرير الكويت".
ولفت المحامي العام الكويتي إلى أن هذين السجينين سيتمتعان بالعفو الأميري بشرط، مشير إلى أن "المحكومَين ينالان شرط العفو الأميري فقط، إذا غادرا الكويت فورا، وهو ما تعهدت به أُسرتاهما، حيث تم تسلم جوازَين بريطانيين لهما، أي إن المحكومَين سيغادران من أبواب السجن المركزي إلى مطار الكويت الدولي مباشرة، ليتم نقلهما الى بريطانيا".
البدون والحرمان من الحقوق
بين حين وآخر، يعود مصطلح "البدون" للتداول في وسائل الإعلام ويبدأ الحديث عن معاناتهم بسبب عدم حصولهم على حق المواطنة في الكويت، ثم تهدأ الأمور لفترة حتى يتكرر الحديث ثانيةً.
ووفقاً لتقرير صادر من منظمة هيومن رايتس ووتش، يبلغ عدد البدون في الكويت حوالي 100 ألف شخص، وتُقر القوانين الكويتية بـ "عدم قانونية" إقامة البدون في الكويت" ويعانون من الحرمان من الحقوق التي يتمتع بها المواطن الكويتي.
ويقوم الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية بإصدار بطاقات أمنية للبدون، على أن يتم تجديدها دورياً من قبل الجهاز، ولا تعتبر هذه البطاقة هوية شخصية لحاملها، وفقاً لوصف الجهاز نفسه.
وتصف الجمعية الكويتية لحقوق الإنسان، وضع البدون بأنه "أكثر سوءاً من ذي قبل بسبب الجهاز المركزي من خلال إجراءاته التعسفية والضغط الممارَس على الأغلبية الساحقة من البدون".
ويعتبر البعض أن أحد العوامل التي أدت إلى صعوبة موقف البدون في الكويت هو توجيه اتهامات لهم "بعدم الولاء" بسبب مساندة بعضهم للعراق خلال الغزو العراقي للكويت عام 1990، في حين فضَّل البعض الآخر البقاء للدفاع عن الكويت أو مغادرتها والتوجه إلى السعودية.
واعتبرت لين معلوف، مديرة البحوث للشرق الأوسط في منظمة العفو الدولية، أن الاعتقالات الأخيرة "تؤدي إلى مفاقمة وضع شديد التوتر أصلاً" حيث قالت: "السلطات باستمرارها في حرمان البدون من الجنسية، تكون قد حرمت هؤلاء المقيمين منذ مدة طويلة من سلسلة من الحقوق الأساسية، بما في ذلك حقهم في الصحة، والتعليم، والعمل، إذ تستثنيهم، عملياً، من أن يكونوا جزءًا أساسيًا ومساهماً في مجتمع كويتي مفعم بالحيوية".
منظمة العفو الدولية قالت في معرض إصدار تقرير جديد قبل بدء السنة الدراسية 2023 إن الحكومة الكويتية تمارس التمييز ضد أطفال البدون الذين هم سكان أصليين لكنهم عديمو الجنسية، وذلك من خلال تقاعسها في توفير التعليم المجاني لهم على قدم المساواة.