عشرون عاما على رحيل عميد المنبر الحسيني د. احمد الوائلي.. في مثل هذا اليوم رحل صاحب "هوية التشيع"
انفوبلس/..
تمر اليوم الذكرى العشرون، لوفاة الشيخ الدكتور أحمد الوائلي عام 2003م، رائد وعميد المنبر الحسيني، ومن أهم خطباء المنبر الحسيني، شاعر ورجل دين مُصلِح، اتفق المسلمون جميعا على حبه والتسليم بآرائه، الداعية الى ضرورة مواكبة الإسلام للعصر الحديث، وردّ الشبهات عن الدين، والدعوة لوحدة المسلمين.
الشيخ أحمد بن حسون الليثي الوائلي، ولد في مدينة النجف الأشرف عام 1928م وكانت المدينة الشيعية وجوّها الديني الأثر الكبير في نشأته واهتمامه بالعلوم الدينية ودراستها.
حرص الشيخ الوائلي أشدّ الحرص على أن يكون المنبر الحسيني رسالة بناء لوحدة المسلمين، لا رسالة هدم وتفرقة، وأكد مرارا على أن يتبنّى المنبر الدعوة إلى أن يتعايش المسلمون فيما بينهم على أساس من الإسلام، مع بقاء كلّ منهم على ما عنده من آراء، ما دام يقرّ بالشهادتين ولا ينكر ضرورة من الضرورات الإسلامية، وحذر كثيرا من أن يقود الاختلاف العلمي إلى النزاع.
منبر الفكر والوعي
الدكتور الشيخ أحمد الوائلي أحد الأفذاذ من الخطباء الحسينيين الذين حاولوا كثيرا مراعاة جوانب متعدّدة من مقوّمات الخطيب الحسيني، كالعلم والثقافة، والورع والتقوى، فسجل التاريخ أسماءهم بأحرف من نور، من خلال تراثهم المبدع الذي أطلّ على المسرح الإنساني والإسلامي بالمواقف الكريمة، والسير الوضّاءة بالوعي والفكر والإصلاح.
ومن هؤلاء الأفذاذ هو الدكتور الشيخ أحمد الوائلي، الذي أنجبته مدينة النجف الأشرف، شعلة الفكر والعلم والدين، فنهل من عذب نهرها الدافق، فكان لها أبلغ الأثر في بلورة شخصيته دينياً وفكرياً واجتماعياً.
الخطيب الموسوعي
وبرز هذا الأثر في رهافة حسّه وعمق وعيه وقدرته على مسايرة التطورات الفكرية، ومتابعة أساليبها ومناهجها، وبعبارة أُخرى كان ملمّاً بثقافة موسوعية واسعة، استمدها من سيرة أمير المؤمنين (عليه السلام)، الذي لم يُعرف له نظير في الإسلام بسعة ثقافته وعمق اطّلاعه، فكان بحقّ الشخصية العالمية الأُولى بفكره النيِّر الذي حيّر العقول. فعالمية الإمام (عليه السلام) وتخطّيه حدود الزمان والمكان جعل منه موضوعاً خصباً للباحثين العالميين، غربيين وشرقيين.
من هنا كانت شخصية الخطيب الدكتور أحمد الوائلي حريصةً على اقتفاء أثر أمير المؤمنين (عليه السلام) ما أمكنه، ضرورة أن يكون المسلم متسلّحاً بالعلم والثقافة، وإلّا فلن يكون بمقدوره ترك بصمته في جمهور المتلقّين، فحرص على أن يرفد تحصيله العلمي ليس بدراسته الأكاديمية فقط، والتي حصل فيها على أعلى الشهادات، بل بدراسته الحوزوية التي أضفت على ثقافته الشيء الكثير، فضلاً عمّا اجتهد في معرفته من مطالعاته واهتماماته بالفكر الغربي ونظراته الفلسفية، والوقوف على آخر الآراء لكبار الفلاسفة، أمثال ديكارت، وهيجل، وماركس، ودارون، قد منحته إشراقة النموّ والتواصل والقدرة على تطوير قابلياته العلمية، بعد أن اتّكأ على صخرة الفلسفة الإسلامية، فأثرى المنبر الحسيني بالجديد من الأفكار الحداثوية.
وضع خصائص المنبر
وقد أبعد المنبر الحسيني عن كلّ ما يُسيء إلى سمعته، ويُظهره كوسيلة إعلام هزيلة لا تقوى على مجاراة الواقع، وهو ما تؤكّد عليه المرجعية الرشيدة في وصاياها للخطباء والمبلِّغين.
إنّ أُسلوبه الفذّ بحقّ أصبح مثلاً أعلى للخطباء؛ لأنّه رسم الصورة السليمة لتغذية المستحقّين بالفكر النيّر، ولهذا فإنّ قياس مستوى تألّق الخطيب وهبوطه بقدر ما يتقن الخصائص التي وضعها الوائلي في خطابة المنبر الحسيني.
وما اجتماع كلّ تلك الخصائص ـ التي تحدّث عنها العلماء والخطباء والدارسون على حدّ سواء ـ في شخصية الشيخ الوائلي إلّا لمحاولاته الجادة والشجاعة لقراءة شخصيات التاريخ الإسلامي، وقراءة الإسلام وأحكامه الشرعية، وتفسير القرآن من منابعه الأصيلة وهم النبي الأكرم وآل بيته الطاهرين (عليهم السلام)، ولهذا استحقّ بجدارة أن يُوصف بأنّه عميد المنبر الحسيني.
لقد قضى الشيخ الوائلي عمره في تثقيف الأجيال على المبادئ الإسلامية السامية، داعياً إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، بعد أن ولج إلى ميدان الخطابة الحسينية وهو في الحادية عشرة أو الثانية عشرة من عمره الشريف، أمّا ارتقاؤه المنبر رسمياً فقد كان منذ أربعينيات القرن الماضي، وقد أُعجب الناس حينها أيّما إعجاب بأُسلوبه الجديد المميّز في عالم الخطابة الحسينية، وكان الشيخ من أشدّ مناصري فكرة معهد الخطابة التي ارتأى فكرتها الشيخ محمد رضا المظفر عام 1946م.
لقد كان كبيراً في حياته بما أعطى وضحّى وواجه، وبقي وسيبقى كبيراً في مماته، إذ إنّ ما تركه من تراث علمي ومعرفي وثقافي، يبرز مدى أصالته ومدى موسوعيّته وإحاطته بالأمور، ويبرز مدى خبرته وتمكّنه من الأسلوب الخطابي المميَّز الذي يأسرك لجِدَّته ومرونته وحيويته.
استطاع الشيخ الوائلي أن يفتتح منهجاً جديداً في إغناء المنبر الحسيني، ليكون متحرّكاً بالثقافة المتنوّعة، وليجمع مختلف الطبقات من المثقّفين وغيرهم، ومن أتباع المذاهب والأديان الأخرى، ما فتح لقضيّة عاشوراء أفقاً رحباً ومجتمعاً جديداً، واستطاع الإيحاء إلى بعض الخطباء الناشئين بالاقتداء به في أسلوبه الحضاري.
دراسته
على الرغم من دراسته النظامية فإنه تلقى التعليم في الحوزة، وكان قد تخرج من جامعة بغداد حاصلا على شهادة الماجستير في العلوم الإسلامية بعد إن نال البكالوريوس في اللغة العربية، ثم نال الدكتوراه من جامعة القاهرة بأطروحته عن (استغلال الأجير وموقف الإسلام منه).
حصل الدكتور أحمد الوائلي على درجة الأستاذية في الاقتصاد، وفي دراسته الحوزوية فقد درس العلوم العربية والإسلامية وعلوم القرآن والفقه، وأتم دراسة اصول الفقه والفقه المقارن والفلسفة والمنطق ثم نال البحث الخارج على يد المرجع أبو القاسم الخوئي، والسيد محسن الحكيم.
ريادة المنبر
كان الشيخ الوائلي قد ارتقى المنبر منذ سنّ الرابعة عشر من عمره، وصار فيما بعد عميد المنبر الحسيني وقد تلقى خطابته على يد واله الشيخ حسون وكوكبة من الخطباء أمثال : الشيخ محمد علي القسام – الشيح محمد علي اليعقوبي – الشيخ مسلم الجابري – الشيخ محمد الكاشي – الشيخ جواد القسام – السيد باقر سليمون البهبهاني – السيد حسن شبر – الشيخ عبود النويني – الشيخ مهدي البديري.
هاجر الشيخ الوائلي من العراق بسبب الظروف السياسية الصعبة، والحكم المقيت الذي مارس التضييق على رجال الدين خلال فترة حكم البعث الصدامي، واتجه إلى سوريا عام 1979م وقد استقر فيها أكثر من عقدين من الزمن.
ثم عاد إلى العراق بعد سقوط النظام البائد، وداهمه المرض الذي كان قد شفي منه في السابق ثلاث مرات، لكن في هذه المرة كانت وفاته التي صادفت ذكرى وفاة الزهراء عليها السلام، مات في الكاظمية ببغداد، وشُيّع إلى النجف، أُقيمت عليه الفاتحة والعزاء في العديد من الدول العربية، وكان له تشييع مهيب، ورغم رحيله، لا تزال الشاشات باختلاف توجهاتها تستنير بعرض خطبه ومحاضراته التي يطمأن لها جميع الناس عند سماع صوته.
مؤلفاته
ترك الوائلي مؤلفات عديدة وهامة منها (هوية التشيّع، نحو تفسير علمي للقرآن الكريم، دفاع عن الحقيقة، تجاربي مع المنبر، من فقه الجنس في قنواته المذهبية، أحكام السجون بين الشريعة والقانون، استغلال الأجير وموقف الإسلام منه، الأوليات في حياة الإمام علي "ع"، الخلفية الحضارية لمدينة النجف، مباحث في تفسير القرآن الكريم".