في مثل هذا اليوم رحل رائد علم الاجتماع علي الوردي وآخر الفصحاء عبد الأمير الورد.. هذا ما تركاه من إرث
انفوبلس/ تقرير
في الـ 13 تموز من عام 1995 رحل رائد علم الاجتماع علي الوردي والذي يعتبر واحدا من أعظم العلماء العرب الذين يفتخر بهم العراق، تجلّت عظمته في كتاباته وطروحاته التي تناول فيها المجتمع العراقي وتاريخ العراق، في المقابل وبعد 11 عاماً وفي نفس اليوم (1933 - 13 يوليو 2006) رحل آخر الفصحاء عبد الأمير الورد، الذي عُدَّ من الشخصيات الموسوعية العراقية، مسرحياً نحوياً شاعراً أديباً، إلا أنه لم يحظَ بفرص الظهور العظيمة تلك التي حظي بها الآخرون، أو البعض منهم، وفي هذا التقرير سنتطرق إلى ما خلّفه من إرث.
من هو علي الوردي؟
علي حسين محسن عبد الجليل الوردي (1913- 13 تموز 1995 م)، وهو عالم اجتماع عراقي، وأستاذ ومؤرخ، عُرف بتبنيه للنظريات الاجتماعية الحديثة في وقته، لتحليل الواقع الاجتماعي العراقي، وكذلك استخدم تلك النظريات بغرض تحليل بعض الأحداث التاريخية، كما فعل في كتاب وعاظ السلاطين وهو من رواد العلمانية في العراق. لقب عائلته الوردي نسبةً لجده الأكبر الذي كان يعمل في صناعة تقطير ماء الورد.
وُلِد في بغداد في مدينة الكاظمية عام 1913م. ترك مقاعد الدراسة في عام 1924 ليعمل صانعاً عند عطّار، ولكنه طُرِد من العمل لأنه كان ينشغل بقراءة الكتب والمجلات ويترك الزبائن، وبعد ذلك فتح دكانا صغيرا يديره بنفسه، وفي عام 1931 التحق بالدراسة المسائية في الصف السادس الابتدائي وكانت بداية لحياة جديدة. وأكمل دراسته وأصبح معلماً. كما غيّر زيّه التقليدي عام 1932 وأصبح أفنديا. وبعد إتمامه الدراسة الثانوية حصل على المرتبة الثالثة على العراق فأُرسِل لبعثة دراسية إلى الجامعة الأمريكية في بيروت وحصل على البكالوريوس وأُرسل في بعثة أخرى إلى جامعة تكساس حيث نال الماجستير عام 1948 ونال الدكتوراه عام 1950، وقال حينها رئيس جامعة تكساس عند تقديم الشهادة له: (أيها الدكتور الوردي ستكون الأول في مستقبل علم الاجتماع).
واقع والمناصب التي شغلها
عام 1943 عُيّن في وزارة المعارف مدرّساً في الإعدادية المركزية في بغداد، ثم عُيّن مدرساً لعلم الاجتماع في كلية الآداب في جامعة بغداد عام 1950، أُحيل على التقاعد بناءً على طلبه ومنحته جامعة بغداد لقب (أستاذ متمرّس) عام 1970.
كتب وألف العديد من البحوث المهمة والكتب والمقالات ولم يلتفت إلى مستقبله الشخصي، وإنما كانت حياته معاناة وتعب واجتهاد واختلف مع الحُكام في بعض الأمور، وفي هذه المعاناة وحدها رأى المستقبل يُصنع بين يديه.
تأثره بمنهج ابن خلدون في علم الاجتماع
كان الوردي متأثرا بمنهج ابن خلدون في علم الاجتماع. فقد تسببت موضوعيته في البحث بمشاكل كبيرة له، لأنه لم يتخذ المنهج الماركسي ولم يتبع الأيدلوجيات (الأفكار) القومية فقد أثار هذا حنق متبعي الايدلوجيات فقد اتهمه القوميون العرب بالقطرية لأنه عنون كتابه "شخصية الفرد العراقي" وهذا حسب منطلقاتهم العقائدية أن الشخصية العربية متشابهة في كل البلدان العربية. وكذلك انتقده الشيوعيون لعدم اعتماده المنهج المادي التاريخي في دراسته.
تحليلاته في بنية المجتمع العراقي الحديث
تعتبر دراسة علي الوردي للشخصية العراقية هي الأهم من نوعها ومن الممكن أن نستفيد منها كمنهج للبحث لباقي بلدان الشرق الأوسط.
حلل علي الوردي الشخصية العراقية على اعتبارها شخصية ازدواجية تحمل قيما متناقضة، هي قيم البداوة وقيم الحضارة، ولجغرافيا العراق أثر في تكوين الشخصية العراقية فهو بلد يسمح ببناء حضارة بسبب النهرين ولكن قربه من الصحراء العربية جعل منه عرضة لهجرات كبيرة وكثيرة عبر التاريخ آخرها قبل 250 سنة تقريبا.
وصف علي الوردي العراق بالبوتقة لصهر البدو المهاجرين ودمجهم بالسكان الذين سبقوهم بالاستقرار والتحضر. فتنشئ لديهم قيمتان: قيمة حضرية وقيمة بدوية. فالعراقي ينادي بقيم الكرامة والغلبة. ولكن حياته تجبره على الانصياع لقيم التحضر.
حلل أغلب مناطق العراق ما عدا المناطق الكردية، بسبب عدم إلمامه باللغة الكردية حسب قوله في كتاب "دراسة في طبيعة المجتمع العراقي". بالإضافة إلى تأثر الدكتور الوردي بابن خلدون فلا ننسى تأثره أيضا بالجاحظ في نظرته الموضوعية ومنهجه العقلاني وتحليلاته الاجتماعية والنفسية للسلوك البشري.
مميزات أبحاث ومؤلفات الوردي
تفرّد العالم الدكتور الوردي بالدخول بتحليلات علمية عن طبيعة نشأة وتركيب المجتمع العراقي الحديث خصوصا بعد عهد المماليك وفيضانات دجلة والفرات وموجات أمراض الطاعون، التي أما فتكت بأعداد هائلة من المواطنين الذين كانوا يقطنون الولايات العراقية على عهد العثمانيين، أو أدت إلى هجرة أعداد غفيرة من مواطني الشعب العراقي إلى الولايات والإمارات العثمانية شرق نجد والخليج أو إلى الشام “سوريا ولبنان والأردن وفلسطين أو إلى مصر. ولا زالت الكثير من العوائل من الأصول العراقية محافظة على ألقابها العراقية. النيل والفرات:
نبذة: ينقلنا الدكتور علي الوردي من خلال كتبه عبر مواضيع نحلق معه وخلالها في أجواء النفس وخباياها وما ورائياتها، مواضيع تقترب أو تبتعد بعناوينها عن التحليلات النفسية، ولكنها وعندما تطرق بجزئياتها أبواب الفكر الوردي تأخذ منحنى آخر لتستعرض مختبر اجتهاداته، لتخرج لابسةً أبعادا كثيرا ما يفاجَأ الذهن بعناوينها، ففي أسطورة الأدب الرفيع، يأخذ العنوان القارئ إلى مدى الأدب ليسميه على الوردي، وإلى فضاء تحليلي من نوع آخر. فالكتاب يحتوي على مناقشة فكرية جمية بين مدرستين، الأولى معتزة بالشعر واللغة إلى درجة التزمّت والتعصب والثانية يمثلها الكاتب تنتقد الشعر والأدب السلطاني والقواعد اللغوية المعقدة التي وضعها النحاة.
يطرح الكاتب ويناقش أثر الأدب واللغة على المجتمع العربي، ويضع أسباب اهتمام الخلفاء والسلاطين بها بشكل خاص حتى أصبح العرب من أكثر الأقوام اهتماماً بالشعر. وفي كتابه وعاظ السلاطين يطرح الوردي أموراً مختلفة، منها أن منطق الوعظي الأفلاطوني هو منطق المترفين والظلمة، وأن التاريخ لا يسير على أساس التفكير المنطقي بل هو بالأحرى يسير على أساس ما في طبيعة الإنسان من نزعات أصيلة لا تقبل التبديل، والأخلاق ما هي إلا نتيجة من نتائج الظروف الاجتماعية. ومن خلال كتابيه "خوارق اللاشعور" و"الأحلام بين العلم والعقيدة" يأخذنا الوردي عبر التحليلات النفسية في مناحي تمس جميع الناس، فمن منّا لا يحب أن يعلم الكثير حول ذاك الشعور المكتنف بالغموض والذي يجترح العجائب، وعن تلك الأحلام التي تنثال صوراً عند انطلاق لا شعوره من معتقله عند نومه؟!!
الصبغة الانثربولوجية لمؤلفات وأبحاث الوردي
يعتبر على الوردي رائد علم الاجتماع في العراق وهو من القلائل الذين كتبوا عن هذا المجتمع ونذروا له حياتهم، ولحد الآن لم يخلفه أحد. صرّح علي الوردي في مقابلة قبل وفاته بفترة قصيرة أنه ألّف عدة كتب وطلب من ورثته نشرها بعد موته، ورغم مرور أكثر من كل تلك سنوات على رحيله لم نرَ أي كتاب من تلك الكتب التي بقيت بحوزة الورثة.
كما حلل أصول المهاجرين وتميزت مؤلفات وأبحاث الوردي بالصبغة الأنثرولوجية حيث ما أنفكّ يبحث عن الكثير في واقع مجتمع العراق والمجتمع البغدادي وعاداته وتقاليده المتحدرة من عهود الخلافة العباسية. وعن المناسبات الدينية وأهميتها في حياة الفرد البغدادي كالمولد النبوي الشريف وذكرى عاشوراء.
وشنّ حملة شعواء ضد بعض رجال الدين خصوصا في كتابه وعاظ السلاطين ومهزلة العقل البشري واتهمهم بالوقوف إلى جانب الحكام وتجاهل مصالح الأمة على حساب مصالحهم الضيقة متخاذلين عن واجبهم الدينية.
ودعا إلى نبذ الخلاف الطائفي بين الشيعة والسُنة وطالب بالنظر إلى موضوع الخلاف بين الإمام علي ومعاوية على أنه خلاف تاريخي تجاوزه الزمن ويجب على المسلمين عوضاً عن ذلك استلهام المواقف والآراء من هؤلاء القادة التاريخيين.
ذكر الدكتور علي الوردي كيف كان حكام الدول الإسلامية يستخدمون الوعاظ لتبرير ظلمهم. وذكر السبب الذي من ورائه أنجر الوعاظ لمسايرة السلاطين وهو حب النفس. ولقد ادعى الوعاظ أنهم يفعلون ما يفعلون لـ "مصلحة الإسلام والمسلمين".
يميل الدكتور الوردي للواقعية في تحليلاته الاجتماعية على طريقة ابن خلدون وميكافيللي، ويعتبر مجدّد علمهم في العصر الحديث.
مؤلفاته
كتب الوردي ثمانية عشر كتابا ومئات البحوث والمقالات. خمس كتب منها قبل ثورة 14 تموز 1958 وكانت ذات أسلوب أدبي - نقدي ومضامين تنويرية جديدة وساخرة لم يألفها القارئ العراقي ولذلك واجهت أفكاره وآراؤه الاجتماعية الجريئة انتقادات لاذعة وبخاصة كتابه "وعاظ السلاطين" الذين يعتمدون على منطق الوعظ والإرشاد الأفلاطوني منطلقا من أن الطبيعة البشرية لا يمكن إصلاحها بالوعظ وحده، وأن الوعاظ أنفسهم لا يتبعون النصائح التي ينادون بها وهم يعيشون على موائد المترفين، كما أكد بأنه ينتقد وعاظ الدين وليس الدين نفسه. أما الكتب التي صدرت بعد ثورة 14 تموز فقد اتسمت بطابع علمي ومثلت مشروع الوردي لوضع نظرية اجتماعية حول طبيعة المجتمع العراقي وفي مقدمتها كتابه دراسة في طبيعة المجتمع العراقي ومنطق ابن خلدون ولمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث الذي صدر في ثمانية أجزاء.
لقد تنبأ الوردي بانفجار الوضع مثلما تنبه إلى جذور العصبيات التي تتحكم بشخصية الفرد العراقي التي هي واقع مجتمعي تمتد جذوره إلى القيم والأعراف الاجتماعية والعصبيات الطائفية والعشائرية والحزبية التي ما زالت بقاياها كامنة في نفوسنا. وكذلك إلى الاستبداد السلطوي، الزمني والتزامني، الذي شجع وما يزال يشجع على إعادة إنتاج الرواسب الاجتماعية والثقافية التقليدية القديمة وترسيخها من جديد، كما يحدث اليوم.
*مهزلة العقل البشري.
*وعاظ السلاطين.
*خوارق اللاشعور (أو أسرار الشخصية الناجحة).
*هكذا قتلوا قُرّة العين وهي قصة مقتطفة من الجزء الثاني من كتاب [لمحات…].
*لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث (8 أجزاء).
*الأحلام بين العلم والعقيدة.
*منطق ابن خلدون.
*قصة الأشراف وابن سعود.
*أسطورة الأدب الرفيع.
*دراسة في طبيعة المجتمع العراقي
*شخصية الفرد العراقي، بحث في نفسية الشعب العراقي على ضوء علم الاجتماع الحديث.
*أكثر من 150 بحثا مودعة في مكتبة قسم علم الاجتماع في كلية الآداب جامعة بغداد.
لم يُثِر كاتب أو مفكر عراقي مثلما أثاره علي الوردي من أفكار نقدية جريئة. وكان من البديهي أن يتعرض للنقد والتجريح والهجوم من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار (حيث صدرت حول افكاره خمسة عشر كتابا ومئات المقالات)، حتى انطبق عليه المثل العراقي المعروف "مثل السمك مأكول مذموم"
والحقيقة كان على الوردي أول عالم اجتماع عراقي درس شخصية الفرد العراقي وطبيعة المجتمع العراقي بجرأة وصراحة وحلل الظواهر الاجتماعية الخفية والسلوكات الفردية والجمعية ووجه الاهتمام إلى دراستها وتحليلها ونقدها. وهو بهذا دفعنا إلى إعادة النظر في خطابنا الفكري والاجتماعي والسياسي وإلى ضرورة أن ننزل من أبراجنا العاجية وأن نعي واقعنا بكل إيجابياته وسلبياته.
فقبل أكثر من نصف قرن قال على الوردي بأن على العراقيين أن يغيروا أنفسهم ويصلحوا عقولهم قبل البدء بإصلاح المجتمع، لأن التجارب القاسية التي مرّ بها الشعب العراقي علّمته دروسا بليغة، فإذا لم يتعظ بها فسوف يُصاب بتجارب أقسى منها.! وعلى العراقيين أن يتعودوا على ممارسة الديمقراطية حتى تتيح لهم حرية الرأي والتفاهم والحوار دون أن تفرض فئة أو قبيلة أو طائفة رأيها بالقوة على الآخرين. كما قال: "بأن الشعب العراقي منقسم على نفسه وفيه من الصراع القبلي والقومي والطائفي أكثر من أي بلد آخر. وليس هناك من طريق سوى تطبيق الديمقراطية، وعلى العراقيين أن يعتبروا من تجاربهم الماضية، ولو فلتت هذه الفرصة من أيدينا لضاعت منا أمدا طويلا". لقد صدق علي الوردي، فالعراق اليوم يقف في مفترق طرق، وليس أمامه سوى ممارسة الديمقراطية (الحقيقية) حتى في أبسط أشكالها وآلياتها، فهي الطريق الوحيد للخروج من هذه الأزمة العصيبة. المؤلف محمد العبيدي
توفي العلامة الدكتور علي حسين الوردي في (13 تموز 1995) بعد صراع مع مرض السرطان، ولم يتمكن الأطباء من معالجته لافتقار المستشفيات العراقية آنذاك إلى الأدوية والمستلزمات الطبية بسبب الحصار الاقتصادي المفروض على العراق، سافر إلى الأردن ليتلقى العلاج في مدينة الحسين الطبية وثم عاد إلى العراق ليقضي نحبه فيه. وقد كتب أحدهم وقتها مقالة، اتهم فيها الولايات المتحدة الأمريكية بقتل الوردي بسبب الحصار الظالم التي فرضته على العراق مما شح معه الغذاء والدواء.
آخر الفصحاء عبد الأمير الورد
عُدَّ من الشخصيات الموسوعية العراقية، مسرحياً، نحوياً شاعراً أديباً، إلا أنه لم يحظَ بفرص الظهور العظيمة تلك التي حظي بها الآخرون، أو البعض منهم، لصراحته، خاصة في ما يُعنى باللغة العربية الفصحى والنحو والأدب، الموسوعي عبد الأمير الورد من الشخصيات العراقية التي تمتلك العديد من المواهب التي أهّلتها لتصدر المشهد الثقافي والفكري والفني.
اضطراب التخصص
عن صفاته يقول الكاتب توفيق التميمي، إنّ "الراحل كان غاضباً صاخباً شجاعاً موسوعياً، لم يكن مسرحياً وشاعراً فحسب بل يمكن أن نصفه بالموسوعة".
السباكة والعمق والرصانة في ما يعطيه، يتحدث التميمي عن هذه الصفات الأدبية للراحل ويقول، "يبدو أن تعدد مواهبه هي التي أضاعت تصنيفه بشكل دقيق، ولكن من خلال رسالة لقاسم حسين صالح يقول فيها إنه كان يعيش اضطراباً، ويتحدث الفصحى كثيراً واصفاً إياه ظاهرة عراقية مهمة".
صداقة الحق
صداقة الدراسة والهواية، جمعت الراحل بالشاعر محمد حسين آل ياسين، الذي لقّبه بصديق العمر وقال "عبد الأمير الورد من بين الآلاف الذين أعرفهم، صداقتي معه امتدت من أوائل الستينيات الى 2006 حيث وفاته، وقد تجاوزت هذه الصداقة الـ 50 عاماً حيث لم نكن نفترق، كنا طلاباً وتدريسيين، في الجامعة وخارجها، وأقل ما يُقال في حق الورد إنه رجل يضم بروحه مجموعة من الأشخاص الموهوبين في رجل بلغ كل واحدة من مواهبه وقدراته ما يبلغ الناجح المختص في مجاله".
ما يؤسف ذكره عدم وجود ديوان مطبوع لهذا الرجل، ويذكر آل ياسين "هذا يعود إلى الجحود والنكران في حق هذا الرجل، إضافة لكل مواهبه وطاقاته كان يعزف الأكورديون، وأيضا تابعت له العديد من العروض المسرحية، وكان يشد الجمهور له بشكل رهيب ومميز".
أما عن تمسكه باللغة العربية الفصحى فيذكر آل ياسين "أن الراحل كان متشدداً تجاه استخدام اللغة العربية، فقد كان يفرض على تلامذته استخدام اللغة العربية الفصحى، ولم يكن يجيب على أسئلة توجه له بلغة محلية بل كان ينتظر طرح السؤال بالفصحى ليجيب عنه، وهو شديد في تصحيح أخطاء الزملاء إلى درجة أنه يصحح للبعض بصوت عالٍ ولهذا بغضه البعض، فهو عالم متمرد وحر وجريء وشجاع".
ذكر الراحل يوماً أنه لم يبقَ له صديق سوى الحق، كان شيوعياً وسُجِن في شباط الأسود في معتقلات الحرس القومي، وكان يكتب قصائده في عمق القِدر الذي تجلب له فيه زوجته الغداء ويطلب منها أن تأخذه لنقل القصيدة على الورق في المنزل وبهذه الطريقة تم الاحتفاظ بقصائد الورد.
المسرح
عن مشوار الراحل المسرحي يتحدث المخرج والأكاديمي عقيل مهدي يوسف قائلاً، "كان الراحل يدرّس اللغة العربية في الاكاديمية، وقد كنا في فرقة المسرح الحديث نعمل على تقديم مسرحية "بغداد الأزل" لقاسم محمد، واختفى الورد فجأة وسألت قاسم محمد فعلمت أن هنالك خلافاً بينهما دفع الورد للانسحاب".
من المواقف التي يتذكرها يوسف عن الراحل برنامج لمالك المطلبي يخص اللغة العربية ويذكر أن عبد الأمير الورد خلال عرض حلقات البرنامج على التلفاز كان يجلس ويصحح الأخطاء وكان الناس ينجذبون لجلساته التي فيها الكثير من التصحيحات.
ويتحدث عقيل مهدي يوسف عن تماهي الورد مع شخصيات المسرحية ذاكراً، "وجدته مرة يتمرن على مسرحية سبق أن قدمها لكنه يعيد التمرين من جديد ويتماهى مع شخصية المسرحية بشكل رهيب ويبدو أنه كان متأثراً بالشخصية بشكل كبير".
التحقيق ومنهجيته
في التحقيق ومنهجيته يتحدث الكاتب د.معن حمدان ذاكراً، أن "الورد قدم نموذجاً عن معاني القرآن حيث حقق كتاب معاني القرآن وجمع المدرسة العراقية بين المنهج والاستشراق، والحفاظ على النص وإضافة إلى التعليقات والهوامش التي قدمها في هذا الكتاب لهذا النص وهي تراجم وتعليقات تاريخية وجغرافية، ويمكن اعتبار كتاب معاني القرآن نموذجاً وإن تبرأ منه، لأنه لم يصحح كما ينبغي وهو يحتاج الى تصحيحات عديدة. توفي عبد الامير الورد ولم يطبع الكتاب طبعة ثانية." تحدث أيضاً حمدان عن جوانب أخرى من شخصية الراحل وأعماله وقال "إنه لم يعتبر مسرحياً فحسب بل كان نحوياً ومحققاً وشاعراً وأديباً وهو في الواقع أستاذ في كل مجال عمل به وحققه، وكان يرى أن المدارس النحوية نشأت عن مدارس فكرية".
مؤلفات عبد الأمير الورد
عدّه موسوعة عملت على بناء الوطن وهو واحد من أولئك البُناة، وصنّاع الحياة.. الدكتور حسن عريبي يتحدث عن مؤلفات عبد الأمير الورد ومنجزه قائلا، "لا ضير أبداً في قلة منجز الورد، فهذا أمر طبيعي بأن يكون منجزه نوعياً وليس كمياً، درس الورد الماجستير ونال شهادة عليا بتقدير جيد جداً في مجال الدراسة النحوية، أما الدكتوراه فقد نالها عن معاني القرآن من دراسة وتحقيق بإشراف العلامة الراحل محمد صالح المخزومي ونالها بتقدير امتياز". دكتوراه عبد الأمير الورد اعتمدت ككتاب طُبع بنسخة وحيدة وفريدة في بيروت عام 1985، وتلتها خلاصة قدمها في مجال اللغة العربية وفهارس لم يجد منها سوى نسخة وحيدة في مشهد في إيران، إضافة الى كتب القوافي التي طُبعت بطبعتين ومنجزات أخرى".
عائلة أدبيّة وثقافيّة
كان قريباً من عائلته، فهو سليل عائلة عريقة كما وصفه، العائلة اهتمت بالأدب والفن والعلوم وهو من أقارب علي الوردي عالم الاجتماع الشهير، إضافة إلى سليم الورد ومن أبناء عمومته وضّاح الورد وهو فنان تشكيلي وبسام الورد المخرج السينمائي، الدكتور زهير البياتي يتحدث عن عبد الأمير الورد قائلا، "إن عائلته اهتمت بالفن والأدب والعلوم وهو انحدار طبيعي لهذه العائلة".
ربطت البياتي علاقة بعبد الرسول الورد وهو أخ الراحل الذي كان يتحدث عن أخيه قائلا، إنه "فطحل في مجال اللغة العربية وقد استطاع أن يسحب هذه القوة الأدبية واللغوية إلى المسرح من خلال تقديمه أعمالاً مسرحية مع فرقة الفن الحديث، فهو يهتم باللغة والمفردة وينزل إلى عمق المعنى، التقيت معه في مسرحية الشقيقات الثلاث بشكل مباشر وكنتُ أقرأ في القراءات الأولية للعمل وطلب مني الراحل كما كان يقول "اِقرأ بعفوية وألقي الحوار بتلقائية وانظر إلى التفاصيل اليومية الحياتية ليكون أدائي جيداً ما دمت متمكناً من اللغة العربية".
العربيّة الفصحى
في داره وبين أطفاله كان الورد يتحدث العربية. هذا ما أكده الأستاذ عبد الوهاب حمادي في كلمته، ذاكراً "كان معروفاً بذلك، إضافة إلى أنه كان يستخدمها في الجامعات العراقية حيث كان تدريسياً في الجامعات الليبية، واليمنية، وهو شاعر فذّ وممثل مسرحي وتلفزيوني، شارك في تمثيل عدد من الأعمال والمسرحيات والمسلسلات والبرامج الناجحة".