الذكاء الاصطناعي يدخل ساحة النشر العراقي عبر كتب مزيفة وأسماء مختلقة
فضيحة تضليل ثقافي بسوق الكتّاب
انفوبلس..
يشهد الوسط الثقافي العراقي خلال الأيام الأخيرة جدلًا واسعًا، عقب اتهامات خطيرة وُجهت إلى دار “ألكا” للنشر، العضو في اتحاد الناشرين العراقيين، تتعلق بترويج كتب مترجمة ومؤلفة بأسماء وهمية، ومحتوى يُشتبه في كونه مكتوبًا باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.
وقد فجّر هذه القضية الكاتب العراقي صادق الطائي، عبر سلسلة منشورات ومقال تحليلي كشف فيه تفاصيل ما وصفه بـ"فضيحة تضليل ثقافي غير مسبوقة" في سوق الكتاب العراقي.
كتب وهمية بأسماء غير موجودة
بحسب ما أورده الطائي، فإن دار “ألكا”، التي تديرها الأكاديمية الدكتورة فاطمة بدر، قامت خلال السنوات الأخيرة بطرح عشرات العناوين في السوق العراقية، جرى الترويج لها بوصفها ترجمات لكتب أجنبية نادرة أو دراسات تاريخية وبحثية، فيما تبيّن لاحقًا، بعد الفحص النصي والفهرسي، أن عددًا كبيرًا من هذه الكتب لا يمتلك أي أصل حقيقي.
ويشير الكاتب إلى أن هذه الإصدارات تحمل أسماء مؤلفين أجانب لا وجود لهم في أي سجل عالمي، ولا في قواعد بيانات الجامعات أو الدوريات أو أرشيف دور النشر الدولية. ومن بين الأسماء التي جرى التحقق منها ولم يُعثر لها على أي أثر: أنا ريابوفا، ريكا هيغيدوش، ألان بادرسن، إيلي فون بادربن، شانون شميت، جوني روندن، باترك فرهالست، وإليزابيت شتاينر. كما يلفت إلى أن بعض هذه الأسماء صيغ بطريقة لغوية بدائية لا تنسجم مع اللغات المنسوبة إليها.
وتشمل الشبهات عناوين متعددة، من بينها كتب عن التاريخ والسياسة والسينما والصحافة، جرى تقديمها للقارئ على أنها أعمال بحثية موثوقة، رغم افتقارها لأي جذور أكاديمية أو مصادر معتمدة.
مترجمون وهميون ونصوص بلا روح ترجمة
لا تقف الاتهامات عند حدود المؤلفين، بل تمتد إلى المترجمين الذين ظهرت أسماؤهم على أغلفة بعض الكتب، أو غابت أسماؤهم كليًا في إصدارات أخرى. فبحسب الطائي، فإن عددًا من الأسماء التي قُدمت بوصفها مترجمين أو باحثين أكاديميين، وتحمل ألقابًا علمية، لا تمتلك أي وجود مهني أو أكاديمي معروف.
وتوضح المراجعة اللغوية أن النصوص المعروضة على أنها «مترجمة» تفتقر إلى الخصائص الأسلوبية للترجمة، وتبدو مكتوبة بلغة إنشائية عامة، خالية من الإحالات المرجعية، وتعج بأخطاء مفهومية وتاريخية لا يمكن أن تصدر عن مترجم محترف يعمل على نص أجنبي أصيل. ويؤكد الطائي أن هذا النمط من الكتابة يتطابق مع مخرجات النماذج اللغوية للذكاء الاصطناعي، وليس مع عمل بحثي أو ترجمي رصين.
وفي بعض الحالات، جرى استغلال أسماء مؤلفين حقيقيين لتمرير كتب لا علاقة لهم بها، وهو ما يعزز الشبهة بوجود تلاعب مقصود بعناوين الكتب وأسمائها.
تزوير بيانات النشر ومسؤولية الجهات الرقابية
تكشف التحقيقات كذلك عن مخالفات خطيرة في بيانات النشر، إذ تحمل جميع الكتب أرقام ISBN غير مسجلة في قواعد البيانات الدولية، ما يعني أنها أرقام مصطنعة ولا تمنح الكتاب أي صفة قانونية. كما لا يظهر أي أثر لدار نشر أجنبية أصلية، ولا تواريخ إصدار أو طبعات معتمدة.
وتبرز شبهة إضافية في استخدام أسماء دور نشر أوروبية معروفة، مثل “TIVOLI”، على أغلفة الكتب، دون وجود هذه العناوين ضمن إصدارات تلك الدور، في ما يبدو محاولة لإضفاء طابع عالمي وهمي على المحتوى. ويصف الطائي هذا الأسلوب بأنه نمط كلاسيكي من التزوير الثقافي القائم على الإيحاء لا على الحقيقة.
وتزداد خطورة القضية، وفق الطائي، مع وصول هذه الإصدارات إلى رفوف معرض العراق الدولي للكتاب، ما يطرح تساؤلات جدية حول آليات التدقيق والرقابة، ودور اتحاد الناشرين العراقيين ووزارة الثقافة وإدارة المعرض في السماح بعرض كتب تفتقر إلى أبسط معايير المهنية. ويشير إلى أن استمرار هذه الممارسات يهدد مصداقية صناعة الكتاب العراقية، ويفتح الباب أمام تضليل معرفي قد يطال القراء والطلبة والباحثين على حد سواء.
علي بدر: أتحمل أية مسؤولية
في تعقيبه على ما وجهه الكاتب العراقي صادق الطائي، لدار ألكا للنشر حول التزوير ونشر كتب لمؤلفين ومترجمين لا وجود لهم، نشر الكاتب العراقي علي بدر، المدير السابق للدار، عبر حسابه الشخصي بـ"فيسبوك" ردا توضيحيا.
وقال علي بدر: إيضاح بعد أن طلب مني أصدقاء أحباء للرد على ما ورد في بوست الصديق صادق الطائي، الواقع أنا تركت "دار ألكا" من عامين، وتديرها شقيقتي الدكتورة فاطمة منذ ذلك الوقت، وهذا الشيء رسمي وليس صوريا، فلا قدرة لي على العمل عليها سوى المساعدة في بعض الأمور الخاصة التي تنفعها في إبقاء الدار حية ومستمرة مثل عروض الكتب، وهي مهمة أقوم بها لمنفعة عامة ولحبي للكتب والترويج لها.
وتابع بدر: من جانبي أوقفت النشر في الدار منذ أربعة أعوام وأقفلت جميع المخازن في كل العالم العربي، وعملتها دارا محلية وتركتها لشقيقتي، هي حصلت على كتب جيدة عن طريق الإيميل الكثير منها غيرت عناوينها وبعضها مستلات من كتب على شكل كتب مشتركة، منها كتاب يان زيجلر وهو كاتب سويسيري شهير، أو كتاب العرب لديفيد برايس جونز وقد قمت بمقابلته في العام 2010 ونشرت المقابلة في كتابي صحيفة الغرباء الصادر عام 2018، وكتاب شانون وروندون عن الفضائح الجنسية للأدباء، أو كتاب الصحفي النيويوركي وهو كتاب بعنوان الصحافة والتجارة وهو موجود في موقع جوتنبرج.
وتابع: لم يخطر في بالي مطلقا أن أيا من هذه الكتب مزيفة كما أدعى صادق الطائي، ما استغربته هو حفلة الكراهية التي رقص لها الكثيرون، ومنهم أصدقاء كنت أتوقع أنهم أصدقاء، وبصرف النظر عن تخليي عن مسؤولية الدار منذ وقت ليس بقريب، مع ذلك أنا أتحمل أية مسؤولية طالما أن الأمر يخص دار ألكا. وأعد بإغلاق الدار نهائيا في حالة وجود أية شائبة أو شبهة أو خطأ حتى إذا كان غير مقصود”.
صادق الطائي يطالب بفتح تحقيق شفاف
وبدوره وعلى نفس المنشور، علق الكاتب صادق الطائي الذي أثار القضية قائلا: "في المنشور الذي نشرته أشرت إلى مجموعة كتب تم نشرها في دار ألكا، التي تديرها الأكاديمية د.فاطمة بدر، ولم أقل أن لعلي بدر علاقة بالدار بل قلت إنه روج لكتب تم نشرها وتوزيعها مؤخرا في معرض العراق الدولي للكتاب الأخير في بغداد".
وتابع: من العرف في أخلاقيات النشر أن من حق الناشر تغيير العنوان لأسباب تجارية أو بلاغية بحسب ما يرتأيه المترجم والناشر، لكن يجب وضع عنوان الكتاب الأصلي واسم المؤلف ودار النشر الأصلية ليتسنى للقارئ والباحث التأكد من مصداقية الكتاب، أستاذ علي أشار أعلاه إلى بعض الكتب، وأنا هنا أطالبه بشكل رسمي لأنه روج لكتب أخرى، أنا أشك أنها كتب وهمية لكتاب وهميين ومترجمين وهميين.
وواصل: "أتمنى من علي أن يرد علي هنا، أو أن يرد على أحد القائمين على الدار بخصوص الكتب التالية: "عاصفة ستالين.. كيف قتل ستالين رفاقه"، "الحسن الصباح.. قراءة جديدة في السيرة والتاريخ"، "الدولة الفاطمية من السر الى الدعوة"، "الإمبراطورية الصفوية: كيف غيّرت الشرق الأوسط إلى الأبد"، "أبو العباس السفاح؛ شريعة الدم في التأسيس السياسي للدولة في الإسلام"، "هتلر والنساء"، "فيلم إيمانويل 1974"، للكتاب أنا ريابوفا، ريكا هيجيدوش، ألان بادرسن، إيلي فون بادربن، باترك فرهالست، وإليزابيت شتاينر".
وأكد “الطائي”: وإذا كانت كتب حقيقية أتمنى من دار ألكا وضع أغلفة الكتب الأصلية وعندها سأعتذر بشكل رسمي وبالطريقة التي تراها الدار مناسبة لرد الاعتبار لها. أما إذا لم يتم ذلك في غضون أيام، لأن الدار كما هو متعارف في عالم النشر لديها أولويات الكتب التي تصدرها".
واختتم: “أقول إذا لم يتم ذلك، فأنا أطالب من هنا من صفحة الصديق علي بدر بفتح تحقيق شفاف حول الكتب الوهمية التي تم تسويقها في العراق على أنها مصادر حقيقية وذلك لخطورة الأمر. في النهاية تقبل تحيتي ومحبتي عزيزي علي”.

