الفن التشكيلي العاشورائي قرون من الإبداع وتدوين التاريخ وتوثيقه.. تعرف على أبزر الأنشطة واللوحات التي جسدت هذا الاتجاه
رواية الواقعة بلُغة تشكيلية
انفوبلس/..
واقعة الطف في يوم عاشوراء، حدث تاريخي يرتبط بالحاضر وتُغذيه الذاكرة، وهي متجذرة في الوجدان الشعبي الإسلامي لدى أتباع مدرسة أهل البيت بشكل خاص، استولدت وعيا جماهيريا لا ينضب وإرثا فكريا ثقافيا وثوريا لا يهدأ.
وكان حضور اللوحة والمشهد الفني والتشكيلي فعّالاً في مسار استذكار الواقعة، بحضور دائم في إحياء المراسم العاشورائية، حيث ولدت لوحة كربلاء في مشهد واقعي غير مسرحي.
وتجاوزت معركة كربلاء، حدود الزمان والمكان والانتماء واللغة، حيث كان لعاشوراء الأثر الكبير في الفن التشكيلي كلُغة عالمية، تتجاوز عوائق اللغات، تنفذ عبر العين الى القلب المفتوح، وتنعكس على مرآته لتوصل رسالة الإمام الحسين (ع)، رسالة الإصلاح وصوتا للحق والعدالة، عبر الفن الذي يمكن أن يصبح وسيلة للتأريخ وتدوين التاريخ وتوثيقه.
لقد كانت الجداريات العاشورائية المحفوظة خير دليل على ذلك، إذ رسخت في الذاكرة والوجدان الحدث التاريخي وما تلاه.
بعد واقعة كربلاء استولدت المأساة الدامية شعائر وطقوسا حسينية انطلقت ابتداءً في العراق بأشكال عدة، منها إقامة المجالس الحسينية وإعلان الحداد ونشر السواد في المدن والقرى، ثم انتقلت الى إيران في القرن السادس عشر ثم أذربيجان والأناضول وبعض مناطق سيبيريا وعدد من الدول الى أن أصبحت الآن تعمّ معظم دول العالم.
وشيدت المباني الخاصة بعاشوراء في إيران وهي مباني كبيرة وضخمة سُميت (بالتكايا) لإقامة المجالس وقراءة المقتل الحسيني وتمثيل الواقعة على المسرح المشيد خصيصا لها، وقد زُينت التكايا بالزخارف واللوحات الفنية العاشورائية، أكبر التكايا (تكية دولت) التي شُيدت عام 1202 هـ - 1786 م وأهمها تكية (معاون الملك) في كرمنشاه التي شُيدت عام 1917 إذ تضم أكبر لوحة فنية شعبية لمشهد السبايا وهنّ مكبلات بالسلاسل الحديدية، بالإضافة الى لوحات أخرى تحاكي المعركة بتفاصيلها، وفق تقنية البانوراما التصويرية للواقعة بعناصرها ورموزها وشخصياتها ومفرداتها الخاصة دون الخروج عن مضمون النص العاشورائي.
تروى الواقعة بلُغة تشكيلية سردية، وكأن الفنان هنا يقوم بدور الراوي لإتمام التجسيد البانورامي للمشهد، وللإحاطة به من كافة الجوانب، فأصبح الرسم العاشورائي يحكي قصة الثورة العاشورائية بلغة تشكيلية غنية بالرموز والدلالات والإشارات التي تدخل الوجدان وتحرك العواطف من خلال اللوحات والجداريات، لإيصالها الى الناس بطريقة سهلة وممتعة.
الفن العاشورائي يحاكي الواقعة ويعبر عنها بالريشة واللون والاساليب الفنية المتنوعة، يؤازر الكلمة فيسهّل فهمها كما تخيلها وهي مدونة في التاريخ، إن الفن التشكيلي عنصر لابد منه لعرض ملحمة كربلاء وإيصال رسالتها المحقة.
وبرزت الكثير من الرموز العاشورائية عبر الفن التشكيلي واللوحات، مثل السيف الذي يقطر دماً والذي يرمز إلى استشهاد الحسين (ع)، والكفوف وقربة الماء التي ترمز الى العباس (ع) ساقي العطاشى، والرأس المرفوع على الرمح ويقصد به رأس الامام الحسين (ع) والسير به الى الشام، السبايا زينب "ع" وحرم الإمام الحسين (ع) وزوجات أهل بيته وأصحابه مع الأطفال مكبّلين ومُتَّشِحات بالسواد، والحصان المُطَأطِئ الرأس لفقدان فارسه الحصان المدمى والمثقل بالجراح، حيث اندمجت هذه الرموز مع العناصر الفنية التشكيلية العاشورائية.
المرسم الحسيني في البحرين
انتشر الفن العاشورائي وتطور، وأُقيمت معارض الفن العاشورائي في بعض الدول، كدولة البحرين مثلا ففي العاصمة المنامة أسس المرسم عام 2003، وهو عبارة عن خيمة كبيرة تُقام الى جانب المجالس تقدم فيها أدوات الرسم ويدخل إليها مَن يشاء، ليعبّر عن عاشوراء بما يختلج في نفسه من مشاعر وشجون، كل منهم على طريقته وأسلوبه الخاص، وفي نهاية شهر محرم تُقيّم اللجنة المختصة الأعمال.
واللافت أن المشاركة لم تقتصر على البحرينيين، إنما تعدتها الى جنسيات اخرى قدموا أجمل إبداعاتهم، وحقق القيّمون على المرسم هدفهم، وهو توعية الجيل ونشر الثقافة الحسينية بالأدوات والاساليب المتنوعة، كما رافق المرسم إقامة العديد من الورش الفنية الميدانية في الساحات العامة وعند مداخل القرى لإنجاز مجسمات فنية عاشورائية يتسارع الى إنجازها أمهر الفنانين البحرينيين وغيرهم لإبراز الألم وحجم المعاناة والظلم الذي أصاب الحسين (ع) وأهله وأصحابه.
وواصلت جمعية المرسم الحسيني تقديم لوحاتها الفنية المميزة في موسم عاشوراء، جريًا على العادة السنوية، إذ أتى معرض "المرسم الحسيني" هذا، العام الماضي، تحت عنوان "ما رأيت إلا جميلًا"، وافتتح المرسم أبوابه منذ اليوم الأول في شهر محرم، واستمر حتى مساء يوم العاشر مساءً، بالقرب من مأتم العريض في العاصمة المنامة.
وشارك أكثر من 35 فنانًا في عرض لوحاتهم في المرسم تحاكي قصة الإمام الحسين، وتسعى إلى تجسيد الرسالة الحسينية الخالدة عبر الفنّ والإبداع، وشهد المعرض حضورًا كبيرًا من جميع الشرائح الاجتماعية، لا سيما المهتمين بالفنون والرسم.
مرسم القطيف والأحساء
هناك أيضا المرسم الحسيني في المملكة العربية السعودية بالرغم من التضييق والمنع، فقد أسس المرسم الحسيني في القطيف، وبالهفوف بمحافظة الأحساء، وأُقيم معرض تحت عنوان (من وحي عاشوراء) والذي تناول واقعة عاشوراء الإمام الحسين، شارك فيه عدد من الفنانين والفنانات من مختلف الأعمار.
وضم المعرض280 لوحة ومجسما فنيا شمل جميع فنون الرسم التشكيلي بمختلف الادوات والطرق الفنية بالألوان المائية والزيتية والحفر وعمل المجسمات، إلا أنه في اليوم التالي للافتتاح تمت مداهمة المعرض وإيقاف نشاط المرسم واعتقال راعي الاحتفال ومصادرة جميع الأعمال الفنية.
المرسم الحسيني في العراق والذي بدأ بعد سقوط الطاغية ونظام القمع عام 2003، حيث أنشأت الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة المتحف الحسيني داخل العتبة الذي يحوي نفائس، وهدايا للحسين (ع) إضافة الى بعض المقتنيات الفنية الثمينة والمميزة.
مجسمات عاشورائية
وكانت باكورة أعمال المتحف الفنية العاشورائية، أن أقامت الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة، معرضاً للنصب التذكارية لاختيار نصباً يُخلّد شهداء وضحايا العمل الإرهابي الذي استهدف زائري أربعينية الإمام الحسين عليه السلام على طريق كربلاء/ الهندية، واختير نصب الفنان هادي حمزة الطائي، الذي يختزن مفهومي عاشوراء، الإصرار والشهادة.
وفي العراق مجسمات عاشورائية ولوحة فنية رائعة غطَّت الصحن الحسيني الشريف من الخارج تعكس بأسلوب درامي محنة اطفال المخيم الحسيني وما نالهم من أذى.
نماذج الفن العاشورائي
تناول الفن التشكيلي المعاصر واقعة كربلاء عبر لوحات من زوايا شتى، ومن الأعمال العاشورائية الفنية التشكيلية، نستعرض ما رسمه الفنان العراقي كاظم حيدر، والفنان اللبناني عبد الحميد بعلبكي، والفنان الايراني اسكندراني، لتسليط الضوء على الفن العاشورائي عبر نماذج من لوحاتهم.
الفنان كاظم حيدر
وُلد في بغداد، ونال دبلوم رسم من معهد الفنون الجميلة عام 1957، وفي نفس العام على الليسانس في الأدب من دار المعلمين العالية ودرس اليثوغراف والديكور المسرحي في الكلية المركزية للفنون بلندن وتخرج عام 1962.
أقام معرضين شخصيين في بغداد عام 1965 و1966 كما عرض في بيروت عام 1965 وساهم في تأسيس جماعة الأكاديميين التي أقامت معرضها الأول عام 1971، كما انتمى الى جماعة الرواد، وشارك في أكثر المعارض الجماعية التي أُقيمت في جمعية الفنانين وكان سكرتيرا لها.
عبد الحميد بعلبكي
عبد الحميد بعلبكي (1940-2013) رسّام ونحّات وشاعر ومصنّف من بلدة عديسة الجنوبية، أستاذ محاضر في الجامعة اللبنانية، عمل على إحياء المنمنمة الإسلامية في اللوحات المعاصرة.
زاول مهنة التدريس في معهد الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية بدءاً من العام 1975 وكرّس نفسه كفنان تشكيلي واستمرّ في عمله زهاء 35 عاما. هذا بالإضافة لإصداره العديد من الدواوين والدراسات، إلى جانب عمله كنحّات ورسّام من المدرسة الواقعية.
عباس الموسوي
بطل كربلاء The Battle of Karbala هو الاسم الذي أطلقه الغرب الأمريكي على هذه اللوحة الموجودة في متحف مدينة بروكلن في نيويورك العاصمة، لوحة تحمل توقيع عباس الموسوي نُفذت بطريقة البانوراما ذات قوام من الزيت الكثيف وقماش الكانفاس بأبعاد جدارية بانورامية تتراوح ما بين (299.7 *182.9 سنتمتراً) نُفذت ورُسمت حسب تقديرات الخبراء أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين (1868 و 1903) أواخر حكم الدولة القاجارية في إيران ولم يُحدَّد تاريخ إنجازها بالتحديد.
محمود فرشجيان
هو احد أبرز الفنانين الإيرانيين الذي يتميز بأسلوبه الفريد في الرسم و فن المنمنمات وقد خلق أثارا فنية في غاية الروعة والابداع.
فرشجيان مواليد 1929 في مدينة اصفهان و كان والده من محبي الفن حيث ارسله إلي ورشة الرسام الشهير 'ميرزا آقا امامي' استجابة لرغبته ولكي يروي بذلك ضمأه الي الفن.
ثم دخل معهد اصفهان للفنون الجميلة و تتلمذ علي يد الإستاذ 'عيسي بهادري' قبل أن يرحل إلي أوروبا ليدرس أثار الفنانين الغربيين الكبار خلال بضعة سنوات والتي انتهت به الي ابداع منهج جديد في مجال الرسم يتلائم مع المعايير والمعطيات العالمية في نفس الوقت.
ولم يقتصر أهتمامه علي فن الرسم بل توسع ليشمل الأدب العرفاني و الشعر الصوفي فضلا عن كتابة الشعر واصبح بذلك فنانا بكل ما للكلمة من معني يخلق أعمالا فنية بديعة و مذهلة .
وتم عرض الاعمال الفنية لهذا الفنان الإيراني العملاق في المئات من المعارض الفردية و الجماعية في إيران و دول أخري حظيت باقبال واسع من قبل عشاق الفن الاصيل وقد حصل الفنان علي العديد من الجوائز والنياشين.
ومن أجمل اعماله الفنية يمكن الأشارة إلي لوحات 'الغدير' و ' كفيل الغزلان ' و 'خامس أيام الخلقة' و 'مساء يوم عاشوراء ' و 'الكوثر ' و 'تسبيح الرب'.