بعد مرور 12 عام على رحيله.. محمد غني حكمت صنع قالباً ليدَي الطاغية فهل استحق شهرته على حساب نحاتين آخرين؟
انفوبلس/..
يُعد النحات العراقي محمد غني حكمت من الأسماء التي برزت في مساحات الحركة التشكيلية العراقية في النصف الثاني من القرن العشرين، وانتشرت أعماله وتماثيله في العديد من ميادين العاصمة العراقية بغداد وساحاتها خلال تلك الحقبة الزمنية.
وتخرج حكمت من معهد الفنون الجميلة في العراق، وحصل على دبلوم النحت من أكاديمية الفنون الجميلة في روما عام 1959 وعلى دبلوم الميداليات من مدرسة "ألزكا" في روما في 1957 وعلى الاختصاص في صبّ البرونز من فلورنسا عام 1961.
وكان حكمت عضوا مؤسِّساً في "جماعة الزاوية" و"تجمع البُعد الواحد" وعضوا في "جماعة بغداد للفن الحديث" وساهم في معارضها، كما ساهم في الكثير من المعارض داخل العراق وخارجه.
وفي الذكرى الـ 12 على رحيل محمد غني حكمت، اعتبر النحات العراقي طه وهيب أن "الحركة التشكيلية فقدت اسما من أسمائها، كما أكد الناقد صلاح عباس أن رحيل حكمت "خسارة للفن العراقي وقيمه ودلائله التي توهجت بعطائه ومسيرته"، مضيفا أن "أعماله الكبيرة ستخلّده وتجعله حاضرا دائما ليس عند الأوساط الفنية بل لدى كل العراقيين الذين يستيقظون وينامون على رؤية هذه الأعمال".
أبرز أعماله
ومن أبرز أعمال الفنان الراحل تماثيل؛ شهريار وشهرزاد، وكهرمانة/ علي بابا والأربعين حرامي، وجدارية مدينة الطب، وتمثال أبي الطيب المتنبي، وبساط الريح، وتمثال المنصور والجنية والصياد في بغداد، كما ساهم في تنفيذ نصب الحرية الضخم الذي يقع في ساحة التحرير وسط بغداد نهاية خمسينيات القرن الماضي، إلى جانب مصمم النصب أستاذه النحات الراحل جواد سليم.
وانتهى النحات أخيرا من إنجاز أربعة نُصُب جديدة لبغداد وهي (مصباح علاء الدين السحري) الذي وُضِع في ساحة الفتح بالقرب من المسرح الوطني، وتمثال عن (شموخ بغداد) في ساحة الأندلس، وتمثال (إنقاذ العراق) عن إنقاذ مسلّة التاريخ العراقي على شكل رجل يدفع بمسلة قرب متنزه الزوراء، وأخيرا نافورة تحوي شعرا لمصطفى جمال الدين في منطقة الكاظمية.
قبضتا صدام حسين
ويُعد تمثال (قوس النصر) الذي يقع في ساحة الاحتفالات الكبرى هي الساحة الرئيسية للاحتفالات العامة في بغداد أحد معالم بغداد، الذي صُمم من قبل النحات العراقي (خالد الرحال) وأتم تنفيذه النحات (محمد غني حكمت) بعد وفاة الرحال بفترة قصيرة من بدء العمل به، حيث تم تنفيذ نصب قوس النصر بواسطة شركة (موريس سينغر) البريطانية التي اهتمت بتنفيذ أعمال البرونز لقبضتي وساعدَي كل من النصبين المتقابلين، فضلا عن شركة (هـ هـ ميتال فورم) الألمانية.
وتم افتتاح النصب في يوم الثلاثاء الموافق 8 آب 1989، لتصبح الساحة الواقعة تحت السيفين مكانا للاستعراضات العسكرية والمسيرات الشعبية التي كانت تقوم في عهد النظام السابق.
واعتذر النحات محمد غني حكمت، الذي أنهى العمل بالنصب بعد وفاة النحات خالد الرحال، عن الحديث عن هذا الموضوع، ورفض مناقشة القضية بصورة أوسع عن قيامه بإكمال تصميم القوس والقبضتين اللتين تمثلان الرئيس المقبور صدام حسين.
أراد صدام حسين، أن تكون موهبة التقليد الفني هذه، محتلةً مواقعها بأمكنةٍ مرموقةٍ في ساحات بغداد وشوارعها، مثلما كانت الأساطير النضالية في تاريخ الشعب الفرنسي قد وجدت نفسها سيدة المنظر والقدر والمصير بعيون الشعب الفرنسي وتاريخه من خلال أنصاب الفنانين العظماء بالساحات والشوارع الفرنسية، ومن خلال نماذج قصر فرساي والقصور الملكية الأخرى، حيث تُجللها الأنوار فوق الاخضرار.
فكان قرار صدام نحو صناعة الأقواس ووضع هذه الكتلة البرونزية - الحجرية، يكون اسمها (قوس النصر العراقي) موازياً لقوس النصر الفرنسي وأعظم منه علواً و فخامةً ومنظراً، اختار بنفسه مباشرة، بقعة خضراء ممتازة، بين (شعبية) منتزه الزوراء و(طبقية) منطقة سكنية بورجوازية فخمة، فأنجز تنفيذها النحات محمد غني حكمت.
جواد سليم رمزاً عراقياً في النحت
وإلى جانب محمد غني حكمت الذي أسهم النظام الحاكم في وضع اسمه في صدارة الفنانين العراقيين خلال فترة حكم البعث الصدامي، يزخر العراق بالكثير من النحاتين الذين تركوا بصمة واضحة وأثرا مهما في تاريخ الفن العراقي والنحت، قبل وبعد حكمت، ومن بينهم (جواد سليم) الذي نحت نصب الحرية في العاصمة العراقية بغداد، ويُعد من أبرز مَن تلاقحت منهجيته الفنية بالحضارة الغربية، ووُلِد في أنقرة سنة 1919 من أبوين عراقيين، وسافر إلى فرنسا سنة 1928 لدراسة الفن ثم عاد إلى بغداد بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية.
وأسس الفنان جواد سليم، جماعة بغداد للفن الحديث، مع الفنان شاكر حسن آل سعيد، والفنان محمد غني حكمت، كما يُعد أحد مؤسسي جمعية التشكيليين العراقيين وكان من أبرز مؤسسي المدرسة العراقية في الفن الحديث.
ويُعد نَصب الحرية الذي يقع في قلب العاصمة بغداد وبدأ تنفيذه عام 1959، من أهم الأعمال الفنية في الشرق الأوسط، لما يتمتع به من فخامة فنية ومعمارية.
ويتكون من 14 منحوتة ترمز إلى ثورة 14 تموز 1958، ويبلغ طول القاعدة الإسمنتية المغلفة بالمرمر والتي وُضعت عليها المنحوتات 50 مترا بارتفاع 8 أمتار عن الأرض، أما ارتفاع النصب الكامل حتى قمته فيبلغ 14 مترا.
ومن أعمال سليم النحتية الشهيرة الأخرى تمثال "الأمومة" وهي منحوتة خشبية، بارتفاع مترين عُثر عليها في منطقة الميدان في بغداد عام 2003 بعدما تعرضت للنهب، فاشتراها الناقد صلاح عباس وأعادها إلى المتحف الوطني التابع لوزارة الثقافة.
خالد الرحال أبرز رواد الحركة الفنية
نحات وفنان عراقي آخر، هو (خالد الرحال) الذي وُلد عام 1962 ويُعد أحد أبرز رواد الحركة الفنية في العراق، تخرج في معهد الفنون الجميلة ببغداد عام 1947 بشهادة الدبلوم في النحت، انتمى بعدها إلى جماعة بغداد للفن الحديث عام 1953، سافر الرحال بعد عدة معارض خارجية وداخلية إلى إيطاليا ليدرس في أكاديمية الفنون الجميلة بروما وتخرج عام 1964 حاملًا البكالوريوس في فن النحت، ومن أبرز أعماله النحتية، وقوس النصر ونصب المسيرة وتمثال الأم في حديقة الأمة وسط بغداد.
ومن أشهر اعمال النحات خالد الرحال هي نصب المسيرة، تمثال الأم، واستوحى في بعض منحوتاته تماثيل آشور وبابل، وتأثره بالفن الإسلامي والأدب العربي.
إسماعيل فتاح الترك
وبالإضافة إلى نحاتين عراقيين كُثر أبرزهم النحات إسماعيل فتاح الترك، هو واحد من الفنانين الرواد وُلد في البصرة عام 1934 وهو عضو جماعة بغداد 1957، تجمع الزاوية 1966. وحاصل على الكثير من الشهادات في مجال اختصاصه من دول مختلفة منها دبلوم فنون جميلة قسم الرسم عام 1956 دبلوم فنون نحت 1958 ودبلوم عالي من أكاديمية الفنون الجميلة في روما 1963 ودبلوم عالي في النحت والخزف من روما...
ترك إسماعيل فتاح الترك وراءه أعمالا فنية خالدة من النصب والمنحوتات منها (نصب الشاعر معروف الرصافي) في بغداد، وجدارية الطب العربي القديم في مدينة الطب ببغداد، وجدارية برونزية على جدار شركة إعادة التـأميم، وتمثال الفارابي في حديقة الزوراء، وتمثال الشاعر أبو نواس، وتمثال الشاعر عبد المحسن الكاظمي، ونصب الشهيد، بالإضافة الى النحاتين عبد الجبار البناء وصالح القرة غولي وغيرهم.