خبراء صحيون يؤكدون: المضادات الحيوية لم تعد تعمل بشكل جيد في العراق.. جراثيم تقاوم الأدوية
انفوبلس/ تقرير
ظهرت في الآونة الأخيرة، دراسات علمية تثبت أن أجسام العراقيين أصحبت مقاومة للمضادات الحيوية نتيجة مرور عقود من الحروب والصراعات، في وقت يؤكد خبراء صحيون أن المضادات الحيوية لم تعد تعمل بشكل جيد في العراق، لأسباب سنتطرق لها في هذا التقرير.
مقاومة المضادات الحيوية تعتبر ظاهرة خطيرة تنتشر في جميع أنحاء العالم بما في ذلك العراق
وبحسب الخبير الصحي زياد حازم إبراهيم (طبيب اختصاص صحة عامة) فإن مقاومة الأدوية المضادة للالتهابات والتي تُعرف بالمضادات الحيوية تعتبر ظاهرة خطيرة تنتشر في جميع أنحاء العالم بما في ذلك العراق والتي برزت بشكلٍ متنامٍ في العقود الأخيرة، وقد أعلنتها منظمة الصحة العالمية كواحدة من أكبر عشر مشاكل عالمية تواجه صحة البشرية، وعدّتها تهديدا خطيرا للصحة والتنمية العالمية.
ومن الدوافع الرئيسية في تطور مسببات الأمراض المقاومة للأدوية، إساءة استخدام المضادات الحيوية والإفراط في استخدامها، إضافة إلى نقص المياه النظيفة وسوء أنظمة الصرف الصحي وعدم كفاية الوقاية من العدوى والسيطرة عليها، مما يعزز انتشار الجراثيم المقاومة للأدوية، وفقا للخبير.
وأضاف إبراهيم، "مقاومة المضادات الحيوية تعني أن الأدوية التي كانت تستخدم سابقا لعلاج جرثومة معينة تصبح غير فعالة، وهذا الأمر من الممكن أن يؤدي إلى حدوث مضاعفات خطيرة قد تصل الى الإعاقة وزيادة معدل الوفيات من الالتهابات التي يمكن علاجها بسهولة بالمضادات الحيوية، وكذلك انتشار الأمراض المعدية التي من الممكن أن تنتقل من شخص لآخر مما يزيد من خطر الإصابة بتلك الأمراض، إضافة إلى زيادة تكاليف الرعاية الصحية بسبب الحاجة إلى استخدام علاجات أكثر تعقيدا وتكلفة لمكافحة الالتهابات مما يشكل عبئا ماليا كبيرا على الاقتصاد، حيث إنها تؤدي إلى مكوث المرضى الراقدين في المستشفى لفترات أطول وما يمثله ذلك من الحاجة إلى المزيد من أدوية وبكُلف أكثر وتحديات مالية إضافية للمرضى وللمؤسسات الصحية".
وفي أيلول 2017 قامت وزارة الصحة العراقية بتقييم وتحليل واقع مقاومة المضادات الحيوية في البلاد (وبالتعاون مع بعض المنظمات العالمية) وكانت هناك مؤشرات على إساءة استخدام تلك المضادات من قبل مقدّمي الرعاية الصحية ووجود ضعف آنذاك في البرامج ذات الصلة، مما أدى إلى الانتشار السريع للجراثيم المقاومة، وخلصت خطة العمل التي وُضِعت للحد من تلك المقاومة الدوائية الى وجود حاجة لنهج مشترك وجهود متكاملة ومنسقة بشكل جيد على المستوى الوطني والإقليمي والعالمي لتنفيذ تلك الخطة بعيدة المدى، ومنذ عام 2019 يساهم العراق في نظام مراقبة مقاومة المضادات الحيوية (والذي أسسته منظمة الصحة العالمية في عام 2015)، بحسب الخبير.
وتابع، "من المعلوم أن الوصول إلى أغلب المضادات الحيوية (والتي من المفترض ألّا تُصرف بدون وصفة طبية) أصبح عندنا وخاصة في العقدين الأخيرين أسهل مما مضى، حيث بات يستخدمها المواطنون وبصورة متزايدة كلما شعروا بوجود أي مرض لديهم، إضافة الى بيعها لهم من قبل الصيدليات وخاصة الأهلية وفي جميع المحافظات بدون وصفة طبية وبكل يسر".
وبين الخبير الصحي، أن "الكثير من الدراسات العلمية تظهر أن توفر هذه الأدوية وجعلها تحت متناول اليد يرتبط ارتباطا مباشرا بأنماط المقاومة التي نراها اليوم، وهذا يفسر سبب معاناة الكثير من المرضى من مقاومة المضادات الحيوية".
واوضحت إحدى الدراسات أن أكثر من ثلث المرضى في إحدى محافظات البلاد التي أُجريت فيها تلك الدراسة كان لديهم مقاومة للمضادات الحيوية، وبينت كذلك نتائج إحدى الدراسات العلمية التي أجريت في العراق أن معدل مقاومة بعض المضادات الحيوية (مثل سيفوتاكسيم وسفترياكزون) وصلت لأكثر من 70%، في حين أشارت دراسة عراقية أخرى إلى أن حوالي ثلاثة أرباع المشاركين الذين استخدموا المضادات الحيوية في آخر شهرين قاموا بشرائها مباشرة من الصيدليات بدون وصفة طبية، وفقاً الخبير.
وأوضح إبراهيم، "نستطيع بصورة مقتضبة إجمال العوامل التي تساهم في مقاومة مضادات الجراثيم، وأهمها الاستخدام غير السليم للمضادات الحيوية بدون وصفة طبية في حالات لا تتطلبها (مثل البرد والإنفلونزا التي تسببها الفيروسات) حيث يؤدي ذلك إلى قتل البكتيريا النافعة في الجسم مما يسمح للبكتيريا الضارة بالنمو والتكاثر، أو تناول تلك المضادات لفترة أطول من اللازم أو تناولها بشكل غير صحيح أو قبل انتهاء الجرعات المحددة لفترة أقصر من الموصى بها مما يؤدي الى عدم قتل جميع البكتيريا؛ الأمر الذي يسرع بتكاثر البكتيريا المقاومة. وأيضا الإفراط في استخدام المضادات الحيوية في الحيوانات مما يؤدي إلى انتشار البكتيريا المقاومة في الحيوانات وفي البيئة بشكل عام".
وأردف، "من العوامل الأخرى ضعف الرقابة وضعف التنظيم الإداري لاستخدام تلك المضادات. إضافة الى انتشار البكتيريا المقاومة من شخص لآخر عن طريق الاتصال المباشر أو غير المباشر من خلال ملامسة الجلد أو الاغشية المخاطية أو الأسطح الملوثة أو من خلال الطعام والماء الملوثَين. ولا ننسى أن تطور البكتيريا المقاومة للأدوية قد يتم بشكل طبيعي عن طريق الطفرات التي من الممكن أن تؤدي إلى تغييرات جينية فيها تجعل تلك الأدوية غير فعّالة في محاربتها".
من المهم تحسين الرقابة والتنظيم الإداري لاستخدام المضادات الحيوية في المؤسسات الصحية الحكومية
وهنالك العديد من التدابير والإجراءات التي يمكن اتخاذها للحد من مقاومة مضادات الجراثيم، منها الاستخدام الرشيد لتلك المضادات فقط عند الضرورة وحسب التوجيهات الطبية، وتناولها بالجرعات الصحيحة والمدة الصحيحة وإكمال الدورة الكاملة لها وعدم مشاركتها مع الآخرين، وتجنب استخدام تلك المضادات في الحيوانات أيضا إلا عند الضرورة القصوى، وتحسين ممارسات الوقاية من العدوى ومكافحتها في المؤسسات الصحية والأماكن العامة، وتجنب الاتصال المباشر بالأشخاص المصابين بالعدوى وغسل اليدين بشكل متكرر وتطهير الأسطح الملوثة بشكل صحيح، وفقا لما قاله الخبير الصحي زياد إبراهيم.
وبحسب مراقبين ومختصين فإن "من المهم تحسين الرقابة والتنظيم الإداري لاستخدام المضادات الحيوية في المؤسسات الصحية الحكومية والخاصة والإشراف على الصيدليات لغرض عدم صرفها بدون وصفة طبية وتعزيز البرامج الرقابية على تلك المضادات وجمع وتحليل البيانات ذات الصلة بدقة وشفافية، وتعميق التعاون بين مختلف القطاعات ومؤسسات الدولة الحكومية والأهلية ومنظمات المجتمع المدني من أجل رفع الوعي الصحي والثقافة المجتمعية لغرض الحد من هذه المشكلة".
في المقابل، حذر خبراء دوليون، من أن مرور عقود من الحروب والصراعات في العراق، أدت الى ظهور "كارثة" متمثلة في مقاومة أجسام العراقيين للمضادات الحيوية.
ظاهرة مقاومة المضادات الحيوية من المتوقع أن تؤدي الى 10 ملايين حالة وفاة سنوياً بحلول العام 2050
وذكر موقع "ميديكال اكسبرس" البريطاني المتخصص بالأخبار الطبية والعلمية، في تقرير، أن من بين الأسباب المتعددة التي أدت الى هذه "الكارثة"، خراب البنية التحتية للرعاية الصحية، ونقص الأدوية والشُّح في الموارد، والدرجات العالية من التلوث بالمعادن الثقيلة بالإضافة الى سوء الصرف الصحي.
لكن التقرير أشار إلى أن "ظاهرة مقاومة المضادات الحيوية، المعروفة اصطلاحاً باسم"AMR"، هي بالفعل في تزايد على مستوى العالم، بمستوى ينذر بالخطر حيث من المتوقع أن تؤدي هذه الظاهرة الى 10 ملايين حالة وفاة سنويا بحلول العام 2050، إذا لم يتم القيام بخطوات لمنع ذلك".
ولفت التقرير الى أن "أحد أسباب هذه الظاهرة مردّه إلى الإفراط في تناول المضادات الحيوية وإساءة استخدامها"، مضيفا أن "هناك اهتماما علميا الآن بالبحث عن عوامل أخرى مثل المعادن الثقيلة والمطهرات التي تحتوي على مركبات الأمونيوم الرباعية (QACs)، والتي تستخدم بشكل كبير في قطاعي الرعاية الصحية والمستشفيات".
وبحسب باحثين في نشرة "بي ام جي غولبال هيلث"، فإن الحروب ساهمت في ظهور مقاومة المضادات الحيوية للميكروبات منذ فترات تعود إلى مرحلة الأربعينيات من القرن الماضي، إلا أنها لم تحظَ بالاهتمام العلمي الكبير لدراستها.
وبين التقرير، أن "العراق يشكل مثالا ممتازا على هذا الإهمال، حيث شهد هذا البلد سلسلة من النزاعات منذ ثمانينيات القرن الماضي ترافقت مع ظهور وانتشار مسببات الامراض بأنماط محددة من ظاهرة مقاومة المضادات الحيوية".
وذكر التقرير، أن "هذه الصراعات تتضمن الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)، وحرب الخليج الأولى لعام 1991، وعقوبات الأمم المتحدة الاقتصادية بعد غزو الكويت (1990-2003)، والغزو الأمريكي (2003-2011)، بالإضافة الى مرحلة من العنف العسكري (2005-2007)، وحرب الدولة العراقية مع تنظيم "داعش" في 2014-2017".
وأكمل، أن "الصراعات المعاصرة التي تدور في المناطق الحضرية والصناعية، تشهد انتشارا للميكروبات وبيئات تتركز فيها المعادن الثقيلة السامة، واستخدام المضادات الحيوية". مردفا أن "ذلك يمكن أن يشمل العدد الكبير من الجرحى، وطبيعة الجروح، وتشريد النازحين وانهيار معايير الصرف الصحي، وضعف التشخيص الطبي، وعدم توفر رعاية صحية ماهرة، وتضعضع أنظمة الرعاية الصحية، بينما تشهد المستشفيات الميدانية حالات إصابة الجرحى والجنود للمسببات المرضية".
وأكد التقرير، أن "مثل هذه النتائج جرت بالفعل في العراق، وبالإضافة الى ذلك، فإن المعادن الثقيلة المستخدمة في الأسلحة ما تزال موجودة في البيئة المحيطة، وهي تتضمن المتفجرات التي تحتوي على كميات كبيرة من الرصاص والزئبق، بينما يتم استخدام الكروم والنحاس والنيكل والرصاص والزنك في طلاء الرصاص والصواريخ والمركبات العسكرية، كما تتوفر عناصر الأنتيمون والباريوم والبورون. وشدد التقرير الطبي على أن العديد من الأنواع البكتيرية قد تمكنت من تطوير مقاومتها لمكافحة سموم المعادن الثقيلة".
وخلص التقرير إلى القول بأن العوامل المجتمعة كلها كخراب البنية التحتية للرعاية الصحية، والعلاجات الجرثومية غير المناسبة، وشح الموارد، والتلوث العالي بالمعادن الثقيلة لدى البشر وبيئاتهم، بالإضافة إلى الافتقار للمياه الصالحة والصرف الصحي والنظافة، تؤدي كلها الى "تزايد كارثي في المقاومة للمضادات الحيوية للميكروبات في العراق وهو ما له امتدادات إقليميا وعالميا".
وختم التقرير بالقول، إن "هناك حاجة ملحّة من أجل البحث الهادف لفهم الأدوار المباشرة وغير المباشرة للنزاعات المسلحة في تزايد ظاهرة مقاومة المضادات الحيوية إذا كان هناك مسعى لإيقافه ومنع ملايين الوفيات التي لا داعي لها". وأوضح، إن "هناك حاجة لفهم الروابط ما بين مقاومة المضادات الحيوية وبين النزعات، من أجل وضع استجابة عالمية لهذه الظاهرة، خصوصا أن هناك أدلة محدودة على أن الصراعات في أنحاء العالم ستنحسر في السنوات المقبلة".