فيلم "حياة الماعز" يكشف الجانب المظلم من حياة العمالة الوافدة بالسعودية وينسف مليارات تركي آل الشيخ لتبييض صورتها
قصة واقعية تكشف الاستعباد
انفوبلس/..
أحدث الفيلم الهندي "حياة الماعز" The Goat Life ضجةً وجدلًا كبيراً، لا سيما في الوسط العربي، لطبيعة القصة والمحتوى المقدم، والذي كشف عن وجه آخر للسعودية، حيث استعباد العمالة الوافدة عبر نظام "الكفيل" (استقدام سعودي لعمالة وافدة يكون هو المسؤول عن حياتها وحرية حركتها وإقامتها وأجورها) سيئ السمعة، وإذاقتهم ويلات العذاب والمعاناة، مستغلاً حاجتهم للمال هرباً من أوضاع اقتصادية متدنية في بلدانهم.
الفيلم روائي طويل وقصة الفيلم مأخوذة من رواية الكاتب الهندي بنيامين، وهي تجسيد لقصة حقيقية بطلها مواطن هندي يحكي ما تعرض له من مآسٍ بشعة أثناء رحلة عمله في المملكة العربية السعودية.
عُرض الفيلم على شبكة نتفلكس وقد لاقى إقبالاً كبيراً من متابعي الشبكة، وبالرغم من أن مدة الفلم تقارب الثلاث ساعات إلا أن الملل لا يتسرب للمشاهد فحجم العواطف والأحاسيس الجياشة التي تمتاز بها الأفلام الهندية تجعلك مشدوداً لمتابعة كل تفاصيله التي أبدع فيها المخرج والممثلون، وخاصة بطل الفلم (نجيب)، ويزداد التشويق والإثارة في الفلم عندما يعلم المشاهد أن أحداثه مأخوذة عن قصة حقيقية حدثت مع شاب هندي مسلم قرر الذهاب للسعودية بعد أن باع كل ما يملك للحصول على تأشيرة عمل في السعودية ليحقق حلمه وحلم زوجته الحامل بمولدهم البكر في امتلاك بيت خاص بهم وتحسين وضعهم الاقتصادي.
مبني على قصة حقيقة
ينتمي فيلم حياة الماعز إلى السينما الواقعية، فهو مستوحى من رواية "أدوجيفيثام"، بالعربية "حياة الماعز"، والتي جسّدت بشكل أدبي تجربة أحد الشباب الهندي "نجيب" حين حاول السفر للعمل في السعودية عام 1991، كواحد من الأعمال التي تسلط الضوء على معاناة فقراء الهند الذي يسعون لتحسين مستوياتهم المعيشية في بلدان الشرق الأوسط، لا سيما الخليج.
كان نجيب الذي جسد دوره في الفيلم، الفنان الهندي، بريثفيراج سوكوماران، يعاني من تدني حياته المعيشية في ولاية كيرالا جنوب الهند، وسمع من بعض زملائه عن رغد العيش في بلدان الشرق الأوسط، لا سيما السعودية، فمنّى نفسه أن ينوبه حظ من هذا الرغد، وفكر في تجربة العمل هناك، لكنه صُدم بكلفة التأشيرة الباهظة والتي تساوي تقريبًا ثمن منزله الوحيد.
وبعد تفكير ليس بالطويل، استقر به الحال أن يرهن منزله من أجل الحصول على المال لدفع ثمن التأشيرة، متوهمًا أنه سيفكّ هذا الرهن بعد سفره بشهرين فقط كما أخبره أحد أصدقائه، لتبدأ بعد ذلك رحلة المعاناة التي استعرضها العمل وأطال في تفاصيلها بشكل كبير.
وأحدثت تلك الرواية الصادرة أول مرة عام 2008، والمكتوبة باللغة الماليالامية (اللغة الرسمية لولاية كيرالا الجنوبية) رواجًا كبيرًا في الشارع الثقافي الهندي، لا سيما في الجنوب، كونها تعبّر بشكل كبير عن معاناة الكيرالايين في بلدان الخليج.
نسف أنشطة تركي آل الشيخ
يرى البعض أن هذا العمل الذي لم يتجاوز 3 ساعات قد نسف بشكل كبير جهود أكثر من 6 سنوات حاول فيها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، عن طريق ذراعه اليمنى، رئيس هيئة الترفيه، تركي آل الشيخ، رسم صورة مشرقة وبراقة ومبهرة للسعودية على المستوى العالمي.
أنصار هذا الرأي يعتبرون أن الفيلم رغم إنتاجه الضئيل أطاح بمليارات أنفقها آل الشيخ لتجميل صورة المملكة عبر مسارات الرياضة والفن والترفيه والإعلام، في محاولة لطمس سجلها المشين حقوقيًا وسياسيًا والذي وضعها في مرمى الانتقادات الإقليمية والدولية.
وكشف هذا العمل عن الوجه الآخر للسعودية، فالمملكة لم تكن البوليفارد وموسم الرياض ومهرجانات جدة فحسب، فهناك جانب آخر من الصورة لا يعرفه كثيرون، ولا يُسلط عليه الضوء الكافي للتعريف به، هذا الجانب الذي فضحه الفيلم الهندي في دقائق معدودة، رغم جهود الإخفاء والتستر على مدار سنوات.
ومن عاش في السعودية قبل ذلك يعرف أن "نجيب" ليس الحالة الوحيدة لوافد تعرض لكل تلك الانتهاكات على أيدي كفيله، فهو نموذج مصغر لعشرات آلاف المهاجرين واجهوا تلك المعاناة وربما أكثر، منهم من توفي هناك من القهر دون أن يتمكن من العودة لأهله، ومنهم من عاد في صندوق يحمل جثمانه دون الوقوف على حقيقة وفاته، ومنهم من يُزج به في السجن لسنوات ليس لسبب سوى مطالبته بحقه وراتبه.. هناك عشرات بل آلاف من مثل تلك الحالات الموثقة إما بشكل رسمي وإما عن طريق شهود عيان عايشوها رأى العين والسمع.
صناع الفيلم الهندي "حياة الماعز" بدأوا الفيلم بعبارة: "هذا الفيلم لا يحمل إساءة لأي دولة أو شعب أو مجتمع أو عرق" في إشارة إلى ما سيُحدثه الفيلم من ضجة كبيرة على المستويين الخليجي والعربي بمجرد عرضه.
استغرق تصوير الفيلم خمسة أعوام ما بين بلدان الأردن والهند وبلدان أخرى وعُرض في الهند في مارس الماضي ثم تم عرضه على منصة نيتفليكس في يوليو الماضي ليصبح الفيلم الأكثر مشاهدة ويشاهده ملايين عبر منصة الأفلام الشهيرة.
قصة الفيلم مأخوذة من رواية بنيامين وهي تجسيد لقصة حقيقية بطلها مواطن هندي يحكي ما تعرض له من مآسٍ بشعة أثناء رحلة عمله في المملكة العربية السعودية على يد ما يُعرف باسم الكفيل والذي جسد دوره الفنان العماني طالب البلوشي.
القصة والأحداث
قصة نجيب العامل الهندي الذي باع منزله ليحصل على تأشيرة عمل في إحدى الشركات داخل المملكة العربية السعودية، هي قصة ملايين البشر الذين ساقتهم الأقدار لرحلة عمل مشابهة داخل السعودية ليصطدموا بكابوس بشري اسمه نظام الكفيل بما يحمله من قسوة وظلم وقمع واستعباد للعامل الوافد أيّاً كانت جنسيته أو دينه دون رحمة أو إنسانية أو احترام لقانون أو نظام.
يصل نجيب إلى السعودية وفي المطار لا يفهم لغة الموظفين ولا يجد كفيله الذي يستقبله، فقط صديقه الصغير حكيم الذي يعرف بعض الكلمات الإنجليزية ولا يفهم هو الآخر ما يحدث حوله في مشهد كشف معاناة كل عامل مغترب لا يعرف من اللغة إلا لغته الأم ويصبح عرضة للنصب والاحتيال بل الاختطاف من أصحاب البلد وهذا ما حدث مع أبطال الفيلم.
كفيل سعودي صارم الملامح قاسي الطباع عنيف المعاملة، اصطحبهم في سيارة متهالكة في رحلة نحو الصحراء القاحلة، يسبّهم كلما تكلموا، يوبخهم كلما سألوا، يضربهم كلما اعترضوا، اختطفهم إلى المجهول، ترك الولد الصغير حكيم في مزرعة أحد أصدقائه داخل الصحراء ثم اصطحب نجيب بطل الحكاية إلى جحيم آخر، أو حتى أكون دقيقا إلى حياة الماعز.
ثلاثة أعوام، تحول فيها نجيب إلى شخص آخر، فقد وزنه، طالت لحيته، تحول لونه إلى اللون الأسود، تعرض إلى أبشع أنواع العذاب، فلا ماء ولا طعام إلا بإذن الكفيل، لم يرَ إلا الماعز فبات يعيش حياتهم، يأكل أكلهم، حتى فقد القدرة على الكلام إلا بعضا من أصوات يطلقها الماعز بين الحين والآخر.
ثلاثة أعوام من الكفيل عديم الإنسانية، غليظ القلب، الذي لا يعرف إلا السباب والضرب بالعقال والتهديد بالقتل والتحقير من نجيب ومعاملته كما يعامل الماعز.
فجأة جاءت لنجيب فرصة للنجاة، تقابل مع صديقه الصغير حكيم وشخص آخر ذي أصول إفريقية وعدهم بالهروب، وهنا جسد الفيلم مأساة متكررة ليست فقط في صحراء السعودية هربا من الكفيل ولكنها مأساة الهروب من جحيم الأنظمة القمعية في عالمنا العربي.
رحلة نجيب في الصحراء، هي نفسها رحلة آلاف المصريين هرباً من السيسي نحو السودان، وهي نفسها رحلة السودانيين هربا من حميدتي إلى مصر، نفس المعاناة في الحر والشمس وانعدام المياه والطعام ومواجهة الثعابين والعقارب والرمال المتحركة، رحلة عذابات أطفال أرتيريا هرباً من خدمة التجنيد الإجباري نحو الصحراء الكبرى، ورحلة آلاف المصريين هربا إلى ليبيا ثم أوروبا عبر صحراء مصر الغربية.
أثناء الرحلة، مات الشاب الصغير حكيم من الحر والعطش والتعب أمام أعين نجيب، ثم اختفى الشاب الإفريقي أيضا أثناء عاصفة رملية، حتى وصل نجيب فجأة وبمعجزة حقيقية إلى طريق للسيارات وهو في حالة إعياء شديدة وعلى مشارف الموت المحقق.
بعد محاولات بائسة لطلب النجدة وإيقاف عدد من السيارات، توقف له رجل سعودي كريم، اصطحبه معه إلى المدينة وأوصله إلى المسجد، وهناك التقطه بعض العمال الهنود فأنقذوا حياته.
كشف بشاعة النظام السعودي
مشهد النهاية في الفيلم قبل عودة نجيب إلى الهند مرة أخرى كشف عن مفاجأة مذهلة داخل مصلحة الجوازات وقسم الترحيلات، أن الكفيل السعودي الذي اصطحب نجيب من المطار لم يكن بالأساس كفيله الحقيقي وهو ما يوضح بشاعة هذا النظام الذي راح ضحيته آلاف البشر عبر سنوات طويلة.
ما فعله فيلم حياة الماعز بكل ما سبق أنه ببساطة هدم المعبد فوق رؤوس أصحابه وفتح نقاشا لن يتوقف عن حقوق العمال في السعودية وعن فعالية الإجراءات التي أدخلتها السعوية على نظام الكفالة منذ مارس 2021 فيما عُرف بخدمة التنقل الوظيفي ومبادرة تحسين العلاقات التعاقدية. حياة الماعز، قصة حقيقية كشفت عوار نظام الكفيل داخل المملكة العربية السعودية، ولكنه أيضا أغضب السلطات السعودية والتي أطلقت العنان للذباب الإلكتروني ليهاجم الفيلم وصناعه والفنان العماني طالب البلوشي لمشاركته فيه.
تركي آل الشيخ أراد أن يصنع فيلما أبطاله مصريون يحكي عن نصاب مصري يجسّد دوره الفنان أحمد حلمي ينصب على الحجاج المصريين القادمين للمملكة ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن فجاءته الصدمة من الهند وبات لسان حال الجميع: كم شخصا يعاني من حياة الماعز في السعودية؟