قامت ببناء مسجد في الناصرية رغم أنها مسيحية وسُمي باسمها.. انفوبلس تسرد قصة "الست لنده"
انفوبلس/ تقرير
بعضهم ليس ضروريا أن يأتي من رحم مدينة حتى يكون ابنها، فقد تجلب الأقدار طائرا ما إلى واحدة من حدائق الريح وجهات الله ليبنيَ فيها عشّه، ومن أجلها يصنع أحلام حياة جديدة من أجل اللحظة الإنسانية التي انتمى فيها لذلك المكان، فيمنحه السكان شرف الانتماء ليكون واحدا منهم، وهذا ينطبق على المسيحية "الست لنده"، فما قصتها؟
من هي المسيحية "الست لنده"؟
وُلدت "الست لنده بشارة غصن" في العاصمة اللبنانية بيروت في منطقة الأشرفية عام 1901 من أبوين مسيحيين، حيث يُقال (الرواية الأولى) إنها أسلمت بسبب زواجها من السوري "محمد خير قطان" وأنجبت منه ابنتين، وتطلقت قبل مجيئها إلى العراق الذي أتت إليه عام 1931 لتكون ضمن الكادر الطبي للملك فيصل عام 1938.
"الست لنده"، اختارت مدينة الناصرية للسكن فيها خلال ستينيات القرن الماضي مع زوجها الثاني، بعد أن سمعت عن طيب أهلها ونقاوتهم، وبعد قصة حب فاشلة (زواجها من محمد خير قطان) ولكي تنسى آلامها وتنغمس في محاولة لمساعدة الآخرين ممن يحتاجون المساعدة في هذه المدينة.
وقبل عيشها في الناصرية، تزوجت من النقيب الموصلي نوري عبد الرحمن الشربتلي ولم تنجب منه، وانتقلت معه بحكم عمله إلى كركوك ومنها إلى الموصل ومنها إلى ديالى ثم إلى السماوة ثم إلى الناصرية حيث راقَ لها المكوث إذ تطبّعت على عادات أهلها وطيبتهم.
وعندما انتقل زوجها إليها (من أهالي الموصل) بعد أن أُحيل على التقاعد شعرا بالحاجة الوجدانية والروحية، فقررت أن تكون هذه المدينة (الناصرية) مستقرا لهما، حيث يُقال إنها تشيّعت على مذهب أغلبية أهل المدينة (الرواية الثانية) وتصاهرت مع أبنائها عندما زوّجت ابنتيها من عائلتين من عوائل الناصرية، الأولى زوجة للمرحوم فؤاد السهل والثانية زوجة للمرحوم الحاج لطيف القماش.
*كانت تمارس عملها كقابلة
اشتهرت الست لنده بجمالها وحبها للشعر وقد كانت تمارس عملها كقابلة وقد أحبَّ أهالي الناصرية هذه المرأة بشدة كما أحبتهم وبذلت كل ما تستطيع من جهود لخدمتهم، كما أنها كانت مرأة غنية ورغم كونها مسيحية قامت ببناء جامع كبير في الناصرية وأهدته الى أهالي المدينة وقد سُمّي هذا الجامع باسمها "جامع الست لنده".
أشهر جامع في الناصرية لكثرة المصلين فيه تخليدا وترحُّما على روح هذه المرأة "التاريخية".
وبحسب أهالي الناصرية، فإن الجامع لا يزال لغاية الآن يحمل اسمها ويحمل حب أهالي المدينة لهذه السيدة الطيبة المتميزة التي زرعت الحب والتراحم فيما بينها وبين سكان المدينة البسطاء الذين بادلوها الحب والاعتزاز ومازالوا يذكرونها ويتناقلون ذكراها الى أبنائهم جيلا بعد جيل حتى الأجيال الحديثة التي لم تعاصرها مازالت تذكرها وتعتز بها من خلال ما يسمعون عنها من أجدادهم.
قصة "الست لنده" تعبّر عن الحب والنقاء والتعايش السلمي بين العراقيين منذ ذلك الوقت بين مختلف الاتجاهات والأديان والطوائف.
ويقول الكاتب نعيم عبد مهلهل عنها، "حضور تلك السيدة في حياة المدينة عبر مأذنة الجامع وذكريات أولئك الذين خرجوا من عاطفة يديها للحياة يمثل بهجة الحضور للنساء (الأمهات) في حياتنا، وكم كنت أتمنى أن يتحول بيتها في شارع النيل قبل توسعته ليكون معلما شاخصا على دور هذه المرأة لتكون مثالا للاندماج والمعايشة التي سكنت وجدان وعاطفة المدينة في كونها العش الرائع لمن يحسن الألفة والعمل والتعايش مع أهلها الطيبين".
ويضيف، "الست لنده بشارة غصن، هي كما الأم تريزا في حضورها داخل المجتمع الهندي، وهنا للست حضورها داخل المجتمع الجنوبي ــ السومري ــ الناصري الذي يُكِنُّ لها كل الاحترام، ليس لأنها أبقت منها صوت الله في آذان جامعها العامر إلى اليوم بل لأن هذه المرأة رضت أن تعيش التحولات الصعبة في حياتها ولتنقل من جمال صباحات بيروت إلى صباح أزرق".