قبر "العاشقة تالا البولندية" يروي قصة رومانسية غريبة.. قبل 41 عاما لاقت قدرها بين الناصرية والبصرة
انفوبلس/..
طريفة ومثيرة وحزينة في ذات الوقت، هي قصة العاشقة البولندية "تالا" التي قادها قلبها إلى العراق لمقابلة حبيبها "جاكوب" الذي كان يعمل في شركة إكساء الطرق، لكن لسوء الحظ فإن الفتاة العاشقة لقيت حتفها بحادث سير جنوب مدينة الناصرية بمحافظة ذي قار جنوبي العراق.
بعدها، دُفِنت "تالا" في منطقة تل اللحم قرب الشارع العام الواصل بين مدينة الناصرية ومحافظة البصرة، وهو على ارتفاع لا يتجاوز المتر الواحد، وقد حُفِر على سطحه علامة الصليب وأوّل حرف من اسمي العاشقين، ولا ترى أو تسمع بالقرب منه سوى هبوب الريح التي تثير العواصف الرملية والترابية التي تشتهر بها المنطقة، فقد مرّ نحو 41 عاماً على الوفاة، ولم يزَل القبر يشير إلى تلك القصة.
وكان العراق قد وقّع في العام 1980 عددا من العقود مع شركات عالمية للبناء والإعمار، حيث حصلت شركة درومكس البولونية على عقد العمل وتنفيذ في إكساء طريق ناصرية - رميلة في البصرة، وتم بدء العمل في العام 1980 وأُنجز الطريق عام 1990، حيث غادرت الشركة هي وكوادرها بالكامل.
*القصة
يقول مدير مفتشية آثار محافظة ذي قار، عامر عبد الرزاق، إن شركة بولندية كانت تنفذ مشروعا لإكساء الطريق السريع بين الناصرية والبصرة عام 1982، وكان العاملون في الشركة يقيمون في منطقة يُطلق عليها "تل اللحم"، وهي منطقة صحراوية تقع عند مثلث البصرة وذي قار والمناطق المحاذية للحدود السعودية، وكان في تلك الشركة مهندس بولندي له حبيبة أو كما يسميها أهل المنطقة "العاشقة".
ويتابع عبد الرزاق حديثه، إن "المهندس البولندي جاكوب كان يتبادل الرسائل مع حبيبته بانتظار الزواج، وعندما حانت أعياد رأس السنة في ذلك العام أرادت "تالا" مفاجأته بالسفر إلى العراق ليحتفلا معا وتكون قريبة منه، لكن القدر كانت له كلمة أخرى، إذ تعرضت لحادث سير وهي في طريقها من بغداد إلى الناصرية لمقابلته، وتوفيت على إثر ذلك".
وأشار إلى أن العاشق البولندي دفن حبيبته في مكان الحادث على الطريق السريع، وتحوّل قبرها إلى مزار يومي له مدة تزيد على 8 سنوات، حتى أنهت شركته العمل في المشروع عام 1990 قبل حرب الخليج، وغادر العراق، وظل القبر وحيدا غريبا كما يطلق عليه الأهالي، وصار رمزا للوفاء والتفاني.
*معلم سياحي
وطالب عبد الرزاق الجهات المختصة في ذي قار باستثمار المكان وتحويله إلى معلم سياحي للسيّاح الأجانب الذين سيتوافدون على المدينة لزيارة مدينة "أور" الأثرية وغيرها من آثار وأهوار، معتبرا أن ذلك سيكون مصدرا اقتصاديا مهما ويسهم في تشغيل مزيد من الأيدي العاملة.
*فقيدة العشق
ويتحدث الروائي حسن عبد الرزاق عن الموضوع بطريقة من يكتب سردا، فيقول "رمال تل اللحم الذارية تخفي ملامح الوجوه، وقبرها لم يتجمّل بصورتها، لكنني أتخيلها تشبه وجه الحب، مشرقا، وديعا، ومُزوّقا بلون الورد".
ويضيف، أن قبرها "على جانب الطريق الساخن أبداً لفرط نيران الحروب، يلوّح هناك منذ أن طارت على جناح العشق ذي حنين، آتية نحو جنوب العراق لتسقي قلبها الظامئ من عيون الحبيب"، ويعتقد أن القدر "اختار لها هذا السرير الأبدي عندما رماها قتيلةً على الرمال الغريبة".
لكنه يرى أن القلوب الرقيقة مذ عرفت بحكايتها "صارت تزرع حول مقامها زهور القصائد وتقيم للجمال بين حين وآخر طقوساً بقربه"، لذا فهو يعدّها فقيدة العشق؛ "استقبلتها أرض الجنوب بصدق قلب عندما دسّوا جسدها فيها، وقد احتضنت علامة الصليب، لتؤكد أن هذا التراب يجيد منح الحب لكل البشر"، لذا فهو يطالب بتحويل قبرها إلى مزار "تقصده الأرواح العاشقة حاملة إليه نذور الحب الصادق العفيف".
*غناء الشعراء
ويقول رئيس التجمع الثقافي في مدينة سوق الشيوخ الأديب علي مجبل، إن القبر تحوّل إلى رمز للوفاء مثلما هو رمز للحب"، مشيرا إلى أن الناس كانوا يذهبون لزيارة القبر حتى وقت قريب سواء في أعياد السنة أو أعياد الحب حيث يضعون الشموع ويرشّون الماء على سطح القبر "كما يفعلون عند زيارة قبورهم.
ويرى مجبل أن هذا "يعني أن العراقيين لا يفرّقون بين الأديان ومتسامحون مع أنفسهم"، منوّها إلى هذه القصة الغريبة والفريدة لهذه المرأة المسيحية التي أصبح قبرها في العراق يتغنّى به الشعراء وحتى كُتّاب السرد من أدباء المنطقة على وجه الخصوص.
ويطالب مجبل بتحويل القبر إلى مكان سياحي، وإحاطته بصندوق زجاجي، وإدخاله في موسوعة خرائط الخطة السياحية في العراق.
*تخليد عراقي
وخلّد أدباء سوق الشيوخ وشعراؤها، حكاية العاشقة البولونية، في قصائد وقصص أدبية، تكريما لموقفها واعتبروها قصة تستحق الإشادة والتخليد فيما يكتبونه من أدب.
وقبل عدة سنوات، صار قبر (تالا) رمزا لعشاق وأدباء يواظبون زيارتها، بين الحين والآخر، سيما في أعياد رأس السنة، أو أعياد الحب من كل عام، حيث يضع بعض الشباب، الشموع والماء ويطلبون الرحمة لصاحبة القبر الذي لا يزال حتى الآن يسمى بـ"القبر الغريب".
*أقوى قصص الحب!
تشكل قصة حب الفتاة البولندية الشقراء "تالا" وعشيقها "جاكوب" أقوى قصص الحب والعشق الإنساني حيث امتدت من وارسو لتنتهي بمأساة جنوبي مدينة الناصرية "360 كم جنوب العاصمة العراقية بغداد"، حين افترق العاشقان الجميلان الى الأبد، جاكوب غادر إلى بلاده حزيناً بينما بقيت عشيقته وهي لا تمتلك سوى أقل من متر، مساحة قبرها الذي دُفِنت فيه مطلع عام 1982.
منذ ذلك التاريخ والقبر وحيداً تدل عليه قطعة الرخام الرمادية بعد أن حُفِر عليها الصليب وبجانبيه حرفان يرمز كل منهما إلى اسم تالا وجاكوب وتاريخ وفاتها، ومع كل الظروف التي مرّت بالبلاد وطبيعة المنطقة هناك لم يتعرض القبر إلى الأذى أو النبش وظل شاهدا على أقوى قصة حب عرفها أهالي الناصرية وهم يزورون القبر من حين إلى آخر.