أحد أبرز أوجه الفساد والهدر.. الإيفادات الحكومية تستنزف الموازنة ولا تنفع البلاد.. تعرّف على الحلول الممكنة للسيطرة عليها
انفوبلس..
يمثل ملف إيفادات المسؤولين واحداً من أبرز ملفات الفساد التي جرى الحديث عنها في العقدين الأخيرين، كذلك هو أحد ملفات البرنامج الحكومي بحكومة رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني الذي تحدث فيه لأكثر من مرة، ووجه الوزارات والأجهزة الحكومية بأن تتخذ إجراءات لتقليل الإيفادات، كونها تستنزف أكثر من 30 مليون دولار سنوياً وأغلبها لا تعود للعراق بمنفعة تُذكر.
مصادر حكومية وبرلمانية متعددة كشفت أن ما تُنفقه الدولة سنوياً على سفر المسؤولين إلى الخارج، في سياق ما يُعرف محلياً بـ "الإيفادات الخارجية"، يبلغ أكثر من 30 مليون دولار، ويشمل ذلك رئاسة الجمهورية ورئاستَي الوزراء والبرلمان والوزارات والمؤسسات الحكومية الأخرى في البلاد. وتؤكد المصادر ذاتها على أن "تلك التكلفة هي الأعلى على مستوى دول المنطقة، لا سيّما أنّ العادة جرت أن يصطحب المسؤول عائلته أو حتى أصدقاءه في سفره المخصص لمهام رسمية للمصلحة العامة"، وبينت المصادر أن العجز المالي في الموازنة تجاوز 64 تريليون دينار مما يتطلب من المالية النيابية تقليل نفقات الإيفادات الى أقل ما يمكن سنويا بدلا من 30 مليونا التي تذهب معظمها إلى جيوب المسؤولين بعنوان نفقات الإيفاد".
وفي تموز 2023 قالت لجنتا العلاقات الخارجية والنزاهة في البرلمان، إنهما بصدد متابعة ملف إيفادات المسؤولين لمنع أي هدر في الأموال العامة، ومحاسبة المخالفين للتوجيهات الحكومية، مشيرتان إلى تواجد كثير من الشبهات في قضية إيفادات المسؤولين.
وقال عضو لجنة العلاقات الخارجية النيابية عامر الفايز، إن إيفادات المسؤولين في جميع الحكومات كانت كثيرة جدا وبعضها تستمر لأيام طويلة، ويكون المشاركون بها بأعداد كبيرة، منوها الى أن هذا "الأمر يكلف خزينة الدولة أموالاً طائلة، كما أن بعض الإيفادات دائما ما تكون بلا أي فائدة في الحقيقة".
ويرى أنه، منذ تسلم رئاسة الحكومة من قبل محمد شياع السوداني، جرى تسجيل تراجع كبير بقضية إيفادات المسؤولين ووفر ذلك ملايين الأموال كانت تُصرف على الإيفاد، من سفر وفنادق وغيرها، بحسب قوله.
وقال عضو لجنة النزاهة البرلمانية، باسم البركي، إن "التشديد الحكومي على قضية إيفادات المسؤولين أمر ضروري جداً، وهناك تراجع بقضية الإيفادات، لاسيما أنه جرى تحديد يومين كحد أقصى لإيفاد المسؤولين، مع تقليل عدد أشخاص الوفد، وحصر قضية الإيفاد بالقضايا المهمة، التي توجب تواجد المسؤول خارج العراق".
وفي وقت سابق من تموز الماضي، أصدر رئيس مجلس الوزراء توجيهات إلى الشخصيات القيادية في المؤسسات الحكومية بضرورة تقليل الإيفادات بخاصة للوزراء والوكلاء التي لوحظ زيادتها في الآونة الأخيرة وبما يؤثر على عمل الوزارات.
المحلل السياسي أحمد الشريفي، يقدّر أن نحو 70% من إيفادات المسؤولين الى خارج العراق، ليست فيها أي منفعة حقيقية للعراق، بل أغلب تلك الإيفادات تكون عبارة عن سفرات سياحية للمسؤولين، بل بعض الإيفادات تشمل حتى عائلات المسؤولين، وهذا كله من خزينة الدولة.
ويرى أن ملف إيفادات المسؤولين من "أخطر" ملفات الفساد المالي والإداري، لاسيما أن هناك الكثير من المسؤولين بدرجات عليا، يكون عملهم خارج العراق بوساطة الإيفاد أكثر من عملهم في داخل مؤسساتهم الحكومية في داخل البلاد.
ويقول الباحث عبد الخالق فلاح، بمقال له في تموز الماضي، إن المناشدة التي أطلقها السوداني هي في الواقع صرخة جديدة مهمة جداً في نظر الإدارة المنتجة للتقليل من الصرف في الميزانية التي يبلغ إجماليها 153 مليار دولار ورفع العجز عنها والتي تبلع نحو 64 مليارا سنويا لا بل إن الكثير من المسؤولين عوائلهم خارج العراق مما يزيد الطين بلة.
ويضيف فلاح، إن الأمر الآخر والمهم أيضاً أن العراق بحاجة فعلية لإعادة هيكلة الدوائر الحكومية، ولقد وجّه السوداني في حزيران الماضي، بتشكيل لجنة عليا لإعادة هيكلة الجهاز الحكومي، بما يتوافق مع دستور البلاد المُقَر عام 2005، لأن إعادة هيكلة الجهاز الحكومي ستُقلل من الإجراءات الروتينية والنظام الورقي في التعاملات الرسمية، وهو ما يستهلك جهدا وظيفيا كبيرا وضياعا لأوقات الموظفين، في الوقت الذي تمكن فيه الاستفادة من الطاقات البشرية والحد من الفساد الإداري والمالي المرافق للنظام الحكومي المتبع حاليا، لا سيما أن الدولة العراقية تضم الآن 4.3 ملايين موظف، نتيجة موجة التعيينات الحكومية الأخيرة، وبات عدد الموظفين العموميين يتجاوز نسبة 10% من عدد سكان البلاد. ولعل توسع ناحية استحداث المؤسسات والمديريات هي ستكون أيضا عبئاً آخر على الميزانية السنوية للدولة إذا لم تكن هناك دراسات مستفيضة قبل تشكيل تلك المؤسسات وتتطلب مجموعة من الدراسات الجديدة أو المُعَدَّة سلفاً لهذا الغرض، وأن فرقاً مختصة يجب أن تشكل لمسح مؤسسات الدولة ودراسة وظائفها وآليات عملها وطرق تحديثها، ومع البيروقراطية والتنوع تحدث عمليات تضارب في الصلاحيات وتعدد دوائر اتخاذ القرار مما تزيد المشاكل بدل الحلول ويخلق صعوبات وعقبات في عملية اتخاذ القرارات، ناهيك عن التطور الكبير في التكنولوجيا والاتصالات وعلم الإدارة والعلوم الحديثة التي تتوجب تطوير بعض المؤسسات القديمة أو استحداث (مؤسسات) جديدة تحل محلها لمواكبة التطور، وأن إعادة الهيكلة تعني بالمجمل إعادة النظر لتصحيح المسارات الإدارية القديمة في العمل واستبدالها بأساليب جديدة لتطوير تلك المؤسسات.
ويقول مراقبون، إن المسؤولين الحكوميين يستغلون مناصبهم وسلطة أحزابهم للحصول على إيفادات من غير أي مسوغ حقيقي، سوى تهريب الأموال ولمصالح شخصية وحزبية، وأحيانا كثيرة للسياحة.
وتكلف الإيفادات الخارجية خزينة الدولة ملايين الدولارات بحسب مصادر برلمانية، إذ جرت العادة أن يصطحب المسؤول أفراد عائلته وحتى أصدقاءه، ويمكنه تمديد مدة الإيفاد إذا أراد.
وكان مجلس الوزراء قد أصدر نهاية عام 2022 قرارا بشأن مبالغ الإيفادات والسفر إلى الخارج، فيما وافق على إصدار التعليمات الخاصة بتسهيل تنفيذ قانون إلغاء الامتيازات المالية للمسؤولين.
وبشأن إيفاد المسؤولين الحكوميين، شدد المجلس على ضرورة تعديل آليات السفر على وفق المعايير القانونية الصحيحة، وبالطريقة التي تحقق الأهداف المرجوّة من الإيفاد، وتحقق المصلحة العامة الى جانب ضبط الإنفاق.
ومن ضمن المحددات التي اشترطها مجلس الوزراء، أنه لا يجوز إجراء المناقلة من أي حساب الى حساب السفر والإيفاد، وألا يجري دفع "مصاريف الجيب" بشأن الإيفادات التي تتحمل الجهة الداعية فيها نفقات الإقامة وتذاكر السفر لعدم توافر التخصيصات المالية، وكلا الأمرين بحسب المراقبين، كان يجري خرقهما بصرف الأموال غير المخصصة للإيفاد أصلاً، وسحب الأموال من الخزينة حتى إذا كانت الجهة الداعية هي التي تصرف على الموفدين.
وكان متخصصون قد أشاروا إلى، أن "الإيفادات الخارجية" صارت بعد عام 2003 إحدى أكبر أبواب الفساد التي يتنافس عليها المسؤولون في الوزارات كونها مدفوعة التكاليف مع شمول العائلة والأصدقاء.
وكانت عضو اللجنة المالية النيابية ماجدة التميمي قد انتقدت في فترة سابقة سحب الأموال لسفر الوفد العراقي برئاسة نائب رئيس الجمهورية في اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة في الولايات المتحدة الامريكية.
وأوضحت أن، اللجنة المالية شكلت لجنة مصغرة منها "تتابع صرفيات وإيفادات المسؤولين في الدولة وكيف وأين صُرفت لاسيما مع وجود الكثير من الخروقات في هذا الجانب "، مشيرة الى أن " تقرير ديوان الرقابة المالية في عام 2011 أشار إلى أن هناك الكثير من اللجان التحقيقية حول الخروقات المالية لم يتم تشكيلها لحد الآن".
وبينت وثيقة، أن رئيس جمهورية سابق صرف مبلغ مليوني دولار لتغطية نفقات سفرته إلى الولايات المتحدة الأميركية للمشاركة في الدورة الـ 66 لاجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة لعام 2011 مما أثار حفيظة بعض النواب، بحسب قول برلمانيين.