أزمة جديدة بين الاتحادية والتمييز.. قانون التقاعد بين إعدام العميري وتمسك زيدان بصواب موقفه

انفوبلس/ تقارير
بعد جدل "القوانين الثلاثة" العام الماضي، عاد الخلاف الآن بين محكمتي التمييز والاتحادية بشأن إحدى مواد قانون التعاقد، فمحكمة التمييز أعدمت قرار الاتحادية يوم أمس وقالت إنها أعلى هيئة قضائية، بينما ردت الاتحادية وعادت إلى العام 2006 لتثبت صواب موقفها، فما أصل الخلاف بين المحكمتين؟ وهل هو متعمد أم لا؟ وما هي المادة المختلف عليها في قانون التعاقد؟ انفوبلس أجابت على جميع تلك التساؤلات في سياق التقرير الآتي.
تذكير
في مثل هذه الأيام من العام الماضي اندلع نقاش قانوني كبير يتعلق بطبيعة سلطات واختصاصات المحكمة الاتحادية برئاسة القاضي جاسم العميري ومدى علويّتها على محكمة التمييز برئاسة القاضي فائق زيدان، وقد تجدد الخلاف في شباط الماضي حين تباين الطرفان بشأن صحة تمرير سلة القوانين الثلاثة (العفو العام والأحوال الجعفرية وأراضي كركوك).
ويستند خبراء كُثر إلى أن النص الدستوري منح الاتحادية العلوية القصوى على الجميع، فيما يناقش آخرون في التفاصيل بشكل أكثر عمقاً وتصل النقاشات في كثير من الأحيان إلى نهايات محيّرة تتعلق غالباً بصمت النصوص القانونية والدستورية عن الفصل الواضح بين الأطراف.
تجدد الخلافات.. فماذا حدث؟
في خلاف صيف 2024، انتهى الأمر بأن استضاف القاضي زيدان في مكتبه أعضاء ورئاسة محكمتي التمييز والاتحادية واتفق الجميع على أن تُحل الخلافات المقبلة عبر اجتماعات وحوار بشأن الاجتهادات التي لم يرد فيها نص دستوري.
أما اليوم فقد اشتبك الطرفان قانونياً من جديد، حين أقرت المحكمة الاتحادية عدم دستورية مادة من قانون التقاعد، تمنح “المديرين العامين راتباً تقاعدياً لا يتجاوز 80% من مجموع آخر راتب ومخصصات تقاضوها وفق أحكام هذا القانون”، وألغت الاتحادية هذه الفقرة بناءً على “طلب” تقدمت به وزارة المالية، لكن محكمة التمييز “أعدمت” قرار الاتحادية، وبذلك أعادت الفقرة القانونية إلى الحياة.
إذ أعلنت محكمة التمييز، يوم أمس الأربعاء، أن القرار الصادر عن المحكمة الاتحادية العليا بشأن عدم دستورية مادة في قانون التقاعد الموحد، يُعد معدوماً لصدوره بإجراءات مخالفة لأحكام قانون المرافعات المدنية النافذ.
وذكرت المحكمة في بيان ورد لشبكة انفوبلس، أن “القرار المرقم (232/اتحادية/2024)، الصادر عن المحكمة الاتحادية العليا، والذي قضى بعدم دستورية نص المادة (35/ثامناً) من قانون التقاعد الموحد، استند إلى إجراءات لا تتوافق مع الأطر القانونية المنصوص عليها في قانون المرافعات، مما يجعله فاقداً لأثره القانوني”.
وأضافت أن “محكمة التمييز، باعتبارها أعلى هيئة قضائية في البلاد وفقاً للمادة (12) من قانون التنظيم القضائي، تُعد المرجع النهائي في تفسير مدى مشروعية الأحكام القضائية، وقد استقر اجتهادها القضائي على اعتبار أي قرار يصدر عن المحكمة الاتحادية خارج نطاق اختصاصها الوظيفي قراراً معدوماً لا يعتد به قانوناً”.
بعدها بساعات، أعادت المحكمة الاتحادية، نشر قرار صدر عنها عام 2006، للبت بشرعية نص في قانون التقاعد الموحد، وذلك في إطار الخلاف الدائر مع محكمة التمييز، التي قامت بإعدام قرار صادر من المحكمة الاتحادية يتضمن عدم دستورية مادة في قانون التقاعد.
وذكرت المحكمة في بيان ورد لشبكة انفوبلس، أنه "سبق أن أصدرت المحكمة الاتحادية العليا أول قرار صدر عنها للبت بشرعية نص مادة قانونية، وذلك بناءً على الطلب المقدم اليها من الهيئة العامة في محكمة التمييز الاتحادية بموجب كتابها المرقم (52/53/ 71/ الهيئة العامة /2006 ) المؤرخ في 11/ 4 / 2006 حيث طلبت الهيئة العامة النظر في دستورية نص المادة (20 / أولاً ثالثاً ) من قانون التقاعد الموحد رقم (27) لسنة 2006 والبت في شرعيته للأسباب الواردة في الطلب".
وأكملت، "ولدى ورود الطلب إلى هذه المحكمة تم تسجيله واشعار وزارة المالية لبيان رأيها بشأن الموضوع خلال خمسة عشر يوماً استناداً إلى أحكام النظام الداخلي رقم (1) لسنة 2005 (اجراء سير العمل في المحكمة الاتحادية العليا)، وبعد ورود إجابة وزارة المالية واطلاع المحكمة عليها واجراءها التدقيقات أصدرت قرارها المرقم (8/ اتحادية/ 2006) متضمناً رد الطلب المقدم من الهيئة العامة لمحكمة التمييز الاتحادية للأسباب الواردة في القرار، وإن هذا ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة في قبول طلبات البت بشرعية النصوص التشريعية".
هل الخلاف متعمد؟ قانوني يُجيب
لفهم سبب الخلاف وهل هو متعمد أم لا، وصلت شبكة انفوبلس إلى تصريح للخبير القانوني عباس العقابي بهذا الشأن قال فيه: إن "المحكمة الاتحادية لم تقُم بالمرافعة بشكل صحيح، فيجب أن لا يكون الأمر مبنياً على “طلب” من وزارة المالية أو غيرها، بل على دعوى، وبوجود المدَّعي والمُدعى عليه وهو مجلس النواب ليتسنى للأخير الدفاع عن نفسه، ويرجح العقابي أن ما حصل كان “إخفاقاً غير متعمد” من قبل الاتحادية.
-
جاسم العميري رئيس المحكمة الاتحادية
وأضاف العقابي، "هناك إخفاق غير متعمد من قبل المحكمة الاتحادية في الملابسات الحاصلة بينها والتمييز، إذ يجب أن تتضمن الإجراءات وجود المدعي والمدعى عليه، وقد قدم وزير المالية “طلباً” إلى المحكمة الاتحادية يقول فيه إن نص المادة 35 ثامناً من قانون التقاعد مخالف للدستور، وبعد أن اطلعت المحكمة الاتحادية على النص قالت إنه فعلاً غير دستوري ولا يجوز العمل به، أما محكمة التمييز فأعلنت اليوم أن المحكمة الاتحادية ليس لها حق النظر بناء على “طلب وليس دعوى” ويجب أن يكون يتوفر المدعي والمدعى عليه، وهنا المدعى عليه هو مجلس النواب صاحب التشريع، الذي يجب أن يدافع عن نفسه وقرار"..
وأوضح، أن المادة 35 ثامناً تنص على ما يلي: “يستحق المديرون العامون لدوائر الدولة كافة راتباً تقاعدياً لا يتجاوز 80% من مجموع آخر راتب ومخصصات تقاضوها وفق أحكام هذا القانون”.
وختم القانوني حديثه بالقول: إن "المحكمة الاتحادية قالت إن هذا النص باطل ويخالف الدستور ويجب أن يلغى ويعتمد نص آخر وهو المادة 21 الخاصة بالتقاعد أيضاً، لكن محكمة التمييز أوضحت إن المحكمة الاتحادية لم تجر المرافعة بشكل صحيح وهذا مخالف لقانون المرافعات وعليه يبطل ويكون معدوماً وسيبدأ من يوم غد العمل بالمادة 35 ثامناً".