اغتيال جديد في كردستان.. مقتل قيادي مُقرّب من لاهور شيخ جنكي يعمّق أزمات الإقليم ويغذّي أدوات التصعيد
انفوبلس..
بهجوم مسلح غامض، قُتِل قرب قضاء رانية في محافظة السليمانية القيادي الكردي فرساد ملكي، المقرّب من الرئيس السابق لجهاز مكافحة الإرهاب في إقليم كردستان والرئيس المشترك السابق لليكتي لاهور شيخ جنكي، بعد أعوام من الصراع بين جنكي وابن عمه بافل طالباني على قيادة حزب الاتحاد الوطني الكردستاني.
عملية الاغتيال عمّقت العديد من الأزمات في إقليم كردستان، فمن ناحية رأى مراقبون أنها استمرار لسلسلة الصراعات والخلافات بين جنكي وطالباني التي وصلت إلى مراحل اللاعودة، والتي تسببت بتصدّعات كبيرة في الاتحاد الوطني الكردستاني، ومن ناحية أخرى تفضح الأمن المزيّف في الإقليم الذي يُقاد بواسطة الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود برزاني، حيث شهدت الآونة الأخيرة العديد من عمليات الاغتيال السياسي التي طالت شخصيات بارزة أو شخصيات مقرّبة من قيادات بارزة في كردستان.
خلافات الاتحاد
في منتصف عام 2022 الماضي، أقام الرئيس المشترك السابق لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني لاهور شيخ جنكي، دعوى قضائية على ابن عمه رئيس الحزب بافل طالباني في محكمة استئناف بغداد/ الكرخ، بتهمة "مخالفة النظام الداخلي للحزب".
وبحسب وثائق، تداولتها وسائل إعلام كردية، فإن لاهور شيخ جنكي الذي كان يشغل منصب الرئيس المشترك لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، قبل أن يتم عزله من قبل الرئيس المشترك الآخر بافل طالباني، قد رفع دعوى قضائية ضد طالباني، اتهمه فيها بـ"مخالفة بنود وفقرات النظام الداخلي للحزب"، من خلال عزله شيخ جنكي ومنعه من ممارسة مهامه، بحسب ما جاء في الدعوى.
ولا يبدو للرئيس الحالي للاتحاد الوطني بافل طالباني أنه حضر المُرافعة القضائية، فيما لم يصدر أي تعليق من الاتحاد الوطني على هذا الأمر.
وفي شهر شباط من العام الجاري، قررت الهيئة القضائية للانتخابات في بغداد، المصادقة على قرار صادر من المفوضية بشأن اعتماد تغييرات الاتحاد الوطني الكردستاني برئاسة بافل طالباني. وردّ لاهور شيخ جنكي على تلك التغييرات التي أدّت إلى إزاحته من الرئاسة المشتركة للاتحاد ومن عضوية الحزب برفقة عدد من كوادر الحزب المنتمين لخطّه.
وفي الوقت ذاته، أصدرت محكمة أربيل ـ أعلى سلطة قضائية في إقليم كردستان ـ حُكماً لصالح لاهور الشيخ جنكي في خلافاته مع بافل طالباني.
وقال مصدر قضائي مسؤول، إن "محكمة أربيل أصدرت حُكماً لصالح لاهور الشيخ جنكي واصفةً إياه بالرئيس المشترك للاتحاد الوطني الكردستاني". مبيناً، "حيث أصبح بإمكانه ممارسة مهام منصبه في العملية السياسية".
وكان لاهور الشيخ جنكي قد حصل على أكثرية الأصوات في المؤتمر التنظيمي الرابع للاتحاد الوطني الذي جرى عام 2020، لكن تم استبعاده من منصبه في الرئاسة المشتركة من قبل ابن عمه بافل طالباني بتهمة محاولة تسميمه إلا أن الشيخ جنكي سجل دعوى قضائية في بغداد وأربيل لاسترداد منصبه.
تصاعد حدّة التوتر
مصادر كردية كشفت في مطلع العام الحالي، أن بافل طالباني يتوجّس من التحركات الأخيرة لنجل عمه (لاهور شيخ جنكي)، لذلك كثّف من ضغوطاته على(لالزار) مقر إقامة شيخ جنكي، ووضع الأخير أمام خيارين، "أما ترك إقليم كوردستان أوتحريك القوات تجاه ( لالزار)".
قوة مدجّجة بالسلاح حاولت القبض على مسؤول حماية شيخ جنكي، رنج شيخ خالد، إلا أن تلك القوة أخفقت في إمساكه، فيما اقتحمت قوة أخرى منزل ريبوار حامد حاجي أحد أهم القيادات العسكرية المقرّبة من شيخ جنكي، ووجدت القوة المقتحِمة في منزل حاجي كمية من العبوات الناسفة وTNT، إلا أن المقرّبين من شيخ جنكي يقولون بأن هذه القوة هي التي وضعت هذه العبوات والمواد المتفجرة في منزل حاجي بهدف تلفيق التُّهم ضده واتهامه بالإرهاب.
وبحسب المصادر، فإن الاسباب الكامنة خلف تكثيف الضغوطات من قبل بافل طالباني على لاهور شيخ والمقرّبين منه، يعود إلى التحركات الأخيرة لشيخ جنكي وسعيه لاستعادة منصبه كرئيس مشترك للاتحاد الوطني الكوردستاني عبر المحاكم في أربيل و بغداد، حيث يسعى لاهور شيخ جنكي إلى إلغاء كل القرارات الصادرة عن الحزب بعد أحداث (8) تموز عام 2021، واستعادة سلطاته التي نُزِعت منه بعد هذا التاريخ بالقوة.
دور حزب بارزاني بالأزمة
أوساط سياسية كردية تقول إن الحزب الديمقراطي الكردستاني يستثمر في الأزمة التي يعيش على وقعها الاتحاد الوطني الكردستاني لزيادة الضغوط الداخلية على الأخير، واستغلال بعض الملفات للمساومة ومنها مسألة الخلاف الدائر داخل الاتحاد حول الرئاسة المشتركة، وأيضا قضية اغتيال العقيد "هاوكار جاف".
وبعد ساعات من صدور قرار قضائي ببغداد لصالح بافل طالباني رئيس الاتحاد الوطني في نزاعه مع ابن عمه لاهور شيخ جنكي، ذكر بيان صادر عن رئاسة الحكومة في الإقليم أن مسرور بارزاني أجرى اتصالا هاتفيا بعائلة العقيد جاف الذي اُغتيل في عملية انفجار في السابع من أكتوبر الماضي.
وعبّر رئيس حكومة كردستان خلال المكالمة الهاتفية عن مواساته لهم، وجدّد التأكيد على أن "قضية اغتيال الشهيد هوكار جاف يجب أن تمرّ بمساراتها القانونية"، مشددا على "أن ينال مرتكبو جريمة اغتياله الجزاء القانوني".
ووجهت سلطات أربيل أصابع الاتهام لمدير جهاز مكافحة الإرهاب في محافظة السليمانية وهاب حلبجيي ومسؤول استخبارات جهاز مكافحة الإرهاب في السليمانية كارزان محمد رشيد.
وقد رفضت قيادة الاتحاد الوطني هذه الاتهامات، معتبرة أنها لا تخلو من خلفيات سياسية من بينها العمل على تعميق الخلافات داخل الاتحاد وتفكيكه من الداخل.
وفي وقت سابق حذَّر مجلس قيادة الاتحاد الوطني من التدخل في الشؤون الداخلية للحزب، ملوّحاً باتخاذ خطوات سياسية وقانونية ضد أي تدخل، واعتبر أن الشؤون الداخلية للاتحاد خط أحمر.
جنكي وخلافات اليكتي والبارتي
شيخ جنكي كشف في بيان له مطلع الشهر الماضي، أن "الخلافات بين الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني على طريقة الحكم وإدارة السليمانية وصلت إلى مستوى الانقسام". مبينا، أن "تخوين البعض والمزايدة السياسية لا تخدم أيّاً من الجهات".
وأضاف، أنه "بعد قرار إغلاق الأجواء التركية أمام مطار السليمانية الدولي وخطر تداعيات هذا القرار أصبحتُ أراقب الموقف باستمرار، ومنذ تلك اللحظة ومن أجل المصالح العليا لشعبي وعن طريق علاقاتي الشخصية سعيتُ لمنع انتشار التوترات".
وأدان شيخ جنكي "الحادث الذي وقع داخل مطار السليمانية الدولي ومحاولة زعزعة السلام والاستقرار في السليمانية وإثارة القلق بين شعبها".
وأشار إلى، أنه "يجب على دول الجوار حل مشاكلها من خلال الحوار والقنوات الرسمية". داعيا، "الأحزاب السياسية في إقليم كردستان إلى التحلّي بالصبر لحين ظهور نتائج التحقيق".
وأوضح، أنه "على الرفاق بالغرب أن يتعاملوا مع الوضع بحذر وأن يعلموا أن الوضع الحالي في السليمانية ليس كما كان سابقا، وأن حادث سقوط المروحيتين وحادث الأمس هما نتيجة طريقة السياسة التي تُتَّبع حاليا في السليمانية".
ونوّه بأنه "ليس مقبولا أن يدفع الشعب الكردي ثمن أخطاء وعناد السياسيين وسوء استخدام السلطة والتصرفات غير العقلانية وأن يُثاروا بشعارات وطنية كوردية مزيّفة".
وقال مخاطبا الأحزاب الكردية الرئيسية في الاقليم، "إن كُنتم تهتمون حقًا بحياة ورفاهية شعب كردستان وتفهمون حساسية هذه المرحلة، وخاصة هناك الآن اتفاقية مع بغداد وهي خطوة لإنعاش الاقتصاد وتحسين حياة المواطنين والموظفين، يجب أن تعلموا جيدا أن التخلّي في الوقت الحاضر عن السياسة الأُحادية والوصول إلى التفاهم والعمل معًا من أجل الوضع في إقليم كردستان بشكل عام ومواجهة الاضطرابات في السليمانية بشكل خاص، أكثر أهمية من أي شيء آخر".
وختم كلامه بالقول، "يجب ألّا نسمح بتعطيل حياة ومعيشة المواطنين ووضع السوق والتجّار وتعرّض السلام الاجتماعي للخطر، السليمانية وشعبها قدّموا تضحيات كثيرة ولا يستحقون أن يُعاقَبوا أكثر من ذلك وأن يظلّوا في حالة عدم الاستقرار هذه".
مراقبون أكدوا أن بيان جنكي ليس ذا قيمة حقيقية، ويمثل فقط محاولة منه للإبقاء على نفسه في الساحة السياسية بوصفه قُطباً مهماً في الإقليم كي لا يتم نسيانه بعد انتصار ابن عمه عليه سياسيا وقضائيا.