البرلمان يمرر الموازنة.. تفاؤل ومخاوف ترافق موازنة العراق الثلاثية وبارزاني أكبر المتضررين
انفوبلس..
بعد أكثر من 3 أشهر وعشرات التظاهرات، مرّر مجلس النواب الموازنة الاتحادية الأولى من نوعها بتاريخ العراق من حيث الأرقام القياسية وسنواتها الثلاثة، رافق الموازنة هذه المرة كثير من اللغط وأكثر من المعتاد في كل عام فقد كانت أغلب فقراتها جدلية وتثير التساؤلات والمخاوف تارة والتفاؤل تارة أخرى، والجديد في عام 2023 هو ظهور قوة للمركز الاتحادي للوقوف بوجه الإقليم وتسلطه على نفط الشمال دون وجه حق أو مسوغ قانوني، ولعل صراع المركز والإقليم وفوز المركز للمرة الأولى يُعد أكثر العلامات البارزة بهذه الموازنة.
أرقام الموازنة ومخاوفها
تُعد الموازنة الجدلية هذه الأكبر تاريخياً في العراق، إذ تبلغ أكثر من 197 تريليون دينار للعام الأول (أكثر من 151 مليار دولار) لتفوق موازنة 2021 بنسبة 53 بالمئة بمقدار 68 تريليون دينار، وأكبر من النفقات الفعلية لعام 2022 بنحو 81 تريليون دينار، بنفقات تشغيلية وصلت إلى 150 تريليون دينار وزيادة مقدارها 50 تريليون دينار عن موازنة 2021، وتفوّقت على النفقات التشغيلية الفعلية لعام 2022 بنحو 46 تريليون دينار.
ولأنها موازنة أرقام قياسية، يتجاوز العجز فيها 64 تريليون دينار ليكون الأكبر في تاريخ البلاد، معتمداً بتمويل ثُلثَيْه على الاقتراضين الخارجي والداخلي، مع ترك الثالث للفائض المدوّر من حساب وزارة المالية. وتجدر الإشارة إلى أن عجز موازنة عام 2021 بلغ ـ بالنسخة المقترحة ـ 50 تريليون دينار، قبل أن يخفّضه البرلمان آنذاك إلى أقل من 29 تريليون دينار.
هيمنة فقرتي الرواتب والرعاية الاجتماعية تستمر وتتضخم حيث تبلغان لوحديهما 87 تريليون دينار والذي يمثل 58 بالمئة من إجمالي النفقات التشغيلية و74 بالمئة من الإيرادات النفطية، فضلاً عن اعتماد سعر نفط تخطيطي غير متحوط في الموازنة (70 دولاراً للبرميل) وهو الأعلى بين موازنات أغلب الدول النفطية، وأكثر من سعره في موازنة عام 2021 والذي بلغ حينها 45 دولاراً.
ولفهم مخاطر هذه الخطوة، فإن انخفاضاً بقيمة دولار واحد عن السعر المقدّر في الموازنة، من شأنه أن يقضم الإيرادات بنحو 1.660 تريليون دينار على الصعيد السنوي، وهو ما سيفاقم عجز الموازنة ويعظّم الديون الداخلية والخارجية، خاصة وأن العراق على عكس الدول النفطية كلها، لا يمتلك صندوقاً سيادياً يمكن أن يكون مصدّاً في حالات كهذه.
وفي مشروع الموازنة أيضاً، تفاؤل مفرط بالإيرادات غير النفطية وصولاً إلى 17 تريليوناً، في حين لم تزد عن 7 تريليونات دينار عام 2022 وستنخفض كثيراً إذا لم يمرّر البرلمان حُزمة الضرائب التي تضمنتها فقرات الموازنة، والذي سينعكس بدوره على عجز أكبر بتغطية النفقات التشغيلية والأخرى.
تكرّر، على مدار 20 عاماً، عجز الحكومات العراقية المتعاقبة عن السيطرة على مصادر الإيرادات غير النفطية، وآخر المحاولات ذات النتيجة الصفرية، ما حدث خلال حقبة مصطفى الكاظمي، رئيس الوزراء السابق، حين أطلق حملة “كبيرة” رُوِّج لها بقوة لضبط المنافذ الحدودية، لكن شيئاً لم يحدث نتيجة ضعف الحكومة آنذاك.
توسّع بالتوظيف الحكومي
للنفقات التشغيلية، في الموازنة الثلاثية، الحصة الأكبر، حيث بلغت 150 تريليون دينار، وعند حساب قيمة الإيرادات النفطية المتوقعة (117 تريليون دينار) وإضافة الرصيد المدوّر في وزارة المالية (23 تريليون دينار) تظل الموازنة عاجزة عن إيفاء النفقات التشغيلية بـ 10 تريليونات دينار، ترتفع كلما انخفض سعر برميل النفط.
وبحسب تقرير اللجنة المالية النيابية (الذي أصدرته بعد أيام من وصول مسودة الموازنة إلى مجلس النواب)، بلغ عدد الموظفين في عام 2023 نحو 4 ملايين و96 ألف موظف بزيادة أكثر من 800 ألف موظف، وبنسبة 13 بالمئة، وصار عدد العاملين في الأجهزة الأمنية أكثر من مليون و500 ألف شخص -يشكلون 36.7 بالمئة من إجمالي الموظفين- بزيادة نسبتها 3 بالمئة في وزارة الداخلية، و6 بالمئة في وزارة الدفاع، بينما بلغت نسبة الزيادة في هيئة الحشد الشعبي 95 بالمئة، والتي انتقلت أعداد منتسبيها من 122 ألفاً إلى 238 ألفاً، فيما زاد منتسبو وزارة التربية بنسبة 525 بالمئة (من 154 ألفاً في 2021 إلى 963 ألفاً)، ووزارة الصحة بنسبة 320 بالمئة (من 116 ألفاً في 2021 إلى 488 ألفاً).
ويُلاحظ، في تقرير اللجنة المالية في مجلس النواب، أن هناك تناقضاً بالأرقام، فبينما سجلت إحدى ملاحظاته زيادة بأعداد الموظفين قدرها (832.967)، يوضح جدول مرفق بالفقرة ذاتها أن الزيادة تبلغ (1.406.746) مع الأخذ بالاعتبار أن الجدول لم يستوفِ جميع وحدات الإنفاق التشغيلي.
وبلغت رواتب الموظفين على الملاك الثابت 59.814 تريليون دينار، والرواتب التقاعدية 18.122 تريليون دينار، ورواتب الرعاية الاجتماعية 27.941 تريليون دينار، ورواتب التمويل الذاتي وشركات الوزارات 9.913 تريليون دينار، واجمالي الرواتب الحكومية 92.566 تريليون دينار، حيث بلغت نسبتها من الإيرادات النفطية 79 بالمئة.
الاستثمار والتنمية
استثمارياً، بلغت التخصيصات في موازنة 2023 نحو 49.462 تريليون دينار (24.8 بالمئة من إجمالي النفقات العامة)، وزارة النفط تستحوذ على الحصة الأكبر من التخصيصات الاستثمارية بنحو 16 تريليون دينار وبنسبة 32 بالمئة من النفقات الاستثمارية، ويأتي قطاع الكهرباء بالمرتبة الثانية بحوالي 6.113 تريليونات دينار وبنسبة 12 بالمئة، أي إن قطاعي النفط والكهرباء يستحوذان على 44 بالمئة من النفقات.
أما استيرادات الأسلحة والمعدات العسكرية التي تصل إلى 3 تريليونات دينار تدخل أيضاً ضمن التخصيصات الاستثمارية، وبخصوص وزارتي الإعمار والإسكان والنقل فقد بلغت تخصيصاتهما 3.784 تريليونات دينار و2.753 تريليون دينار على التوالي.
التخصيصات الاستثمارية لوزارة الصناعة كانت متدنية وبلغت 107 مليارات دينار فقط، وهي أقل من نصف تخصيصات الأوقاف الدينية التي بلغت 410.908 مليارات دينار، فيما بلغت تخصيصات تنمية الأقاليم 2.5 تريليون دينار، والتي كانت عام 2021 تبلغ 4 تريليونات دينار (بانخفاض نسبته 60 بالمئة).
يلاحظ أن المعيار الأوحد المعتمد في توزيع تنمية الأقاليم هو عدد السكان، من دون الالتفات لمعايير أخرى كالفقر والعبء الاقتصادي.
أزمة الإقليم
قبل جلسة التصويت على الموازنة، صعّدت القوى الكردية لهجتها إثر دعوة وجهها، في ساعة متأخرة من ليل الجمعة الماضي، رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور البارزاني للكتل الكردستانية لـ"الدفاع عن كيان الإقليم وحقوقه الدستورية واستحقاقاته المالية، والتعامل مع مشروع قانون الموازنة من منطلق المسؤولية الوطنية، والوقوف ضد أي محاولة لإضعاف مكانة إقليم كردستان".
النائبة عن الحزب الديمقراطي الكردستاني سوزان علي صالح أكدت أن "المادة 14 (الأصلية) كانت محط اتفاق من الجميع، قبل أن تطرأ عليها تغييرات ليست من مصلحة الإقليم، فحصل اعتراض وتقرر عدم تمريرها، إلى جانب بعض المواد الأخرى، لحين التوصل إلى اتفاق بشأنها"، وأملت أن "يجرى التعاون على تمرير الموازنة وتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي والبرنامج الحكومي الذي وضعه رئيس الوزراء".
في المقابل، تحدث النائب عن تحالف الإطار التنسيقي كاظم الطوكي عن تمسك القوى السياسية بعدم تسليم إيرادات نفط الإقليم الى أربيل، مبينا في تصريح لعدد من وسائل الإعلام المحلية أن "المادة 14 تنص على فتح حساب مصرفي تودع فيه إيرادات الإقليم تحت إشراف البنك المركزي العراقي، إلا أن الإقليم يرفض تسليم الإيرادات إلى بغداد وإيداعها في الحساب، ويريد تأسيس مصرف خاص تشرف عليه أربيل".
وشدد على أن "القوى السياسية متفقة على أن تسليم الإيرادات إلى بغداد في مقابل رفض الكرد"، مؤكدا أن "الكرد رفضوا المقترح وأصروا على عدم التصويت على المواد الأخرى إن لم تُحسم المادة الخلافية قبل كل شيء".
وبعد لغط وشد وجذب وجلسات استمرت لـ4 أيام ومقاطعة لبعضها من قبل نواب الديمقراطي الكردستاني، نجح مجلس النواب العراقي، فجر اليوم الإثنين، في إقرار مشروع قانون الموازنة العامة للدولة للسنوات 2023، 2024، و2025، بما فيها موازنة السلطة القضائية وإقليم كردستان.
الدائرة الإعلامية لمجلس النواب ذكرت في بيان، أن "مجلس النواب صوت على مشروع قانون الموازنة العامة الاتحادية لجمهورية العراق للسنوات المالية (2023، 2024، 2025)"، وذلك بعدما صوت المجلس على مواد جديدة من مشروع قانون الموازنة، وهي المواد 50 و64 و65 و66 و67 و68، بالإضافة إلى التصويت على مادة جديدة تنص على عدم التعامل بأي نص أو قانون أو قرار يتعارض مع قانون الموازنة".
كما صوّت المجلس على مادة جديدة تنص على زيادة رواتب الصحوات من 250 ألف دينار إلى 500 ألف دينار من موازنة وزارتي الدفاع والداخلية، وأقرّ مادة جديدة بشأن فروقات الحشد الشعبي، ومادة جديدة تنص على تحويل العقود المعلقة في مفوضية الانتخابات إلى عقود تشغيلية.
كما صوت مجلس النواب العراقي على رفض الفقرة أولاً من المادة 42 المتعلقة بعوائد مبيعات البنزين والدولار والنفط الأسود والوقود المستورد، وصوت على المادة 57 التي تخص إقامة المشاريع بعد موافقة وزارتي البيئة والزراعة.
على إثر ذلك، حذر زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود البارزاني، مما أسماه بالمحاولة "المتهورة" لتقويض كيان إقليم كردستان، معتبراً أن ما حدث في الأيام الأخيرة في البرلمان، قد أزال القناع وكشف عن الوجه الحقيقي لما وصفه بـ"الأطراف الشوفينية"، وعدم احترامها للعهود والدستور.
وقال البارزاني، في رسالة وجهها للرأي العام بعد إقرار الموازنة، "مؤسف جدا، ما حدث في الأيام القليلة الماضية في مجلس النواب العراقي من محاولات غير مسؤولة وغير دستورية تهدف لتعميق المشاكل وانتهاك الحقوق المشروعة للشعب الكردستاني".
وأوضح، إن "الجميع يدرك أن هناك حوارات أدّت إلى اتفاقات بنّاءة بين الأطراف المكونة لتحالف إدارة الدولة لإزالة العوائق وحل الإشكاليات، فالحكومة الاتحادية العراقية وحكومة الإقليم قد توصلتا إلى اتفاق جيد وإيجابي لحل المعضلات، من أجل توطيد دعائم الاستقرار في البلد وخدمة الناس، إلا أن ما فعلته بعض الأحزاب السياسية، وللأسف، من جحود وإنكار وبطريقة غير مسؤولة بهدف تقويض كيان إقليم كردستان، إلا أن محاولاتهم باءت بالفشل".
وأضاف، إننا "نؤكد أن إقليم كردستان هو ملك للشعب الكردستاني، ونتاج دماء وتضحيات ونضال الشعب الكردستاني، ونعارض وبشدة أي محاولة متهورة تسعى للتجاوز وتقويض كيان الإقليم، فبالنسبة لنا إن الإقليم ليس خطاً أحمر فحسب، بل هو خط الموت أيضاً، فإما كردستان أو الفناء".