البصرة تصرخ.. أزمة مياه تجعل فينيسيا الشرق عطشى

انفوبلس/ تقارير
رغم الأموال الطائلة التي رُصدت لحل الأزمة، تعاني محافظة البصرة منذ أكثر من أسبوع من أزمة مياه خانقة تُعد الأشد على المحافظة، الأمر الذي جعل حتى البرلمانيين يؤكدون أن الأهالي مقبلون على كارثة إنسانية وشيكة بسبب تلوث المياه وشحته، فما تفاصيل الأزمة؟ وما علاقة تركيا؟ انفوبلس وتقرير مفصّل عن هذا الملف.
أزمة متكررة
تعاني البصرة من مشكلة قلّة مياه الشرب والريّ بسبب تحويل بناء السدود التركية، وإطلاق مياه البزل المالحة إلى شطّ العرب، وتُضاف إلى ما سبق التجاوزات المحلية على الأنهر الفرعية، ما تسبب في حدوث جفاف أدى إلى زيادة ملوحة ماء شط العرب وانعدام المياه الصالحة للشرب.
ومن المشكلات التي يُشير إليها النشطاء والمتظاهرون في البصرة عدم وجود مشاريع لتحلية المياه ومعالجة التلوث البيئي بالإضافة إلى وجود العدد الهائل من الآبار النفطية وتقدّم اللسان الملحي على المناطق الزراعية المطلة على الأنهار والقنوات الإروائية وعدم استخدام الطمر الصحي.
ويُطالب مئات المتظاهرين في قضاء المديّنة بإيجاد حل نهائي لأزمة مياه الشرب الملوثة، فيما نددوا بعدم اكتراث المحافظ أسعد العيداني لمطالبهم رغم مرور أسبوع على انطلاق أول وقفة، مطالبين أعضاء مجلس النواب ومجلس المحافظة من أبناء البصرة ببيان مواقفهم من أزمة المياه.
سبب الأزمة
أما عن سبب الأزمة، فيقول مدير ماء البصرة نزار ناصر إن ارتفاع نسب الأملاح في مياه شط العرب يدفع المديرية للاعتماد على قناة البدعة لضخ المياه في عموم المحافظة وأن كميات المياه فيها غير كافية لعموم المحافظة لذا يتم اللجوء إلى نظام المراشنة.
وقال ناصر في حديث له تابعته شبكة انفوبلس، إن سبب الانقطاعات تكون بسبب توجيه المياه إلى مركز المحافظة أو بعض الأقضية.
وطالب ناصر، المواطنين بترشيد المياه والتأكيد على ضرورة أن تكون هناك إدارة دقيقة للمياه الصالحة للشرب في ظل هذه الظروف.
وبيّن، أن مناطق من شط العرب وأبي الخصيب والسيبة تعتمد على القناة الإروائية وبالتالي ارتفاع تراكيز الملحية يؤثر على جودة المياه فيها.
يختلف أهالي البصرة مع ما يطرحه ناصر من أسباب، ويؤكد أغلبهم أن السبب الرئيس في تفاقم الأزمة يعود إلى الفساد المستشري في القطاع العام.
ويضيفون، إنه "يتم صرف الأموال على مشاريع غير مدروسة، ولا يتم تنفيذها بشكل جيد، الفساد يحول دون تنفيذ حلول حقيقية، وأصبح المواطن هو المتضرر الأول".
الحلول المؤقتة تثير القلق
وأطلقت الحكومة المحلية في البصرة حملة واسعة ضد التجاوزات على شبكات المياه، في محاولة للحد من الفوضى التي تعيشها شبكات الإسالة، بحسبها.
زيد الإمارة، النائب الفني لمحافظ البصرة، قال في حديث له تابعته شبكة انفوبلس، إن "الحملة استهدفت وقف التوصيلات غير القانونية التي تتسبب في هدر كميات كبيرة من المياه، إضافة إلى محطات غسل السيارات غير المرخصة التي تستهلك كميات ضخمة من المياه في ظل غياب أي نوع من الرقابة”.
وأضاف الإمارة “نحن ملتزمون بالقضاء على هذه التجاوزات، التي تؤثر على توزيع المياه بشكل عادل بين الأحياء السكنية والمناطق الزراعية والصناعية”.
تحذير من كارثة إنسانية
إلى ذلك، حذّرت النائب عن البصرة زهرة البجاري، من كارثة إنسانية وبيئية تلوح في الأفق بالمحافظة، نتيجة تفاقم أزمة شحّ المياه وارتفاع نسب الملوحة إلى مستويات خطيرة، مؤكدة أن "الأيام المقبلة ستكون قاسية على الأهالي إذا استمرت الجهات المعنية في سياسة التغاضي والتسويف".
وأكدت البجاري في بيان ورد لشبكة انفوبلس، أن أزمة المياه في البصرة لم تعد مجرّد مشكلة موسمية، بل أصبحت معاناة يومية تهدد صحة المواطنين وسبل عيشهم، مشيرة إلى تدهور نوعية المياه وانعكاساتها السلبية على القطاعين الزراعي والحيواني في المحافظة.
ودعت إلى تحرّك عاجل من قبل الجهات الحكومية لتنفيذ حلول واقعية وجذرية، بعيدة عن "الوعود الفضفاضة والمماطلة التي تتكرر كل عام دون نتائج ملموسة"، مشددة على ضرورة تحمّل الحكومة مسؤوليتها الكاملة تجاه هذه الأزمة التي تهدد استقرار البصرة وتفاقم معاناة سكانها.
مطالبات بتشكيل غرفة عمليات مشتركة
وأعربت البجاري، عن استعداد كتلة الصادقون البرلمانية لمتابعة هذا الملف عبر القنوات التشريعية والرقابية، بهدف ضمان تحقيق خطوات فعلية على الأرض تسهم في إنهاء الأزمة.
كما طالبت البجاري بتشكيل غرفة عمليات مشتركة تضم الوزارات المعنية وهيئات المياه ومحافظة البصرة، بهدف وضع خطة طوارئ فورية تتضمن توفير مياه صالحة للشرب عبر صهاريج النقل كحل مؤقت، إلى جانب تسريع تنفيذ المشاريع الاستراتيجية التي تضمن تدفق المياه العذبة من المصادر الرئيسية.
تحميل الحكومتين المركزية والمحلية
بدوره، أكد النائب عن محافظة البصرة عدنان الجابري إن معاناة المحافظة من رداءة المياه وارتفاع الملوحة مستمرة منذ سنوات ولا توجد هناك حلول لهذه المشكلة.
وقال الجابري، إن محافظة البصرة مترامية الأطراف ويجب على الحكومة أن تعاملها معاملة خاصة، مشيرا إلى أن مسالة تحلية مياه البحر لا يمكن أن تخدم جميع مناطق المحافظة وإنما قد تسهم بتخفيف المعاناة عن بعض المناطق فيها.
ولفت إلى عدم وجود خطط استراتيجية حقيقية لمعالجة المياه في البصرة في موازنات السنوات الماضية عام 2019 وموازنة الأمن الغذائي أو موازنة عام 2023، وحمل الجابري مسؤولية ملوحة وتلوث المياه إلى وزارة الموارد المائية باعتبار إن هذه الوزارة هي المتحكم بالمياه وعلى الوزير أن يحافظ على حصة البصرة وان تعمل الوزارة على رفع التجاوزات.
وأضاف أن حكومة البصرة هي الأخرى تتحمل مسؤولية تردي المياه باعتبارها من يتحكم بالموازنة وهي من تقوم بمراجعة الخطط، وأشار إلى ضرورة إزالة مسببات المد الملحي والمتمثل بزيادة الإطلاقات المائية.
كما بين بأن مسألة التلوث في البصرة أيضا يقع ضمن مسؤولية الحكومة المحلية باعتبار مياه الصرف الصحي والأنهار والمياه الآسنة تصب في نهري دجله والفرات وفي شط العرب، مشددا على ضرورة إغلاق مثل هذه القنوات أو تغيير مسارها.
وأوضح بأن هناك محطة للصرف الصحي بالمدينة شمال البصرة افتتحت في عام 2020 وهي الآن بحاجة إلى صيانة.
ودعا إلى تحمل حكومة البصرة المحلية مسؤوليتها باعتبار إن المحكمة الاتحادية ردت الدعوى التي رفعها نواب البصرة على وزارة المالية لعدم صرف مستحقات المحافظة، مشيرا بان المحكمة الاتحادية أكدت أن ترفع هذه الدعوة من قبل حكومة البصرة المحلية باعتبارها المتضرر والجهة صاحبه الشأن.
كما وعد الجابري بأن يطرح نواب البصرة مشكله تلوث المياه وصعود المد الملحي على البرلمان والحكومة الاتحادية لإيجاد الحلول السريعة.
إلى ذلك قال الناشط عن محافظة البصرة عبد المهيمن حازم إن "ارتفاع اللسان الملحي وقلة الإطلاقات المائية تسببت بأزمة في المياه، وأكثر المواطنين يعانون من قلة مستوى الاستخدام المنزلي والزراعة، والحلول ليست كلها في يد محافظ البصرة، بل إن هناك إخفاقات كبيرة في إدارة ملف المياه وحمايته من التجاوزات، وهي من مسؤولية الحكومة المركزية في العاصمة بغداد، والتي لا بد أن تنتبه إلى أهمية بناء محطات تحلية جديدة"، وأوضح أن "شط العرب تحوّل إلى مكب للنفايات الضارة بالمياه والبيئة، وهذه مسؤولية جماعية ما بين المواطنين وحكومتي البصرة وبغداد، لأن هذه النفايات والمخلفات أثرت على جودة ونسبة المياه الصالحة للاستخدام البشري".
الأزمة السياسية انعكست على واقع المواطن
في البصرة، يرى المواطنون أن الحلول المقدمة لا تلامس معاناتهم اليومية. محمد كاظم، أحد سكان قضاء شط العرب، تحدث عن معاناته مع المياه الملوثة قائلاً: “المياه التي تصل إلى منازلنا مليئة بالملوحة، في بعض الأحيان تكون ملوثة برائحة كريهة وكأنها مياه صرف صحي. نواجه مشكلة في الحصول على مياه صالحة للشرب رغم الوعود المتكررة من الحكومة”.
وأضاف كاظم: “لقد تم تخصيص مبالغ ضخمة لهذا الملف، لكن الوضع لم يتغير. الأموال تهدر على مشاريع وهمية، فيما يعاني المواطنون من هذه الأزمة بشكل يومي". وأوضح كاظم أن العديد من الأهالي لجأوا إلى شراء المياه من المحطات الخاصة لتلبية احتياجاتهم، ما يزيد من الأعباء المالية على العائلات.
من جهته، قال عضو مجلس النواب حسن شداد إن "مناطق كثيرة في البصرة تفتقر للخدمات الأساسية للعيش، بالرغم من المبالغ الكبيرة التي صرفت على المشاريع المخصصة للمحافظة، بل إن بعض الشركات التي تنفذ المشاريع في حقيقة الأمر نجدها بطيئة، وجزء كبير من المسؤولية يقع على عاتق مجلس محافظة البصرة الذي من المفترض أن يتابع هموم الناس من جهة، ومراقبة عمل الشركات وتقدم المشاريع من جهة ثانية"، مؤكداً في تصريحٍ صحافي أنّ "التأخر في حسم موضوع رؤساء الوحدات الإدارية أدى هو الآخر إلى تراجع الخدمات، لأن مسؤولي الوحدات الإدارية حالياً يعملون وفق تصريف الأعمال، بالتالي فهم غير قادرين على توفير الخدمات للمواطنين".
لا حلول
بدوره، بيَّن الصحافي البصري أحمد القطراني أنّ "أزمة المياه يومية للمواطنين ولم تعالج منذ سنوات لأسباب كثيرة، من بينها ارتفاع اللسان وقلة الواردات المائية من تركيا، بالإضافة إلى العرقلة من الحكومة الاتحادية في بعض الحكومات السابقة، بالتالي فإن فشل الحكومة المحلية بالبصرة مرهون بعرقلة بغداد بعض المشاريع، لكن حكومة محمد شياع السوداني منحت المحافظ أسعد العيداني الصلاحية في التعاقد مع شركات لحل الأزمات الأساسية في البصرة"، ورأى في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "هناك استغلالاً للتظاهرات وتحريكاً للشارع من قبل جهات سياسية تقف بالضدّ من العيداني، لكن هذا لا يعني أن أزمة المياه غير حقيقية، بل إنها تشكل مشكلة يومية في بعض مناطق البصرة، وضمنها قضاء المدينة".