الحكومة العراقية تتخلى عن المطالبة بتعويضات أميركية عن مخلفات التلوث الإشعاعي الناتج عن حروبها على العراق
إنهاء عمل اللجنة المختصة بالتعويضات
انفوبلس/..
بعد إتمام العراق تسديد أكثر من52 مليار دولار كتعويضات حرب فرضتها عليه الأمم المتحدة كعقوبة لغزو الكويت في عام 1990، نتيجة حرب الخليج عام 1991، بالمقابل فإن الولايات المتحدة لم تتفاعل مطلقاً مع أي لجان تشكلت لدفعها تعويضات عن غزوها غير القانوني للعراق في عام 2003 وبقية الحروب التي شنتها أميركا وحليفاتها على العراق منذ عام 1991 وبشكل مستمر ولغاية اليوم حيث تحولت الحروب النظامية الى حروب القصف الجوي والدرونات.
وتُعد أهم تبعات هذه الحروب، هو قيام أميركا وحلفائها بتلويث العراق بمئات الأطنان من أسلحة اليورانيوم المنضب الإشعاعية لمناطق البصرة والناصرية والفلوجة والحلة والنجف الأشرف وبعقوبة والقادسية وغيرها من المدن العراقية، بالإضافة عن التلوث الناجم عن قصف مفاعلات الطاقة النووية في التويثة (مفاعل تموز).
يضاف إلى ذلك التلوث الصناعي والكيمياوي الناتج عن القصف المتعمد للمصانع ومحطات تكرير النفط والبتروكيميات والأهداف المدنية، وحرق مساحات كبيرة من غابات النخيل ومئات الآلاف من الوحدات السكنية والمؤسسات الحكومية الخدمية والبنى التحتية، والتي يفترض أن تكون محمية باتفاقيات جنيف وملاحقها بما يعطي للعراق الحق القانوني للمطالبة بالتعويضات المالية والفنية، عن الخسائر الجسيمة التي تحملها طيلة العقود الماضية.
وقد تم تشكيل لجنة تحديد أضرار الحرب والمطالبة بالتعويضات منذ عام 1992. وقدمت هذه اللجنة لمجلس الأمن العديد من المذكرات التي تطالب بالتعويضات وفق ما جاء في القانون الدولي أثناء الحصار الاقتصادي الجائر، إلا أن هذه المذكرات لم تلقَ استجابةً من المنظمة الدولية بسبب الموقف الامريكي المعادي للعراق وبدعم ما يسمى في حينها بدول التحالف الدولي ضد العراق.
أول تقرير للمطالبة بتعويضات
وكان المستشار القانوني في مجلس النواب، وعضو اللجنة التفاوضية مع الأمم المتحدة، د. هاتف الركابي، قد رفع أمام محكمة سويدية مختصة، أول دعوى قضائية للمطالبة بتعويضات عن التلوث الاشعاعي الذي تعرض له العراق في الحروب التي شنتها أمريكا وحلفاؤها.
وقدم الركابي دعواه بتاريخ 26/12/2020 أمام «المحكمة السويدية الجنائية الملكية» التي تطبق المعايير الدولية في ستوكهولم للمطالبة بالتعويضات جراء التلوث بالأسلحة والقنابل والصواريخ الحاوية لليورانيوم المنضب وغيره التي استهدفت العراق لعقود.
قرار إنهاء عمل اللجنة
وفي هذا الصدد، أشار الدكتور هاتف الركابي، الى أن رئيس مجلس الوزراء أنهى عمل اللجنة القانونية المشكلة من أعضاء من مؤسسات عديدة، والمختصة بالمطالبة بالتعويضات أمام الامم المتحدة والتي تُقدر بآلاف التريليونات من الدولارات عن آثار الاشعاع النووي واليورانيوم المنضب في العراق.
وقال الركابي، في 10 حزيران 2024، إنه "فوجئنا بقرار رئيس الوزراء المستند على كتاب وزير الخارجية، المتضمن إنهاء عمل اللجنة القانونية، وأنا أحد أعضائها، وهذه اللجنة مختصة بالمطالبة بالتعويضات أمام الامم المتحدة والتي تقدر بآلاف التريليونات من الدولارات عن آثار الاشعاع النووي واليورانيوم المنضب الذي أصاب الملايين من الشعب العراقي طوال أربعة عقود من الزمن".
وأضاف، إن اللجنة مشكلة من أعضاء من مؤسسات عديدة (مجلس النواب، ومجلس القضاء الاعلى، ومجلس الدولة، ووزارة الخارجية، والامانة العامة لمجلس الوزراء، وهيئة المستشارين، والطاقة الذرية)، وتم إنهاء عمل الجنة قبل أن تُنهي أعمالها وتقدم التقرير النهائي.
وتعرض العراق إلى أبشع تلوث إشعاعي وأسوأ بيئة كارثية في العالم بعد أن تعرض إلى تدمير منشآته النووية بعد العدوان الاسرائيلي عام 1981 ثم تلتها ضربات التحالف الدولي بقيادة أميركا عام 1991 و1999 و2003 بعد أن تجمعت أكثر من خمسين دولة بما فيها دول الخليج والأشقاء العربان حتى وصلت كلفة التدهور البيئي الآن إلى أكثر من 84 مليار دولار مع تلوث (3673) منطقة وخطورتها بوجود (1730) كيلو مترا مربعا والذي يهدد مليونا و600 ألف عراقي، وأن الدول المتحالفة قد ألقت ما يقارب (340) طنا من الرؤوس النووية ذات اليورانيوم المنضب والتي قتلت أكثر من مليون ونصف عراقي مع ارتفاع نسبة السرطانات والتشوهات الخلقية التي فتكت بالشعب لغاية هذه اللحظة بمن فيهم الاطفال الذين توفوا وبلغ عددهم منذ عام 1991 إلى عام 2003، حوالي 2 مليون طفل بسبب هذه الاسلحة المحرّمة دولياً.
وتابع الركابي، إن "المناطق الملوثة بالإشعاع لازالت تأنُّ من الاصابات رغم جهود البروفيسور حامد الباهلي، وفريقه لأجل تطهير المناطق المصابة الملوثة، بالإضافة إلى أن قوات التحالف قامت بتدمير أربع منشآت يتجاوز نشاطها الاشعاعي 50 مليون كيوري في الحروب الثلاث، فضلاً عن مأساة ضربة إسرائيل للمشروع الفرنسي الحضاري في العراق سنة 1981 التي دمرت مفاعل تموز الاولى التي كانت قدرتها 70 ميجاواط حراري ، وتموز الثانية وقدرتها 400 كيلو واط حراري، ومختبرات لاما للإشعاعات المؤينة، ومرافق ومخازن وطمر النفايات المشعة والوقود المخصب الذي تجاوز 93% والتي تحولت بعد الضربة إلى مواد نووية مشعة خطرة تجاوزت 9 كم وأصابت جميع السكان المجاورين لموقع التويثة بالسرطانات".
وخاطب الدكتور هاتف الركابي، رئيس مجلس الوزراء بالقول "ربما لم تصلك الاستشارة الحقيقية في هذا الموضوع المهم وأنا لك أخ وناصح، فأنا عملت على هذا الملف منذ 14 عاماً وزرت دولا أوروبية عديدة لأجل مساعدة العراق، حتى إنه عند لقائي مستشارة الرئيس الفنلندي قد بكت عندما شرحت لها المأساة، الموضوع يا دولة الرئيس يتعلق باستحقاقات شعب مظلوم تعرض لأبشع المآسي ولا يتعلق بقرارات إدارية، الموضوع يتعلق بأرواح الملايين التي زهقت والتي لا يمكن نسيانها لاسيما في عقد التسعينيات عندما كانت تشيّع التوابيت يومياً في العراق من الاطفال والنساء حتى أصبح العراقيون مطاردون كالعصافير على خرائط الزمن وموتى دونما كفن، يبحثون عن كذبة كبيرة تدعى الوطن، مقتلَعون كالأشجار من مكانهم، مهجَّرون من أمانيهم وذكرياتهم".
ونوه الركابي، الى أنه "لا يمكن التذرع بأن إسرائيل ستطالب بتعويضات عن عقاراتها المصادرة في العراق كما يدّعي ممثل العراق الدائم في نيويورك، فإسرائيل أخذت تعويضات بعشرات المليارات عن صواريخ هدام العبثية واخذوا تعويضات حتى عن الطيور التي ماتت بسبب صوت الصواريخ وحتى الاردن اخذت تعويضات لمجرد مرور الصواريخ فوق أراضيها فكيف لنا السكوت عن الارواح بالملايين التي أصابها التلوث الاشعاعي والارواح التي مازالت تأنُّ في مستشفيات الامل والعتبة وغيرها ولازال الإشعاع يملأ المدن ومازالت الحالات تتزايد، وهل تتناسب تعويضات البيوت المصادرة اليهودية مع مصيبة العراق؟ .. كيف يمكن السكوت يا سيادة الرئيس وإسرائيل والتحالف الدولي منعوا العراق من أن يصنع مفاعلا نووية سلمية لمعالجة السرطانات؟".
ونبّه الدكتور الركابي، الى "قرار رئيس مجلس القضاء الأعلى، الذي يدعو صراحةً للمطالبة بالتعويضات وضرورة وضع استراتيجية واضحة، ولزوم تفعيل اللجنة والتنسيق مع الخارجية على التحرك الدولي، والتعاقد مع شركات محاماة دولية لأجل رفع الدعاوى". مستغربا "ضرب هذا القرار الكبير لأعلى سلطة في البلد".
واستطرد الركابي في حديثه، إنه "من المفترض أن نحذو حذو جنوب أفريقيا بمقاضاة العدوان وأن يذهب فريقنا مرفوع الرأس إلى محكمة العدل الدولية ونحن أبناء الرافدين مَن علّمنا الدنيا كيف يُكتب القانون، وأشيرك علماً بأنه لم يجرؤ أي رئيس حكومة قبلك على إلغاء عمل اللجنة بتاتاً".
وفي ختام مقال الركابي، ذكر أنه "بعد جهود قدمتها طوال أكثر من عقد من الزمن، أكون قد أديت أمانتي وسجلت دعوى أمام المحكمة الاتحادية العليا، للاعتراض على هذا القرار لأن عدم معالجة هذا الأمر الخطير سيقودنا إلى نتائج كارثية، وعقبات كؤود مالم تتظافر الجهود، رسالتي إلى المرجعيات الدينية والاكاديميين ومنظمات المجتمع المدني للوقوف على هذا الملف وإلى مجلس النواب برئاسته ولجانه المختصة وإلى الرئيس المندلاوي المحترم بضرورة عقد اجتماع للجان المختصة لتدارك الموضوع وإلى رؤساء اللجان، أن تتولى زمام المبادرة".
ووجه رسالة إلى رئيس مجلس القضاء الأعلى، الدكتور فائق زيدان، "لاتخاذ الموقف المطلوب فبالقانون والقضاء تُبنى الأوطان لاسيما أن أحد أعضاء اللجنة أحد قضاة مجلس القضاء الأعلى المحترمين".
إقرار دولي باستخدام أسلحة محرمة
وفي هذا الشأن، أقرّت العديد من المحاكم الأوروبية، باستخدام أمريكا وحلفائها أسلحة اليورانيوم المنضب المشعة، بعد النظر في دعوى قدمها ذوو جنود أوروبيين متضررين من تلك الأسلحة اثناء الحرب، حيث سببت لهؤلاء الجنود الاصابة بالأمراض السرطانية والتشوهات الخلقية والوفيات.
إن إقرار التعويضات للجنود الاوروبيين اعتراف صريح من قبل المحاكم في ايطاليا وفرنسا وبريطانيا التي استمرت أكثر من عشر سنوات تستعين بالاختصاصيين من اطباء وعلماء بيئة وبيولوجيين بأن اسلحة اليورانيوم المنضب المشعة هي التي سببت لهؤلاء الجنود الاصابة بالأمراض السرطانية والتشوهات الخلقية والوفيات.
ويتساءل مراقبون للشأن السياسي، فيما إذا كانت أمريكا، قد ضغطت على رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أثناء زيارته الاخيرة لواشنطن، لإنهاء عمل هذه اللجنة، وإذا كان هذا هو واقع الحال، فإلى متى يستمر التنازل عن حقوق العراق وشعبه وثرواته ومستقبل أجياله لصالح أميركا وحلفائها؟