الحلبوسي يهاجم أطرافا سياسية بشكل مباشر.. هل يسعى لضرب تحالف "محتمل" بين السوداني والبارتي؟
انفوبلس/ تقرير
ظهر خلال الساعات والأيام الماضية، تصعيد "خطير" يقوده رئيس مجلس النواب المبعد محمد الحلبوسي ضد قوى سياسية كردية ورئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، بعد أن كانت العلاقة بين الأطراف المذكورة تُوصف بالوثيقة، الأمر الذي خلّف جدلاً واسعاً داخل الأوساط السياسية حول الغاية والهدف من وراء ذلك التصعيد. فماذا قال الحلبوسي؟ وما هي ردود الفعل؟
كان القضاء العراقي قد أنهى ولاية الحلبوسي الثانية -التي لم تدم سوى أشهر قليلة- من رئاسة البرلمان في تشرين الثاني الماضي، على خلفية اتهامه بالتزوير. وبقي المنصب -الذي هو من استحقاق المكون السني- شاغراً منذ ذلك الحين، نتيجة عدم توافق القوى السنية حول مَن يشغل المنصب.
*مدافع البشمركة الأميركية تثير أزمة في العراق
كان وزير شؤون البشمركة شورش إسماعيل قد أعلن في السادس من أغسطس/آب الماضي أن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) زوّدت قواته بـ24 مدفعا من النوع الثقيل "هاوتزر" (عيار 105 من طراز "إم 119")، يصل مداها إلى 30 و40 كيلومترا.
ورغم أن تلك المدافع وصلت إلى الإقليم منذ قرابة الشهر، فإن جدلا واسعا يشهده العراق خلال اليومين الأخيرين بسبب تدوينة بشأنها عبر منصة "إكس" لرئيس حزب "تقدم" ورئيس البرلمان المُقال محمد الحلبوسي انتقد فيها تسليم المدافع لتلك القوات.
الحلبوسي قال في تغريدة نشرها على موقع "إكس" (تويتر سابقاً): "نرفض رفضاً قاطعاً تسليح قوات محلية واجبها الدستوري يقتصر على حفظ الأمن الداخلي ضمن حدود مسؤوليتها (بمدفعية ثقيلة متطورة)".
وأضاف، إن "هذا الإجراء المرفوض قد يكون سبباً في ضرب الأمن المجتمعي الوطني بشكل عام، وفي محافظتي نينوى وكركوك على وجه الخصوص، إذا ما تم الإساءة باستخدام تلك الأسلحة -لا سمح الله- في نزاعات عرقية أو حزبية مستقبلاً"، مبينا أن "هذا النوع من الأسلحة يجب أن يكون حكراً بيد الجيش العراقي فقط، الذي ندعو باستمرار إلى تعزيز قدراته وإمكانياته".
*ردود الفعل
تصريح رئيس البرلمان المقال، بشأن تزويد الولايات المتحدة قوات البيشمركة الكردية بمدافع متطورة، أثار جدلا واسعا بين الاوساط السياسية. فبينما حذر سياسيون من خطورة استخدام هذه الأسلحة في المناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل، إلى جانب إمكانية أن يمثل ذلك دعوة لانفصال الإقليم، رفض الحزب الديمقراطي وحلفاؤه تلك التصريحات، موجهين انتقادا لاذعا للحلبوسي حيث اتهموه بـ"الحنين إلى الدكتاتورية".
وقالت رئيسة كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني في مجلس النواب العراقي، فيان صبري، إن رئيس حزب تقدم محمد الحلبوسي يمر بأزمة، مشيرةً في الوقت نفسه إلى أنه يُدلي بتصريحات ضد البيشمركة لتحقيق مكاسب سياسية.
وقالت فيان صبري، إن "الحلبوسي وأمثاله لم تعد لديهم أي أوراق، إلى جانب فشلهم على الصعيد السياسي"، لافتة الى أن "الحلبوسي يمر بأزمة، وتصريحاته تكشف عن قلة خبرته السياسية ويسعى لتحقيق مكاسب من خلال تصريحاته ضد قوات البيشمركة"، مبينة أن "البيشمركة هي من دافعت عن سيادة الأراضي العراقية".
وأشارت رئيسة كتلة الديمقراطي الكردستاني في البرلمان العراقي، إلى أنه "في أوقات انقسام البيت السني، كانوا دائماً يلجأون إلى الرئيس بارزاني لحل خلافاتهم، ولولا دوره في انتخابات البرلمان عام 2021، لاندلعت حرب كبيرة".
كما هاجم ماجد شنكالي النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، الحلبوسي عبر منصة إكس، وقال إنه "تجاوز الحدود وأراد أن يلعب لوحده دون الأخذ بتعليمات الطرف الإقليمي الداعم والراعي للنظام السياسي القائم، فتم طرده وحرمانه من اللعب لمدة غير محدودة".
بينما المحلل سياسي آرام رسول قال، إن مسألة توفير أسلحة حديثة لقوات البيشمركة الكردستانية قديمة وليست جديدة، حيث أوضحت وزارة الدفاع العراقية في بيان لها أن توفير تلك الاسلحة يعود الى عقد مضى عليه عدة سنوات عندما كان الحلبوسي نفسه رئيسا للبرلمان، لكنه يتزلف للقادة الذين أزاحوه من منصبه بهذه التصريحات.
وأضاف آرام رسول، "لو كان الحلبوسي سياسيا قويا وخبيرا في السياسة لعلم أن هذه العملية قديمة ومضت عليها سنوات، وإثارة هذه القضية الآن من قبله تثير الشكوك حوله، لأني أعتقد أن تصريحاته كانت لتحقيق مكاسب سياسية وشخصية أيضا، فشخصيته ضعيفة وحزبه ايضا، لذلك يحاول تحريك الشارع العراقي بهذه التصريحات ليتقرب للجهات التي أزاحته من منصبه".
وأشار رسول إلى "أننا في البداية اعتقدنا أنه سيكون قياديا سنيا واعدا بأفكار حديثة، لكنه تبين العكس، ولو أنه قرأ التأريخ او حتى الدستور العراقي، لعلم أن قوات البيشمركة الكردستانية قوة نظامية دستورية، ولكن اتضح للجميع أن شخصية الحلبوسي كشخصية ممثل على المسرح ويرتكب الكثير من الأخطاء".
من جهته، أكد السياسي المستقل مهند الراوي أن هجوم الحلبوسي الأخير على إقليم كردستان له أهداف سياسية وليس وطنية كما يدعي، وهو يريد إعادة نفسه للمشهد السياسي بعدما تم نسيانه خلال الفترة الماضية"، موضحا أن "الحلبوسي سيسعى خلال المرحلة القادمة إلى مهاجمة أطراف سياسية مختلفة حتى يعيد إنتاج نفسه للمشهد لكن نعتقد أن ذلك سيضره سياسيا وحتى شعبيا فأهل الانبار لا يمكن أن ينسوا كيف فتح الإقليم لهم الأبواب خلال فترة النزوح".
يذكر أن المدافع المشار إليها من نوع "هاوتزر" أميركية الصنع عيار 105 ملم من طراز "إم 119"، يصل مداها إلى 30 - 40 كيلومترا.
*الجانب القانوني
من ناحيته، أوضح الخبير القانوني علي التميمي الرؤية القانونية والدستورية لإمكانية منح أسلحة ثقيلة لقوات البشمركة. وقال إن النظام السياسي في العراق فدرالي وليس كونفدراليا، مما يعني أن الحكومة المركزية لها الصلاحية الواسعة في العلاقات الخارجية والتمثيل والتصرف بالنفط والاستيراد والتصدير بحسب ما نصت عليه المواد (109) و(110) و(111) من الدستور. وبيّن أن المادة (121) تتحدث عن سلطات الأقاليم ضمن الجوانب التشريعية والتنفيذية والقضائية وتنظيم قوى الأمن الداخلي.
وبشأن استيراد الأسلحة وفقا للقوانين الدولية، أوضح أن الدول لا تتعامل في هذه الجزئية إلا مع الدولة بشكل كامل حصرا وليس مع أجزاء منها، لافتا إلى أن المادة (121) تحدثت أيضا عن تخصيص أسلحة للأقاليم من الحكومة المركزية وفق ما تقتضيه المصلحة والحاجة.
وحسب التميمي، فإن تسليح البشمركة ممكن وفقا للقانون والدستور، شرط تقدير الحكومة المركزية حجم ونوعية الحاجة، مستدركا أنه فيما يتعلق بطبيعة الأسلحة ثقيلة أم خفيفة، فمجلس الوزراء الاتحادي هو المعني بتقدير هذا الأمر وفق ظروف الحرب أو السلم استنادا للمواد (78) و(80) و(81) من الدستور.
وبحسب الخبير الأمني علاء النشوع، فإن مدافع "هاوتزر" هي دفاعية وليست هجومية. وقال النشوع: "إن القانون العسكري في الجيش العراقي يتمثل بثلاثة صنوف، وهي القتالية، الدفاعية، والإدارية"، مشيراً إلى أن "الصنوف القتالية تشمل الدرع والمشاة والقوات الخاصة، إضافة إلى القوة الجوية. أما الصنوف الدفاعية فتشمل الدفاع الجوي والمدفعية الميدانية والهندسة العسكرية".
*اتهامات خطيرة للسوداني
في انتقادات نادرة تأتي من "أعلى كواليس السياسة" في العراق، تحدث رئيس البرلمان المبعد ورئيس حزب تقدم محمد الحلبوسي، عن اعتراضاته الأساسية حول رئيس الوزراء محمد السوداني، قائلاً إنه تدخل كثيراً في انتخاب رئيس جديد للبرلمان، وإنه لم يتحدث معه منذ شهور، كما اعترض على تعيين أفراد من عشيرة رئيس الحكومة في المفاصل الأمنية المهمة، وفكرة الموازنة الثلاثية والمجسرات التي تشغل بغداد وتعادل في كلفتها المالية "ميزانية كل المحافظات".
حيث قال الحلبوسي في لقاء متلفز، إن تدخل رئيس الوزراء في ملف انتخاب رئيس البرلمان كان صارخاً، ومستشاروه كانوا في جلسة البرلمان ويثقفون علناً للمرشح "س"، فدخولهم على الاستحقاق السني غير صحيح، لقد أقحم نفسه مباشرة رغبة منه بإيجاد رئيس برلمان أكثر انسجاماً مع توجهاته السياسية.
وأضاف، إذا كان تدخل السوداني مدفوعاً بمخاوف وجود رئيس برلمان "خصم"، فلن نأتي برئيس مجلس نواب يكون خصماً للحكومة، لكن تدخلاته في هذا الملف تأتي لترتيب المرحلة المقبلة، فهو يريد أن تكون رئاسات السلطات بحسب رغبته.
وذكر، الموازنة الثلاثية لا يمكن مقارنتها بحجم الإنجازات التي تتحدث عنها الحكومة، فما هو موجود لا يضاهي حجم الموازنات الكبير جداً، فكل المجسرات التي تم تنفيذها بقيمة 2 تريليون و400 مليون دينار، وهذا أعلى من موازنات كل المحافظات مجتمعةً.
وتابع، هناك شبه إيقاف للعمل في كل المحافظات، مقابل إنجاز 18 مجسراً، فهذه المحافظات بحاجة إلى الإعمار أيضا، مع أننا ندعم إعمار بغداد، فضلاً عن أن موازنات المحافظات تُسهم في حركة السوق والعمل الاقتصادي، موضحا، أفراد عشيرة السوداني وصلوا الى مواقع متقدمة في المفاصل الأمنية.
كما زعم أن المحكمة الاتحادية أصبحت طرفاً سياسياً منذ فترة طويلة، حيث تنسجم مع آراء بعض الأطراف السياسية دون غيرها، وأصدرت الكثير من القرارات غير الدستورية والمخالفة لنظامها الداخلي أيضاً، ونظرت في الكثير من القضايا خارج اختصاصاتها، وأحياناً تأخذ دور المشرّع، وهذه كارثة.
وتعليقا على ذلك، قال المهتم بالشأن السياسي أزهر شلال، في تدوينة تابعتها "انفوبلس"، إنه بعد لقاء الحلبوسي على قناة الشرقية ومهاجمته رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، الخزعلي بعد دقائق من اللقاء يلتقي رئيس الوزراء ويلقي حجته ودعمه إلى السيد (السوداني) ليترك الحلبوسي وحيدا يلاقي مصيره القادم. هل تتوقع سوف يُعتقل الحلبوسي او يهرب من العراق؟ او يذهب يختبئ في السليمانية الملاذ الآمن الوحيد حاليا!؟.
مع ذلك، تبدو مهاجمة الحلبوسي لتسليح البيشمركة، ولرئيس الوزراء، "مسألة لا تخلو من البعد السياسي"، فالحلبوسي لم ينسَ موقف الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي تخلى عنه في الصراع على منصب رئاسة البرلمان، ولم يساهم في تمرير مرشحه للرئاسة شعلان الكريم، منتصف يناير (كانون الثاني) الماضي، وكذلك الحال مع "تدخل رئيس الوزراء الحاسم في إحباط جلسة انتخاب مرشحه الكريم".
ويفسر سياسيون من قوى مختلفة، انتقادات الحلبوسي للسوداني على أنها "جزء من سعيه لضرب تحالف محتمل بين السوداني والحزب الديمقراطي الكردستاني، استعداداً للانتخابات العامة عام 2025".