الشعبة الخامسة.. رحلة بين الوحشية والترفيه.. بناها صدام لتعذيب العراقيين وأُعدم فيها بنهاية المطاف.. قرار حكومي يُجابَه برفض شعبي
انفوبلس..
قرر مجلس الوزراء، أمس الثلاثاء، تحويل "معقل الاستخبارات العسكرية في زمن البعث المجرم" في العاصمة بغداد إلى مناطق ترفيهية، ليفتح هذا القرار ملف عقود من الانتهاكات الإجرامية البعثية بحق العراقيين ويقابل برفض سياسي وشعبي ومطالبات بتحويله إلى متحف شاهد على الإجرام الصدامي.
والشعبة الخامسة، أو معسكر العدالة هي مديرية الاستخبارات العسكرية، في زمن النظام البعثي السابق بقيادة المقبور صدام حسين والتي كانت واحدة من أبرز مراكز الاعتقال والتعذيب لكل من يخالف السياسات البعثية وخصوصاً المواطنين الشيعة حيث شهدت أبشع الجرائم والمجازر الطائفية بحق أبناء هذا المذهب ورموزه لا لشيء سوى لرفضهم الطغيان الصدامي بحكم العراق وشعبه.
وفي عام 2006 شهدت الشعبة الخامسة إعدام المقبور صدام حسين، في مفارقة بقيت عالقة بأذهان العراقيين حتر يومنا هذا، حيث جرى إعدامه في أكثر أماكنه المفضلة لمارسة بطشه بحق أبناء الشعب العراقي، وكذلك شهدت في عام 2007 إعدام رئيس جهاز المخابرات بالعهد البعثي برزان التكريتي الأخ غير الشقيق لصدام حسين.
قرار المجلس
وذكر بيان مقتضب لمكتب رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني أنه "استناداً لتوجيهات رئيس الوزراء الصادرة في شباط 2023، أقر مجلس الوزراء المضيّ بإجراءات إخلاء وفتح المنطقة العسكرية (ما تعرف بالشعبة الخامسة) في مدينة الكاظمية المقدسة، وتحويل أرضها لمرافق ترفيهية وتعليمية وثقافية وطبية وخدمات للزائرين، وفق رؤية معمارية متكاملة".
وكان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وافق يوم السبت، 11 / 3 / 2023، على نقل المقرات الحكومية من مدينة الكاظمية شمالي بغداد.
وبحسب وثائق صادرة من مكتب رئيس الوزراء موجهة إلى مكاتب الوزراء وأمانة بغداد والمحافظين بتاريخ 22 شباط/ فبراير 2023، وافق السوداني على نقل مقرات الدوائر الحكومية إلى خارج الطوق الأمني لمدينة الكاظمية، وإجراء جرد الاراضي غير المستغلة داخل المدينة أنفاً وبيان عائديتها لإمكانية تخصيصها لأمانة بغداد لأغراض النفع العام وفق القانون، وإيلاء المدينة آنفاً الاهتمام المناسب في برامج الوزارات كافة ورصد التخصيصات والامكانيات اللازمة".
كما وجّه السوداني بنقل سجون العدالة 1 و 2 والقصوى (الشعبة الخامسة سابقاً) إلى خارج مدينة الكاظمية".
ردود فعل وشواهد تاريخية
وتعقيباً على القرار، كتب القيادي بتحالف دولة القانون، خلف عبد الصمد منشورا على صفحته بمنصة "أكس"، قال فيه: قرار مجلس الوزراء بتحويل أراضي الشعبة الخامسة سيئة الصيت الى مناطق ترفيهية هو محو للسجل الزمني المليء ببطولات المعتقلين في هذا المكان.
وأضاف: كان الاولى بالحكومة تحويل هذه الارض او جزء منها الى متاحف تروي قصصا لا تنتهي من ألوان العذابات والويلات تحت سياط وأدوات تعذيب الجلادين لتبقى شاهدة للأجيال على إجرام زمرة البعث وبطشهم.
وتابع: "لكي لا ننسى" هو الشعار الذي ينبغي أن يُرفع للأجيال على أطلال الشعبة الخامسة لا أن يتم جهلاً إخفاء معالم الجريمة وطمسها.
إلى ذلك كتب المدون أحمد العباسي مخاطبا الحكومة العراقية: "الشعبة الخامسة فيها ذكريات الأبطال الذين قدموا أرواحهم الطاهرة حتى تأتون انتم تحكمون العراق بفضل هذه الأرواح، اليوم أصبح العراق خالي من البطش الصدامي خالي من الفرق الحزبية خالي من الرفاق الانجاس فعليه الأصح أن يكون القرار بدل أن يكون مكان ترفيه أن يكون مكان لمتحف تعرض فيه جميع صور وأسماء الشهداء ومنهم الذين لم نستلم جثثهم بسبب تذويبها بالتيزاب، متحف يكون فيه ذكرى أليمة تتذكرها الأجيال القادمة حتى لا يغرهم إعلام بنو أمية ويخفي الحقيقة، أعتقد بصمة صالحة تكون لكم إذا تحول إلى متحف يوضح للعالم كل جرائم البعث ونذكر جرائم صدام المقبور بحق الشيعة أي نعم بحق الشيعة طبعا من رخصة الجهات المستفيدة من هذا المشروع الاستثماري الذي شغل بال الكثير عندما طرح الأمر للإعلام...؟".
وعلّق مدوّن آخر: الشعبة الخامسة وما ادراك ما هي، هنا كانت تفرم اجساد الشباب الغيور وتطعم لحومهم للاسماك في دجلة هنا مورس اعتى ظلم عرفته البشرية، هنا احواض التيزاب، هنا الوحوش التي نزعت الرحمة من قلوبهم، وهنا صمود احرار العراق، هنا التحدي الاسطوري الذي قاومت فيه العين المخرز رضوان الله على شهدائنا.
الكاتب أياد الإمارة، كتب رسالة موجهة إلى رئيس الوزراء، مذكراً إياه بواقع الشعبة الخامسة ومطالبا الحكومة بالعدول عن قرارها، وقال فيها: إلى السيد السوداني المُحترم مع التحية، ليس للشعبة الخامسة أن تتحول إلى متنزه، إلى زهرة فواحة، وشجرة يانعة يستظل العشاق تحت أفيائها ويعزف الموسيقيون بينها ألحانهم العذبة، القصة في الشعبة الخامسة مُختلفة جداً، كُن مُنجزاً.. هذا ما نتمناه ونرجوه منك.
وأضاف: بغداد مترامية الأطراف وفيها من المساحات التي يمكن أن تكون معابر رومانسية جميلة جداً كجمال أمانيك “الواسعة والعريضة”، أما الشعبة الخامسة فهي أهم جزء في تاريخ العراق، هنا كانت تُكتبُ قصص البطولة والإباء والشجاعة بدماء خيرة أبناء العراق، هنا قطعوا أوصال الشهيد السعيد أحمد الصافي ليعترف على اخوته ولم يعترف وهو الذي تتكسر على شفتيه كلمات الشباب التي لم تنضج بعد، هنا في الشعبة الخامسة مزقوا جسد الشهيد ابو حسين الخفاجي، هنا إنتهكت أعراض العفة والشرف، هنا كانت تراق القيم على محاريب العقيدة، في الشعبة الخامسة ترى العراق بكل أوجاعه، بثواكله، بأيتامه، بأرامله، بكل أب أبيضت عيناه من الحزن فهو كظيم، هنا في الشعبة الخامسة مزق الجور والبغي آمال الناس بلا شفقة أو رحمة.
وتابع: ماذا نحدث الناس عن الشعبة الخامسة؟، عن الطبيب ربيعة الذي كان في ربيع العمر؟، عن المهندس إحسان الذي تناثر جسد رضيعه على حائط جدران هذه الشبعة ومات كمداً؟، لم يتحمل إحسان أن يرى طفله الذي وُلد وهو في السجن، لم يره، وضعوه بين يديه رضيعاً ليتبادلا أول نظرة وآخرها ثم سحبوا منه رضيعه وضربوا به الجدار فتناثر جسده الصغير وتبعه والده المثكول كمدا، هذه الشعبة الخامسة فيها من قصص العراق ما لا يُحتمل، فيها من شقاء العراق ما لا يُحتمل، هنا في الشعبة الخامسة كل شيء وليس للورد أو الشجر ومساحات الحشائش أن تلغي التاريخ الذي يجب أن يبقى منقوشاً في ذاكرة العراقيين.
وأكد الإمارة: ليس للعراقيين أن يغنوا فوق هذه الأرض، ليس لهم أن يستمتعوا بالوقت الجميل هنا بين صرخات أمير الطفل الصغير وبين صوت نسرين الشابة الحامل في شهرها الأخير وهم يسحبونها من رجليها أمام زوجها، هنا لا مجال للضحك والمرح، هنا صوت كل عراقي، هنا وجع كل عراقي، هنا سالت دماء العراق، هنا الكثير الكثير من مشاهد كربلاء المقدسة.
وأضاف مخاطبا السوداني: اعدل عن رأيك دولة الرئيس وأترك الشعبة الخامسة لتكون سفر هذا البلد الموجع، لا تأخذ بك الرومانسية إلى المساحة التي تُضيع تاريخ أهلك الناصع، لستُ ضد إنجازك صدقني أنا أفرح به وأي فرح وأُشيد به وأي إشادة، لكن لا أقبل لك ومنك أن تزيح تاريخنا بوهم المتنزهات، ليس لك أن تمحو تاريخاً سجلته السماء بحروف من نور تتأرجح فوق هناك تحت أظلة العرش، ليس لك أن تُبدل قصة أمير وما فيها من اللوعة والأسى بوردة قد تذبل سريعاً، ايها الرئيس إعدل عن رأيك وخذ من بغداد ما تشاء وأزرعه ورداً وشجرا، لك ذلك، وليس الشعبة الخامسة لا ينبغي بك أن تفعل هذا.
صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي تداولت مقالا مطالبا الحكومة بالتراجع عن قرارها، جاء فيه: الشعبة الخامسة، الصدّامية، اسمٌ لطالما أثار الرعب في قلوب العراقيين، إنه رمزٌ للقمع والظلم، و مأوى للتعذيب والقتل.
كانت هذه الشعبة بمثابة جحيمٍ على الأرض، حيث اختفى فيها آلاف الشباب العراقيين من مختلف الطوائف، دون محاكمات، دون رحمة.
وأضافت: كان الشيعة، هم أكثر من عانى من وحشية النظام السابق، ونالوا النصيب الأكبر من القتل والتعذيب والاغتيال، لكن اليوم، وبعد زوال نظام صدام حسين، تضربنا المفارقة الصادمة حيث الأحزاب الإسلامية الشيعية نفسها هي من تسعى إلى إزالة هذا المكان الذي سجله التاريخ بحروف سوداء، فأين احترامكم للضحايا؟، وأين احترامكم لتاريخكم؟.
وتابعت: تُشاهدون الدول المجاورة والعالم أجمع كيف يحافظون على رموزهم، إيران التي بجانبكم، تعرفون جيدا كيف حولت قصور الشاه، والسافاك، الى متاحف، وأدوات التعذيب الى قطع أثرية، انهم يُخلدون ذاكرة ضحاياهم، بينما أنتم تسعون إلى مسح تاريخ القتل، وتبييض صفحة النظام السابق، هل تحويله إلى متنزه أو مشروع استثماري يشفى غليلكم؟، هل المال الذي ستجنونه من هذه المشاريع أغلى من تاريخ شهدائكم؟ و من تاريخكم "الجهادي".
وأكدت إن الشعبة الخامسة ليست مجرد مبنى، إنها جرحٌ غائرٌ في جسد العراق، حافظوا على المكان، واجعلوه متحفًا للذاكرة.. تذكّروا فيه ضحايا النظام السابق، وادعوا لهم بالرحمة، وحدثوا الأجيال القادمة عن وحشية ذلك النظام، حتى لا يتكرر التاريخ، لا تُسكتوا صرخة الضحايا، لا تمسحوا تاريخكم، لا تخونوا مبادئكم ووطنكم.