الشيوعي العراقي يحيي ذكرى ميلاده التسعين.. هذه مواقف الحزب الخاضعة لسياسات المعسكر الاشتراكي طوال قرن
بحضور صيني وفلسطيني
الشيوعي العراقي يحيي ذكرى ميلاده التسعين.. هذه مواقف الحزب الخاضعة لسياسات المعسكر الاشتراكي طوال قرن
انفوبلس/..
بحضور صيني وآخر فلسطيني، أحيا الحزب الشيوعي العراقي ذكرى ميلاده التسعين في العاصمة بغداد، وفي هذه المناسبة تستعرض شبكة انفوبلس تاريخ مواقف الحزب الخاضعة لسياسات المعسكر الاشتراكي طوال قرن من الزمن.
*التفاصيل
احتفل الحزب الشيوعي العراقي، مساء أمس السبت، بالذكرى التسعين لتأسيسه وسط حضور حاشد لأعضاء الحزب وجماهيره، مستذكرين بحسب ما يقول إعلامهم "التاريخ النضالي طيلة السنوات السابقة".
وقبل 90 عاماً أعلن قادةُ الحزب الأوائل، أن حزبَ العمالِ والفلاحين وشغيلةِ اليدِ والفكر قد أبصرَ النور، رافعاً شعار "وطن حر وشعب سعيد"، وفي مسيرة هذه السنوات، قدّمَ الآلاف من مناضليه "شهداء، وهم ينشدونَ إلى الأملِ والحرية والهدف الأسمى تحقيق الاشتراكية".
الاحتفال بدأ مساء السبت على قاعة صلاح الدين في فندق فلسطين بالعاصمة بغداد، وحضرته شخصيات رسمية ودبلوماسية وشخصيات وطنية ديمقراطية وثقافية.
وألقى سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي رائد فهمي كلمة في الحفل أكد فيها أن الحزب ما زال ضد التخندقات الطائفية والعِرقية. جاءت بعد ذلك كلمة ممثل السفير الفلسطيني جهاد القدرة، وأعقبتها كلمة نائب السفير الصيني لدى العراق شيوي هايفنغ، ومن ثم كلمة تحالف قوى التغيير الديمقراطي ألقاها علي الرفيعي، وبعدها كلمة اتحاد الأدباء ألقاها أمين الاتحاد عمر السراي.
إلى ذلك، قدم الشاعر موفق محمد قصائد وطنية بمناسبة ذكرى تأسيس الحزب الشيوعي العراقي، ثم اعتلت الفنانة بيدر المسرح وقدمت الأغاني التراثية التي أطربت وأسعدت الحضور.
*النشأة والولادة
في 31مارس/ آذار 1934، تؤشر لبداية حقبة أيديولوجية جديدة في العراق وبعض البلدان العربية، تمثلت في بزوغ الأحزاب اليسارية مع صعود الطبقة الوسطى تحديدا، وفق الباحث الأكاديمي عبد الستار جبر.
وأضاف جبر، "أن تبلور الوعي المعاصر وفق مقولات التمكين الاقتصادي والحرية والعدالة الاجتماعية فتحت الباب على مصراعيه لطبقة الفلاحين والعمال في التعبير عن طموحاتها وتطلعاتها، فوجد الحزب فيها بيئة خصبة للاستثمار الفكري والأيديولوجي".
كما أن الشعارات التي نادى بها الحزب وحملها لامست تطلعات مريديه، واستقطبت الكثير منهم، ولعل الدور الأبرز في كسب الأعضاء وتدعيم الصفوف يعود للعرّاب يوسف سلمان يوسف الذي عُرف باسمه الحركي (فهد)، واختير سكرتيرا عاما للحزب عام1941.
انشقاقات فكرية
الحركة التحررية التي قادها الضباط الأحرار بزعامة رشيد عالي الكيلاني عام 1941 التي كانت موالية لدول المحور أحرجت الشيوعيين، وولّدت الانقسام بينهم، وفق المؤرخ علي النشمي، كون الاتحاد السوفياتي كان مع الحلفاء، وأن الشعور القومي لدى بعض الشيوعيين وضعهم في موقف المواجهة مع الإنجليز حينذاك.
وأوضح النشمي، "أن عددا من الانقسامات أصابت الحزب بالتشظّي إزاء العديد من القضايا، ومنها ما يتعلق بتقسيم فلسطين والموقف من تفشي الصهيونية، لكن الانقسام الأكبر حصل بعد إعدام فهد عام 1949، لكن حسين الرضوي المعروف "بسلام عادل" تمكن من توحيد صفوف الحزب من جديد بعد مسيرة طويلة من الانشقاقات عام 1956″.
ويرى المؤرخ النشمي "أن الحزب الشيوعي ظهر كخير سند للثورة إبّان وما بعد الإطاحة بالنظام الملكي في 14 يوليو/ تموز 1958، لكن الإفراط في الطموحات لأجل تسلم السلطة أجّج الصراع مع رئيس الوزراء آنذاك عبد الكريم قاسم".
حيث أرسل الشيوعيون رسالة إلى الاتحاد السوفياتي تفيد بأن كوادره قادرة على تسلم السلطة في العراق، فأجابهم حزب خروتشوف "بألّا تُؤلِّبوا علينا العالم ونحن منشغلون ببناء الوطن الاشتراكي، فتسلُّم السلطة في العراق قد يفتح علينا نار الرأسمالية".
*تجربته مع البعث
لعل التقاطع في الأفكار والممارسات بين حزب البعث والشيوعيين كان عاملا رئيسا في تصفيته وملاحقة أفراده عقب الإطاحة بحكومة قاسم عام 1963، وكانت المواجهة على أشدّها وقضى الكثير منهم تحت التعذيب، ومنهم سكرتير الحزب سلام عادل.
وبعد انقلاب 1968، لم يتمكن الحزب الشيوعي من العمل علناً بسبب مطاردة قادته، بحسب المؤرخ أزهر العبيدي.
وأكد العبيدي، "أن دعوة وُجِّهت لأحد أجنحة الحزب للعمل مع الجبهة الديمقراطية الشعبية التي شكلها حزب البعث من الأحزاب كافة وقتذاك، لكن الخلافات سرعان ما دبَّت بين الأطراف المختلفة، وكشفت هوية عدد من أعضائه الذين طوردوا وقُتل بعضهم فيما بعد، فأصبح الحزب محظورا حتى الغزو الأميركي للعراق عام 2003".
*ما بعد 2003
ويقول سكرتير الحزب الشيوعي رائد فهمي إن الحزب استطاع البقاء في بيئة غير صديقة، وكان دائما من حملة الفكر والهم الوطني، لذا تمكن من استقطاب أشخاص غير شيوعيين.
وقال فهمي، إن "الشيوعيين هم الذين أوقدوا فتيل الحراك الاحتجاجي في العراق عام 2015 الذي دعا للإصلاح ومحاربة الفساد، قبل الصدريين بأشهر، مشيرا إلى أن التحالف مع ائتلاف "سائرون" بزعامة الزعيم الشيعي مقتدى الصدر لم يصادر الفكر الشيوعي بل تعامل معه كما هو".
ويرى الباحث في الشأن السياسي حمزة مصطفى أن الحزب الشيوعي اليساري ذا التاريخ الطويل باعتباره حزبا شموليا يحمل النظرية الماركسية لم يحقق تمثيلا برلمانيا بعد 2003، بينما الأحزاب الإسلامية التي تحاكي مشاعر البسطاء وتتناغم مع حواضنها المذهبية والعِرقية تسيّدت المشهد السياسي في الحكومات المتعاقبة، وفق قوله.
وأشار مصطفى إلى "أن تحالف الشيوعيين مع "سائرون" يُحسب له كونه خرج عن طور التفكير الأصولي، ويُحسب عليه كون مبادئه قد لا تجد مشتركات كثيرة مع تيار إسلامي كالتيار الصدري".
*مقولة وبرهان
من جانبه، يقول الكاتب العراقي فاروق يوسف، إنه "إذا أمطرت السماء في موسكو يفتح الشيوعيون في الناصرية المظلات". تلك مقولة جرى تداولها للبرهنة على أن الشيوعيين العراقيين كانوا موالين للستالينية أكثر من الروس أنفسهم. أما حين انقلب خروتشوف على ستالين فإنهم غيّروا موقفهم ولم يكونوا في حاجة إلى مراجعة مواقفهم السابقة".
ويضيف، "ما يجب أن نعرفه أن الشيوعية في العراق مرض وراثي. هناك عوائل قُدّر لها أن تكون شيوعية. هذه العوائل تنتمي إلى قبيلة اسمها "الحزب الشيوعي العراقي". قبيلة تصنف العراقيين حسب انتماءاتهم الحزبية".
وتابع، "الحياة بالنسبة إلى الشيوعيين العراقيين لا يمكن أن تكون حقيقية من غير الانتماء إلى حزب ما. لذلك فإنهم ينظرون إلى أيّ شخص غير شيوعي على أساس كونه عدوا. إذا كنتَ مستقلا فأنت مجرد قناع يُخفي تحته رجل أمن أو بعثيا".
وأردف يوسف، بالقول "غير أن تلك العصبية القبلية لا تعني أن العقيدة الشيوعية قد تغلغلت في النفوس باعتبارها فكرا نهضويا حديثا. ذلك لأن الشيوعيين العراقيين حرصوا على طاعة قيادتهم كما لو أنهم أدوات مسيّرة لا تحتكم إلى العقل فيما تتلقاه من أوامر وما يخالط سلوكها من أخطاء، شكلت بتراكمها خروجا على الثوابت الفكرية الشيوعية".
وبحسب الكاتب، فإنه يقول: "أتذكر أن أحد مفكريهم نفى أن تكون لمقولة ماركس "الدين أفيون الشعوب" علاقة بالموقف السلبي من الدين. وهم حين تناسوا فتوى محسن الحكيم "الشيوعية كفر وإلحاد" فما ذلك إلا لأنهم صاروا في حاجة إلى الانضمام إلى محفل الذاهبين إلى العراق مع المحتل الأميركي".
ويكمل: "يومها ظهر الشيوعيون العراقيون باعتبارهم استثناء تاريخيا صارخا. ففي التاريخ الحديث شكل الشيوعيون رأس حربة في مقاومة الاحتلال والاستعمار بكل صنوفه في مختلف أنحاء العالم أما في العراق فإنهم باركوا الاحتلال من أجل أن يكون لهم مكان في ذيل قائمة المهرولين وراء المحتل".
واستدرك حديثه: "كانوا انتهازيين، وصوليين، نفعيين وهم يسعون إلى استدراك هزائمهم التي كان الجزء الأكبر منها تقع أسبابه على عاتقهم، كونهم اعتبروا أنفسهم أذكياء في الهروب من المواجهة".
ويقول أيضا: "إذا كانت الشيوعية في الأساس تقوم على مبدأ الصراع الطبقي فإن حزبها في العراق هو عبارة عن طبقات. فبالرغم من أنهم لم يستلموا السلطة لا لأن السلطة لم تكن في متناول أيديهم، بل لأنهم لا يملكون بداهة المبادرة الثورية كان شيوعيو القمة ينظرون باستخفاف إلى شيوعيي القاعدة بحيث تركوهم للأجهزة الأمنية تتسلى بهم وهربوا عام 1979 مستعينين بالاتحاد السوفييتي السابق".
ورأى، أنه "لم يكن الحزب الشيوعي موفقا على مستوى إثبات وطنيته. في كل مواقفه كان هناك شيء ما يشبه الخيانة إذا لم يكن الخيانة مجسدة. بدءا من الاعتراف بإسرائيل وانتهاء بخدمة المحتل الأميركي مرورا بالانضمام إلى التمرد الكردي وقتل الجنود العراقيين الذين لم يكونوا ممثلين لحزب البعث الذي اعتبره الشيوعيون عدوا بعد أن تحالفوا معه في جبهة كان شعارهم فيها “صدام حسين هو كاسترو العراق".
وأتم يوسف: "انتهت الحزبية الشيوعية في العالم. ذلك لا يعني أن الشيوعية فكرا ونظرية قد انتهت. لذلك فإن وجود حزب في العراق يحمل اسم الحزب الشيوعي ولا يمت إلى الشيوعية بصلة هو بمثابة إساءة إلى الفكر الشيوعي وهو ما ينبغي التراجع عنه. مزاح الشيوعيين العراقيين ثقيل ومعجزاتهم تضع الشيوعية في مكان رث من التاريخ الوطني".