النزاهة النيابية تُبلّغ هيئة النزاهة.. "سفيان".. اسم لمكتب شبحي يهيمن على شركة أدوية سامراء.. احتكار وفساد وخسائر مستمرة للدولة
انفوبلس..
كشفت عضو لجنة النزاهة النيابية في مجلس النواب، سروة عبد الواحد، تفاصيل عن مكتب "مشبوه" يحتكر التعامل مع شركة أدوية سامراء من التجهيز وحتى الطباعة؛ ما يسبب خسائر للدولة بسبب شركة مثيرة للجدل ويرد اسمها كثيراً عند الحديث عن ملفات الفساد في البلاد.
عبد الواحد، وبمنشور لها على صفحتها بمنصة "أكس"، قالت: "حينما تبرم الشركات عقود الشراكة مع مؤسسات الدولة فإن المؤسسة بالنتيجة ملزمة بتنفيذ العقد، لكن شركة أدوية سامراء لديها وجهة نظر أن تخسر الدولة من أجل (مكتب سفيان) حوت الشركة ومحتكر كل شيء من التجهيز إلى الطباعة، رغم أن شركة الأدوية متعاقدة مع شركة أخرى وهي بدورها مجهزة لكل المستلزمات، لكن المدير العام ومدير التجارية يحبون (مكتب سفيان) حتى يطبعلهم، وهذا إخبار رسمي لهيئة النزاهة، وسأرسل بشكل رسمي كل الوثائق لفتح التحقيق بهذه المسألة، كفاكم فساداً واحتكاراً للعمل داخل مؤسسات الدولة من أجل كومشناتكم".
وعند البحث عن مكتب سفيان والتقصي حوله، يتضح عدم وجود أي ذكر له سواء في أخبار الشركة أو تعاقداتها أو ملفاتها المنشورة، فضلاً عن عدم وجود أي مكتب مختص بالقطاع الصحي في العراق بهذا الاسم، الأمر الذي يرجح أنه واحداً من مئات المكاتب الذي يؤسسها أحد حيتان الفساد في مؤسسات الدولة لكي يستحوذ على عقود الشركة التي يعمل فيها أو يديرها.
النزاهة تشخّص بعض مواطن الضعف
وفي الثامن والعشرين من نيسان الماضي، دعت هيئة النزاهة الاتحاديَّة، إلى تفعيل الأمن الغذائي وإسناد شركات ومصانع الأدوية الحكوميَّة والخاصَّة، وتنمية توطين الدواء وتشجيع الاستثمار وتقديم التسهيلات اللازمة، مع التركيز على حصول الشركات المحليَّة على التراخيص من قبل الشركات الرصينة، كما سلطت الضوء على شكل العلاقة بين وزارة الصحة وشركات صناعة الأدوية.
وذكرت الهيئة، في بيان أنَّ "الفريق المُؤلَّف في دائرة الوقاية الذي قام بزياراتٍ إلى عددٍ من تشكيلات وزارتي الصحَّة والصناعة والمعادن ونقابة الصيادلة؛ للاطلاع على واقع حال شركات ومصانـع الأدوية في العراق، أوصى بدعم التــوجُّه للاستـثمــار في مجال الأدوية السرطانيَّة والفايروسيَّة، ومراعاة كفاءة المُستثمر والأعمال المُماثلة، فضلاً عن مغادرة الإنتاج الكميّ والتركيز على الإنتاج النوعيّ ذي الجدوى الاقتصاديَّـة الذي يحتاج إليه المرضى".
وأوضحت أنَّ "دائرة الوقاية اقترحت في تقريرٍ أرسلت نسخة منه إلى مكتب رئيس مجلس الوزراء، والأمانة العامة لمجلس الوزراء، ولجنتي "الصحَّة والاقتصاد والصناعة والتجارة" النيابيَّتين، إضافة إلى مكتبي وزيري الصحَّة والصناعة والمعادن، وهيئة المنافذ الحدوديَّة، ونقابة الصيادلة، زيادة رأس مال الشركة العامة لصناعة الأدوية والمُستلزمات الطبيَّة في سامراء؛ لتوفير الحد الأدنى من مُتطلّبات النهوض بنشاطاتها من خلال تفعيل وتطوير دور قسمي البحث والتطوير، والتوكيد النوعي لتطوير منتجاتها شكلاً ومضموناً".
وتناول التقرير، بحسب البيان، "أهميَّة إلزام وزارة الصحَّة والمُؤسَّسات الصحيَّة العامَّة بشراء احتياجاتها من الأدوية المُنتجة بالمصانع المحليَّة"، لافتاً إلى أنَّ "قيمة مبالغ تعاقدات الوزارة لشراء منتجات الشركة العامة لصناعة الأدوية في سامراء بلغت (14.979.571.000) دينار فقط، وإبرامها عقوداً مجحفة بحقّ الشركة نصَّت على إعادة المُستحضرات التي لم تتمكَّن من تسويقها مع اقتراب انتهاء تاريخ صلاحيَّتها، إضافة إلى تحديد أسعارٍ مُخفَّضةٍ للمواد المُتعاقد عليها".
ودعا التقرير، إلى "تعاقد الجهات الحكوميَّة مع الشركات الأم المُصنَّعة مُباشرةً من دون وسطاء، وقيام الوزارة بتحديد الشركات التي يتمُّ السماح لها بتصدير أدويتها للعراق، على أن يقتصر الاستيراد على الأدوية التي لا يتم إنتاجها محلياً".
وحثَّ التقرير، وزارة الصناعة والمعادن على "النهوض بواقع حال مصانع الأدوية، وتحديد المُوظَّفين الذين هم ضمن قوَّة العمل لكلّ مصنعٍ بما يتلاءم مع حاجة الخطوط الإنتاجيَّة"، مُبيّناً أنه "تمَّ تشخيص ترهُّل الملاك الوظيفيّ في الشركة العامة لصناعة الأدوية في سامراء الذي بلغ (5585) منتسباً؛ بعد دمج شركة أدوية نينوى معها، ورفدها بأعدادٍ كبيرةٍ من العاملين بصفة عقودٍ أو أجراء يوميّين خارج حاجة الشركة ورغبتها".
ولفت إلى أنَّ "الشركة تعاني عجزاً في ميزانيَّتها بلغ مقداره (43.452.130.000) دينار خلال العام 2023، فيما ترتَّبت بذمَّة شركة أدوية نينوى قبل الدمج ديون بلغت (14.554.685.474) ديناراً".
وأوصى بـ"تأليف لجنةٍ بخصوص عقود المشاركة المُتلكّئة الخاصَّة بمصانع الأدوية؛ للوقوف على أسباب التلكُّؤ وتحديد المُقصريَّة، وتقدير الأضرار واتخاذ الإجراءات القانونيَّة اللازمة بصددها، إضافة إلى تطوير الخطوط الإنتاجيَّة لتلك المصانع بما يتوافق مع مُواصفات التصنيع الجيّد"، مُشدّداً على "أهميَّة التنسيق مع وزارة الصحَّة لطرح مصنع بابل للمحاقن الطبيَّة كفرصةٍ استثماريَّةٍ؛ بالرغم من تخصيص مبلغ (3.500.000.000) دينار؛ لغرض إكمال نواقص الخط الإنتاجيّ الذي توقَّف مرَّةً ثانيةً؛ بسبب عدم وجود سوقٍ لتصريف المنتج؛ نظراً لكون كلفة إنتاج الحقن الطبيَّة تصل إلى ضعف سعر المُستوردة".
وأشار إلى "ضرورة منح الإعفاءات الجمركيَّة للمواد الخامّ الأوليَّة التي تحتاجها مصانع الأدوية العراقيَّة؛ لتحقيق المُنافسة وتفعيل العمل بتسعيرة الأدوية للسيطرة على الأسعار، مع اتخاذ الإجراءات الرادعة بحقّ الصيدليَّات والمذاخر والمكاتب العلميَّة التي لا تلتزم بوضع الأسعار على الأدوية، واستحداث خطوطٍ ساخنةٍ؛ للإبلاغ عن الجهات المُخالفة، وتحدَّث التقرير عن دور هيئة المنافذ الحدوديَّة في منع الأدوية غير الخاضعة للفحص، وعدم السماح بدخول الأدوية عن طريق منافذ إقليم كردستان كافة؛ إلا بعد خضوعها للفحص".
بعض مشكلات الشركة المعلنة
في التاسع من تشرين الثاني 2023، أعلنت هيئة النزاهة الاتحاديَّة، عن توقيف المدير العام الحالي للشركة العامة لصناعة الأدوية في سامراء؛ استناداً إلى أحكام المادة (331) من قانون العقوبات.
وأفاد بيان للنزاهة ان "دائرة التحقيقات في الهيئة، وبمعرض حديثها عن تفاصيل القضيَّة التي حققت فيها وأحالتها إلى القضاء، أشارت الى إصدار محكمة تحقيق الكرخ الثانية أمراً بتوقيف المدير العام الحالي للشركة العامَّة لصناعة الأدوية في سامراء".
وأضاف إنه "وبعد تسليم المتهم لنفسه وعرضه على قاضي التحقيق المختص، أمر الأخير بتوقيفه على ذمة التحقيق،" مبينا أن "المتهم أقدم على إعطاء موافقات؛ لإدخال مواد إلى مخازن الشركة دون طلبات شراء سابقة".
واضح البيان، أن "التحقيقات في القضيَّة قادت إلى أن الموافقات التي أعطاها المتهم كانت قبل تنظيم العقود وإصدار قرار الإحالة لهذه المواد، خلافاً للقانون والتعليمات المتبعة".
وفي الثاني من آب الماضي، أعلنت هيئة النزاهة الاتحادية، صدور أمر استقدام بحق مديري الشركة العامة لصناعة الأدوية والمستلزمات الطبية في سامراء "الحالي والسابق والأسبق".
وقالت دائرة التحقيقات بالهيئة، في بيان لها، إن مكتب تحقيق الهيئة في صلاح الدين ألف فريقاً؛ للتحري عن معلومات تتضمن أن أكثر من (30 (% من موظفي الشركة العامة لصناعة الأدوية والمستلزمات الطبية في سامراء البالغ عددهم (2000) موظف غير داخلين بنظام البصمة الإلكترونية "فضائيين"، ويكلفون ميزانية الشركة مبالغ عالية كرواتب.
وبينت الدائرة أن الفريق، بعد إجرائه التحري والتقصي عن المعلومات والتأكد من صحتها، انتقل إلى مقر الشركة وضبط أصل الأوامر الإدارية والمذكرات الخاصة بمنح الاستثناءات، إذ أظهرت تلك الوثائق وجود (416) موظفاً بعضهم غير داخلين بنظام البصمة وتصرف لهم مبالغ مالية كرواتب من الخزينة العامة للدولة، لافتة إلى عدم وجود ما يثبت انتظام والتزام دوامهم بتقديم الخدمة العامة، أما البعض الآخر فقد تم استثناؤهم من تسجيل الحضور والانصراف في نظام البصمة الإلكترونية خلافاً للضوابط والتعليمات.
ونوهت بتنظيم محضر أصولي بالعملية، وعرضه على قاضي محكمة تحقيق صلاح الدين المختص بالنظر في قضايا النزاهة، الذي قرر إصدار أمر استقدام بحق المدير العام الحالي للشركة والمديرين العامين السابق والأسبق الذين تناوبوا على إدارة الشركة خلال فترة تفعيل نظام البصمة الإلكترونية، فضلاً عن استقدام عدد من الموظفين المعنيين؛ وذلك استناداً إلى أحكام المادة (331) من قانون العقوبات.
وفي تموز الماضي، أكدت لجنة الصحة والبيئة النيابية، إن شركة أدوية سامراء تنتج 60 نوع أو أكثر بقليل فقط أي 20% من الإنتاج السابق فقط وعلى الحكومة إعادة الشركة الى سابق عدها.
وقال رئيس اللجنة ماجد شنكالي إن "شركة أدوية سامراء التي مضى على تأسيسها ما يقارب 58 عاما والتي كانت تنتج ما يقرب من 350 نوعا من الأدوية، تنتج الآن 60 نوعاً، أي 20% من الإنتاج السابق فقط، فضلا عن منح وكالة حصرية لإحدى الشركات الخاصة لشراء إنتاجها وتوزيعه بالشكل الذي مكن هذه الشركة من التحكم في إنتاج الشركة وتوزيعه بالكامل".
وأضاف شنكالي، إن "الشركة خلال الثلاث سنوات السابقة خاسرة حسب حساباتها الختامية، متسائلاً: لماذا الحكومة ووزارة الصناعة لم تحرك ساكناً لحد اللحظة لإيقاف هذه الخسارة المستمرة وإعادة الشركة الى سابق عهدها؟
وطالب رئيس اللجنة الصحية في البرلمان، لجنة الاقتصاد والصناعة والتجارة النيابية فتح ملف شركة أدوية سامراء بأسرع وقت واستضافة إدارة الشركة.
وفي مطلع نفس الشهر، تمكنت هيئة النزاهة الاتحاديَّـة، من ضبط أكثر من (10) أطنان من المواد الكيمياويَّـة أدخلت لمخازن الشركة العامة لصناعة الأدوية في سامراء بصورة مخالفة للقانون.
وذكرت دائرة التحقيقات في الهيئة بمعرض حديثها عن تفاصيل العمليَّـة، التي نفذت بموجب مذكرة قضائيَّـة، بأن "مكتب تحقيق الهيئة في صلاح الدين تمكن من ضبط عشرة أطنان و(١٠٥) كغم من مادة (بروبرلين كلا يكول / MEG) المجهزة بمبلغ قدره (78.000.000) ثمانية وسبعون مليون دينار تم إدخالها لمخازن الشركة العامة لصناعة الأدوية في سامراء بدون قرار إحالة أو عقد، فيما تم ضبط أصل معاملة التجهيز الشكليَّـة الخاصة بها".
وأضافت، أن "العمليَّـة أسفرت أيضاً عن ضبط (140.000) مائة وأربعين ألف متر من مادة (شريط PVC)، مع أصل معاملة التجهيز الشكليَّة وبمبلغ قدره (75.040.000) خمسة وسبعون مليوناً وأربعون ألف دينار، كما تم ضبط أصل (7) معاملات لتجهيز المواد الكيمياويَّـة المحالة على مكتبين أهليَّين".
ونوهت، بـ"تنظيم محضر ضبط أصولي، وعرضه بصحبة المبرزات أمام أنظار قاضي التحقيق المختص الذي قرر استقدام المدير العام الحالي للشركة العامة لصناعة الأدوية في سامراء، وكل من رئيس وأعضاء لجنة المشتريات فيها؛ استناداً الى أحكام المادة (331) من قانون العقوبات".
استيراد الأدوية
في مطلع شهر شباط من العام الماضي، كشف رئيس الوزراء محمد شياع السوداني عن إنفاق 3 مليارات دولار لاستيراد الأدوية سنويا، وتعهد بالنهوض بقطاع صناعة الأدوية من خلال إجراءات عديدة ستعمل عليها حكومته بما يضمن تطوير هذه الصناعة وتوطينها.
وبالحديث عن الاستيراد النَّهِم للأدوية في العراق، تبدو الصناعة الدوائية المحلية متواضعة، إذ إنه رغم وجود عدّة شركات مختصة بصناعة الأدوية، إلا أنها لا تلبّي الحاجة المحلية.
ويكشف نقيب الصيادلة مصطفى الهيتي عن وجود 24 مصنعا حكوميا وخاصا ومختلطا، مع 24 مصنعا آخر قيد الإنشاء، كلها موزعة في العديد من المحافظات، وتأتي بغداد في المقدمة، تليها مصانع سامراء ونينوى والبصرة، بالإضافة إلى إقليم كردستان، في الوقت الذي تخلو فيه محافظات الأنبار وديالى وكركوك والديوانية والعمارة والناصرية من أي مصانع.
وتنتج هذه المصانع نحو 1100 نوع من الدواء، لكن الهيتي يصف أكثرها بـ "النمطية" في ظل عدم وجود صناعة للأدوية المهمة والضرورية الخاصة بأمراض السرطان والهرمونات ومعوضات الدم والأنسولين والأمبولات والتحاميل وغيرها، التي تُعد من أكثر الأدوية التي يتم استيرادها من الخارج، بحسبه.
ويُقدّر الهيتي تكلفة شراء الأدوية المصنَّعة محليا بنحو 200 مليون دولار، بما يشكل نسبة 11% من قيمة ما تنفقه البلاد سنويا على شراء الأدوية، والتي تُقدر بـ 3 إلى 4 مليارات دولار.
ومن الجدير ذكره أن شركة "كيمياديا" التابعة لوزارة الصحة الاتحادية تُعد الجهة المسؤولة عن توفير الأدوية والمستلزمات الطبية للمستشفيات.
ويلخص مختصون أسباب تراجع صناعة الأدوية بالعراق في العجز والتقصير الحكومي وسيطرة "مافيات وشبكات" على توريد وتوزيع وتهريب الأدوية والتحكم بأسعارها، سيما بعد كشف السلطات عن ضبط 100 طنّ من الأدوية المهرَّبة في عام 2022.
وعن حيثيات حديث السوداني عن عدم خضوع أغلب الأدوية المستوردة للفحص، يقترح الهيتي عدداً من الإجراءات لمعالجة هذه الظاهرة، من بينها ضرورة التعاون بين مختبرات الإقليم وبغداد والبصرة والنجف، فضلا عن ضرورة ضبط المنافذ الحدودية، الأمر الذي سيُسهم في التخلص من الأدوية غير الخاضعة للفحص بنسبة 80%.