بعد فشل توحيد القوى العسكرية والسياسية.. إقليم كردستان يتجه بـ"خطى واثقة" نحو حرب أهلية قد تهدد وجوده
انفوبلس..
يمر إقليم كردستان وساسته خلال هذه الفترة بمرحلة بالغة الخطورة والحساسية، الإقليم الذي اعتاد على ترحيل أزماته ومشاكله مرحلة بعد أخرى مستغلاً عدم استقرار العملية السياسية في المركز من جهة، والدعم الغربي من جهة أخرى، يواجه اليوم ظروفاً عصيبة، حيث إنه مضطر لمواجهة حكومة مركزية أصبحت أقوى بمراحل من سابقاتها، وتهديدات غربية بإيقاف الدعم في حال استمر وضعه على ما هو عليه، ومشاكل داخلية متفاقمة منذ عقود بدأ في الآونة الأخيرة تظهر على السطح بوضوح بالغ، ما دفع مراقبين إلى توقع اقتراب اندلاع حرب أهلية في إقليم شمالي العراق.
أزمات الداخل
بعد وفاة جلال طالباني وتنحي مسعود بارزاني عن رئاسة الإقليم وتسلم الجيل الثاني لتلك العائلتين القيادة، برزت ملامح التفكك، حيث عانى الاتحاد الوطني الكردستاني من انقسامات كبيرة وصلت بعضها إلى محاكم بغداد وأربيل بين بافل طالباني وابن عمه لاهور شيخ جنكي في صراع على قيادة الحزب، وهذا الصراع مستمر حتى يومنا هذا.
وعلى مستوى الحزبين الكبيرين فهنالك العديد من الأزمات والمشاكل بين حزب بافل وحزب بارزاني (الديموقراطي الكردستاني)، حيث قطع الأخير قبل مدة بسيطة رواتب جهاز مكافحة الإرهاب الكردي الذي يُقاد بواسطة الاتحاد الوطني في محاولة لإرضاخ قياداته وثنيها عما تقوم به من محاولات توسيع نفوذ داخل الإقليم وتكوين علاقات خارج حدوده مع قوى إقليمية كـ"قسد" وغيرها، الأمر الذي أوجد صراعات إضافية بين الحزبين الرئيسيين.
ومع اقتراب انتخابات مجالس المحافظات، وفي نهاية شهر أيار/مايو الماضي، دعا الرئيس المشترك السابق للاتحاد الوطني الكردستاني لاهور شيخ جنكي نظراءه الأكراد إلى دخول الانتخابات بقائمة واحدة وتجاوز الخلافات، الأمر الذي قوبل بالرفض من قبل الحزبين ما دفع جنكي -بحسب مصادر كردية- إلى اتخاذ قرار المشاركة بقائمة خاصة خارج الاتحاد الوطني الكردستاني من أجل المشاركة في انتخابات مجالس المحافظة المقبلة في المناطق الكردية الواقعة خارج حدود إقليم كردستان في كركوك وديالى ونينوى.
وفي بيان أصدره، أمس الإثنين، أعلن جنكي، عدم مشاركته في الانتخابات المحلية المقبلة، بعد رفض مبادرته السياسية للاشتراك بقائمة كردية مشتركة، وفيما هاجم الأحزاب الكردية الرافضة لمبادرته في المناطق خارج الإقليم، ورمى بالمسؤولية على عاتق الجهات الرافضة لمبادرته في النتائج "غير المرغوب بها" مستقبلا في كركوك والمناطق المتنازع عليها.
وظهر شيخ جنكي لأول مرة خلال تلاوته البيان ويظهر خلفه علَما العراق وإقليم كردستان من دون وجود علم الاتحاد الوطني الكردستاني الذي كان رئيساً مشتركاً فيه مع بافل طالباني.
وقال شيخ جنكي في البيان الذي خاطب فيه أهالي المناطق الكردستانية خارج الاقليم حول مشاركة القوى الكردية بقائمة موحدة في تلك المناطق، إن "انتخابات مجالس المحافظات ستُجرى في 18 من كانون الأول من العام الحالي، حسبما حددتها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات العراقية، وهذه الانتخابات التي لم تجرِ منذ سنوات عديدة، لها أهمية تاريخية كبيرة وستكون نتائجها أساساً لإظهار مكانة وموقع الكرد مع المكونات الأخرى في كركوك والمناطق المتنازع عليها وإثبات أصالة أهاليها وملكيتهم لأراضيهم".
وأضاف، "نحن ومن حرصنا لأهالينا الأعزاء في كركوك والمناطق المتنازع عليها، حاولنا مشاركة الكرد بقائمة واحدة في تلك الانتخابات، ومن هذا المنطلق ودون أية مصالح ومكاسب سياسية أو شخصية، ومن أجل أصلاء مكونات المدينة وعدم ضياع وتشتيت صوت الكرد وتصحيح التوازن ولحماية عدد مقاعد الكرد في مجلس محافظة كركوك، أعلنا عن مبادرتنا الأولى للأحزاب الكردية دون تمييز وقدمنا لها مشروع (تحالف الشعب) لتشكيل قائمة مشتركة".
وبيّن شيخ جنكي، أنه "ومن أجل تحقيق هذا الهدف قمنا بزيارة عدد من الأحزاب السياسية، وسألناهم عن موقفهم، وأظهرنا كل الاستعداد لفوز الكرد في هذه الانتخابات، وحتى أعربنا عن استعدادنا لعدم الترشيح، وكان هدفنا الوحيد هو فوز الكرد وأصلاء المنطقة وتوحيد الجهات في إطار قائمة مشتركة، ولكن للأسف فإن أغلب الجهات السياسية رفضوا ذلك، ولم تكن مستعدة للمشاركة في هذه الانتخابات بقائمة مشتركة، فيما هم على دراية بالنظام المتبع لهذه الانتخابات وأنه في صالح القائمة المشتركة وليس القوائم المتعددة، إلا أن أغلب الجهات السياسية لم تراعِ ذلك من أجل مصالحها الخاصة".
وأردف قائلاً، "مع الأسف، فإن العديد من الأحزاب السياسية الكردية، وخاصة الحزبين الحاكمين، الذين لم يتعظوا من أخطاء الماضي، يريدون الاستمرار في المعاناة وجعل كركوك والمناطق المتنازع عليها مرة أخرى ضحية للصراع السياسي ومصالحهم الحزبية".
ووفق بيان شيخ جنكي، فقد "اتضح أن كل الشعارات التي باعوها للشعب باسم الكرد والوطنية للناس لم تكن إلا شعارات كاذبة، لأنهم لم يكونوا مستعدين، حتى ولو لمرة واحدة فقط للتخلي عن التحزب واختيار الوطنية (الكردايتي) من أجل أمتنا، بل يريدون أن يصبحوا عبئاً من جديد على أهالي كركوك والمناطق المتنازع عليها، بل وحتى صراعاتهم السياسية في إقليم كوردستان وصلت إلى مرحلة، جعلوا الكيان بأكمله في خطر محدق عن طريق مؤامرات داخلية وخارجية".
وختم شيخ جنكي بيانه بالقول، "من هنا نريد أن نوضح للشعب الكردي ونعلن لهم أن مسؤولية أي نتائج غير مرغوب فيها في المستقبل، تقع على عاتق تلك الجهات غير المهتمة بمصير كركوك وتلك المناطق وأهاليها وأراضيها، غير آبهين بتدميرها ويشاركون بقوائم متعددة في هذه العملية المهمة والحساسة، ويجب أن تعلموا جيدا أن التاريخ لن يرحم بهم وأن محكمة التاريخ ستحاكمهم".
توحيد القوى والحرب الأهلية
في الآونة الأخيرة، حذر خبراء من تفجّر الأوضاع الأمنية في إقليم كردستان، بعد أن وصلت مساعي توحيد قوات البيشمركة الكردية بين الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني إلى طريق مسدود.
وقال جبار ياور، المستشار في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني والأمين العام السابق لوزارة البيشمركة: "هناك مشكلات معقدة استعصت على الحل في مساعي توحيد قوات البيشمركة. وتسللت المشاكل السياسية إلى البيشمركة وأيضاً الخلافات الشخصية بين أعضاء حزب الاتحاد والحزب الديمقراطي داخل الوزارة".
وبعد تصاعد الخلافات بين الحزب الديمقراطي وحزب الاتحاد الوطني في وزارة البيشمركة في الأشهر القليلة الماضية، وصل القائد العام لقوات التحالف الدولي في العراق وسوريا، ماثيو ماكفرلين، إلى أربيل، لتهدئة الأوضاع، في مارس الماضي.
وأضاف ياور: "الخلافات سابقاً كانت سياسية بشأن الانتخابات وموعدها ولجنة تنظيم الانتخابات والخدمات، الآن الخلافات وصلت إلى حد خطير وتسللت إلى داخل قوات البيشمركة، وفي حال تغلغلت أكثر ستتحول لحرب أهلية".
وتابع: "بالتالي ستتركنا قوات التحالف الدولي وترحل من الإقليم، كما فعلت في أفغانستان، لذلك أحذر الأحزاب الحاكمة من خطورة الوضع داخل البيشمركة، وفي حال استمرت ستكون وبالاً على الجميع".
وكشف مصدر كردي بأن اجتماعاً عُقد في تموز/ يوليو بين حزب الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي الكردستاني، طالب فيه ممثلو حزب الاتحاد الوطني بأن يكون توزيع مناصب وزارة البيشمركة مناصفة بين الحزبين، بينما قرر وكيل وزير البيشمركة، التابع للحزب الديمقراطي، أن تكون 57% من المناصب للحزب الديمقراطي، مقابل 43% لحزب الاتحاد الوطني.
ويلقي حزب الاتحاد الوطني باللوم على الحزب الديمقراطي في عرقلة تعيين مرشح الحزب وزيراً للبيشمركة، وهو منصب مخصص لحزب الاتحاد الوطني. ويدير الوزارة حالياً عضو في الحزب الديمقراطي بعد استقالة وزير البيشمركة السابق، شورش إسماعيل، في أيلول/ سبتمبر 2022.
وقال النائب السابق في البرلمان عن كتلة الاتحاد الإسلامي الكردستاني، شيركو جودت، إن "استمرار الخلافات بشأن توحيد قوات البيشمركة سيؤدي إلى عواقب وخيمة على أمن الإقليم".
وشدد جودت على ضرورة "توحيد قوات البيشمركة وأن تكون تابعة لحكومة الإقليم وليس لأجزاء تابعة إلى الأحزاب. وأن مطلب توحيد هذه القوات هو مطلب كردي شعبي من أجل استقرار الأمن الداخلي".
ويُقدر تعداد قوات البيشمركة بحوالي 140 ألف عنصر موزَّعين على الحزبين الديمقراطي والاتحاد الوطني.
وقال ياور، المستشار في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، إنه "في حال وصلت الخلافات إلى حد الاقتتال، فبالتأكيد ستتدخل الحكومة الاتحادية وتمنع أي انهيار، مثلما توصلت إلى قرارات قضائية اتحادية بشأن الثروات النفطية والموارد غير النفطية، ويمكنها أن تتخذ خطوة (مماثلة) لوقف التصادم".