بهدف ابتزاز بغداد مستقبلاً.. إقليم كردستان يواصل بناء السدود على نهر دجلة ومنابعه
انفوبلس..
تواصل سلطات إقليم كردستان بزعامة مسعود برزاني، بعدائيتها للمركز، تارة بقضايا ومواقف مباشرة، وتارة أخرى غير مباشرة عبر مشاريع بعيدة الأمد تشكل ضغطاً مستقبلياً على بغداد، وهذه المرة تمثلت ببناء سد مائي جديد في محافظة دهوك ضمن مخطط بعيد الأمد لابتزاز العراق ماليا بالتنسيق مع أنقرة.
مدير عام السدود المائية بمحافظة دهوك في حكومة الإقليم كشف، أمس الأربعاء، عن تنفيذ مشروع بناء سد "سبنه" في ناحية بامرني التابعة لقضاء آميدي (العمادية) بكلفة 7 مليارات دينار، بطاقة تخزينية تبلغ 6 ملايين متر مكعب من المياه.
فيما قال المهندس فرهاد محمد طاهر، إن عملية بناء السد مستمرة وبالانتهاء منها سينتعش القطاع الزراعي في ناحية بامرني، موضحاً أنه تم الانتهاء من 43% من المشروع، والعمل مستمر فيه.
وكانت وزارة الزراعة والموارد المائية في حكومة إقليم كردستان، قد أفادت مطلع مايو/أيار الجاري، أن بناء السدود وتجميع المياه سيؤدي إلى تحسين البنى التحتية للمياه في الإقليم، وكذلك زيادة وتخزين المياه وإحياء قطاعي الزراعة والرّي.
وأشارت دائرة الإعلام والمعلومات بحكومة إقليم كردستان، أن بناء السدود على الموارد المائية لإقليم كردستان إحدى أولويات حكومة الإقليم التي اتخذت خطوات مهمة لهذا الغرض.
وكان عامي 2022 و2023 شهدا جمع المياه في 4 سدود جديدة بنتها الحكومة لخزن المياه.
دائرة الإعلام والمعلومات بحكومة إقليم كردستان، شددت على أن حكومة الإقليم ستواصل من خلال وزارة الزراعة والموارد المائية، بناء السدود والعمل على تعزيز الأمن المائي.
مشاريع مائية كردية
في عام 2019، أعلن مسؤول في وزارة الزراعة الموارد المائية بإقليم كردستان عن تخصيص 33 مليار دينار لاستئناف العمل على بناء 11 سداً في إقليم كردستان، رغم استمرار توقف العمل في ستة سدود استراتيجية تبلغ كلفة بنائها 500 مليار دينار.
وحسب مصادر كردية، يوجد في إقليم كردستان عدد من الأنهار والمجاري المائية بعضها يصبّ في أراضي الإقليم قادماً من الدول المجاورة، ويبلغ مجموع الماء الوارد سنوياً إلى إقليم كردستان نحو 50 مليار متر مكعب، لكن خبراء في مجال الموارد المائية يقولون إن 85% من هذه الكمية يمر عبر أراضي إقليم كردستان بدون الاستفادة منه بسبب الافتقار إلى السدود ومشاريع حجز المياه.
وصرّح مدير عام السدود وخزانات المياه في وزارة الزراعة والموارد المائية بإقليم كردستان، المهندس أكرم أحمد، بأنه "يوجد في إقليم كردستان 17 سداً ونحو 100 حاجز لتخزين المياه، تبلغ قدرتها التخزينية السنوية نحو 10 مليارات متر مكعب من المياه".
وقد استُحدِثت المديرية العامة للسدود سنة 2007، ويقول مديرها العام إن المديرية قامت حتى ذلك العام (2019) ببناء 12 سداً (هي سدود: جلي، ديكلة، حماموك، كودلة، شيوة سور، هشة زيني، جمي سمور، بيدوهي، باوة شاسوار، حسن كنوش، قادر كرم، ئاوة سبي) وتستطيع هذه السدود مجتمعةً تخزين ما يزيد على 72.5 مليون متر مكعب من الماء وتوفير المياه للزراعة السيحية لنحو 16290 دونماً (الدونم = 2500 متر مربع) من الأراضي الزراعية، وبلغ إجمالي كلفة إنشاء هذه السدود 96.5 مليار دينار.
وتشير بيانات المديرية العامة للسدود وخزانات المياه إلى أن هناك حالياً مشاريع لإنشاء 17 سداً، لكن الأزمة المالية أدت إلى توقف العمل في أغلبها، ولاستئناف العمل في هذه السدود، كلّف مجلس وزراء إقليم كردستان، بكتاب رسمي، وزارة المالية والاقتصاد بتخصيص 33.322 مليار دينار لاستكمال إنشاء 11 سداً.
السدود المشمولة بهذا القرار هي سدود: جمركة، آقوبان، شوكير، بانوطالبان ونازنين، في محافظة أربيل، وخنس، سبنه 2 وكلي بنداوه في محافظة دهوك، وديوانة، تورة جار، خورنوازان في السليمانية.
ويقول المهندس أكرم أحمد: "السدود التي تم تخصيص هذا المبلغ لإكمالها، في مراحل مختلفة من مراحل التنفيذ، حيث إن نسبة تنفيذ بعضها يبلغ 20% بينما كانت نسبة التنفيذ في بعضها الآخر قد بلغت 90% قبل أن يتوقف العمل فيها".
ويعتقد أحمد، إن "إكمال بناء هذه السدود سينقل إقليم كردستان إلى مرحلة أخرى من حيث القدرة على تخزين المياه، وستتراجع احتمالات حدوث فيضانات في المناطق التي تبنى فيها السدود، إضافة إلى تخزين 59 مليون متر مكعب إضافي من المياه، مع توفير مياه الرّي لزراعة 27300 دونم سيحاً".
وأضاف: "لم تنتهِ آثار الأزمة المالية على بناء السدود، حيث إن العمل مازال متوقفاً في مشاريع سدود (باسرة، باوة نور، سورقاشان، جقجق، وزلان) وإكمال هذه المشاريع بحاجة إلى 500 مليار دينار".
من جانبهم، يقول خبراء في مجال المياه إن السدود التي أُنشِئت في إقليم كردستان صغيرة ولن تكون لها آثار اقتصادية كبيرة.
حيث يقول خبير المياه في قسم الجغرافيا بكلية الآداب – جامعة صلاح الدين، البروفسور آزاد جلال شريف: "تبني تركيا وإيران سدوداً على الأنهار التي تصبّ في إقليم كردستان، وإذا لم يتخذ إقليم كردستان خطوات سريعة لبناء سدود كبيرة واستراتيجية لتخزين مياهها، ومن المحتمل أن تؤدي أي سنة شحيحة بالأمطار إلى تهديد الأمن المائي لإقليم كردستان".
ويضيف شريف: "غياب الخطط والاستراتيجيات الواضحة للإفادة من المياه الجارية، فإن 85% من مياه الأنهار والمجاري المائية تمرّ عبر إقليم كردستان بدون الإفادة منها".
توجد في إقليم كردستان ثلاثة سدود كبيرة استراتيجية (دوكان، دربنديخا ودهوك) تستطيع معاً تخزين أكثر من 10 مليارات متر مكعب من المياه.
سد بخمة، واحد آخر من تلك السدود، وقد تم تصميمه سنة 1932، وتوقف العمل فيه منذ سنة 1991، وبإمكانه في حال تنفيذ المرحلة الأولى منه كاملة أن يخزن 17 مليار متر مكعب من المياه، لكن إكمال المشروع حسب تخمينات المديرية العامة للسدود بحاجة إلى 10 مليارات دولار.
ويقول مدير عام السدود، أكرم أحمد: "يُعد هذا المشروع سيادياً بموجب الدستور العراقي، لهذا فإن مهمة إكماله تقع على عاتق الحكومة الاتحادية العراقية التي لم تخصص أي أموال لإنشاء سدود في إقليم كردستان، إلا سدَّين صغيرين".
ويشير أحمد إلى أن إكمال بناء سد بخمة غير مُدرج في خطط مديريتهم العامة، لكنهم يخططون لإنشاء 200 سد تم وضع خرائط وتصاميم قسم منها لكن لا توجد أموال لتنفيذ هذه المشاريع.
ابتزاز بغداد بمساعدة أنقرة
مراقبون أكدوا أن تلك المشاريع والسدود، ورغم ظاهرياتها الإيجابية، إلا أنها تأتي ضمن مخطط بعيد الأمد لابتزاز العراق ماليا من قبل الإقليم وسلطاته بالتنسيق مع تركيا الدولة التي تقطع الماء على العراق منذ أعوام وتبتزه لتنفيذ أجندات خاصة على الأراضي العراقية.
ويضيفون، أنه يمكن ملاحظة أن أربيل تعمل على موضوع السدود على الروافد التي تصبّ في دجلة جميعها وعلى نهر دجلة ذاته، ولابد أن الجهد المنظَّم منذ الخطة الأولى لإنشاء 13 سداً على دجلة وروافده الذي أصبح واقعاً عملياً الآن بعد أن كان مشروعا على الورق فقط، يُخفي خلفه موقفا سياسياً واقتصاديا حاسماً سيكون له دور في الهيمنة على السياسة العراقية وتعطيش المنطقة الجنوبية والوسطى.. فأين تختفي حكومة بغداد والبرلمان العراقي من هذا الموضوع الحيوي؟
لقد باتت ندرة المياه قضية تؤرّق السياسيين والاقتصاديين وبعض أعضاء مجلس النواب والباحثين بقضايا المياه، وذلك في ضوء عدم كفاية الموارد المائية المتاحة لسدّ احتياجات السكان، الذين يتزايدون باضطراد وأيضا في ضوء مخططات دول الجوار الجغرافي لحرمان العراق من نصيبه القانوني من مياه الأنهار المشتركة، وهذا ما قد يُفضي إلى صراعات سياسية وربما عسكرية مستقبلا على هذا المورد.
ويعاني العراق من ضعف إدارة الموارد المائية، وعدم سبق النظر بتوقعات المتغيرات المناخية وقلة واردات المياه أثّر بشكل مباشر على الأمن المائي العراقي، فضلا عن ضعف التوعية المائية للمواطنين، وعدم ترشيد استهلاك المياه بسبب رخص أثمانها، وجميعها عوامل اختلال الأمن المائي. سيُعاني العراق من موضوع نوعية المياه وكميتها، بسبب تلوثها وعدم قيام دولة المنبع (تركيا) بمعالجة المياه الراجعة من المشاريع الصناعية والزراعية العالية الملوحة، قبل وصولها إلى مجاري نهري دجلة والفرات.