تأخر جداول الموازنة يُربك المشهد السياسي والاقتصادي.. خلافات متصاعدة وأزمة عجز تلوح بالأفق

انفوبلس/..
تشهد الساحة السياسية والاقتصادية في العراق جدلاً واسعاً حول تأخر إرسال جداول الموازنة العامة لعام 2025 من وزارة المالية إلى مجلس الوزراء، وهو ما أثار تساؤلات حول مدى التزام الحكومة بقانون الإدارة المالية.
ففي الوقت الذي لم تتأكد فيه بعد صحة الأنباء عن إرسال الجداول، أكد أعضاء في اللجنة المالية النيابية أن هذا التأخير يمثل تجاوزاً للصلاحيات الدستورية لمجلس النواب وتعطيلًا لدوره الرقابي والتشريعي.
وتتزامن هذه التطورات مع توقعات بأن يصل إجمالي الموازنة إلى 200 تريليون دينار، يخصص معظمها للرواتب والنفقات التشغيلية، بينما يبقى العجز المالي تحدياً رئيسياً قد يتطلب حلولاً استثنائية لسد الفجوة بين الإيرادات والنفقات، ورغم المخاوف بشأن الاستقرار المالي، تؤكد الحكومة التزامها بتأمين الرواتب والمضي في تنفيذ المشاريع الخدمية والتنموية.
الحكومة خالفت قانون الإدارة المالية
وفي هذا الشأن، أكد عضو اللجنة المالية النيابية حسين مؤنس، الأحد، أن الحديث عن إرسال جداول الموازنة العامة من وزارة المالية إلى مجلس الوزراء لا يزال غير مؤكد، ولا تتوفر معلومات دقيقة حول صحة هذه الأخبار.
وأشار مؤنس، في تصريح صحفي، تابعته INFOPLUS، إلى أن الحكومة خالفت قانون الإدارة المالية بتأخرها في إرسال الجداول، معتبراً ذلك استهانة بدور مجلس النواب وعمله الرقابي والتشريعي.
وأوضح، أن اللجنة المالية النيابية لم تُبلغ حتى الآن بأي موعد رسمي لوصول الجداول إلى البرلمان، مشددًا على ضرورة التزام الحكومة بالمسارات القانونية والدستورية في تقديم الموازنة.
وكان من المفترض أن تُرسل وزارة المالية جداول الموازنة إلى مجلس الوزراء في أكتوبر/ تشرين الأول 2024، تمهيداً لإقرارها قبل بداية العام الجديد، وفقًا لقانون الإدارة المالية.
وفي وقت سابق، توقعت النائبة عن الإطار التنسيقي في البرلمان العراقي ابتسام الهلالي، وصول جداول موازنة العام الحالي للبرلمان قبل نهاية شهر آذار الحالي، فيما بينت أن مبلغها الإجمالي والعجز فيها مقاربان للموازنات السابقة.
وفي تشرين الثاني 2024، أشار رئيس اللجنة المالية النيابية، عطوان العطواني، إلى أن الحكومة بدأت اجتماعات لإعداد بنود موازنة 2025، وكان من المتوقع وصولها إلى مجلس النواب مطلع العام الحالي.
كما أشار إلى أن الخلافات النفطية مع إقليم كوردستان تُعد من أبرز المشكلات التي تواجه إعداد الموازنة، مع وجود تحركات لحل هذه الخلافات واستئناف تصدير نفط الإقليم لتعزيز موارد الدولة.
وكان مجلس النواب العراقي، صوت في شباط/ فبرار الماضي، على تعديل المادة 12 من قانون الموازنة، الخاصة بكلف استخراج نفط إقليم كوردستان.
يشار إلى أن المجلس، صوت في شهر حزيران/ يونيو من العام 2023، على مشروع قانون الموازنة العامة للسنوات المالية لسنوات (2023، 2024، 2025).
تفاصيل جداول الموازنة
من المتوقع أنْ تُرسل الحكومة جداول موازنة (2025) إلى مجلس النوّاب خلال الأيّام المقبلة، وسط ترجيحاتٍ بأنْ يصل إجماليُّ الموازنة إلى (200) تريليون دينار. ويُخصَّص نحو ثلثي هذا المبلغ لرواتب الموظفين والمتقاعدين والرعاية الاجتماعيَّة والأجور التشغيليَّة.
وأوضح المستشار الماليُّ لرئيس الوزراء، مظهر محمّد صالح، في تصريحٍ صحفي، تابعته INFOPLUS، أنَّ الموازنة تعتمد على جناحين رئيسين: الأوّل هو الشقُّ التشغيليُّ الذي يُشكّل ما بين (68 إلى 70 %) من إجماليِّ الإنفاق العامّ، ويُغطي رواتب الموظفين والمتقاعدين والرعاية الاجتماعيَّة، بينما يُخصَّص الشقُّ الثاني للاستثمار في المشاريع التنمويَّة والخدميَّة.
وأشار صالح إلى أنَّ الموازنة ستتحرَّك وفق سقوف صرفٍ تُقدَّر بنحو (200) تريليون دينارٍ، مع عجزٍ افتراضيٍّ قدره (64) تريليون دينار. ويتمّ تمويل هذا العجز من المصادر الداخليَّة في حال انخفاض متوسِّط سعر برميل النفط عن (70) دولاراً أو تراجع الصادرات النفطيَّة عن (3.4) ملايين برميل يوميّاً.
وأكّد أنَّ الحكومة ملتزمةٌ بضمان رواتب الموظفين والمتقاعدين، مشيراً إلى أنَّ نحو (8) ملايين مواطن يتلقّون دخلاً حكوميّاً، مما يُسهم في إعالة نحو (40) مليون شخصٍ بشكلٍ غير مباشر. وأضاف أنَّ تنفيذ المشاريع الخدميَّة، مثل المياه والكهرباء والمدارس والمستشفيات، سيكون ذا أولويَّةٍ موازيةٍ لتأمين الرواتب.
من جهتها، أكّدت اللجنة الماليَّة النيابيَّة أنَّ مناقشة موازنة (2025) ستُحسَم بعد وصولها إلى البرلمان، حيث أوضح عضو اللجنة، جمال كوجر، في تصريحٍ صحفي، أنَّ اللجنة ستعقد جلسةً لمناقشة الموازنة فور وصول الجداول إلى المجلس، وسترفع تقريراً إلى رئاسة البرلمان بهذا الشأن.
المالية النيابية: لا أزمة في الرواتب
وأكد عضو اللجنة المالية النيابية حسين مؤنس في حديث صحفي تابعته INFOPLUS، أن هناك عجزًا كبيرًا في الموازنة العراقية نتيجة حجم الإنفاق المرتفع مقارنة بالإيرادات المحدودة، خاصة في ما يتعلق بالإيرادات غير النفطية.
وأوضح مؤنس أن الحكومة كانت تهدف إلى زيادة الإيرادات غير النفطية، إلا أن هذه الزيادة لم تحقق الطموحات المرجوة حتى الآن.
وأشار مؤنس إلى أن الوثيقة التي تم نشرها بخصوص قلة المبالغ المالية كانت متوقعة، مؤكدًا أن الرواتب مؤمنة حاليًا ولا توجد مشكلة كبيرة بشأنها، موضحاً أن وزارة المالية تلقت إنذارًا بين 20 و30 من كل شهر لتأمين الرواتب، إلا أن الحكومة لا تزال تمتلك العديد من الخيارات، مثل بيع السندات، لتوفير الأموال اللازمة.
وتابع مؤنس قائلاً: "الموازنة تمنح الحكومة صلاحيات واسعة، بما في ذلك المناقلة بين البنود، ما يمنحها مرونة في التعامل مع الأزمات المالية."
وأضاف أنه رغم التحديات الحالية، بما في ذلك تراجع أسعار النفط والمشاكل المحتملة في المنطقة، إلا أن الحكومة لا تزال قادرة على تأمين الرواتب من خلال الضغط على النفقات.
وشدد مؤنس على ضرورة أن تتحمل الحكومة مسؤوليتها في تأمين الرواتب والاستحقاقات التشغيلية والاستثمارية، مع ضرورة اتخاذ إجراءات لخفض النفقات بشكل كبير لمواجهة التحديات المالية المستقبلية.
تأجيل المصادقة إلى أجواء الانتخابات
وكان النائب عن كتلة ائتلاف دولة القانون، مهند الخزرجي، أكد في وقت سابق، أن جداول موازنة 2025 لم تصل إلى البرلمان، رغم مرور أكثر من شهر على التصويت على المادة (12 أ) الخاصة بنفط الإقليم، داعيا الحكومة إلى توضيح أسباب التأخير أو إرسال الجداول في أسرع وقت.
واستبعدت نائب رئيس لجنة المالية النيابية، إخلاص الدليمي، الأربعاء، إرسال الحكومة لجداول الموازنة خلال الشهرين المقبلين، مشيرة إلى أن وزارة المالية لم تستكمل إعدادها بعد، ما قد يؤدي إلى تأجيل المصادقة على الموازنة إلى أجواء الانتخابات.
وصوت مجلس النواب، في 2 شباط/فبراير الماضي، خلال جلسته الرابعة للفصل التشريعي الأول للسنة التشريعية الرابعة برئاسة النائب الأول لرئيس المجلس، محسن المندلاوي، بحضور 176 نائباً، على مشروع قانون التعديل الأول لقانون الموازنة العامة الاتحادية، جاء ذلك وسط مقاطعة 50 نائبا من نواب الوسط والجنوب أغلبهم من المستقلين.
وتتضمن مسودة تعديل المادة 12 من قانون الموازنة فقرتين، الأولى تتعلق بكلف إنتاج ونقل نفط إقليم كردستان بعد تحديد الكلف التخمينية الحقيقية عبر الهيئة الاستشارية، أما الفقرة الثانية، فتنص على أنه في حال عدم اتفاق الحكومتين الاتحادية والإقليم على كلف الإنتاج والنقل، فإن وزارة النفط تتولى اختيار جهة لتحديد تلك الكلف وعلى إثر ذلك يتم احتساب كلفة استخراج النفط من الحقول النفطية في الإقليم.
استياء نواب الوسط والجنوب
يشار إلى أن تعديلات الموازنة الاتحادية أثارت استياء نواب الوسط والجنوب، خاصة بعد منح امتيازات كبيرة لمحافظات إقليم كردستان، ورفع سعر برميل النفط المخصص للإقليم، وهو ما اعتُبر استنزافاً لميزانية الحكومة الاتحادية على حساب بقية المحافظات.
ونص تعديل الموازنة على إلغاء نص الفقرة (ج) من البند (ثانياً) من المادة (12) من قانون الموازنة الحالية، واستبداله بنص جديد يتضمن تخصيص تعويضات مالية لحكومة إقليم كردستان عن كلف الإنتاج والنقل المتعلقة بالنفط المنتج في الإقليم.
ويتم احتساب هذه الكلف من قبل جهة استشارية فنية دولية متخصصة، يتم تحديدها بالتعاون بين وزارة النفط الاتحادية ووزارة الثروات الطبيعية في الإقليم. وتدفع وزارة المالية الاتحادية تعويضات تقدر بمعدل 16 دولارا للبرميل الواحد كسلف، مع تسويتها لاحقا بناءً على الكلفة الحقيقية المقررة من الجهة الاستشارية.
وفي ظل اقتراب موعد الانتخابات، يظل ملف الموازنة عاملاً مؤثراً في المشهد السياسي، مع استمرار الضغوط على الحكومة للإسراع في إقرارها وفق الأطر الدستورية.