تخفيض تصنيف "TBI" يخلق دوامة اقتصادية.. المصرف العراقي الوحيد القادر على إرسال الحوالات للخارج يدخل مرحلة "عالية المخاطر".. ما هي الأسباب؟ وهل هي ضغوط أمريكية؟
انفوبلس..
يوم الأربعاء الماضي، أعلنت وكالة التصنيف الائتماني الدولية فيتش، تخفيض التصنيف الائتماني لمصرف التجارة العراقي (TBI) إلى "CCC+"، وهو ما يجعله "عالي المخاطر" بحسب الوكالة، الأمر الذي فتح ملف المصرف وأسباب تخفيض تصنيفه خصوصاً وأنه المصرف العراقي الوحيد الذي يحق له إرسال حوالات إلى الخارج.
عضو اللجنة المالية، معين الكاظمي، قال إن "مصرف (TBI) هو المصرف العراقي الوحيد الذي يحق له إرسال حوالات إلى الخارج، بسبب الديون المترتبة على البلاد التي تمنع إرسال الحوالات والعمليات مع مصرفي الرشيد والرافدين".
وأضاف الكاظمي، إن "القيود التي تفرضها مؤسسات دولية، أكثرها لدوافع سياسية، تقف خلفها الولايات المتحدة الأمريكية للضغط على العراق من الجانب الاقتصادي".
وبيّن، إن "هذه الإجراءات والقيود من شأنها التأثير وإضعاف أداء مصرف التجارة العراقي (TBI)، وبالتالي تنعكس سلبًا على القطاع المصرفي، داعيًا إلى معالجة هذه القضية بشكل أصولي وقانوني حتى لا يكون هناك منفذ للآخرين على الاقتصاد العراقي".
أما النائب عالية نصيف، فقد كتبت على صفحتها في منصة "أكس": وكالة فيتش للتصنيف الائتماني خفضت تصنيف المصرف العراقي للتجارة (TBI) إلى مستوى أدنى بسبب الخروقات التي ارتكبها المدير السابق للمصرف محمد الدليمي، لطالما حذرنا الحكومة من تورطه في عدة مخالفات من بينها تحويل مليار واربعمائة مليون دولار وعدم كشف التقرير السنوي، لكن الاستجابة كانت بطيئة.
من جهته أكد المختص بالشأن المالي والمصرفي، مصطفى حنتوش، أن "تخفيض التصنيف الائتماني لمصرف التجارة العراقي (TBI) إلى CCC+ خطير جدًا على المصرف المراسل الوحيد في العراق، والذي يعتبر الذراع الحكومي الوحيد للتعاملات والتحويلات الخارجية".
وقال حنتوش، إن "عملية التخفيض التي قامت بها فيتش ناتجة عن سببين: الأول، إدخال الحكومة نفسها في مشروع موازنة كبير جدًا يُمول جزء منه عن طريق أرصدة الدولة، وهذا الإنفاق العالي سيؤدي إلى صعوبة إعادة الديون المأخوذة من قبل (TBI)، وبالتالي فإن الحكومة بهذه الموازنة شبه الانفجارية لن تكون قادرة على دعم هذه المصارف".
وأضاف، أن "هناك توقعات بضعف دعم الحكومة وأن الديون على هذا المصرف ستكون عملية جدولتها وإعادتها صعبة وبعيدة المدى بسبب قوة الإنفاق الحكومي، مشيرًا إلى أن مصرف التجارة العراقي يعاني من ضعف الأصول لأنه لم يدخل في استثمارات كبيرة حتى ترتفع لديه السيولة".
وأشار إلى، أن "الإدارات المتتالية الضعيفة لمصرف التجارة العراقي جعلته غير قادرة على منح حساب مصرفي في سيتي بنك، وإذا لم يتم معالجة هذا الموضوع عبر استخدام معايير عالمية مصرفية وتقوية الاستثمارات وعملية الدخول في المجتمع، قد يؤدي ذلك إلى إغلاق حساب المصرف نهائيًا".
الخبير الاقتصادي الدكتور بلال خليفة، قال إن تخفيض التصنيف الائتماني لمصرف التجارة العراقي (TBI) إلى CCC+، جاء بسبب إدارة الحكومة للملف وانعكاسه على مستقبل هذا القطاع، ويشمل ذلك المخاوف بشأن إدارة TBI وهيكل الحوكمة، وجدولة تقاريرها المالية وعمليات التدقيق، والضغوط على الملف المالي بشكل خاص نتيجة الاحتياجات الإضافية للتخصيصات وتكاليف التقاضي.
وأضاف: مع العلم إن مصرف العراقي للتجارة هو المصرف العراقي الوحيد الذي يحق له إرسال حوالات إلى الخارج، بسبب العقوبات المترتبة على مصرفي الرشيد والرافدين وحيث انه تم تأسيس المصرف العراقي للتجارة في شهر تموز 2003 ككيان حكومي مستقل لغرض تسهيل استيراد وتصدير السلع والخدمات من وإلى العراق خدمة للاقتصاد الوطني وبالحقيقة هي كانت فكرة احمد الجلبي للالتفاف على العقوبات التي طالت مصرفي العراق الرشيد والرافدين.
وبيّن، إن التصنيف الائتماني يعني الجدارة الائتمانية، أو قدرة تلك المصارف (البنوك) على الحصول على القروض اللازمة، ومدى قدرتها على الوفاء بما عليها من التزامات في موعدها، وعادة ما ينظر من خلال التصنيف الائتماني إلى عدة مؤشرات، منها:
- الأصول التي يمتلكها الكيان طالب القرض.
- مدى سهولة التدفقات النقدية إليه، سواء من الداخل أو الخارج.
- سوابق تعامله مع الدائنين، وأسعار الفائدة التي حصل بها على قروضه من قبل.
- وفي حالة الدول، عادة ما يتناول تقرير وكالات التصنيف مدى حالة الاستقرار السياسي والأمني، وتأثيرها على الوضع الاقتصادي، وخاصة القدرة على سداد الديون.
وتابع: للعلم إن هناك ثلاث مؤسسات كبرى معنية بإصدار تقارير الائتمان عن المؤسسات والدول، وهي موديز، وستاندرد آند بورز، وفيتش، وهي مؤسسات أمريكية منذ نشأتها.
فإذا كان التصنيف الائتماني لدولة ما قويا، فهو يعني أن لديها جدارة ائتمانية تمكنها من الحصول على القروض وسدادها في موعدها، وعندئذ تكون تكلفة التمويل الذي تحصل عليه الدول المقترضة، عند حدودها الدنيا المتعارف عليها.
كما أن العكس صحيح، أي إنه كلما كانت الجدارة الائتمانية لدولة ما ضعيفة، كانت تكلفة حصولها على الديون عالية، بل وقد تصرف الدائنين عن إقراضها.
ومستويات التصنيف لدى وكالات التصنيف الائتماني، تتراوح ما بين "إيه إيه إيه" (AAA) الذي يعبر عن "درجة أمان عالية"، وهو أعلى تصنيف للجدارة الائتمانية، وإن كان يتضمن درجات تابعة مثل "إيه إيه" (AA)، أو "إيه" (A)، ثم تصنيف "بي بي بي" (BBB) ويعني "جدارة ائتمانية متوسطة" وله درجات مختلفة كما في التصنيف السابق، ثم التصنيف "سي سي سي" (CCC) الذي يعني "جدارة ائتمانية عالية المخاطر"، ثم التصنيف الأخير "دي دي دي" (DDD) وهو يشير إلى "جدارة ائتمانية متعثرة"، ولهما درجات مختلفة كما في التصنيفين السابقين.
تكمن خطورة الخبر في أن المصرف التجاري العراقي هو البنك المراسل الوحيد للعراق وان التصنيف له التصنيف الأخير أي عالي المخاطر وبالتالي أصبح قريب من المتعثر وبالتالي ان الخبر هو يهدد الاقتصاد العراقي برمته ومنه النفطي لان كيف يستطيع دفع مبالغ السلع والخدمات التي تقدم له.
وكما تؤثر أيضا في تعامل البنوك العالمية معه ومع الدولة التي يمثلها وبالتالي يقلل من تدفق أموال المستثمرين في البلاد لأنه أصبح عالي المخاطر او ربما يتطور لخروج الاستثمارات الأجنبية وهروبها من البلاد، وخاصة تلك الاستثمارات غير المباشرة، التي يمكنها الخروج بسرعة من الأسواق المعرضة للخطر.
فإن حدث ذلك أي هروب المستثمرين فقد يؤدي أيضا الى هبوط آخر في العملة المحلية وهذا يعني تضخم ينتظر البلاد وعبئ جديد على المواطن البسيط.
مع ما تم ذكره في أعلاه من أسباب خفض التصنيف الائتماني فيوجد سبب آخر مهم وجوهري وهو القرارات السياسية التي يتم إصدارها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ولذلك بعض الدول الكبرى تحاول ان تضع لنفسها معايير خاصة مثلما دعت ألمانيا بان يكون لأوروبا معايير خاصة.
وفي اليوم التالي لإعلان تخفيض تصنيف المصرف، ترأس رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، اجتماعاً ضمّ وزيرة المالية، ومحافظ البنك المركزي العراقي، وعدداً من المستشارين المعنيين، بحضور مدير عام المصرف العراقي للتجارة.
وذكر المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء في بيان أن “الاجتماع ناقش جملة من القضايا التي تخص القطاع المصرفي الحكومي، تتعلق بالديون الحكومية، وقروض القطاع الخاص المتعثرة التسديد”.
وأضاف، أن “الاجتماع اتخذ عدداً من القرارات من بينها، قيام وزارة المالية بالبدء بتسديد الديون الحكومية للمصرف العراقي للتجارة، وإعداد خطة تعرض على مجلس الوزراء، بشأن تسديد القروض المتعثرة بذمة القطاع الخاص للمصارف الحكومية، ومن بينها المصرف العراقي للتجارة”.
وتابع البيان، أن “ضمن القرارات هي إعداد خطة تعرض على مجلس الوزراء بشأن تسديد القروض المتعثرة بذمة القطاع الخاص للمصارف الحكومية، ومن بينها المصرف العراقي للتجارة”.
وفي السبت الماضي، أوضح المستشار المالي لرئيس الوزراء، مظهر محمد صالح، تفاصيل خطة حكومية مرنة لاسترداد الأموال وتحصيل الديون المتعثرة والمتراكمة.
وقال صالح، إن "الحكومة منحت الجهاز المصرفي الحكومي بشكل عام والمصرف العراقي للتجارة بشكل خاص، المرونات الكافية في إعادة تحصيل ديونه غير المتحصلة الممنوحة لمختلف الشخصيات الطبيعية والمعنوية والتي تراكمت عبر سنوات طويلة، ذلك على وفق برنامج تحصيل عادل وعالي المرونة في الوقت نفسه، ما يجعل موجودات المصارف الحكومية والمصرف العراقي للتجارة بمستوى عالي الجودة وبشكل مستمر، ويعزز في الوقت نفسه من استدامة العمل المصرفي الحكومي وتمويل التجارة الخارجية الرسمية وتقوية ضمانات التمويل المرتبطة بفرص التنمية الاستراتيجية في البلاد".
وأضاف، إن "الحكومة اعتمدت خطة مرنة لاسترداد الأموال ولاسيما المتعثر منها لأسباب تاريخية متراكمة، وهي خطة ستعتمد حلولاً مرنة رصينة تصب في مصلحة قوة واستقرار النظام المصرفي الحكومي وتقوية موجوداته ورافعته المالية".
وتابع، إن "السلطتين المالية والنقدية ستبذلان عبر سياستيهما إجراءات مؤازرة للجهاز المصرفي الحكومي، وهي لا تقل أهمية عن سياسة الإصلاح التي تعتمدها المصارف المذكورة نفسها وعلى وفق برنامجها التطويري الراهن في بناء سوق مصرفية متكاملة عالية الكفاءة تخدم استدامة تنمية واستقرار الاقتصاد الوطني".
وفي بيان صادر عن مكتب رئيس مجلس الوزراء، أمس الثلاثاء، ذكر أنه "ضمن مسار الإصلاح المالي والمصرفي، أصدر المجلس قراراً بإلزام وزارة المالية الاتحادية تسديد مستحقات المصرف العراقي للتجارة TBI، المترتبة على إقليم كردستان العراق، بأقساط شهرية سنوية للسنوات (2023، 2024) بواقع (636) مليار دينار لكل سنة، وتخصم من تخصيصات الإقليم لسنة 2024، على أن يتمّ استقطاعها لاحقاً".
ومن الجدير بالذكر أن لجنة النزاهة النيابية، وجهت في 25 كانون الأول 2023، سؤالاً برلمانياً إلى المصرف العراقي للتجارة (TBI)، بشأن التعامل مع مدانين بجرائم نصب واحتيال.
وبحسب وثائق متداولة فإن القضية تتعلق بشركة "داون تاون" التي يمتلكها أشقاء ثلاث هم (نزار ونمير ورامز) وشركة الصقر الجارح التي تملك أسهمها (سارا حميد سالم) والتي قضت محكمة جنح الكرخ بتسجيل كامل أسهم الشركة باسمها وتجريم "الأشقاء الثلاث"، بالنصب والاحتيال.
وتساءلت اللجنة، "هل يجوز قانونا التعامل مع المدانين بجريمة نصب واحتيال بحسن نية، سواء كان التعامل مباشر معهم بصفتهم الشخصية أو مع ما يملكون من مؤسسات بصفتها المعنوية؟".
وفي 21 كانون الثاني 2024، قرر رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، عزل رئيس المصرف العراقي للتجارة وتعيين آخر بديلا عنه.
وجاء في الامر الديواني المرقم 24043، والمذيل بتوقيع مدير مكتب رئيس الوزراء احسان العوادي: "بناء على مقتضيات المصلحة العامـة، ولاحقـاً بكتابنـا بالعـدد (2390700) فـي 2023/1/23، وإشارة إلى الأمـر الـديواني رقـم (187) الصادر بموجـب كـتـاب الأمانـة العامـة لمجلـس الـوزراء بالعـدد (ق/2882/42/5/2) في 2023/6/12، واستناداً إلى توجيه رئيس مجلس الوزراء تقرر إنهاء تكليف (محمد محمد جواد کاظم) من مهام عمله رئيساً للمصرف العراقي للتجارة، وتكليف مدير عام المصرف الصناعي (بلال صباح حسين حمـودي) بمهام مدير عام المصرف العراقي للتجارة إضافة لمهامه".
وفي 2022، انتقد الخبير الاقتصادي، ضياء المحسن، سياسة مصرف التجارة العراقي الـ TBI بشأن منح القروض، وطرق فرض الفوائد، فيما كشف عن قرض تم منحه بطريقة "غريبة" ورجح أن تكون هناك اياد أجنبية تسيطر على المصرف لأغراض خاصة.
وقال المحسن، إن "هناك مشكلة بالتعامل ما بين مصرف التجارة العراقي الـ TBI والجمهور"، مبينا أن "ما نسمعه عن سياسة المصرف يعد أمراً كارثياً".
وأضاف، إن "المصرف منح قرضاً لأحد الزبائن بمبلغ هائل مقابل الحصول على رقم هاتف العميل فقط، وبالتالي هذا يؤشر على وجود معاملات "مربية" التي يقوم بها الـ TBI".
وتابع: "يفترض بهكذا مصرف عندما يقوم بمنح قروض لاسيما عندما تكون بمبالغ طائلة فلابد من ان تكون هناك دراسة جدوى اقتصادية والتي تشتمل فترة استرداد المبلغ الذي سوف يقام عليه المشروع، لكن هذا الامر غير موجود لدى المصرف".
وبشأن الفوائد التي يحددها المصرف، أوضح الخبير الاقتصادي، أن "الفوائد جيدة لكنها تشهد اعفاء البعض (خاطر من خاطر)، اي بطريقة المحاباة لبعض الشخصيات التي قد تكون مؤثرة بالدولة كأن يكون عضو مجلس نواب أو وزير او مدير عام".
وبين المحسن، إن "مصرف الـ TBI وحسب ما يشاع عنه ان هناك اياد أجنبية تديره بالإخفاء، وما وراء الكواليس هناك من يسيطر على المصرف لأغراض خاصة"، لافتا الى أن "الغريب بالأمر أن مصرف التجارة العراقي هو المصرف الوحيد الذي يضم موظفين بصفة عقود ومن الممكن انهاء العقود باي لحظة"، معتبراً "هذا التصرف أمراً مريباً".