جدل عراقي كبير بشأن طبيعة الاتفاق مع تركيا.. ما قصة "المنطقة العازلة" وهل ضمنت بغداد حصتها من المياه؟
انفوبلس/ تقرير
لا تعتبر المحادثات التي شهدتها العاصمة العراقية بغداد، الخميس الماضي "حدثا اعتياديا" بين العراق وتركيا كما ينظر إليها مراقبون من كلا البلدين، ويرتبط ذلك بما سبقها من تمهيد وتلميح وزيارات غالبيتها من العاصمة التركية أنقرة وكذلك ما أفضت إليه من اتفاقات "جدلية" بين الطرفين.
ويسلط تقرير شبكة "انفوبلس"، الضوء على زيارة الوفد التركي الى العراق والاتفاقات التي عُقدت بين الطرفين
*بداية الزيارة
وصل إلى بغداد، نهار الخميس الماضي 14 مارس/ آذار 2024، وفد تركي رفيع المستوى برئاسة وزير الخارجية هاكان فیدان، برفقة وزير الدفاع الوطني يشار غولر، ورئيس جهاز الاستخبارات الوطنية إبراهيم كالين، ونائب وزير الداخلية منير كارال أوغلو.
وكان وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين في استقبال نظيره التركي، وقال في بيان صحافي، إنهما "سيعقدان مشاورات سياسية". وقالت السفارة العراقية في أنقرة، الخميس إن "الوفد جاء لحضور اجتماع أمني يستضيفه وزير الخارجية فؤاد حسين"، وسيبحث "التعاون في مكافحة الإرهاب".
*تركيا تقدم 4 مقترحات إلى بغداد بشأن تنظيم "PKK"
ذكرت تقارير صحفية، اليوم السبت 16 آذار 2024، أن الوفد التركي الرفيع المستوى الذي زار بغداد في الأيام الماضية، قدم 4 مقترحات للجانب العراقي بخصوص تنظيم "PKK" الذي أعلنه البلد العربي "تنظيماً محظوراً" لأول مرة في تاريخ البلاد.
وقالت صحيفة "حرييت" التركية في تقرير، إن الوفد التركي المتوجه لبغداد حمل معه أربعة مقترحات "ملموسة وفعالة" للتعاون الأمني بين البلدين من أجل مكافحة وجود عناصر التنظيم المذكور، حيث إنه بعد الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين البلدين لإخراج "PKK" من الأراضي العراقية.
المقترحات التي تحدثت عنها "حرييت" هي: أولاً، إنشاء مركز عمليات مشتركة بين البلدين من أجل إدارة المرحلة الأمنية. والمقترح الثاني يتعلق بمناطق القواعد العسكرية عبر إنشاء مناطق قواعد على أعماق تتراوح بين 30 و40 كيلومترا على الحدود التركية مع العراق.
أما المقترح الثالث فيشمل جعل مناطق هاكورك ومتينا وزاب وغارا مناطق آمنة وضمان أمنها، أسوة بتلك التي أُنشئت في سوريا سابقا. ويتعلق المقترح الرابع بالحدود السورية من خلال اتخاذ خطوات ملموسة للحد من عبور عناصر "PKK"، وذراعه السوري "ي ب ك" على الحدود العراقية السورية.
وأضافت مصادر "حرييت"، أنه مع اتخاذ هذه الخطوات، سيتم إغلاق منطقة عمليات المخلب، فيما ستستمر العمليات الجوية في منطقة قنديل، حيث انخفض وجود "PKK"، وكذلك في منطقة أسوس، حيث ينتشر في الآونة الأخيرة.
وبينت الصحيفة، إن بنية "PKK" في شمال العراق وخاصة في السليمانية ما زالت موجودة وتمثل مشكلة بالنسبة لتركيا، وسيتم تبادل وجهات النظر حول هذه القضية خلال محادثات بغداد، مؤكدة أن تركيا ستتخذ خطوات جديدة في هذا الصدد بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية والاستخباراتية.
"منطقة عازلة"
وتوصلت تركيا والعراق، الخميس، إلى اتفاق أمني يقرّبهما من إقامة "منطقة عازلة" على الحدود بين البلدين، مما يضيق الخناق على تنظيم "PKK" الذي تكافح أنقرة ضده منذ عقود.
جاء ذلك على هامش مباحثات الوفد التركي الذي وصل بغداد، الخميس، وضم وزير الخارجية هاكان فیدان، ووزير الدفاع يشار غولر، ورئيس جهاز الاستخبارات إبراهيم كالين، ونائب وزير الداخلية منير كارال أوغلو.
وعقد الجانبان مشاورات أمنية بشأن العمليات العسكرية ضد PKK، ناقشت تحويل المنطقة التي تتوزع فيها القواعد التركية في إقليم شمالي العراق إلى حزام أمني يصل إلى جميع المناطق التي ينشط فيها الحزب المحظور، بما في ذلك جبل قنديل.
واستخدم مصدر عبارة "المنطقة العازلة" في حديثه عن هدف العملية العسكرية، وأن أنقرة تريد أن تمتد هذه المنطقة بعمق يتراوح بين 30 و40 كيلومتراً على غرار ما تفعل في سوريا، لقطع الصلة بين PKK في العراق وميليشيات "ي ب ك" في شمال سوريا.
كما ذكرت مصادر تركية، إنه جرى التوصل، على هامش المباحثات، إلى اتفاق أمني يقرّب من إقامة "منطقة عازلة" على الحدود بين البلدين، تشمل تحويل المنطقة التي تتوزع فيها القواعد التركية في إقليم شمال العراق إلى "حزام أمني" يصل إلى جميع المناطق التي ينشط فيها العمال الكردستاني، بما في ذلك جبل قنديل، وامتداد العمليات العسكرية التركية لملاحقة "العمال الكردستاني" جنوباً إلى أسوس على مسافة نحو 200 كيلومتر من الحدود التركية.
وعلى الرغم من حديث تركيا عن أن غايتها ملاحقة حزب العمال الكردستاني، فإن سياسيين يرون أن الغاية الأساسية تبتعد عن ذلك، وتمثل محاولة لإنشاء وجود دائم لأنقرة في العراق.
وبحسب مصادر تركية، فإن المباحثات أسفرت كذلك عن إنشاء لجان دائمة مشتركة تعمل في مجالات مكافحة الإرهاب والتجارة والزراعة والطاقة والمياه والصحة والنقل.
ومن جانبه، يرى المحلل السياسي، إبراهيم السراج، أنّ المباحثات التي أُجريت في بغداد تمهّد لزيارة مهمة لأردوغان في الشهر المقبل. ويضيف السراج، أنّ "الملفات التي تمت مناقشتها مهمة على الصعيدين العراقي والإقليمي، كونها قضايا أمنية واقتصادية، ولكنّ الأبرز هو بحث وجود العمال الكردستاني في شمال العراق وآلية منح الشرعية لوزارة الدفاع التركية لقصفه".
ويلفت المحلل السياسي إلى، أن "تركيا تحاول استغلال طبيعة الخلافات بين بغداد وأربيل لتنفيذ خططها عبر الضغط في ملف المياه، وأيضاً النفط وتوقُّف تصديره من أراضي إقليم كردستان عبر ميناء جيهان التركي بفعل تداعيات حكم تحكيم دولي صدر لمصلحة بغداد، ما أثّر بشكل كبير على اقتصاد البلاد".
أما الخبير الأمني المقيم في أربيل، معتز النجم، فيرى أنّ "قرار بناء المنطقة العازلة ستكون له تبعات كبيرة على صميم عمل حزب العمال الكردستاني ونشاطاته من جهة، وكذلك سيؤثر على أكراد سوريا وإقليم كردستان ما دام بينهما مشتركات، من جهة ثانية".
ويقول النجم، إن "على تركيا أن تدرك أن المنطقة العازلة سوف تؤثّر على الجميع، باعتبار أن نشاط حزب العمال الكردستاني، وإن اختلفت عليه بعض الجماعات والدول، فهو نشاط يجب أن يُعالج سياسياً وليس عسكرياً؛ لأن التحرّكات التركية أصبحت تشكل خطراً أمنياً على المدنيين في الإقليم".
ويتابع، إن "تأثيرات المنطقة العازلة ليست فقط أمنية وإنما اقتصادية، وربما مستقبلاً سنشهد تداعياته أكثر ليس فقط على العراق، وإنما على سوريا وباقي دول المنطقة".
ويرى بعض السياسيين، ان تركيا اعتدت على العراق في كثير من الملفات، منها التوغل العسكري شمالي البلاد، وكذلك استخدامها لورقة المياه كوسيلة ضغط على العراق، حيث يقول النائب عن ائتلاف دولة القانون ثائر الجبوري، ان "تركيا قامت بالاعتداء على العراق عندما قامت بأنشاء سدود على نهري دجلة والفرات، وهذا الامر مخالف للقانون الخاص بالدول المتشاطئة".
ويبين، إن "هناك إمكانية لاستثمار الملف الاقتصادي كورقة ضغط على تركيا لتحقيق اعلى قدر ممكن من المصالح للعراق"، لافتا الى ان "ملف المياه يجب ان لا يركن عن المفاوضات التي ستجري بين العراق وتركيا حول طريق التنمية، وكذلك في زيارة الرئيس التركي للبلاد بعد شهر رمضان المبارك".
وعلى السياق ذاته، عدّ المحلل السياسي حازم الباوي، ان استخدام تركيا بملف المياه ضد العراق، بمثابة تعطيش للعراق. ويقول ان "ما فعلته تركيا من تعطيش، يحتم على العراق استخدام الورقة الاقتصادية للضغط على تركيا بموضوع المياه وغيرها من المواضيع"، مشيرا الى ان "استخدام أردوغان لأسلوب التعطيش، هو بمثابة ابادة جماعية ضد الانسان والبيئة، وهذا الامر مخالف لميثاق الامم المتحدة".
وشهدت العلاقات بين أنقرة وبغداد توترا في السنوات الأخيرة على خلفية ملفات عدة، ولا سيما المياه والطاقة والعمليات العسكرية التركية في شمال العراق، حيث يتهم العراق تركيا ببناء سدود تتسبب في انخفاض منسوب نهري دجلة والفرات في وقت تعاني فيه البلاد من جفاف حاد.
كما لم تُستأنف بعد عمليات تصدير نفط إقليم شمالي العراق عبر ميناء جيهان التركي منذ أن أغلقت تركيا خط الأنابيب قبل عام بعدما أمرت محكمة تحكيم أنقرة بدفع نحو 1.5 مليار دولار تعويضات لبغداد بسبب نقل النفط من "شمال العراق" دون موافقة الحكومة العراقية.
كذلك، تنفذ تركيا منذ 2019 سلسلة عمليات عبر الحدود في شمال العراق ضد "PKK" الإرهابي أطلق عليها اسم "المخلب"، في وقت سجل العراق، أكثر من 22 ألف خرق أمني للجانب التركي تجاه الحدود العراقية، وقدم أكثر من 16 ألف مذكرة احتجاج، وذلك وفقاً للجنة الأمن والدفاع النيابية في مجلس النواب العراقي.
*التواجد التركية في العراق
قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في وقت سابق، إن بلاده ستعزز قواعدها الثابتة التي أقامتها حديثا في شمال العراق خلال الأشهر المقبلة بعد أن قُتل 12 جنديا تركيا في المنطقة.
وتتحدث تقارير موثقة من مصادر استخباراتية عن أن تركيا تمتلك 11 قاعدة عسكرية رئيسية في إقليم كردستان العراق، إلى جانب 19 معسكراً أساسياً تابعاً لها. وتتوزع تلك القواعد والمعسكرات على مناطق بامرني وشيلادزي وباتوفان وكاني ماسي وكيريبز وسنكي وسيري وكوبكي وكومري وكوخي سبي وسري زير ووادي زاخو والعمادية.
في العام 2015، أي بعد حوالي عام على اجتياح تنظيم "داعش" الإرهابي بعض مدن العراق، استحدثت تركيا، بحسب التقارير، معسكرات إضافية جديدة في مدن بعشيقة وصوران وقلعة جولان وزمار، وحوّلت معسكرها في منطقة حرير جنوب أربيل إلى قاعدة عسكرية، وقامت ببناء قاعدة سيدكان، وفتحت بضعة مقرات في مدينتي ديانا وجومان القريبتين من جبال قنديل، من أجل إحكام السيطرة على مناطق خنير وخاوكورك وكيلاشين، وبالتالي الاقتراب من مواقع تمركز تشكيلات حزب العمال الكردستاني.
ويُقدّر عدد العسكريين الأتراك (ضباط وجنود)، الموجودون في تلك القواعد والمعسكرات، بأكثر من 7 آلاف عنصر يتحركون بمساحات جغرافية واسعة تصل إلى حوالي 100 كلم في عمق الأراضي العراقية. وإضافةً إلى القواعد والمقرات العسكرية، ينشط جهاز الاستخبارات التركي (MIT) على نطاق واسع في إقليم كردستان. وبحسب التقارير، هناك 4 مقرات رئيسية له في كلٍّ من العمادية وماتيفا وزاخو وكاراباسي في مركز مدينة دهوك.
وتتنوّع مهامّ تلك المقرات الاستخباراتية، بحيث لا تقتصر على دعم الأعمال العسكرية ضد حزب العمال الكردستاني وتعزيزها، إنما تمتد إلى العمل على ملفات سياسية وغير سياسية أخرى، مستفيدة من علاقاتها الإيجابية مع بعض القوى والأحزاب والشخصيات العراقية، الكردية والتركمانية والعربية.
وبما أنَّ أنقرة ترى أنَّ الاقتصاد يمثّل أحد أهم وأبرز مرتكزات وأسس التوسع والتمدّد، فإنها لم تكتفِ بتكريس وجودها العسكري والاستخباراتي في العراق وترسيخه، إنَّما راحت تعززه بحضور اقتصادي في مجال الاستثمارات النفطية، إذ يعمل عدد من شركات النفط التركية في 8 حقول في إقليم كردستان.
ووفقاً لمصادر إعلام كردية، تملك شركة "كنل إنيرجي" حصصاً، وبنسب مختلفة، في البلوكات النفطية في الإقليم، فهي تملك 25% في بلوك طاوكي، و40% في بلوك بيربهر، و40% في بلوك دهوك، و44% بلوك بناوي، و44% في بلوك طقطق، و75% في بلوك ميران، و60% في بلوك جيا سورخ.
وتملك شركة "بيت أويل" أيضاً حصصاً في حقول جيا سورخ وبلكانة بنسبة 20%، فضلاً عن أنَّ الجزء الأكبر من أنبوب نفط الإقليم الذي يمتدّ إلى ميناء جيهان التركي يقع داخل الأراضي التركية، إذ يبلغ طوله 896 كلم، ويبدأ من حقل خورملة جنوب أربيل، ويمتدّ داخل أراضي إقليم كردستان إلى مسافة 221 كلم، حتى منطقة فيشخابور قرب الحدود مع تركيا، ويقع 675 كلم منه داخل الأراضي التركية، ويخضع لإشراف شركة "بوتاش" التركية التي تجني عوائد مالية كبيرة منه.
ولا تعمل شركات النفط التركية وحدها في إقليم كردستان، فهناك عشرات الشركات المتخصصة في قطاعات البناء والإعمار والصناعات الغذائية والدوائية والكهربائية والألبسة والتقنيات الإلكترونية، والتي تشغل حيزاً في مجمل النشاط التجاري والاقتصادي في الإقليم وعموم العراق، فضلاً عن المصارف التركية وشركات تحويل الأموال.