جدل 14 تموز يتجدد.. الحكومة ترفض الاحتفاء والشعب يحتج.. مَن يحاول تغييب ثورة الزعيم وتغطية "كوارث" الفترة الملكية؟
انفوبلس/ تقارير
لأول مرة منذ عقود، لا عطلة رسمية اليوم في ذكرى ثورة 14 تموز 1958 والتي أطاحت بالنظام الملكي في العراق وأسست للنظام الجمهوري، وهو ما تسبب بجدل واسع رافقته دعوات للاحتجاج والتنديد بقرار عدم الاحتفاء بهذه المناسبة ومحاولات تلميع فترة العهد الملكي، ووسط كل ذلك، سلّطت انفوبلس الضوء على ما جرى ولماذا رفضت الحكومة الاحتفاء بهذا اليوم مع تفصيل أحوال العراق إبان الملكية وأبرز الأحداث في تلك الفترة، من انقلابات ومجازر مرورا بالقمع وصولا للتفاوت الطبقي.
لا عطلة رسمية
في الأسبوع الماضي، نفت الأمانة العامة لمجلس الوزراء، تعطيل دوام يوم الأحد المقبل (اليوم) المصادف 14 تموز ذكرى إعلان الجمهورية لخلوها من قانون العطلات الرسمية.
وقال المتحدث باسم الأمانة حيدر مجيد، في حديث له تابعته شبكة انفوبلس، إن "قانون العطلات الرسمية الجديد، الذي تمت المصادقة عليه مؤخرا لا يتضمن 14 تموز عطلة رسمية، وهذا يعني أن يوم الاحد المصادف 14 تموز دوام رسمي وليس عطلة رسمية".
وكان مجلس النواب، قد صوّت في 22 أيار الجاري، على مقترح قانون العطل الرسمية في البلاد، بينها عطلة "عيد الغدير" لأول مرة.
وفي 28 من أيار صادق رئيس الجمهورية عبد اللطيف جمال رشيد، على قانون العطلات الذي يشمل نحو 11 يوما في السنة، فضلا عن العطل الرسمية العامة وهي يومي الجمعة والسبت مع إعطاء صلاحية لمجلس الوزراء بإلغاء عطلة يوم السبت عند الضرورة.
سبب رفض الاحتفاء بيوم 14 تموز
يرى المؤرخ علي النشمي أن قرار رفع عطلة الثورة من لائحة المناسبات والعطل الوطنية بأنه عمل متواصل من قبل جهات وفضائيات مأجورة أنتجت المسلسلات والأفلام لعشرين عاما، وشارك في هذا النشاط المشبوه أيضا محامون وسياسيون ومدونون وسفارات دفعت أموالا طائلة لإقامة صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي للترويج لذلك.
وأشار النشمي أيضا إلى أن "الأجندات الخارجية أوجدت مدونين ومثقفين في مواقع التواصل الاجتماعي ودرّبت صحفيين أخذوا لاحقا مواقع حساسة جدا وأصبحوا أداة فعالة لضرب هذا اليوم الوطني الذي جرى محوه من قائمة العطل" مردفا بأنه "مع ذلك يمكن القول إن الوطنية العراقية مخيفة للكثيرين، فهي مؤمنة وتحررية واجتماعية وذات منحى تقدمي وتختلف عن بقية العالم، وبالتالي فإن القضاء عليها هو أمر ضروري لأعداء العراق، وذلك من أجل تجنب تأثيراتها التي طالما أنتجت احداثا كبيرة في السابق، وأن ضرب ثورة تموز هو ضرب لهذه الوطنية ومحاولة لإطفاء شعلتها وإنتاج وطنية جديدة ممسوخة تتغنى بالملوك والاستعمار والولاء للخارج والافكار المنحرفة".
من جانبه، أكد عضو اللجنة القانونية النيابية محمد الخفاجي، عدم إمكانية إضافة أي عطلة على قانون العطل الرسمية خارج اطار مجلس النواب.
وردًا على المعلومات المتداولة عن اقدام رئيس الجمهورية على تعديل قانون العطل واضافة عطلتي 14 تموز و3 تشرين الأول الى القانون الذي تمت المصادقة عليه، قال الخفاجي انه "لا يمكن إضافة أي عطلة على قانون العطل الرسمية الذي صوت عليه مجلس النواب وتمت المصادقة عليه".
وبين أنه "في حال توجهت الحكومة او رئيس الجمهورية لإضافة أي عطلة على القانون، فيجب إعادة رفع القانون الى مجلس النواب لقراءته قراءة أولى وثانية والتصويت عليه ويسير في المسار التشريعي المتعارف عليه لتشريع القوانين، ولا يمكن إضافة تعديل دون تصويت البرلمان".
قمع ومجازر.. هل كان العهد الملكي عادلا؟
بمتابعة دقيقة من شبكة انفوبلس ونظرة ثاقبة عن عراق ما قبل 14 تموز أي في العهد الملكي، وبمناسبة الحديث عن هذا الانقلاب الذي أخرج العراق من "دوحة" الديمقراطية و"روضة" السلام والطمأنينة في الزمن الملكي، لابد من التعريج على مجموعة من الحقائق التاريخية التي يحاول البعض تغييبها.
فلم تكن الملكية مرحلة ديمقراطية، إذ تم الاتفاق على الملك وعائلته بموجب رغبات أشخاص وتم اختيار المجلس التأسيسي باعتباطية اكبر، كذلك لم تجر سوى خمس تجارب انتخابية خلال ٣٦ عاما من الحياة النيابية وكانت هذه التجارب بلا اقتراع مباشر وبلا سجل ناخبين او إحصاء سكاني.
فضلا عن أنه قبل انقلاب ١٩٥٨ حدث انقلابان في ١٩٣٦ و١٩٤١ وكان لهذين الانقلابين تأثير كبير على السياسة العراقية كما ان السلطة لم يتم تداولها سلميا باستمرار فقد عزلت وزارات عديدة وحل مجلس النواب مرارا بإرادة سامية ملكية.
كما يجدر الإشارة الى ان هناك شبهة اغتيال سياسي في موت الملك الاول والثاني، أيضا لم يخل الزمن الملكي من قمع ومجازر مثل قمع الجيش العراقي للآشوريين والجنوبيين والأكراد واليهود وكانت هناك مليشيات مثل مليشيا الليفي المسيحية والمليشيات الفلسطينية التي غزت بغداد عام 1941.
كذلك، لم يخل الزمن الملكي من تعذيب وانتهاك للحريات وقد تم اضطهاد الشيوعيين وإعدام قادة الحزب الشيوعي وعلى رأسهم يوسف سلمان يوسف كما تم نفي مرجعيات دينية كبرى مثل النائيني والأصفهاني وقد اغلقت صحف وتم اعتقال صحفيين كبار كما تم حل احزاب وجمعيات سياسية.
العهد الملكي على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والصناعي
على الصعيد الاقتصادي الاجتماعي، تعمق التفاوت الطبقي في كل من المدينة والريف، وقد اتخذ هذا التفاوت أبعاداً أوسع في الريف، فالظلم الذي أحاق بالفلاحين دفع مئات الألوف منهم الى ترك ديارهم، والهجرة إلى المدينة، حاملين اليها أوضاع المجتمع الريفي الفقير والمتخلف، وكان قد بلغ التفاوت بين ملكية الإقطاعيين للأراضي الزراعية وملكية الفلاحين حدّاً لا مثيل له في أي بلد في العالم، وان 3% فقط من مجموع مالكي الأراضي الزراعية كانوا يمتلكون ثلثيها في عام 1958، وكان هناك (8) ملاكين عراقيين بحوزة كل واحد منهم اكثر من (1,000,000) دونم.
أما القطاع الصناعي فقد حرم من أموال مجلس الإعمار بحجج واهية، وظلت الشركات الاحتكارية الأجنبية تحتكر معظم تجارة التصدير والاستيراد.
العهد الملكي على الصعيد السياسي
اما على الصعيد السياسي مارست الحكومات المتعاقبة في العهد الملكي سياسة الحديد والنار ضد التظاهرات السلمية، والمطالب الفلاحية، وارتكبت المجازر الدموية، وصادرت الحريات العامة والشخصية، وزجت المئات بل الآلاف من خيرة أبناء الشعب العراقي في السجون والمعتقلات مستخدمين معهم التعذيب ونزع الجنسية العراقية. كما نُفذت الإعدامات بعد محاكمات جائرة بحق العديد من المناضلين البواسل وفي طليعتهم قادة الحزب الشيوعي فهد- حازم- صارم، وعُلّقت جثامينهم في الساحات العامة، وراح الحكم الملكي يتآمر ضد الدول العربية، وسعت قياداته بكل قواها الى ربط العراق بالأحلاف العسكرية، فانضمت الى حلف بغداد، بعد بطشها بالشعب وقواه الوطنية، وبذلك فضحت نفسها أكثر فأكثر باعتبارها فئة عميلة للاستعمار.
وكان موقف العهد الملكي مخزياً من العدوان الثلاثي على مصر في 29 تشرين الثاني 1956، فاندلعت انتفاضة تشرين وتوجت بانتفاضة الحي الباسلة في نهاية العام.
دلالات راهنة وراء تغييب ذكرى ثورة 14 تموز
إلى ذلك، يقول سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي رائد فهمي، إنّ البعض يحاول اختزال 14 تموز الى عطلة رسمية من عدمها، والموضوع أكبر بكثير، وهذا يستبطن تقييما معينا لثورة تموز وموقفا منها وممّا جاءت به من إنجازات وتحولات. إذن، هذه دلالة سياسية راهنة وليست من الماضي، بل تعكس قراءة معينة للتاريخ، لكن بمنظار اليوم وتحدياته.
وأضاف فهمي، أن ما حصل في 14 تموز هو ثورة بكل المقاييس للتعاريف العلمية. نعم، بدأت بانقلاب عسكري، لكن في نفس اليوم تحولت إلى حركة جماهيرية غير مسبوقة في تاريخ العراق. وقد تكون هناك بعض الممارسات التي رافقتها، لكنها لا شيء قياسا بالتحولات الثورية في بلدان العالم، لافتا الى انه اذا تحدثنا عن الثورة الفرنسية باعتبارها مقياسا وما زال الشعب الفرنسي يحتفل بها، فقد ذهب ضحيتها مئات الآلاف وبأشكال مختلفة من القمع والعنف الداخلي الذي تبنته السلطة الثورية. في حين أن هذا الأمر لم يحدث في العراق. ومع ذلك مثّلت الثورة الفرنسية اليوم الوطني لفرنسا، الذي يحتفل به اليمين واليسار.
ونوه فهمي، الى أن "ما حدث في العراق من حوادث رافقت ثورة 14 تموز، لم تكن من ضمن سياسة تنظيم الضباط الاحرار. والجميع يعترف ان عملية اغتيال الملك قام بها أحد الضباط بشكل انفعالي. وكان المخطط ان يتم اعتماد نهج مثلما حصل في ثورة مصر، وإبعاد الملك الى خارج البلاد، وهذا الامر لم يحصل. لكن ان تختزل ثورة تموز بحدث معين فقط، فهذا لا يعني تقديم قراءة موضوعية، إذ أقدمت الثورة على خطوات وإجراءات غيّرت من الواقع الاجتماعي والاقتصادي في العراق. وهي لم تأت لتغيير سياسات جزئية".
دعوات احتجاجية
لاقى قرار إلغاء عطلة 14 تموز استهجانا شعبيا واسعا، ورفض كبير لمحاولات تغييب واحدا من أهم الأحداث في تاريخ العراق، وبهذا الصدد، دعت اللجنة الوطنية لتخليد ثورة 14 تموز إلى تظاهرات منددة ستنطلق عصر اليوم الأحد وسط بغداد.
ودعت اللجنة، الجميع للمشاركة في المسيرة الجماهيرية التي ستنطلق الساعة السادسة من مساء اليوم وسط العاصمة بغداد وبالتحديد في ساحة النصر.
وتأتي الوقفة، تنديدا بقرار عدم الاحتفاء بهذا اليوم وللمرة الأولى في العراق، وسط دعوات شعبية وسياسية أيضا بضرورة عدم تغييب هذه المناسبة، وعدم تلميع فترة العهد الملكي كونها لم تكن وردية كما يروج له البعض.