حرب بيانات ووثائق بين النائب مصطفى سند ومجلس الوزراء.. انفوبلس تستعرض جدلية ترميم 10 فلل رئاسية بــ26 مليار دينار
انفوبلس/ تقرير
البعض يقول إنها قصة فساد جديدة والآخر يفيد أنها عملية صيانة وتأهيل شاملة، بسبب شغلها سابقا من قبل بعض الوزراء والنواب، قضية جدلية في العراق طرفها الأول النائب مصطفى جبار سند والطرف الثاني الحكومة العراقية برئاسة محمد شياع السوداني، تدور حول ترميم 10 منازل رئاسية، فهل المبلغ المخصص لذلك 26 مليار دينار مبالغ به؟ وماذا تقول وزارة التخطيط؟
*بداية القصة الجدلية
كان النائب مصطفى جبار سند، قد نشر يوم الأحد الماضي 18 شباط/ فبراير 2024، وثيقة تظهر تخصيص 26 مليار دينار لترميم وتأثيث 10 منازل حكومية، وهو رقم وُصِف بالضخم والمبالَغ به.
سند قال في تغريدة مع وثيقة اطلعت عليها شبكة "انفوبلس"، "مكتب رئيس الوزراء، شنو الفلم؟ ترميم عشر بيوت ب٢٦ مليار دينار؟ يعني ترميم البيت الواحد ب٢ مليار و٦٠٠ مليون دينار، وزارة التخطيط اعتذرت كون المنازل ما بيهن شي وذكرت أن الأسعار مبالغ بيها والمالية اعتذرت عن التمويل إلا بعد تعديل الموازنة، لكن ضغط المكتب ولوبيّاته مرّر المشروع".
بعد ذلك، أصدر الناطق باسم الحكومة العراقية باسم العوادي، أمس الاثنين، بيانا ورد لـ"انفوبلس"، جاء فيه، إنه "بعد تداول وثيقة على منصات التواصل الاجتماعي تشير إلى تأهيل عدد من (الدور)، فقد اقتضى التنويه إلى أن الحكومة قد ارتأت تأهيل شامل لبعض المجمعات الرئاسية والتي تضم عدداً من دور الضيافة الكبرى والتي شُغلت سابقا من قبل بعض الوزراء والنواب مما جعلها بحاجة الى إجراء عملية صيانة وتأهيل شامل".
وأضاف، إنه "قد أعدَّت وزارة الإعمار والإسكان الكشوفات المطلوبة ووفقا لمحدداتها السعرية والفنية، وعرضتها وزارة التخطيط على مجلس الوزراء لإقرارها وحصلت الموافقة بقرار المجلس الموقر في 2024/2/7"، مبينا، "نأمل توخي الدقة في نقل المعلومات وتفويت الفرصة على من يسعى إلى تزييف الحقائق ويُسيء لسمعة بلدنا العزيز".
ليعلق النائب مصطفى سند على البيان الحكومي الذي ورد لشبكة "أنفوبلس"، بالقول، "الحكومة تعترف، وتتعصب".
اعتراض وزارتي التخطيط والمالية على طلب مكتب رئيس الوزراء بترميم منازل بقيمة 26 مليار دينار
كما نشر بعدها، النائب سند، اليوم الثلاثاء 20 شباط/ فبراير 2024، وثيقة محضر داخلي لوزارة التخطيط، تضمنت ملاحظات عن مدى ضخامة المبلغ ووصفت التقديرات التي قدرتها الإعمار والإسكان بأنها عالية مقارنةً بأسعار السوق.
وقال سند تعليقا على الوثيقة، " ما نبات على العيلة، أريد الصبح مكتب رئيس الوزراء يتريگ بهاي الوثيقة، التي تثبت المخالفة الكبيرة التي اقترفها بترميم 10 منازل (ڤلل) بقيمة 26 مليار دينار، واعتراض وزارتي التخطيط والمالية على الصرف!.. للعلم أن مئات من موظفي الدولة تغلفوا بالسجون لمخالفات أقل من هذه المخالفة".
الوثيقة تكشف أن مكتب رئيس الوزراء طلب تأثيث المنازل الرئاسية بقيمة 7.9 مليار دينار، وفقا لمصطفى سند، الذي أكد بالقول إن "المئات من موظفي الدولة سُجِنوا على مخالفات أقل من هذه".
وعبر قناته الرسمية على التليكرام، قام النائب مصطفى سند بنشر تعليق الكاتب العراقي علي مارد الأسدي، حول هذه القضية الجدلية، حيث قال الأخير، "لا أجد أن الوثيقة التي كشف عنها النائب الاستاذ سند الذي يمارس دوره الرقابي تستدعي هكذا بيان متحامل من الناطق باسم الحكومة!.. أنا لم أفهم أين هو (تزييف الحقائق) والبيان يعترف بصحة الوثيقة؟".
وتابع الأسدي، "ألا تلاحظون أن عبارة (يسيء لسمعة بلدنا العزيز) تعيدنا لأيام تخوين المعترضين والمعارضين وتكميم أفواه الناقدين بهذه الذريعة؟!، وبغض النظر عن ملاحظاتنا حول ارتفاع التكلفة، وكذلك جدوى القمم العربية والموقف العرب الطائفي من العراق الجديد، فضلا عن عقد القمة وتحمل تكاليفها في بغداد، فمن العجب أن يشير البيان إلى أن الحاجة للصيانة سببها شغل هذه المباني من وزراء ونواب، وبالتالي يفترض أن يتحملوا هم تكاليف إعادة التأهيل، لا أن تُدفع من موازنة الشعب وتُقتطع من قوت الفقراء".
وادناه رد النائد مصطفى سند على الشاعر العراقي وليد الخشماني:
80 مجمعا رئاسيا في العراق!
وتشير التقديرات المتوفرة إلى نحو 80 مجمعا رئاسيا شُيِّد في عموم مناطق العراق بتصاميم مختلفة هي الأفضل على مستوى العالم من الناحية الهندسية والعمرانية، وتمتلك قيمة حضارية ومادية نادرة، وهي ملك الشعب، لكنها فقدت الاهتمام الاقتصادي والمادي من الدولة بعد 2003، حسب الباحث الاقتصادي إبراهيم المشهداني، وقد مهّد هذا التراخي استغلالها لأغراض شخصية وحزبية من شخصيات تتمتع بنفوذ سياسي وحكومي.
وأخطأت الحكومة العراقية -على حد تعبير المشهداني- باعتمادها سياسة اقتصادية خاطئة، وتجاهلها استغلال عقارات الدولة، وتوظيفها لدعم ميزانية الدولة بما لا يقل عن 10 مليارات دولار أميركي سنويا، لاسيما قصور صدام، التي كان من الممكن أن تتحول إلى مناطق سياحية مثل الموجودة في محافظة بابل (جنوب بغداد)، مستغربا بيع بعضها بأبخس الأسعار في وقت يبلغ الثمن الحقيقي للبعض منها نحو مليار دولار أميركي؛ لأنها مصممة بأفضل الخرائط والتصاميم الهندسية.
ويرى المشهداني أن اعتماد العراق على سياسة اقتصادية عرجاء، وعدم اهتمامه بالسياحة بالمستوى المطلوب، وحصر مصادر الثروة بمصدر واحد، وهو النفط، جعله يفقد الكثير من المصادر المالية؛ لينتج عن ذلك الأزمة الاقتصادية الحالية.
ولكي يتمكن العراق من اجتياز أزمته الاقتصادية الحالية، عليه استغلال قصور صدام بتحويلها إلى متاحف -كما يقترح المشهداني- أو بيعها بسعرها الحقيقي بعيدا عن الاستغلال السياسي من بعض السارقين والفاسدين بطرق "ملتوية واحتيالية"، محذراً في الوقت نفسه مما أسماها بـ"منظومات فساد" باتت تمتلك الخبرة والإمكانية للاحتيال على الدولة والقوانين، وتستثمر مثل هذه المواقع لأغراض خاص.
كما يشبّه المحلل السياسي سوران علي، إشغال قصور صدام والمباني الحكومية من الأحزاب والشخصيات السياسية، وعدم إخلائها وإعادتها إلى الدولة بعد مرور أكثر من 20 عاما على سقوط النظام البائد، بأحد أبرز مظاهر الفساد المستشري في البلاد، معتبرا أن التغافل عن هذه الظاهرة وعدم محاسبة المسؤولين عنها أو مفاتحتهم في الموضوع، وإجبارهم على ترك تلك القصور والمباني، تقاعس واضح وتقصير بيِّن، مطالبا بضرورة العودة إلى حكم القانون والقضاء، وعدم التساهل مع أي أحد إن كان العراقيون يبغون دولة القانون والمؤسسات، التي نادَوا بها قبيل إسقاط النظام البائد.