رئيس الجمهورية ينافس منظمات المجتمع المدني.. يدير منظمة غير حكومية برئاسته وعضوية زوجته! (وثائق)
انفوبلس/ تقارير
منظمة غير حكومية برئاسته وعضوية زوجته، وإجبار لموظفي رئاسة الجمهورية بتسيير أمور المنظمة خارج أوقات دوامهم، وهو ما قاد العديد من الأوساط إلى اتهام رئيس الجمهورية عبد اللطيف جمال رشيد باستغلاله المنصب وإهداره المال العام، بعد افتتاحه "مؤتمرا معنيا بالثقافتين العربية والكردية في بغداد" قبل أن يتبين أنه سخّر موارد الرئاسة لصالح أنشطة تلك المنظمة، بل إنه خصص عقارا في العاصمة وهو أحد الدور التراثية ليكون مقرا لهذا النشاط، الأمر الذي عُـدَّ مخالفةً للعُرف الخاص برؤساء الجمهورية، ومنافسة لعمل منظمات المجتمع المدني، فما هي تفاصيل هذا المؤتمر؟ وما الذي كشفت عنه الوثائق والصور؟
مركز ثقافي بمعية الفكاك
لعلّ الكشف الأول لهذا الملف يبدأ بما أظهرته الوثائق التي تابعتها شبكة "انفوبلس" والتي بيّنت قيام رئيس الجمهورية وزوجته بمعية وزير الثقافة أحمد الفكاك، بتأسيس "المركز الثقافي العربي الكردي"، الحاصل على شهادة التسجيل من دائرة المنظمات غير الحكومية بتاريخ 23 تشرين الأول أكتوبر الماضي، والذي يحظى علناً برعاية رئيس الجمهورية منذ بدء نشاطه.
كما حصلت شبكة انفوبلس، على صور خاصة لتحضيرات المؤتمر الذي عُقد اليوم السبت، حيث رصدت الصور تجهيز القاعة في مجمع “قرية دجلة” السياحي، بالأعلام والشاشات، ويجري فيها اختبار لعرض كلمة رئيس الجمهورية.
قاعة في قرية دجلة
ويقول مصدر في رئاسة الجمهورية، إن “رئيس الجمهورية عبداللطيف رشيد، قام بتأسيس المركز الثقافي العربي الكردي، العام الماضي، وتسنم هو رئاسة المنظمة بعضوية زوجته شاناز إبراهيم ووزير الثقافة أحمد فكاك البدراني".
ويضيف المصدر، إن “المركز عقد اليوم السبت، مؤتمرا كبيرا جرى الإعداد له قبل مدة، وجرى حجز قاعة في قرية دجلة، وكان بحضور رئيس الجمهورية ومشاركته، وقد جرى تنفيذ الأمور اللوجستية الخاصة بالمؤتمر من قبل موظفين في رئاسة الجمهورية".
ويوضح، إنه “تم إيفاد موظفة إلى لبنان لغرض طبع الكراسات والبروشورات الخاصة بالمؤتمر، فضلا عن تكليف موظفين في قسمي التشريفات والإعلام التابعين لرئاسة الجمهورية بكتابة بيانات المركز وأخباره والتحضير للمؤتمر".
دار أثري للمركز في الكريعات
ويؤكد المصدر في رئاسة الجمهورية، أنه “تم تخصيص دار أثري للمركز، وهو منزل الشاوي التراثي، الواقع في منطقة الكريعات، التي تشهد ارتفاعا جنونيا في أسعار عقاراتها".
يشار إلى، أن المركز يزاول أعماله في بغداد والسليمانية، وأغلب جلساته حضرها رئيس الجمهورية، وأكد في كلماته وبياناته الخاصة فيه، بأنه مستقل وبعيدا عن أي انتماء حزبي، وأن هدفه هو مزج الثقافتين العربية والكردية في العراق والانفتاح ودعم المثقفين والفنانين.
مخالفة للعُرف الأخلاقي
وبالحديث عن الموضوع، قال الخبير القانوني عدنان الشريفي، إن "القانون لا يمنع رئيس الجمهورية من تأسيس منظمة، لكن ذلك يخالف العرف الأخلاقي".
وبيّن الشريفي، إن “العرف الأخلاقي، هو مصطلح دبلوماسي عالمي خاص برؤساء الجمهورية، حيث يمنعهم من ممارسة أي أنشطة لا تخدم المصلحة العامة للبلاد”، مبينا أنه “كان من الأجدر برئيس الجمهورية تبنّي أي مؤسسة من مؤسسات الدولة أو غيرها لتنفيذ ما يريده بشأن الثقافة العربية الكردية".
وأضاف، إن “الدستور حدد الرئاسات بالتنفيذية والتشريعية والقضائية، ورئيس الجمهورية ضمن السلطة التنفيذية، لذا لا يمكنه أخلاقيا ممارسة هذه المهام، فهو حامي الدستور".
فوضى الأعراف الدبلوماسية
وبشأن مشاركة وزير الثقافة بهذا الأمر، يبين أن “هناك فوضى بالأعراف الدبلوماسية في العراق، فالوزراء لا يعرفون صلاحياتهم ولا حدودهم، والآن رئيس الجمهورية كذلك، فهو يرتكب خطأ أخلاقيا".
يذكر أن رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد، تسنم منصبه في تشرين الأول أكتوبر 2022، بعد أزمة سياسية امتدت لأكثر من عام بين الإطار التنسيقي والتيار الصدري، حيث سعى الأخير لتشكيل الحكومة، قبل أن ينسحب من البرلمان ويشكلها ائتلاف قوى الدولة، الذي يجمع كافة القوى السياسية في البلاد.
يشار إلى أن العراق يزخر بمئات المنظمات المدنية، والتي تعمل بكافة التوجهات والتخصصات، الثقافية والفكرية والفنية، وأغلبها تزاول مهامها عبر التمويل الذاتي، فضلا عن الاتحاد العام للأدباء والكُتاب، الذي يعنى بكافة الأمور الأدبية وبكافة اللغات ومنها الكردية، ولديه دار نشر خاصة به، ويشارك بجميع المعارض الداخلية والخارجية، إضافة إلى أن وزارة الثقافة تضم دائرة للثقافة الكردية، ورغم كل ذلك، عمد رئيس الجمهورية على هذه الخطوة التي قال عنها مختصين بأنها قفز على المهام.
تضارب مصالح
من جانبه، يبين رئيس جمعية الدفاع عن حرية الصحافة في العراق، مصطفى ناصر، أن “ما أقدم عليه رئيس الجمهورية، يعتبر تضارب مصالح، فهو بدلا من أن يكون راعيا لمنظمات المجتمع المدني وداعما لها في أنشطتها، اتجه إلى منافستها، حيث استغل موقعه والموارد التي تحت سلطته لتأسيس منظمته وإدارتها”.
ويوضح ناصر، إن “رئاسة المنظمة من قبل رئيس الجمهورية شخصيا، تشير بشكل واضح إلى أنه استخدم موارد الرئاسة لدعم منظمته، سواء عبر تكليف الموظفين في الرئاسة أو شبهات استغلاله لموارد الرئاسة، أضف لذلك أنها بعضوية زوجته، ما يعني أنها عائلية، وستكون عرضة لعمليات فساد".
ويتابع، إن “هذه الخطوة غير صحيحة وستخلق عرفا جديدا من تأسيس المنظمات من قبل الرؤساء أو المسؤولين في الدولة لمزاحمة المنظمات الأخرى وترويج ما يريدونه”، داعيا لـ”إجراء تعديل في القانون الذي أباح لرئيس الجمهورية تأسيس منظمة، وإلزامه بعدم ممارسة هذا النشاط إلا بعد انتهاء ولايته”.
استغلال موارد الرئاسة
إلى ذلك، أكد مصدر سياسي رفيع، بأن رئيس الجمهورية يجبر الموظفين لديه على تسيير أمور منظمته خارج أوقات دوامهم الرسمي.
وقال المصدر لشبكة انفوبلس، إن جميع الأمور اللوجستية للمؤتمر الذي عُقد اليوم في قرية دجلة ببغداد، تم تنظيمها بواسطة فريق من رئاسة الجمهورية – من طباعة البوسترات إلى تصميم الشعارات وغيرها.
وأضاف، إن هناك أنباء تفيد بتخصيص رئيس الجمهورية لميزانية ليست بالقليلة إلى هذا المركز، مطالبا بفتح تحقيق رسمي مع الرئيس وزوجته ونائبه في المركز أحمد الفكاك، لبيان مصدر تلك الأموال الممولة لهذه المنظمة لاسيما وأنها غير حكومية.