رئيس المخابرات التركي في بغداد من أجل تمرير شخصية خلفاً للحلبوسي تمثل مصالح أنقرة.. ترقب نيابي نحو مطرقة الاتحادية
انفوبلس/ تقرير
بالتزامن مع "فوضى" مجلس النواب العراقي لاختيار رئيس له خلفا للمبعد محمد الحلبوسي، وصل مدير المخابرات التركية "إبراهيم كالن" إلى العاصمة العراقية بغداد في زيارة لم يتم الإعلان عنها مسبقاً، ويُنقل عنها أنها تبحث الملفات المشتركة بين البلدين، لكن في "خفاياها" نوايا خبيثة من أنقرة تتمثل في تمرير شخصية ترأس البرلمان تعمل لمصالحها، ويسلط تقرير شبكة "انفوبلس"، الضوء على أهداف الزيارة وآخر مستجدات جلسة انتخاب رئيس مجلس النواب.
*وصول كالن
لم يعلن الجانب العراقي ولا التركي عن تفاصيل زيارة رئيس جهاز المخابرات التركية بشكل مسبق، لكنها بدأت بلقاء جمع كالن بمستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي الذي أكد بحسب بيان صدر عن مكتبه رفض الحكومة العراقية استخدام أراضي العراق منطلقاً للاعتداء على أي دولة مجاورة وفي مقدمتها تركيا.
كما التقى كالن منذ وصوله مساء أمس الاثنين 22 كانون الثاني/ يناير 2024، رئيس تحالف "السيادة" العراقي، خميس الخنجر، ورئيس الجمهورية عبد اللطيف جمال رشيد ورئيس دولة القانون نوري المالكي وغيرهم من المسؤولين.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، التقى عدد من المسؤولين العراقيين بينهم رئيس البرلمان المبعد، محمد الحلبوسي، ووزير الدفاع، ثابت العباسي، وخميس الخنجر، التقوا الرئيس التركي في أنقرة من أجل "تعزيز التعاون والتنسيق بين البلدين، ومواصلة التعاون بالخطوات المُشتركة التي يمكن اتخاذها"، وفق بيانات رسمية اطلعت عليها "انفوبلس".
الهدف الحقيقي من زيارة كالن هو الضغط من أجل تمرير شخصية لمنصب رئيس مجلس نواب يمثل مصالح أنقرة.
وبحسب مصادر سياسية مطلعة على تفاصيل الزيارة، فإن "الزيارة لم يعلن عنها إلا بعد وصول كالن إلى بغداد واللقاء مع رئيس الجمهورية"، مبينة أن "الهدف الحقيقي من زيارة كالن هو الضغط من أجل تمرير شخصية لمنصب رئيس مجلس نواب يمثل مصالح أنقرة، بالإضافة الى ملفات أخرى أبرزها أمن الحدود وآليات مواجهة مسلحي حزب العمال الكردستاني، وضبط الحدود التركية العراقية، وكذلك ملف المياه.
وهذه ليس المرة الأولى التي تدخل تركيا في الملف السياسي العراقي، ففي الانتخابات المحلية التي جرت الشهر الماضي، فقد حاولت انقرة التأثير على القرار العراقي وخاصة بمجال انتخابات مجالس المحافظات، وفي كركوك بفعل تعاون بعض الأحزاب الكردية الرئيسية، وفقاً السياسي الكردي لطيف الشيخ.
وبحسب نواب ومحللين، فإن لقاء رئيس المخابرات التركي مع الأطراف السياسية السنية وبشكل علني وبحجة حرص تركيا على استقرار العملية السياسية في العراق، إلا أنه في الواقع تكريس للهيمنة التركية على القرار السُني في العراق.
كما أن المطامع التركية في العراق، وتحديدا في محافظة كركوك الغنية بالنفط، أصبحت أمرا مصرّحا به في الخطاب السياسي التركي الذي لم يعد يتردّد في مناقشة أدق الأمور المتعلّقة بالمحافظة، بما في ذلك الطرف الأحق بتولي منصب المحافظ بمعزل عن نتائج الانتخابات الأخيرة التي فاز بها حزب الاتّحاد الوطني الكردستاني الذي سلكت قيادته الحالية نهجا سياديا لا يروق لأنقرة.
وتتخذ تركيا من قضية ملاحقة حزب العمال الكردستاني ذريعة لتبرير عملياتها العسكرية وإنشاء قواعدها في العراق، ويرى مراقبون أن تركيا تريد أن تكون قاعدتها في مدينة متينا هي الأكبر لتصبح مركز عملياتها العسكرية في العراق، ولعل ما يثير التساؤلات المواقف "غير الحازمة" من الأطراف العراقية سواء على مستوى الحكومة أو الكتل الكبيرة في البرلمان العراقي.
*جلسة رئيس مجلس نواب الجديد
يحقق البرلمان العراقي في شبهات فساد تسرّبت من كواليس جلسة انتخاب رئيس جديد للمجلس خلفا لرئيسه المعزول محمد الحلبوسي، في أحدث تطور في هذا الملف الذي يظهر حجم تعقيدات المشهد السياسي في العراق.
وجاء فتح التحقيق بعد أن أكد عدد من النواب تلقيهم عروضا مالية مقابل منح أصواتهم لـ"شعلان الكريم" المرشح للمنصب خلال الجلسة الأخيرة التي رُفِعت إثر اندلاع مشاجرة بين عدد من أعضاء المجلس.
ووجه رئيس مجلس النواب العراقي بالنيابة محسن المندلاوي، بإحداث لجنة تحقيق نيابية بشأن ما رافق جلسة انتخاب رئيس جديد للبرلمان من مزاعم حول عرض رشاوى على عدد من النواب من أجل التصويت لأحد المرشحين لرئاسة المؤسسة التشريعية.
ويترأس اللجنة رئيس اللجنة القانونية ريبوار هادي عبد الرحيم وتضم ثمانية من أعضاء المجلس، وفق وثيقة اطلعت حصلت عليها "انفوبلس".
وأثارت هذه القضية جدلا بعد تصريحات إعلامية أدلى بها عدد من نواب البرلمان العراقي أكدوا خلالها تلقيهم عروضا مالية من بعض موظفي المجلس مقابل التصويت لفائدة المرشح شعلان الكريم.
والأسبوع الماضي أعلنت هيئة النزاهة الاتحادية المكلفة بالتحقيق في قضايا الفساد الكبرى، عن البدء في التحري بشأن "مزاعم عروض رشاوى على النواب للتصويت لصالح مرشح معين لرئاسة مجلس النواب العراقي".
وذكرت الهيئة في بيان، أن "مكتب الإعلام والاتصال الحكومي أكد صدور كتاب رسمي عن دائرة التحقيقات في الهيئة موجه إلى مكاتب النواب ماجد شكنالي وأحمد الجبوري ورعد الدهلكي وحسين السعبري وعلي تركي من أجل الحضور إلى مقر دائرة التحقيقات في الهيئة والكشف عن المزيد من المعلومات بشأن التصريحات التي أدلوا بها إلى بعض وسائل الإعلام ورصدها مكتب الإعلام في الهيئة".
وتضم قائمة المرشحين لخلافة المعبد الحلبوسي كلاّ من سالم العيساوي ومحمود المشهداني وشعلان الكريم وطلال الزوبعي.
وشهدت الجلسة التي عقدها البرلمان العراقي في 13 يناير الجاري اندلاع مشاجرة بين عدد من النواب ما اضطر رئيس المجلس إلى رفعها، بينما أفضت نتائج الجولة الأولى من التصويت إلى فوز شعلان الكريم مرشح حزب "تقدم" الذي يتزعمه الحلبوسي بـ152 صوتا وحلّ خلفه سالم العيساوي مرشح تحالف 'السيادة' الذي يتزعمه خميس الخنجر، بـ97 صوتا.
وينص الدستور العراقي على "أن ينتخب مجلس النواب في أول جلسة له رئيسا بالأغلبية المطلقة لعدد أعضاء المجلس بالانتخاب السري المباشر". وبموجب نظام الحكم المعمول به منذ العام 2005 يكون رئيس الوزراء شيعيا ورئيس البرلمان سنيا ورئيس البلاد كرديا.
وكانت المحكمة الاتحادية العليا (أعلى سلطة قضائية في العراق) قد تسلمت، في 14 كانون الثاني 2024، دعوى ببطلان ترشيح شعلان الكريم لرئاسة مجلس النواب العراقي، وقد أقام الدعوى كل من النائب يوسف الكلابي والنائب فالح الخزعلي.
وتنتظر كل الأطراف السياسية ما سيصدر من المحكمة الاتحادية العليا، بخصوص قانونية جلسة انتخاب رئيس البرلمان الأخيرة وبشأن الشكاوى والطعون على مرشح حزب تقدم (شعلان الكريم) ما عليه من إشكاليات، أبزرها التمجيد للنظام البائد.
*تعديل النظام الداخلي
كما ظهر مصطلح "هيئة رئاسة" البرلمان، مجددا، بعدما تمت إضافتها بصورة "طارئة" خلال جلسة انتخاب رئيس مجلس النواب، فالخلاف على اختيار شخصية معينة للمنصب، دفع رئيس المجلس بالإنابة إلى إضافتها.
وطبقا للسياقات المعمول بها في النظام الداخلي للبرلمان فإنه كان مقررا أن تبدأ جولة التنافس الثانية على منصب رئيس البرلمان خلفا لمحمد الحلبوسي، بين أعلى اثنين حاصلين على أعلى الأصوات شعلان الكريم وسالم العيساوي، وجولة التنافس الثانية لم تعقد إلا بعد نحو ثلاث ساعات.
وبدأت الخلافات والمناوشات والمشادات حتى فاجأَ رئيس البرلمان بالإنابة الحاضرين بإضافة فقرة إلى جدول الأعمال، وهي تعديل النظام الداخلي مما يتيح التصويت على أن تكون للبرلمان هيئة رئاسة لا رئيس ونائبين.
وصوت مجلس النواب برئاسة الرئيس المبعد، محمد الحلبوسي، بتاريخ 23 حزيران 2022، على تعديل النظام الداخلي للبرلمان، حيث تضمنت التغييرات إلغاء عبارة هيئة الرئاسة. وحذف البرلمان عبارة (هيئة الرئاسة) وتبديلها بعبارة الرئيس أو أحد نائبيه، إضافة إلى تعديل اختصاصات عدد من اللجان النيابية المتعلقة بطبيعة عملها.
بدوره، أوضح الخبير بالشأن القانوني، علي التميمي، الأطر القانونية لمصطلح "هيئة رئاسة البرلمان"، وقال التميمي إن "مصطلح (هيئة رئاسة البرلمان) ألغته المحكمة الاتحادية في قرار سابق والمتمثل بـ87 لسنة 2010، فتحول المصطلح إلى رئيس البرلمان ونائبيه، ولم يعد موجودا، باعتبار أن قرارات المحكمة الاتحادية باتة، وملزمة للسلطات كافة".
ولفت إلى "تعديل هذا المصطلح من هيئة الرئاسة إلى رئيس البرلمان، ونائبيه، في النظام الداخلي للبرلمان، حيث إن المحكمة الاتحادية قالت حينها لا يوجد مثل هذا المصطلح في الدستور العراقي".
وبشأن موقف البرلمان من إعادة العمل بها، أجاب التميمي، إن "البرلمان يحاول الرجوع إلى مصطلح (هيئة الرئاسة)، إلا أن هذا الشيء غير ممكن من الناحية القانونية؛ لأن قرارات المحكمة الاتحادية وفق المادة 94 بالدستور العراقي هي باتة وملزمة للجميع السلطات".
وأكد الخبير بالشأن القانوني: "لا يمكن إلغاء قرارات المحكمة الاتحادية حتى بتشريع قانون، بالوقت الذي يجب اتباع قراراتها وتنفيذها".
ويرى خبراء في القانون أن أي قرار للمحكمة الاتحادية بات وملزم ولا يمكن التلاعب به، حتى مع تعديل قانونها المطروح في مجلس النواب. يذكر أن مجلس النواب، لم يصوت على فقرة "هيئة رئاسة البرلمان"، خلال جلسة تمرير رئيس المجلس، بدلا عن محمد الحلبوسي، بل تم تأجيلها الى الجلسات المقبلة.
وفي منتصف نوفمبر من العام الماضي، أنهت رئاسة مجلس النواب العراقي عضوية محمد الحلبوسي بشكل رسمي، بعد أن أصدرت المحكمة الاتحادية العليا وهي أعلى هيئة قضائية في العراق، قرارا يقضي بعزله من المنصب إثر شكوى تقدم بها النائب ليث الدليمي الذي اتهم رئيس البرلمان بتزوير تأريخ طلب استقالة باسمه قُدِّم سابقاً بهدف طرده من المجلس.