سرقة القرن (3) تحقيقات الجريمة تشمل مسؤولين وأعضاء في مكتب الكاظمي.. تعرف على أدوارهم في السرقة وإجراءات القضاء بحقهم
انفوبلس تجمع لك الحكاية
انفوبلس/..
لم تكن قضية سرقة الأمانات الضريبية هي قضية الفساد الأكبر المكتشفة في البلاد فحسب، وإنما لها خصوصية كونها جريمة فساد امتزجت بالخيانة، لأن ما يُستشفّ من أحداثها أن الهدف منها ليس سرقة المال العام فقط، وإنما كان من أهدافها إضعاف الثقة بالدولة ومؤسساتها والقائمين عليها.
وتعود تفاصيل قضية "سرقة القرن" إلى عام 2022، عندما استدعت محكمة عراقية مسؤولين من الهيئة العامة للضرائب للتحقيق في قضية "سرقة" 2.5 مليار دولار من أموال الضرائب المودعة في مصرف حكومي، حيث صدرت مذكرات توقيف ضد المتهمين.
وبدأت أحداث القضية خلال الفترة بين عامي 2021 و2022، أثناء تولي مصطفى الكاظمي رئاسة الحكومة، وتولت هيئة النزاهة متابعة القضية، حيث أعلن رئيسها القاضي حيدر حنون عن جهود لتنظيم "إشارات حمراء" عبر الإنتربول لملاحقة المطلوبين، الذين تتزايد أعدادهم مع مرور الوقت وتصاعد النزاعات السياسية، في الوقت نفسه، تصاعدت المطالبات بضغط شعبي كبير، ببذل الجهود لاستعادة الأموال المهربة إلى الخارج.
تعاون جوحي والموسوي
وكشف مصدر قضائي في وقت سابق، عن صدور حكم بالحبس لمدير مكتب رئيس الوزراء السابق، رائد جوحي، على خلفية دوره في قضية سرقة الأمانات الضريبية المعروفة إعلامياً بـ"سرقة القرن" على خلفية تهريبه ضياء الموسوي، والاثنان ضالعان في السرقة الكبرى.
ويقيم جوحي حالياً في الولايات المتحدة الأمريكية ويحمل جنسيتها ما أثار تساؤلات سياسية وشعبية عن إمكانية تعاون واشنطن من عدمها بتسليمه إلى القضاء.
وذكر المصدر، أن "القضاء أصدر حكماً غيابياً بالحبس لمدة سنة بحق مدير مكتب رئيس الوزراء السابق رائد جوحي مع حجز أمواله المنقولة وغير المنقولة".
ولفت إلى، أن "الحكم صدر على خلفية تهريب جوحي للمتهم ضياء الموسوي المتهم بصفقة الفساد المعروفة بسرقة القرن في الحكومة السابقة وعدم تنفيذه أمر القبض".
وكان ضياء الموسوي مديرا عاما في جهاز المخابرات العراقي، سلَّم نفسه للقضاء بعد اتهامه بـ "سرقة القرن"، وذلك بعد أن أعلنت دائرة الاسترداد في هيئة النزاهة الاتحادية، في 17 تشرين الثاني 2022، عن إجراءات ملاحقة خاصة بحق الموسوي.
كما سبق أن صدرت مذكرة قبض قضائية بحق المتهم جراء تُهم منسوبة إليه تتعلق بجرائم فساد تتمثل بتهريب النفط واستغلال منصبه الوظيفي، وجاءت مذكرة توقيف الموسوي، في تشرين الثاني 2022، بسبب تورطه في تسهيل تهريب الأموال المسروقة إلى خارج العراق.
وكشفت سجلات هيئة الطيران المدني، التي استخدمتها لجنة تقصي الحقائق، أن (علاء خلف مران) وهو السكرتير الخاص لرائد جوحي، كان يرافق بانتظام رجل الأعمال (نور زهير جاسم) المشتبه به الرئيسي بسرقة القرن، خلال سفراته الخارجية على متن "طائرة زهير الخاصة" طوال العامين الماضيين، وكان يرافقهما اللواء ضياء الموسوي.
جدير بالذكر أن رائد جوحي كان رئيساً لقضاة التحقيق في محكمة الجنايات العليا، ثم مفتشاً عاماً سابقاً لوزارتي الدفاع والخارجية، وكان أول محقق يقابله رئيس النظام البائد صدام حسين.
وبالحكم الصادر بحق جوحي بات الكاظمي في ورطة لثبوت الاتهامات الموجهة لعدد من كبار فريق عمله حين كان رئيسا للوزراء، فعمليات النهب تمت في عهده وعلى مراحل وبمساعدة (حسب الاتهامات) من مسؤولي مكتبه حيث يعتقد أنهم استفادوا من تلك العمليات وتربحوا بشكل غير قانوني.
أوامر قبض دولية
وفي 6 آب 2023، أعلن رئيس هيئة النزاهة العراقية، حيدر حنون، إن السلطات العراقية، أصدرت نشرات حمراء بحق مسؤولين سابقين كبار متورطين في سرقة ما لا يقل عن 100 مليار دينار عراقي، (حوالي 77 مليون دولار أمريكي) لكل واحد منهم، فيما يُعرف في العراق بـ"سرقة القرن"، مشيراً إلى أنه سيتم استرداد المطلوبين من دول غربية وعربية.
رئيس أعلى سلطة قضائية في البلاد معنية بشؤون تتبع قضايا الفساد، أوضح أن "النشرة الحمراء تشمل وزير المالية السابق علي علاوي، ورئيس جهاز المخابرات رائد جوحي والسكرتير الخاص للكاظمي أحمد نجاتي ومستشاره السياسي الخاص مشرق عباس باعتبارهم مطلوبين بقضية سرقة القرن، وطلب من أمريكا وبريطانيا تسليمهم.
رئيس هيئة النزاهة العراقية، قال إن الأمر يخص أيضاً المستشار السابق لرئيس الحكومة السابق، وقال إن كل فرد من المطلوبين "متورط بسرقة ما لا يقل عن 100 مليار دينار عراقي". وأضاف، إن بقاء المتورطين بسرقة الأمانات الضريبية خارج القضبان "لن يستمر".
مشرق عباس.. الاتهام والحكم والهروب
واتُهم مشرق عباس بالكثير من ملفات الفساد، لكن التهمة الأكبر هي تلك التي كانت متعلقة بسرقة القرن والتي قادت النزاهة الى مطالبته في آذار الماضي بكشف ذمته المالية لإبعاد الشكوك عنه، فرفض ذلك وهرب خارج العراق.
بعد رفضه كشف ذمته المالية، أعلنت هيئة النزاهة في آذار الماضي، صدور أمر قبض وتفتيش بحق المستشار السياسي لرئيس مجلس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي على خلفية الامتناع عن كشف الذمة المالية.
وذكرت الهيئة آنذاك في بيان تابعته شبكة انفوبلس، أن "قاضي محكمة تحقيق الكرخ الثانية أصدر أمر قبضٍ وتفتيشٍ بحق المستشار السياسي لرئيس مجلس الوزراء السابق مشرق عباس لامتناعه عن تقديم كشف الذمة المالية دون عذر مشروعٍ، بحسب تأكيد دائرة الوقاية في الهيئة".
وأضافت، أن "المحكمة قررت التحري عن أماكن إقامة المتهم؛ لتنفيذ الأمر الصادر بحقه".
بعد أمر القبض أعلاه، أعلنت هيئة النزاهة الاتحاديَّة، في ٢٣ آذار٢٠٢٤، صدور قرار حكمٍ بحقِّ المُستشار السياسيِّ لرئيس الوزراء السابق مشرق عباس، لامتناعه من كشف ذمَّته الماليَّة.
وقالت الهيئة في بيان ورد لشبكة انفوبلس، إن "محكمة جنح الكرخ المُختصَّة بالنظر في قضايا النزاهة أصدرت حكماً غيابياً يقضي بالحبس سنةً واحدةً بـحقِّ (مشرق عباس ناجي) المستشار السياسيّ لرئيس الوزراء السابق؛ جرَّاء امتناعه من الإفصاح عن ذمَّته الماليَّـة".
وأضافت أن "الدائرة القانونيَّة في الهيئة أشارت إلى أنَّ المحكمة، بعد اطلاعها على الأدلة والإثباتات في القضيَّة، وجدتها كافيةً ومُقنعةً لإدانة المُتَّهم؛ فقرَّرت الحكم عليه غيابياً بالحبس سنةً واحدةً؛ استناداً إلى أحكام المادة (١٩/أولاً) من قانون هيئة النزاهة والكسب غير المشروع رقم (٣٠ لسنة ٢٠١١) المُعدَّل".
تورط الكاظمي وهروبه
مراقبون للشأن السياسي، عبّروا عن استغرابهم لعدم ورود اسم رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي في التحقيقات والاتهامات الخاصة بجريمة "سرقة القرن" خاصة أنه مشمول بالقضية، وكان على رأس هرم السلطة التنفيذية اثناء تنفيذها، وارتبطت حلقاتها بأعضاء من مكتبه الخاص ومستشاريه المقربين.
ويؤكد المراقبون، أن "الكاظمي يعرف كل مجريات سرقة القرن، وأغلب التحقيقات توصلت الى إثباتات وأدلة تثبت تورط الكاظمي وعدد من أبرز مساعديه بالصفقة".
وفي وقت يتنقل فيه رئيس الحكومة السابق بين العاصمتين العراقية بغداد والبريطانية لندن، أطلق خَلَفه محمد شياع السوداني، حملة إقالات ونقل للمحسوبين عليه داخل الأمانة العامة لمجلس الوزراء ومؤسسات أخرى مرتبطة برئيس الحكومة، أبرزها جهازا المخابرات والأمن الوطني.
وتؤكد مصادر سياسية عراقية، أن "دولاً أوروبية، من بينها بريطانيا، كانت قد عملت على الضغط حتى آخر لحظة من أجل تجديد الولاية الثانية للكاظمي في الحكومة، كما كان هناك دعم له من لندن وباريس وواشنطن، ومن المرجح جداً أن هذه الأطراف ستكون نفسها أصبحت داعمة للكاظمي وموقفه السياسي الحالي والضغط نحو تخليصه من اتهامات تتعلق بسرقة القرن".
استعادة 400 مليار دينار
وكشف رئيس هيئة النزاهة حيدر حنون سابقاً، استعادة 400 مليار دينار عراقي من الأموال المسروقة بقضية الأمانات الضريبية، والتي تُعرف باسم "سرقة القرن". وأكد حنون، أن "الهيئة تعمل على تتبّع بقية الأموال"، مشيرا إلى، أن قائمة المتهمين "سوف تطول".
وما زال ملف القضية مفتوحاً لدى القضاء العراقي للتوصل إلى جميع خيوطه، وكذلك سبل استعادة الأموال التي تم تهريبها خارج العراق، بحسب ما صرّح به عدد من النواب والسياسيين.