شظايا صراع "لاخاني" و"ميد" تضرب كردستان.. ماذا عن أموال الإقليم في لبنان؟
انفوبلس/..
تتفاوت التقديرات بشأن الديون الكلية لإقليم كُردستان العراق؛ إذ لا توجد تصريحات رسمية عن الإقليم تخص هذا الموضوع، بالإضافة إلى أن تحديد "هوية" تلك الديون تختلف من جهة إلى أخرى.
لكن ثمة بعض التصريحات تصدر من هنا وهناك، تكشف عن المستور، مثال عن ذلك سكرتير مجلس وزراء إقليم كردستان آمانج رحيم، الذي قال خلال رده على استفسارات أعضاء برلمان الإقليم في نهاية يونيو / حزيران 2021، إن "الديون المترتبة على ذمة حكومة كردستان ارتفعت ووصلت الى 31 ملياراً و637 مليون دولار"، مبيناً أن "هذه الديون هي عبارة عن أموال استُلِمت من الشركات النفطية والقسم الآخر هو رواتب الموظفين المدَّخرة التي تم احتسابها لغاية 30/3/2021".
حكومة إقليم كُردستان أبرمت اتفاقات نفطية مع شركات عالمية، من دون رجوع أو موافقة الحكومة المركزية العراقية، في أوائل عام 2013. فهذه الديون، بحسب الأحزاب المركزية العراقية، إنما هي نتيجة السياسات المالية والنفطية لحكومة الإقليم، وسوء إدارة الموارد والنفقات العامة، إضافة إلى الفساد والمحسوبيات.
وتشير تقارير محلية ودولية إلى هدر "مخيف" في العائدات وتفاقم في مستوى الفساد، فيما تزداد معاناة الإقليم من أعباء ناجمة عن أزمة اقتصادية مزمنة، وتراكم للديون "المليارية".
ويواجه الحزبان الرئيسان الحاكمان في الإقليم، "الديمقراطي" و"الاتحاد الوطني"، النصيب الأكبر من الانتقادات واللوم على سلسلة الأزمات التي تضرب كردستان منذ أعوام، جراء سوء الإدارة و"التنافس على احتكار العائدات"، في ظل استمرار الانقسام الإداري والفساد.
*هدر مهول
تقرير لشركة "ديلويت" المكلَّفة بالتدقيق في حسابات القطاع النفطي الكردي، أثار ردود فعل غاضبة على حجم النزيف في العائدات، إذ كشف أن الإقليم "صدّر خلال النصف الأول من عام 2021 أكثر من 77 مليون برميل من النفط عبر الأنابيب، فضلاً عن 4 ملايين برميل للاستهلاك المحلي، بمعدل سعر يصل إلى 53 دولاراً للبرميل". وأوضح أن "قيمة العائدات بلغت 4 مليارات و100 مليون دولار، وحصلت حكومة الإقليم على مليار و737 مليون دولار، فيما كان المبلغ المتبقي من حصة الشركات العاملة ونفقات النقل وغيرها". وصف ذلك نواب في برلمان كردستان بأنها "معلومات مخيفة حول الهدر المهول في عائدات النفط".
وفي نهاية ديسمبر / كانون الأول 2021، كشفت رئيس برلمان الإقليم ريواز فائق عن أن "عائدات النفط الشهرية تُقدّر بـ900 مليون دولار، لكن ما يدخل إلى خزانة الحكومة لا يتجاوز 350 مليوناً!".
*لاخاني والبحر المتوسط
تقرير شركة "ديلويت" كشف أيضاً عن "إيقاف أموال تُقدّر بنحو 294 مليون دولار و310 ملايين يورو من عائدات نفط الإقليم، كانت مودعة ضمن حساب مصرفي في بيروت". وأشار إلى أن المبلغ "أُودِعَ في الربع الأول من عام 2021"، وفيما لم يذكر التقرير اسم المصرف، كشفت مصادر مطلعة بأنه BankMed SAL التابع لمجموعة البحر المتوسط اللبنانية.
وعلّق النائب عن كتلة التغيير (آنذاك) علي حمه صالح عبر فيسبوك، قائلاً إن الأموال المحتجزة في لبنان "مودعة باسم شخص يدعى مرتضى لاخاني، باكستاني الجنسية"، وزاد "تلك المبالغ المتحصّلة من العائدات النفطية تقدّر بمئات الملايين من الدولارات، إما أنها هُرّبت، أو احتُجزت، أو دُفعت كرشاوى".
ويُعدّ بنك البحر المتوسط أو بنك ميد هو بنك لبناني تأسس عام 1944 مملوكاً من قبل الشركة القابضة غروب ميد. وهو أحد أكبر خمسة بنوك في لبنان من حيث الأصول والودائع، وله 44 فرعًا في لبنان، واحد في قبرص، وواحد في جنيف.
أما لاخاني فهو عرّاب مبيعات نفط إقليم كردستان وهو وسيط النفط الباكستاني الذي كان يوماً ما وكيل شركة "جلينكور" في العراق، ويعمل الآن لدى حكومة كردستان. يتضمن عمله، الذي كان فعالاً في تحويل شحنات جزئية الى مؤسسة دولية، ترتيب الشحنات عبر خط الأنابيب إلى تركيا، والتنسيق مع التجار الدوليين الذين يسعون إلى تخطي محاولات بغداد لوقف مبيعات النفط الكردي.
*خلافات محتدمة
في تحقيق سابق أجرته وكالة "بلومبيرغ"، تقول الوكالة إن لاخاني كان يستخدم حساب شركته في بنك ميد اللبناني، بصفته غرفة مقاصة للثروة النفطية الجديدة في كردستان.
وبحسب الوكالة: "كانت علاقة لاخاني بالحكومة الكردية استثنائية بالنسبة إلى فرد عادي". فقد تعامل من خلال شركته IMMS مع المدفوعات المالية من شركة "روسنفت" الروسية، وتجار النفط مثل "فيتول كروب" و"ترافيكورا كروب". كما قام بسداد مدفوعات شركات أجنبية تدين لها حكومة إقليم كردستان بأموال، وقام بتحويل مئات الملايين من الدولارات إلى وزارة المالية الكردية نفسها. بهذه الطريقة أصبح لاخاني هو الوسيط الفعلي بين الطرفين، دون أن يبدو أن هناك أي شيء له علاقة بتجارة النفط.
في نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2017، أودعت شركة لاخاني IMMS مليار دولار أميركي في وديعة لأجل 3 سنوات لدى بنك ميد، حيث سيكون معدل الفائدة وفق ذلك 10% -أو 100 مليون دولار في السنة-، تُدفَع في حساب منفصل. لكن، بدأت الأمور تسوء عندما ضربت أزمة مصرفية لبنان أواخر عام 2020. فمع نقص الأموال في جميع أنحاء النظام المالي اللبناني، حاولت IMMS سحب مليار دولار، لكن بنك ميد منعها. دفع ذلك شركة لاخاني للقيام بإجراءات قانونية ضد "ميد " ، وبعد فترة وجيزة أنهى البنك علاقته التجارية معها، وألغى عدة حسابات.
*فضيحة كردستان
عندما حاول لاخاني استرداد أمواله بمقاضاة بنك ميد، فتح نافذة على دوره في كردستان. تُظهر الأوراق القانونية كيف امتدت أعمال لاخاني عبر صناعة النفط العالمية، وفقًا لدفتر الحساب الذي يغطي الفترة بين مارس/ آذار ومايو/ أيار 2019، حيث تدفق ما يزيد قليلًا عن 2.8 مليار دولار إلى الحساب في بنك ميد.
أدى الفشل في الحصول على الأموال من لاخاني إلى مشاكل لحكومة الإقليم نفسها، حيث لم تكن الحكومة قادرة على دفع رواتب الموظفين فيها. كما أن الخلافات السياسية بين الحكومة المركزية وحكومة أربيل فاقمت من المشكلة. تراجع دور الرجل الباكستاني في الإقليم، ووجدت أربيل منافذ أخرى تغطي به احتياجاتها، للحصول على الأموال مقابل بيع النفط بطريقة غير مشروعة.
في نهاية يونيو/ حزيران الماضي، بلغ إجمالي مديونيات حكومة كردستان لمشتري النفط 3.5 مليار دولار، وفقاً لأحدث حساباتها النفطية المدقَّقة، التي كشفت عن 620 مليون دولار عالقة من إيرادات النفط بحسابات مصرفية في لبنان، نتيجة الأزمة المالية التي تشهدها البلاد، حيث ظهرت مؤخراً أهمية الحسابات المصرفية اللبنانية لثروة كردستان النفطية للعلن بسبب المعركة القانونية الدائرة بين الشركة التي يسيطر عليها التاجر المخضرم، مرتضى لاخاني، ومجموعة البحر المتوسط BankMed SAL.
*ماذا عن أموال الإقليم؟
تخطت أزمة المصارف حدود لبنان، ووصلت شظاياها إلى العراق وتحديداً إقليم كردستان، مع تبخر ودائع بمليارات الدولارات، منها ما هو مثبّت ومنها ما لا يزال في غياهب المجهول.
وفي الرابع من أبريل/ نيسان، كشف النائب في برلمان الإقليم علي حمه صالح عن تجميد ما يقرب من 650 مليون دولار من أموال كردستان في لبنان، وقال عبر صفحته على فيسبوك "أرسلتُ في عام 2015 رسالة إلى رئيس حكومة كردستان وقلتُ فيها: بيع النفط عبر الباكستاني مرتضى لاخاني أمر خطير، لم ينصتوا لي، وفي النتيجة تم تجميد ما يقرب من 650 مليون دولار في لبنان"، موضحاً أن "الأموال المجمّدة خاصة بمرتضى، وهي إيرادات نفط الإقليم في حساب الشركة القبرصية".